عندما اتّخذ القرارُ تركيّاً، بتحويل الصرح الكنسيّ المقدّس الذي بناه يوستنيانوس من مسجد إلى متحف «محايد دينياً»، انسجم ذلك مع التطبيع المتنامي للعلاقات بين تركيا واليونان منذ زيارة رئيس وزراء الأخيرة إلفثيريوس فينيزيلوس لأنقرة عام 1930. واتسق الأمر بشكل أكثر مباشرة بالحسابات المتعلّقة بـ«ميثاق البلقان» الموقع عام 1934 بين تركيا واليونان ورومانيا ويوغوسلافيا، الذي تكفّ بموجبه هذه الدول عن مطالبة كل منها بأراضي الأخرى، وهو ميثاق حرّكه بالدرجة الأولى القلق من المرامي التدخلية لإيطاليا الفاشية في منطقة البلقان.
لم يكن قرار تحويل «آيا صوفيا» إلى متحف لا بدافع إقامة معبد علمانيّ للكائن الأسمى، على غرار التقليعة التي انتابت الثورة الفرنسية ذات يوم من يونيو 1794، ولا للذهاب بعيداً في منطق «وحدة الأديان» الإبراهيمية.
بخلاف الإصلاحات الجمهورية العديدة لـ«الثورة من فوق» التي قادها كمال (خلع عليه لقب أتاتورك عام 1934)، لا يبدو أن فكرة تحويل صرح يوستنيانوس إلى متحف من بنات أفكاره هو. بل هي مقترح عبّد له الطريق جلال بايار، وزير الاقتصاد حينذاك، ورئيس الوزراء بين عامي 1937 و1939 (يوم أشرف على القمع الدموي للتمرد الكردي «الظاظائي ـ العلوي» في درسيم). وهو بايار نفسه، الذي سيشرف كرئيس للجمهورية في الخمسينيات، مع رئيس الوزراء عدنان مندريس، في اللبرلة الاقتصادية، وتليين الموقف تجاه الموروث الديني، ما ترجم في حالة «آيا صوفيا» بإعادة تزيين جدرانها باللوحات الدائرية التي تحمل أسماء الجلالة والرسول والخلفاء الراشدين والحسن والحسين، بعد أن كانت سحبت غداة افتتاحه كمتحف في فبراير 1935.
لا يلغي ذلك أنّ فكرة تحويل الصرح إلى متحف انسجمت مع رغبة أتاتورك في القطيعة المزدوجة مع البيزنطيين والعثمانيين على حدّ سواء. بخلاف النظرة الإيجابية للإمبراطورية «البيزنطية» في عصر النهضة ومطلع الأزمنة الحديثة، سيطر الإتجاه الهجائي لها في عصر الأنوار، بالقرن الثامن عشر. من مونتسكيو إلى فولتير إلى هيغل الذي لم يرَ في بيزنطية غير مسيرة «ألف عام من الجريمة والوهن والعار». ومصطفى كمال استبطن هذه النظرة، وألحق سلاطين بني عثمان بها. تعامل مع هاتين الإمبراطوريتين كعصر «انحطاط» مديد، في مقابل احتفائه بالعصر الذهبي في قديم الحثيين فحسب. الثلاثينيات تحديداً، كانت فترة الغلواء «الحثّية» في تركيا الكمالية (وصولاً الى تسمية أنطاكية هاتاي، مدينة الحثيين)، فصار همّ أتاتورك الذي راح يكتب بنفسه مقرّر التاريخ المدرسيّ أن يحفظ التلاميذ عن ظهر قلب أسماء الملوك الحثيين شبه الأسطوريين، بدلاً من أسماء الأباطرة البيزنطيين والسلاطين التاريخيين. أتاح تبني «الأسطورة الحثيّة» الإبتعاد عن الفكرة الطورانية أيضاً، المتمحورة حول تحدّر أتراك الأناضول والروميللي من خارجها، أي من أتراك «طوران» أو آسيا الوسطى، للتأسيس بدلاً من ذلك على أن الأمة موجودة بالفعل، على هذه الأرض، منذ القدم، أما الأرمن والروم والعثمانيون فمن الطارئين.
كان بمقدور العلمانية على الطريقة التركية أن تقوم بكل إصلاحاتها من دون تحويل «آيا صوفيا» إلى متحف. ليست هناك علاقة سببية حتمية هنا. لا علاقة تلازمية بين الغاء الخلافة، ومنع التكايا والزوايا، وحظر الطربوش والنقاب، والتعطيل في الآحاد واستخدام التقويم الميلادي، والاستغناء عن الحرف العربي وتوليد لغة جديدة وبين تحويل آيا صوفيا إلى متحف… الا من باب أن «1453» لم تعد حدثاً مؤسساً في ضمير الأمة. للأخيرة تأسيسان فقط: ممالك الحثيين في العصر القديم، وحرب الاستقلال التركية في الزمن الجديد. ما عدا ذلك يمكن أن يباع فيه ويشترى.
ربّما وجد أيضاً الارتياب من شبح «الإحياء». فمقتلة مدينة مينيمين قرب إزمير أواخر العام 1930 كانت لا تزال ندية. يومها، سبّب كمال المتاعب لنفسه. لم يعجبه أن هناك فقط حزباً مطيعاً له، «حزب الشعب الجمهوري»، فطلب من صديقه، سفير تركيا في فرنسا آنذاك، علي فتحي أوكيار، أن يرجع ويؤسس حزباً منافساً، «الأحرار الجمهوريين». ثم استاء كمال من شعبية أوكيار، ومن دخول «ما هبّ ودبّ» من عناصر رجعية وليبرالية ويسارية إلى هذا الحزب، فعمد إلى حظره، فقام تمرّد شعبي في منيمين أعلن فيه أحد دراويش النقشبندية نفسه مهدياً. أقلقت هذه «الحادثة المهدوية» السلطات الجمهورية، مثلما أقلقتها شعبية أوكيار التي جاءت تكشف حدود ادعاءات الشرعية الشعبية للنظام، لأنّ هذا النظام بقي رهين القسمة بين «العسكر والرعايا» في المأثور العثماني على ما يشرحه بشكل فطن حميد بوزارسلان في تأريخه لتركيا. في المقابل، ركّزت الدعاية الرسمية على الضابط مصطفى فهمي كوبيلاي الذي قتل أثناء قمع الحالة المهدوية في مينيمين، ورفعته إلى منزلة بطل العلمانية، وتقام له ذكرى سنوية إلى يومنا.
عندما اتّخذ القرارُ تركيّاً، بتحويل الصرح الكنسيّ المقدّس الذي بناه يوستنيانوس من مسجد إلى متحف «محايد دينياً»، انسجم ذلك مع التطبيع المتنامي للعلاقات بين تركيا واليونان
أغلق مسجد آيا صوفيا وقت حادثة مينيمين أواخر العام 1930، مع أنّ القرار بتحويله إلى متحف لم يطرأ عليه إلا لاحقاً. أغلق في سياق الارتياب من تكرار «الحادثة المهدوية» بمؤثرات أشد خطورة في المدينة التي لم يتصالح معها كمال بعد استرجاعها من الإحتلال الأنغلو ـ الفرنكو ـ ايطالو ـ يوناني لها 1918-1923. ذلك الإحتلال الذي كان يتمترس خلفه السلطان الخليفة محمد السادس، ويصدر بيانات الشجب للحركة الإستقلالية التركية، قبل أن تتمكن هذه الحركة الإستقلالية من إلغاء السلطنة وإحلال الجمهورية أواخر العام 1922، وابطال معاهدة سيفر والتوصل إلى تكريسها كدولة أمة في معاهدة لوزان، ثم الغاء الخلافة كلياً في مارس 1924.
عندما أغلق المسجد لم يكن ذلك بصدد تحويله إلى متحف. كان هذا نتيجة لإطالة الإغلاق، ثم الدخول في مرتبات «اتفاق البلقان»، السبب المباشر لقرار تحويل المسجد إلى متحف.
مفارقات ثلاث هنا. الأولى أنّ الخيار الجمهوريّ العلماني ترافق مع الإنتقال من حالة تعددية اثنية ودينية واسعة النطاق إلى حالة تجانسية اثنية ـ دينية، بعد هزيمة الفرنسيين والأرمن في كيليكية (أرمينيا الصغرى) وهزيمة اليونانيين في «اليونان الآسيوية» وحريق إزمير، وتهجيرهم من البنط على البحر الأسود. لم يأت الخيار العلماني في تركيا لرعاية تعددية دينية، وانما من بعد شبه زوال هذه التعددية الدينية، ومن بعد التبادل السكاني بين اليونان وتركيا، وكتتمة لمنطق «يمكن أن نصالح اليونانيين، لكنه لا يمكننا أن نصالح اليونانيين العثمانيين»، وفي موازاة استمرار انكار ابادة الأرمن ابان الحرب الكبرى.
أما المفارقة الثانية فهي أن اسطنبول كانت، نسبياً، استثناء لفترة أطول. وقت تحويل آيا صوفيا إلى متحف كانت لا تزال بها نسبة معتبرة من اليونانيين والأرمن واليهود والبلغار، اذ لم يكن أهل المدينة مشمولين بالتبادل السكاني. لم تعرف المدينة أكثرية اسلامية (بسيطة) الا مطلع القرن العشرين، وصارت أكثرية كبيرة بعد منتصف العشرينيات، لكن غير المسلمين استمروا يشكلون أكثر من ربع سكان المدينة حتى الخمسينيات، ويحوزون أقل قليلاً من نصف الأملاك العقارية فيها، إلى أن اندلعت هجمات «بوغروم» سبتمبر 1955 ضد اليونانيين أو «الروم» (لكن أيضاً ضد الأرمن واليهود) في شوارع المدينة. لاحقاً، سيتهم العسكر عدنان مندريس، عند الإنقلاب عليه وقبيل اعدامه، بافتعال هذه الإعتداءات، في حين يظهر الآن أنّ وراء هذا البوغروم مجموعات محرّكة من العسكر. فقط بعد «البوغروم» سيهبط الوجود اليوناني من مئة ألف إلى بضعة آلاف اليوم، هذا في مقابل استمرار وجود بين أربعين وستين ألف أرمني في المدينة.
المفارقة الثالثة أنه في يوم الغاء مصطفى كمال والجمعية الوطنية للخلافة العثمانية، ألغي معها منصب «شيخ الإسلام»، واستعيض عنه بمديرية الشؤون الدينية التي تميّز معنى العلمانية في تركيا: لا تقوم على فصل الدين عن الدولة، بل على وصاية الدولة على الشؤون الدينية، واعداد الخطباء. تعنى مديرية الشؤون الدينية التي تضم اليوم زهاء مئة وخمسين ألف موظف بالإسلام السني الحنفي فقط ما يعني اجحافاً بحق الملايين من البكتاشيين. أما الملل المسيحية واليهودية العثمانية فتستقيم علاقتها مع الدولة، نظرياً، وفقاً لمترتبات معاهدة لوزان التي تنتمي إلى القانون الدولي. هذا النموذج من العلمانية صيغ كذلك منذ كمال. أن يكون الرجل قد اندفع طلباً لإعتماد الآذان باللغة التركية ثم جرى التراجع عن ذلك بعد مماته، فتلك مسألة أخرى. النموذج العلماني التركي قائم أساساً على دمج الدين بالدولة دون تحديد مباشر لدين الدولة الا بمعية اعتماد مديرية الشؤون الدينية الإسلام السنيّ الحنفي دون سواه (واتجاهها الى الافتاء فيه في العقد الأخير أكثر فأكثر). هذه المديرية، التي انشئت في يوم الغاء الخلافة نفسه، هي عينها المديرية التي عهد اليها أردوغان من الآن فصاعداً بإرجاع آيا صوفيا إلى وضع المسجد. أعاد أردوغان «أيا صوفيا» إلى عهدة مديرية أنشأها «أتاتورك».
كاتب لبناني
روعة عنوان (يوم ارتاب أتاتورك من ظهور المهدي) في أنه يلخص إشكالية عقلية دلوعة أمه (دونالد ترامب) ونتنياهو، والخامنئي،
أول ظهور للمهدي المُنتظر كان في بداية 1400 هجري، في مكة المكرمة، قبل إعلان مفهوم دولة ولاية الفقيه في إيران، سبحان الله؟!
هناك من يعمل على تسريع ظهور المهدي، من أجل تسريع عودة المسيح، كل بطريقته وجنونه، بعد 11/9/2001،
والتي تسبب بها رعونة تصرفات كلينتون، للتغطية على مغامراته مع السكرتيرة، فقصف السودان وأفغانستان، لتحفيز/دفع/استفزاز (أسامة بن لادن)، لفعل ما فعله،
وفي المقابل، أول انطباع لي بعد مشاهدة أول دقيقة من الرابط التالي
https://youtu.be/50nYuITme1Q
لماذا الاسم المُخبر الإقتصادي يا Aj+؟، ولماذا تسويق مفهوم التّجسّس لمعرفة خلفيات أي شيء إعلامياً، لا بأس به؟!
ثم عاشت يديك على هذا الرابط يا د علي الفؤادي
https://youtu.be/n-uGM5ygb3o
لمعرفة مستوى جرائم إدارة وحوكمة (باراك أوباما)، لتجاوز مشكلة الإفلاس في عام 2008،
التي وضعه بها من سبقه، وتلقى ضربات (حذاء منتظر الزيدي) عليها من بغداد (نوري المالكي وجورج بوش الإبن)،
أرجو الانتباه على تفاصيل الفنية/التقنية التي ذُكرت في الفيلم التالي، بعد أن تبحث عنه وتشاهده عدة مرات
https://youtu.be/QlSAiI3xMh4
ولفهم أهمية علم التشفير/التعمية والتشفير أو التعمية المُضاد، أرجو أن تبحث عن الفيلم التالي وتشاهده عدة مرات
https://youtu.be/nuPZUUED5uk
من وجهة نظري، يجب شكر الدول التي عملت المؤامرة التقنية على دولة (قطر)، بحجة رب ضارة نافعة،
والتي على ضوء التمثيلية المخابراتية، أعلنت الحصار يوم 5/6/2017،
وإلّا، لم نحصل بالنتيجة، على مثال عملي إقتصادي، ينسف كل خزعبلات أهل اليسار في تسويق (الكيبوتسات) بواسطة الأحزاب الشيوعية،
لنجاح (قطر) في الاكتفاء الذاتي رغم أنها صحراء بعد ثلاث سنوات فقط،
منذ إعلان تسويق العولمة (سوق ثقافة النحن كأسرة إنسانية) عام 1945، بداية من الحزب الشيوعي العراقي،
والسبب من أجل منع حدوث حرب عالمية ثالثة،
بسبب عقلية ثقافة الأنا أولاً ومن بعدي الطوفان الألمانية بواسطة الثنائي (هتلر/جوبلز)، التي تسببت بالحرب العالمية الثانية، والتي منها خرج مفهوم (الكيبوتسات) كأفضل نظام إقتصادي، ثبت فشله على أرض الواقع الآن،
والحمد لله، على نعمة الإسلام، ولغة القرآن كمصدر الحكمة لأي أسرة إنسانية، كمجتمع ثقافة النحن (في سوق العولمة والإقتصاد الرقمي (الإليكتروني)).??
??????