‘إن جزءا من الجمهور في اسرائيل غاضب على الرئيس باراك اوباما لأنه ‘يتلوى’، ولا سيما في قراره طلب موافقة مجلس النواب على الهجوم على سورية. ويُظهر جزء آخر تفهما لبواعثه (فهو بعد كل شيء زعيم الديمقراطية الدستورية الاولى في العالم)، لكنه يزعم أن ما يلائم امريكا لا يلائم الشرق الاوسط: فـ’الزبائن’ (أي جيراننا) هنا فهمهم صعب ويرون كل اجراء ديمقراطي تعبيرا عن الضعف. وهناك من يراقبون ما يجري في سخرية وهم مشحونون بالدعاوى كحبة رمان ويقولون: كيف استيقظت امريكا بعد أن قُتل بضع مئات من المدنيين بالغاز ولم يطرف لها جفن حينما قُتل نحو من 100 ألف مدني بطرق اخرى؟ ما قيمة العدل والاخلاق في أيامنا؟ وماذا يجب أن نتعلم من ذلك عن المساعدة المتوقعة لنا من العالم المتنور حينما نقع نحن، لا سمح الله، في ازمة مشابهة؟ يطلب كثيرون في اسرائيل باسم العدل والاخلاق أن يخرج الرئيس الامريكي وفورا في هجوم على مجرم الحرب الذي يرأس الدولة السورية. إن هذا الموقف فضلا عن انه يعوزه أقل قدر من الفهم الاستراتيجي، ليس اخلاقيا. فلماذا يُوجه الى امريكا أصلا؟ في حين توجد دول اخرى في العالم جيوشها قوية ويستطيع سلاحها الجوي بسهولة نسبية أن يعاقب سورية مع أقل قدر من تعريض حياة مقاتليها للخطر. وإن طائفة منها لا توجد وراء المحيط وما يجري في سورية أشد اتصالا بها من اتصاله بمواطني الولايات المتحدة، بل توجد دول برهنت في المدة الاخيرة فقط، لا مرة ولا مرتين، على أن سلاحها الجوي يستطيع أن ينفذ عمليات كهذه في سورية بحسب أنباء اجنبية منشورة، على الأقل. ولست أقصد الدول العربية (التي تؤيد هجوما امريكيا) أو دول اوروبا (المتحفظة) بل اسرائيل. كيف يُزعزعنا عدم رغبة دولة تقع في طرف العالم الآخر في التدخل في سورية، ولا نطلب هذا من أنفسنا؟ كم من الآباء الاسرائيليين مستعدون لارسال أبنائهم وبناتهم للتدخل في سورية؟ ولماذا تفعل هذا أم في منيسوتا أو أب في كاليفورنيا؟ إن الاخلاق كما علمنا عمانوئيل كانت، كلية. فليس من الاخلاق أن يُطلب من الآخرين شيء نستطيعه نحن أنفسنا، لكننا لا نريد أن نفعله. ولقد قال حكماؤنا من قبل: لا تفعل بصديقك ما تكرهه. اذا تجاوزنا عدم النفاد الاخلاقي في هذا الموقف فانه يعبر ايضا عن عدم فهم استراتيجي، فالولايات المتحدة لم يستقر رأيها على التدخل في سورية بسبب الصور الفظيعة لمذبحة المدنيين في ريف دمشق، التي تشير الى أن المتمردين ينفذون أعمالا فظيعة مشابهة، لذا فلا يعرف الوضع على حقيقته. لا تعلم الولايات المتحدة (كاسرائيل ايضا) هل يفضي سقوط الاسد الى نظام أفضل أو اسوأ في سورية، وليست على يقين من أنه لن تحدث بعد سقوط الاسد مذابح وانتقام السنيين من العلويين تغطي على قتل المواطنين الحالي. فلماذا اذا استقر رأي الولايات المتحدة على التدخل مع كل ذلك؟ لأنها لا تستطيع باعتبارها زعيمة العالم المتنور، وباعتبارها تقوم بالفعل بعمل الشرطي العالمي، أن تسمح لكل وغد أن يستعمل سلاحا غير تقليدي. واذا تجاوز العالم في صمت الاخلال بهذا المعيار فلن يكون من الممكن بعد ذلك الحفاظ على النظام في العالم، وستجد الولايات المتحدة نفسها في مشكلات تأخذ في الاتساع في أنحاء العالم كله. وهذه مصلحة امريكية واضحة وهذا هو السبب الذي جعل الرئيس اوباما يقول قبل سنة إن استعمال السلاح الكيميائي خط أحمر. وهذا هو السبب الذي سيجعل الرئيس الامريكي حينما يحين الوقت واذا تجاوزت ايران الخط الاحمر الذري، يستقر رأيه على الهجوم على المنشآت الذرية، لا للحاجة الاخلاقية الى انقاذنا ولا بسبب العلاقة الودية مع رئيس وزرائنا، بل لأن هذه هي المصلحة الامريكية. ‘ يديعوت 10/9/2013