عمان ـ «القدس العربي»: بصورة أو بأخرى يعاقب يمين إسرائيل الأردن بين الحين والآخر على «أي خطوة اختراق» ناجحة عبر الأمريكيين أو الأوروبيين، أو بالحد الأدنى يجتهد لـ «إعاقتها».
الأهم في جزئيات الصراع الأردني المفتوح مع حكومة اليمين الإسرائيلي ليس تلك الجمل الاعتراضية اليمينية، بل وجود «آلية» تمكن مجلس الحرب الإسرائيلي من «تنفيذ» خطوات «عدائية» ضد أي اجتهادات أردنية تسعى لإحداث فارق ما في قطاع غزة. والأكثر حساسية، عبر «جيش الاحتلال» ومنظومته الأمنية اللذين طالما شكلا ذراعاً لدولة الكيان العميقة التي بقيت «مقربة» من الأردن أو «موثوقاً بها» حتى انطلقت معركة طوفان الأقصى.
مساء الأربعاء، أعلن العاهل الأردني: «لن نتراجع عن موقفنا وثابتنا في القضية الفلسطينية». ليوحي هذا الإعلان المتجدد والمكرر بأن «جهة ما» تضغط على عمان لتعديل أو تغيير مواقفها، وهي بصورة مرجحة حكومة تل أبيب، التي قال رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب لـ«القدس العربي» إنها تضم «الثالوث الشيطاني» والمقصود: نتنياهو – سموتريتش – بن غفير.
مساء الأربعاء، تواصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع نظيره الأردني أيمن صفدي، وبحثا حصراً «تسهيلات لصالح الأردن بتمرير المساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم».
«لن نقبل بأي عملية تهجير»
بعد ساعات، استقبل الصفدي مع الملك، ديفيد كاميرون وزير خارجية بريطانيا… مجدداً كررها العاهل الأردني «وقف العدوان وفوراً» ثم صرح الصفدي بشيء مماثل. في زاوية أعمق من مركز القرار الأردني إصرار «عنيد» على «وقف فوري للعدوان تحت لافتة إنسانية» والملك عاد مساء الأربعاء وكررها: «لن نقبل بأي عملية تهجير أو نزوح للسكان في غزة».
تقلصت عملياً خلال الأسبوع الماضي: «مخاوف الأردن من تهجير في الضفة الغربية» وإن كان سياسيون فلسطينيون من بينهم القيادي عباس زكي قد نصح «أصدقاء رسميين» في عمان بالانتباه؛ لأن «معادلة التهجير في الضفة الغربية لا تزال قائمة، بل تنفذ على الأرض».
وكان زكي صريحاً أكثر وهو يقترح: «الأردن مهم جداً، وموقفه واضح وقوي في إسناد الشعب الفلسطيني، لكن ينبغي أن يخلق من جديد في أعماق الأزمة المفصلية حالياً». لم تتيسر مهمة فهم وشرح تلك النصيحة بصورة ملموسة، لكن عمان دبلوماسياً لا تخفي ميلها للمنطق القائل بأن «طاقم حكومة اليمين الحالي» ينبغي أن يرحل، ومسؤول بارز همس في أذن «القدس العربي» قائلاً: «خصومتنا مع نتنياهو وقارعي طبول الحرب في طاقمه، أصبحت علنية ومفتوحة الاحتمالات».. لذلك، تقول القيادة الأردنية: «لن نتراجع عن موقفنا».
ولذلك، فإن التوجيهات المرجعية لكل الدوائر والمؤسسات واضحة بخصوص «تحويل استراتيجية دعم صمود الأهل في فلسطين المحتلة من نظرية إلى إجراء يومي».
الحوارات بشأن التفاصيل صاخبة في مقرات القصر الملكي والمؤسسات السيادية وفي رئاسة الوزراء، والمعادلة الوطنية الأردنية أوضح من أي التباس، وفكرتها «الاستمرار في الاشتباك مع سيناريو اليمين الإسرائيلي، «والأهم» مهما بلغت الكلفة». لذلك رُسمت دائرة ثوابت، وطُلب من وزير الخارجية وبقية المسؤولين التصرف تحت سقفها، وأحد السياسيين الأردنيين البارزين عندما سأله رئيس الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز، أبلغه: «الحل النموذجي الآن هو وقف الحرب على غزة لأسباب إنسانية، ثم فوراً استصدار قرار من مجلس الأمن يعترف بدولة فلسطين».
يعتقد خبراء مختصون بأن الأردن قرر بصلابة سياسية «خوض المهمة التي يحترفها ويجيدها» وهي نفسها التي تشكل «مساحة المناورة الخاصة بعمان» المفوضة بها، والمقصود «منع التهجير» بالعزف على وتر «مساعدات أكثر لأهالي قطاع غزة».
قناعة القرار الأردني راسخة بأن تدعيم صمود أهل غزة ومنع سيناريو التهجير يتطلب «تجاوز الحصار الإسرائيلي» على ملف المساعدات وتسجيل أكبر مساحات ممكنة من الاختراق في هذه المساحة.
من رحم تلك القناعة ولد سيناريو «فتح معبر جديد» بدلاً من الارتهان دوماً لمقتضيات «معبر رفح» ووجد «السيادي الأردني» ثغرة يمكن استثمارها في «إنزال مظلي» لتجهيزات مستشفيات عسكرية أردنية في القطاع بالتعاون مع الأمريكيين، وليس حكومة يمين إسرائيل.
واصلت عمان ضغوطها، كما شرح الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير مهند مبيضين، وصدر «ضوء أخضر» أمريكي بتمرير مساعدات وتحديداً «غذائية» عبر الأردن إلى معبر كرم أبو سالم، بعدما أقنعت عمان بالتنسيق مع «البرنامج العالمي للغذاء» بأن «مجاعة في القطاع» ستخلق «مشكلة معقدة» في الإقليم تتجاوز ما يفعله الحوثيون.
فتح «كرم أبو سالم»
واستجاب البيت الأبيض، ودفع في اتجاه فتح معبر كرم أبو سالم المخصص للمساعدات الأردنية، وتوجهت فعلاً أول قافلة يوم الأربعاء، والجزء الأكبر فيها «حبوب غذاء جافة» اشتراها «برنامج الغذاء الأممي» من السوق المحلية في الأردن»: عدس وحمص ومعلبات ومواد جافة وفاصولياء».
أحد المستشارين الأمميين شرح كيف دخل الملك الأردني على اجتماع أممي فني بشأن المساعدات، ملمحاً إلى أن على المنظمات الدولية تجهيز أي كميات تريد إرسالها بدون القلق من «نقلها وتأمينها» وبصيغة «نحن نتكفل بالنقل».
قرار عمان واضح في السياق، وهو «منع طاقم نتنياهو من التسبب بمجاعة» وسط أهالي قطاع غزة.
الطاقم المتشدد بتل أبيب التقط الرسالة بدوره، و»الكفيل الأمريكي» لمسار المساعدات الأردني الجديد وضع بصورة «العقاب الذي قررته إسرائيل» ضد الأردن بسبب جهده وحراكه عندما «قصف معبر أبو سالم» صباح الخميس وقتل الطاقم الفلسطيني الذي يديره بالتزامن الوقتي مع عبور أول قافلة أردنية.
لا أحد يعلم كيف سيتصرف الكفيل الأمريكي إزاء رسالة قصف المعبر باعتباره «عقوبة على الجهد الأردني». قبل ذلك، رسالة عقابية أخرى؛ فقد قصف محيط المستشفى الميداني الأردني في خان يونس. لكن ما صدر من إيحاءات عن مسؤولين أردنيين يوحي بالإصرار على الاستمرار في الاشتباك.
وما تعتقده المؤسسات الأردنية أن يمين إسرائيل يهندس فعلاً «مجاعة في غزة» لأغراض «التهجير والضغط على المقاومة».. عمان قررت احتمال «العقوبات وردود الفعل» ومسألة «التصدي للمجاعة» في صلب استراتيجية الاشتباك عشية اجتماع مجلس الأمن الجديد، مما دفع الوزير الصفدي وطاقمه وكل القنوات العميقة لاستنفار خاص الخميس، عنوانه «إجبار الإسرائيلي» على تقبل فكرة «لا إمكانية لتمرير التجويع بعد الآن».