خطب بنيامين نتنياهو في هذا الاسبوع خطبة أخرى عظيمة في ايباك، تحدث فيها مرة اخرى عن ايران وعن الدولة اليهودية وعن مبلغ كوننا على حق. وأعتقد بخلاف الآخرين أن نتنياهو قال كلاما صادقا. اجل، ايران؛ واجل، الدولة اليهودية؛ واجل، نحن على حق. لكن عندي أنباءا لنتنياهو: فقد أصغى اليه قليلون خارج قاعة المؤتمرات الضخمة في شارع فيرنون في ركن الشارع رقم 9. وتعب منه كثيرون ايضا في داخل قاعة المؤتمرات. فقد بدت رسالته الصادقة وكأنها رسالة من أول أمس. فهو لم يعد يقنع ولم يعد يثير الحماسة بل إنه لم يعد تشرتشليا. ولم يعد سيجار نتنياهو الذي لا يُرى، لم يعد يُرى سيجار بطولة بل سيجار محافظة بيضاء قديمة أكل الدهر عليها وشرب.
زرت في الاشهر الاخيرة 12 جامعة امريكية رائدة، وتحدثت الى آلاف واستمعت الى مئات. إن صورة الوضع لا لبس فيها وهي أننا نخسر المستقبل. فالجيل اليهودي الشاب في الولايات المتحدة أقرب الى براك اوباما من نتنياهو. وعالم قيمه هو عالم ليبرالي، وتصوره للواقع هو تصور مهادن. فهو يرفض الاحتلال رفضا باتا ويرفض استعمال القوة والعدوان على حقوق الانسان.
ما زال عند كثيرين منهم تأييد شعوري عميق لاسرائيل لكن المؤيدين ايضا مبلبلون وحائرون. ويصعب عليهم أن يُسووا التناقض بين اسرائيل ‘الفتح’ التي تجري الهرمونات في عروق شعب اسرائيل، وبين اسرائيل المستوطنين والحريديين.
لكن نتنياهو بدل أن يمد يده الى هؤلاء الشباب يدير ظهره لهم. وهو لا ينتبه الى أنه حتى في داخل قاعة المؤتمرات الضخمة المهمة لمنظمة الايباك تهب اليوم رياح جديدة. وتُشتهى رسالة جديدة. ويتم التعطش الى اسرائيل مختلفة فالطلب هو طلب تحول.
إن الذي يمزق يهود امريكا مزقا هو اعتبارات السن. فالذي يزيد عمره على 70 سنة يتذكر المحرقة وهو يلتزم لاسرائيل التزاما دينيا. والذي تزيد سنه على 50 سنة يتذكر اسرائيل الشابة ويصعب عليه أن يتحرر من سحرها. والذي تقل سنه عن 30 سنة جرب تجربة مزدوجة فهو من جهة مشدود الى اسرائيل الهاي تيك والى تل ابيب وحياة الليل، لكنه من جهة اخرى دهش بسبب اسرائيل ‘شارة الثمن’ واقصاء النساء. وحينما يلامس هذا الازدواج بيئة يسارية معادية تكون النتيجة قاسية. يشعر طلاب جامعات كثيرون في هارفارد وكولومبيا وستانفورد بأن اسرائيل الرسمية تجعل من الصعب عليهم أن يحبوها.
وهكذا فانه حين ينتشي نتنياهو بالتأييد الكاسح من المؤسسة اليهودية الامريكية ينقطع عن الواقع. فهو لا يعلم أين توجد امريكا الجديدة، وهو لا يعلم أين يوجد اليهود الشباب. وهو لا يفهم ما يجري في الجامعات التي درس هو نفسه فيها. فرئيس الوزراء الاسرائيلي الذي هو أول من يتكلم لغة انجليزية بصورة تامة يتكلم لغة امريكية ترجع الى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
إن اليهود الامريكيين من أبناء السبعين يستحقون كل إجلال. وقصص حياتهم الشخصية هي في الأكثر مؤثرة تأثيرا مميزا. وقصة نجاح جماعتهم هي قصة نجاح ضخمة. فقد انشأوا في نصف القرن الأخير وصاغوا جالية يهودية لم يوجد لها مثيل قط. فهم يستحقون وسام تقدير حقا.
لكن المشهد اليوم مختلف لأن المعركة على المستقبل اليهودي اليوم لا تجري في العليّة الفخمة بل في طبقات البيت الشابة. واذا أرادت اسرائيل أن تكون لها صلة بالولايات المتحدة فهي مجبرة على أن تُعرف نفسها من جديد. إن صهيونية القرن الحادي والعشرين مجبرة على أن تكون منفتحة وليبرالية كما كانت في ايام دافيد بن غوريون وآبا ايبان وآبا هيلل سلفر وستيفن فايس. فبصهيونية كهذه فقط يستطيع يهود امريكيون من أبناء العشرين أن يفخروا مرة اخرى. وتستطيع صهيونية تقدمية ومصممة ووطنية ونشيطة فقط أن تخرج الى امريكا الحقيقية والى اليهود الحقيقيين للاستيلاء على قلوبهم من جديد.
آري شبيط
هآرتس 6/3/2014
أليس هذا دليلاً على أن يهودَ أمريكا قد شَرَوْهُ –أي “أوباما” هذا الذي يدَّعي أن له جذورًا إيرلندية– بثمنٍ أقل بخسًا ممَّا شراهُ السودُ الأمريكيون. !!!