انطلق أول أمس مسلسل لنجدة أنزور على القنوات الرسمية السورية يحمل اسم «لأنها بلادي» مسبوقاً بوصف «الملحمة الوطنية». العمل من تأليف محمود عبدالكريم، صاحب برنامج «سوا ربينا» الذي يعرفه السوريون واللبنانيون كمسوّغ لعهد الوصاية. اسمان كافيان (أنزور وعبدالكريم) ليعرف المشاهد أي طريق سلكتْه الكاميرا. مع ذلك تولّد فضول كبير لدى المرء لاستكشاف المقصود من عبارة «لأنها بلادي» إذ ما هذا الحنان المباغت، ما هذه الرأفة المفاجئة، بعد لغة براميلية لا ترحم (نسبة للبراميل العشوائية التي نادى بها أنزور لضرب ما اعتبرها حواضن الإرهابيين!).
يُقدَّمُ المسلسل للصحافة على أنه يعرض لبطولات جيش النظام وصموده وتضحياته، وفي حلقته الأولى يقدم أخطر عناصر الجيش؛ الطيارين. البطل هو ضابط طيار، وسنتابعه في مهمة الرد على اغتيال سبعة طيارين (حسب المسلسل) من قبل «كتيبة الفاروق» في «لجيش الحرّ». يؤكد العمل أن هؤلاء يستهدفون الطيارين لأنهم يدركون أن الطيار قادر على قتل المئات منهم. لكن القصف الذي سنشهده هو لأهداف داعشية في الصحراء، لا تشبه بلباسها وظهورها الخارجي «الجيش الحرّ».
ما الذي تغيّر في لغة النظام السوري وخطابه؟ كيف حدث أن تحوّل الخطاب من «الأسد أو نحرق البلد» إلى «لأنها بلادي»؟!
على أي حال ليست الحكاية هنا، بل في عدم عرض الأهداف الحقيقية التي كان يستهدفها الطيارون، والتي يستحيل إنكارها، فسكان المدن شاهدوا بأم العين الأهداف التي يقصفها الطيران (سلاح لا تملكه المعارضة بالطبع) بدءاً من ضربة الميغ للاجئين في جامع عبدالقادر الحسيني في مخيم اليرموك، وليس انتهاءً بقصف الأسواق الشعبية والأفران في الشمال السوري.
ما الذي تغيّر إذاً في لغة النظام وخطابه؟ كيف حدث أن تحوّل الخطاب من «الأسد أو نحرق البلد» إلى «لأنها بلادي»؟
أبداً، هو الخطاب ذاته. ما يجب أن يحفظه كل سوري في أعماقه هو شعار «الجوع أو الركوع» و«الأسد أو لا أحد» لكن خطاب الفن عليه أن يكون أكثر نعومة، خصوصاً بعد النصر المزعوم. أن يقول بدلاً من كل ذلك إنهم فعلوا كل ما فعلوه «لأنها بلادهم» وكأنها ليست بلاد نصف السوريين المهجّرين من بيوتهم والمشتتين في أرجاء الأرض، وكأن هؤلاء الضحايا ممن أحرقت بيوتهم وأرزاقهم وفقدوا أحبتهم أقل إحساساً بالانتماء من نجدة أنزور ومحمود عبدالكريم ونادين خوري وماهر سمير عزام (مدير المؤسسة المنتجة للعمل) ووزير الإعلام عمادة سارة وبشار الأسد.
مع «لأنها بلادي» الأنزورية لن تشعر بأي معنى للرأفة بالبلد، بالعكس، قد تشعر بأن قائلها هو ذلك الولد الشرير في اللعبة، الذي سيقول في وجه الجميع لأنها بلادي، مزرعتي الخاصة، ألهيتي، وأستطيع أن أفعل بها ما أشاء، أن أكسرها على رؤوس الجميع.
لم يتغيّر خطاب النظام كثيراً، كان يقول: «سنحوّلها إلى حقل بطاطا» والآن يقولها على نحو آخر على لسان مغن شعبي في الحلقة الأولى، في أغنية يرقص الساهرون على إيقاعها: «اجرحي قلبي ولا تداوي/ ورشّي عليي كيميائي». هل من احتقار أكثر لضحايا «بلادي»!
أقيمت أخيراً في مدينة اللاذقية الساحلية السورية احتفالية «اليوغا من أجل السلام» شارك فيها 400 سوري من مختلف المحافظات. وفي فيديو أعدّته «الإخبارية السورية» عن الاحتفالية ظهر ممارسو اليوغا تحت صور كبيرة الحجم لبشار الأسد، كما تحدث ممارسون لليوغا ومشرفون على الاحتفالية عن ضرورات اليوغا.
أكيد لا يخطر في البال النظر إلى اليوغا كشكل من أشكال الترف، فلعلّ سوريا والسوريين يحتاجون هذه الرياضة الروحية العظيمة أكثر من أي وقت مضى. المشكلة هي في تسييس اليوغا، على نحو قد لا تراه في أي مكان في العالم. فحسب «الثورة» إحدى أبرز صحف النظام السوري، أقيمت الاحتفالية بمناسبة «فوز» بشار الأسد بالانتخابات الرئاسية! فأي يوغا، وأي سلام!
من أين يأتي ممارسو اليوغا السوريون بالصبر لأداء التحية للشمس والشجر وأصوات الكون، فيما هم بالكاد قادرون على مجرد التنفس والنظر والاستماع العادي، في بلد الضجيج والحرب والشبيحة.
كذلك فإن رئيس «اللجنة العليا لليوغا والطاقة» يعوّل، في الفيديو نفسه، على أن تصبح اليوغا أحد الحلول والتقنيات للخروج من الأزمة التي يمرّ فيها المجتمع السوري.
هنالك شكوك حول إمكانية رياضة اليوغا إشاعة كم من الطاقة بإمكانه التفوق على غياب الطاقة، هذه غيابها أفظع من الاحتمال، كيف بإمكان الطاقة الروحية مواجهة انقطاع التيار الكهربائي عدداً غير محدد من الساعات، ونفاد جرّة الغاز، والحصول على واحدة مليئة بطلوع الروح! أي طاقة روحية بإمكانها الصبر في طابور طويل على محطات الوقود!
هنالك شكوك في أن تتمكّن تمارين التنفس في احتمال ضربات الكيماوي المتكررة عند حاجة النظام إليها.
من أين يأتي ممارسو اليوغا السوريون بالصبر لأداء التحية للشمس والشجر وأصوات الكون، فيما هم بالكاد قادرون على مجرد التنفس والنظر والاستماع العادي، في بلد الضجيج والحرب والشبيحة.
المجرم لم يترك شجراً وشمساً وأكواناً في تلك الجهة من العالم.
قال الفنان السعودي عبد المحسن النمر، في مقابلة، إن «الدراما الخليجية بدأت تنافس عالمياً». شاهِدُه على ذلك أنها بدأت تغزو منصة نتفليكس، وهو أقرّ في الوقت نفسه بغياب كتّاب السيناريو.
لا شك أن في الخليج فنانين لامعين، من الممثلين الكوميديين خصوصاً، لكن السنوات الأخيرة سجلت تراجعاً كبيراً في المكانة التي بدأت الدراما الخليجية تتقدم إليها. على أي حال لا يمكن القول إنها بدأت تنافس عالمياً، ولا حتى عربياً، فهي ما زالت تمثّل دور المنتج الذي يكلف سوريين أو مصريين بمسلسل على هواه؛ إن شاء الأمير مسلسلاً عن الحقبة الأندلسية جاء بطاقم من السوريين يتفرّغ لسنوات لاستعادة ذلك الجزء من التاريخ. وإن تكدّر الأمير من السياسة التركية جاء بفريق مصري سوري لاستعادة حقبة السفربرلك. أكثر من ذلك؛ إنْ تجرّأ الأمير على مواجهة القضايا الاجتماعية الملحة في بلده جاء بممثلين سوريين وموضوعات سورية على مبدأ التلميح. وإن قرر الأمير أن يتصالح مع إسرائيل أنذرَ وحذّر السوريين من مغبة الخوض في أعمال القضية الفلسطينية، ولن يكون بحاجة إلى مزيد من الإيضاح وإصدار الأوامر، فالممثلون أذكياء يلتقطونها على الطاير.
إن كان الفنان الخليجي يقصد بالأعمال العالمية التي وصلت إلى نتفليكس مسلسل «المنصة» فهذا بالذات يمثّل تراجعاً كبيراً لأنه منتج على طريقة الأنظمة الشمولية، بأجندة سياسية صريحة.
كاتب فلسطيني سوري
اليوغا نشأت عند الشعوب اللا دينية لتساعد على التفكير!
المسلمين عندهم الصلوات اليومية الخمس!! ولا حول ولا قوة الا بالله