نجحت المراسلة المدهشة الموهوبة من صحيفة ‘نيويورك تايمز’ في اسرائيل في المكان الذي فشلت فيه وسائل الاعلام الاسرائيلية: فقد كشفت عن الصورة السياسية ليئير لبيد. إن الكلام المباشر الصريح الذي قاله وزير المالية العظيم السحر لجودي رودرن بيّن المستقبل السياسي الذي يراه زعيم ‘يوجد مستقبل’ أمامه. هل كنتم تحسبون ان السياسي الجديد هو سياسي بلا ايديولوجية؟ اخطأتم، فأيديولوجية لبيد هي سلام من غير تقسيم القدس، واتفاق سياسي من غير محمود عباس، وحل الدولتين من غير تجميد البناء في المستوطنات. وخطة لبيد هي ان ينتظر عدة سنوات الى ان تُرسم الحدود الدائمة وأن يُفضل اثناء ذلك الاسرائيليون الذين سينتقلون للسكن في المستوطنات. أما في ما يتعلق بالقدس والفلسطينيين فقد تبين أن صديق ايهود اولمرت الصالح نسخة دقيقة عن بنيامين نتنياهو؛ وفي ما يتعلق بالمستوطنين، وقف ابن تومي بعيدا عن يمين بنيامين نتنياهو. تُثبت المقابلة الصحافية التأسيسية في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ أن الرجل الذي ورث ‘كديما’ في مركز الخريطة السياسية ليس من المركز السياسي. فلبيد محافظ في قميص قصير الكُم في السياسة، كما في الاقتصاد ايضا. وما يقترحه على اسرائيل ليس يسارا ولا مركزا، بل هو يمين جديد آسر. من الطيب ان لبيد نطق بحقيقته آخر الامر، فقد بان ما كان غامضا في المعركة الانتخابية. وازداد حدة ما كان مطموسا منذ تم تشكيل الحكومة. خرج الثعبان من الكيس. ومن المنطق ان نفترض ان الوضع الجديد لوزير المالية بصفته زعيم اليمين الجديد سينفعه من جهة سياسية، فهو سيزيد قوة جذبه في الجزء القومي ـ القوماني من الخريطة. وسيُمكنه من توثيق الحلف مع نفتالي بينيت، وأن يقتطع من الليكود اقتطاعا كبيرا. يستطيع ناخبو افيغدور ليبرمان وقيم ليبرمان ايضا، ان يجدوا في ‘يوجد مستقبل’ بيتا أكثر أناقة من بيت ‘اسرائيل بيتنا’ القديم. واذا سلك سلوكا حكيما فان أيقونة اليمين التل ابيبية الجديدة تستطيع ان تبتلع اليمين المقدسي القديم في حين يقترح على اسرائيل رؤية آسرة للمحافظة الجديدة الحسنة. لكن المعنى السياسي لكلام لبيد واضح، فهو يسد الطريق أمام اتفاق سياسي ولا يُمكن من اجراء من طرف واحد. وهو يعوق وزير المالية ويعترض رئيس الحكومة ويجعل الحكومة حكومة يمين قديم وجديد ومتطرف. أما صاحب الموهبة الذي جاء ليُغير فلا ينوي في الحقيقة تغيير الوضع الراهن في يهودا والسامرة. والنجم الذي وعد بالاقتطاع من نفقة مشروع الاستيطان يوشك ان يحول الى المستوطنات مليارات. وفي حين ينتظر سلاما مجردا لن يأتي، يوشك شقيق بينيت ان يدفع قدما بحلم المليون مستوطن لبينيت. ويوشك لبيد على غير عمد ومن دون ان يعلم ذلك ان يدفن نهائيا فكرة تقسيم البلاد. وبذلك تعود الكرة الآن الى ملعب الوسط ـ اليسار والى الفريق الخاسر لبرنامج العمل السياسي. اذا كانت توجد أوهام فقد زالت: ربما يكون لبيد لاعبا رائعا وربما يكون قائد فريق رائعا لكن لا في فريقنا. وربما يحرز أهدافا مدهشة لكن لا في المرمى المقابل، إن الزي الحقيقي الذي يلبسه هو الزي المجدد البراق للفريق الخصم، وانتماؤه الحقيقي هو لاسرائيل المؤمنة بالقوة. لهذا فان من يؤمنون الى الآن بأن من الواجب انقاذ الدولة اليهودية الديمقراطية من الاحتلال مُجبرون على ان ينظموا أنفسهم من جديد. واولئك الذين ما زالوا يريدون رسم حدود لاسرائيل مُجبرون على إظهار طريق جديد وفكرة جديدة. إن اجتياز لبيد للخطوط يدع في مركز السياسة الاسرائيلية فراغا ضخما يتحدى حزب العمل و’الحركة’ وميرتس والجناح اليساري من ‘يوجد مستقبل’ ايضا. وهو يُتيح فرصة ذهبية لقوى جديدة ولاعبين نوعيين يُسخنون على المقاعد استعدادا لدخول الملعب. فبعد أن زال أمل السلام الذي كان ينطوي عليه لبيد حان الوقت لأمل جديد.