وصلتني دعوة لحضور اجتماع بعنوان «العنف في مجتمعنا، أسبابه وطرق علاجه»، كانت هذه مبادرة من أحد أصحاب النوايا الحسنة، ومن مدير المدرسة الإعدادية في البلدة.
وصل حوالي ثلاثين شخصاً إلى الاجتماع، من أصل ثلاثمئة دعوة، وكان المبادرون قد تفاءلوا وتوقعوا وصول مئة شخص على الأقل، ولهذا أعدوا ثلاث غرف في المدرسة مع أجهزة لعرض أفلام قصيرة تحثّ على القيم الجميلة! ولكن بسبب الحضور القليل، تجمّعنا كلنا في غرفة واحدة.
تخلل الكلمة الترحيبية التي ألقاها مدير المدرسة انتقاد للامبالاة، بإزاء ما نشهده من اعتداءات على الأملاك العامة وسرقات بيوت متكررة، وقال «بتّ أخشى وقوع كارثة، بأن يقوم أحد الأهالي الأبرياء بقتل السارق إذا ما رآه داخل في بيته»! ردت سيدة من بين الحضور- عفوا أستاذ.. الأرجح أن يقوم السارق بقتل صاحب البيت إذا اعترضه، فالسارق مسلح ومجرم، وصاحب البيت سيرتجف من الخوف…
بعد المدير وقف الرجل صاحب المبادرة وقال: أترك لكم المجال لذكر أسباب العنف الآخذة بالتفاقم، وفي النهاية سأتحدث.
البند الذي أحبه الجميع هو السيارات، فهي مشكلتنا الأولى، يتوقف سائقون في وسط الشارع لتبادل التحيات فيما بينهم، أو للحديث مع عابري سبيل، بينما يقف من ورائهم طابور من السائقين الغاضبين في الاتجاهين! شوارعنا ضيقة ومزدحمة، إضافة إلى ضجيج صافرات سيارات الشحن الذي يتعمد بعض السائقين إطلاقه للتسلية، نعم يا سيدي، فالبعض يتباهى بأن صافرته قوية جداً، يطلق البوق المذهل ضاحكاً من ردة فعل المصعوقين، وهذه برأيه لعبة! المشكلة أن هناك مجانين مثله، يشاركونه اللعبة ويتبارون، من الذي لسيارته بوق أقوى!
كذلك الأمر بالنسبة للتراكتورات الصغيرة، لا يستمتع الشبان في قيادتها إلا عندما ترتفع مقدمتها عموديا ثم ترتطم بالشارع، يطربهم ضوضاؤها، ولكن ما يمتعهم أكثر هو خطورتها! يبدو أن هرمون السعادة عندهم مرتبط بالخطر، لقد قُتل شابان وفتاة من البلدة على هذه التراكتورات في السنوات الأخيرة، ولكن أحداً لا يتعظ!
وهكذا تناوب المتحدثون:
– يا جماعة، بلدتنا صارت مثل المِشْحَرَة، يؤمها مدخنو الأرجيلة من كل القرى المحيطة، عندنا أكثر من عشرين مقهى أراجيل، والقضية ليست فقط في ضررها الصحي، بل أن هناك من «يؤرجل» حتى ساعات الفجر، وبسبب السهر والإرهاق يهملون أعمالهم، وتراكمت الديون على بعضهم لأصحاب المقاهي، وهذا سبب مشاكل أسرية، وهذه بدورها تسبب عنفا، يجب أن تغلق المقاهي أبوابها في منتصف الليل ومعاقبة المخالفين!
قال أحدهم – يجب إغلاقها بالقوة..
رد عليه آخر: يا أخي نحن جئنا لمعالجة العنف وليس لتأجيجه!
ثم تحدث شاب فقال: اللباس غير المحتشم هو من أسباب العنف!
رد عليه كهل: نساء بلدنا محتشمات، إذهب إلى قرى أخرى وانظر.. يقشعر البدن لما تراه، ثم ما هو الاحتشام برأيك!
دار نقاش طويل حول الاحتشام! وحسم أحدهم الأمر بقوله «باختصار، اللباس الملتصق بجسم الفتاة يستفز بعض الشبان، فيتفوهون بكلمات غير لائقة، وهذا يؤدي إلى رد فعل الفتاة، أو رد قريب لها، وهذا سبب للعنف»!
– يا جماعة، كل ليلة نسمع طلقات نيران…السلطة تريد للعنف أن ينتشر بيننا، نحن بالنسبة لهم «فخار يكسر بعضه»…
-ولماذا نسيتم (الفيس بوك) الذي أفقد الناس صلة الرحم والعلاقات الإنسانية الحقيقية، صرنا نجلس مع بعضنا، ولكن كل واحد رأسه في هاتفه (أحد الحضور انتبه وأغلق هاتفه خجلاً)…(الفيس بوك) سبّب الكثير من المشاكل الزوجية والتفكك الأسري، هناك قصص كثيرة..
ثم قالت مدرسة متقاعدة: منذ كسر الطلاب هيبة المعلمين ضاعت التربية والحياء! العقاب ولو بضرب خفيف على المؤخرة ضروري للتربية..
-وماذا النساء اللاتي يحبسن أزواجهن! بمجرد أن تتصل امرأة بالشرطة حتى تحضر فورا، والمحكمة تبعد الزوج عن البيت أربعين كيلو متراً بحجة تهديد زوجته، هذا يسبب نقمة لدى الرجال على زوجاتهم حتى ولو سجنوا، أحدهم شرطي عربي من قرية (….) أطلق الرصاص على رأسها بعد أن شكته للشرطة، البلهاء ظنت أنه شرطي وسيحترم القانون!
قالت سيدة أنيقة في عقدها السادس: يا جماعة، يجب منع المناداة بمكبر الصوت على السمك والخضار والدجاج، وإعلانات المتاجر وحملات الأسعار! النوم في النهار صار مستحيلاً، يكفينا دعوات الأفراح بمكبر الصوت.
ثم قال شاب وهو يبتسم كأنه يكشف سراً: باختصار، سبب مشاكلنا هو ابتعادنا عن الدين، الدين هو القاعدة…
إلا أن آخر رد عليه: في قرية (كذا) ضرب المصلون شخصاً في المسجد، لأنه حاول أن يؤم بهم، وهم يريدون إماماً غيره.
وقف الرجل المبادر للاجتماع تنحنح ثم قال: هل هذا كل ما عندكم؟ يا إخوان، لقد نسيتم بنداً مهماً، في الحقيقة توقعت أن تنسوه». ساد صمت للحظات، وانتظر الحضور أن ينطق، ولكنه تريث والتفت حوله ثم قال: «العطاس يا إخوان»!
انتظر الجميع توضيحاً.. فما علاقة العطاس بالعنف؟!
– يا إخوان يوجد أناس لا يهتمون بالعطسة ويطلقونها على الناس.. وهذا قد يسبب العنف!
– لكن العطسة أمر صحي ولا سيطرة عليها!
– بل يجب السيطرة عليها…
– ولكنها تأتي بصورة مفاجئة…
– حتى لو أتت فجأة، هناك ثانيتان بين بدايتها وإطلاقها كافية للاحتياط منها.. وممكن السيطرة عليها بمنديل والالتفات جانباً…لا يعقل أن تعطس وترشق على الآخرين…!
-لا أحد يعطس على الآخرين!
– بل يوجد من يرشق بعطسته على الآخرين، يا جماعة كنت وزوجتي في عرس قبل أيام، وقف أحدهم يستقبل الناس، قال لي…تفضل تفضل إلى العشاء.. وعندما صرنا وجهاً لوجه تماماً، سحب شهيقاً عميقاً وعطس، الله وكيلكم مثل الرشاش على خلقتي! يا جماعة أنا صرت أغلي غضباً، وهو يقول تفضل تفضل على العشاء…انسدّت شهيتي، ورغم ذلك تحملت وقلت له «رحمكم الله»! ولكنه ما لبث أن أخذ نفساً عميقاً وعطس على زوجتي هذه المرة، حينئذ قلت له «آخر عطسة إن شاء الله»! فلم يعجبه، تبادلنا كلمات قاسية، وكدنا نشتبك بالأيدي لولا تدخل بعض الموجودين! أرجو أن تسجلوا العطسة في قائمة مسببات العنف مثلها مثل السرقة والضوضاء وإطلاق الرصاص وبقية الأمور الخطيرة، أصلاً أنا دعوت لهذا الاجتماع بسبب العطسة التي كادت تخرّب العُرس…
سهيل كيوان
بوركت الكاتب سهيل كيوان ..
مقال ساخر لاذغ مضحك حد الأسى الذي اكتسى به مجتمعنا نتيجة العنف الذي بتنا نراه ونتذمر منه في المجتمع الكلي في البيت حتى المدرسه الى الشارع العام ..
اعجبني جدا في القال ذكر العطسه قارنتها تماما بقول ( الشراره تحرق حاره ..) لا بل تحرق بلد بأكمله ومجتمع بذاته …كما العطسه قد تثقب طبلة الأذن وتقصم الظهر وتودي بحياة الشخص، إلى جانب أنها تنشر مئات الجراثيم إذا لم يستخدم منديل على الفم لمنع انتشاره. وهكذا العنف فهو مسؤولية ملقاة على عاتفنا جميعا وان لم نحاربه ونحد من انتشاره سنكون جميعا متهمون به ..سنكون مجرمون بحقنا اولا ومن ثم بحق ابنائنا والمجتمع ..للعنف اسبابه واهمه الكبت تماما فهو العطس الذي يكبته المرء، فلا يخرج الا ويسبب ضغطا هائلا على الشخص قد يؤدي إلى ثقب وتمزيق وإتلاف الجسم …(المجتمع الواحد ) .
العنف بشتى اسبابه وانواعه يبقى ظاهره خطيره جدا ..ان لم نحاربها عاجلا ستقود مجتمعنا الى الحضيض …
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات , لقد ذكرت اخي سهيل ان من بين ثلاثمئة دعوة ثلاثون شخصاً لبوا الدعوة فقط ولهذا نقول الحمد لله على كل حال !!
فلو جدلاً حضر الى الاجتماع كل المدعويين لسمعت من احدهم ان الكحة (السعال) هو احد انواع العنف لان الصوت الصادر بسبب الكحة يخترق طبلة الاذن الداخلية وربما يسبب لها تلفاً لا تحمد عقباه! ولهذا فان الكحة ممنوعة حتى وان كان صاحبها مصاباً بالربو!!
ولربما اشار احدهم الى ارتجاف الجفن وكانه اخطر انواع العنف لان بذلك فيه نوع من الايحاء والتلميح المبطن لصاحب الجفن الرجاف لمن تجلس او يجلس امامه بتحريك جفنة بالغمز واللمز الغير مستحب , حتى وان كان هذا الارتجاف ناتج بسبب حالة مرضية وبحركة لا ارادية فهذا من الممنوعات العظمى والمسبب الاكبر للعنف؟؟!!
ولربما نبه احدهم بأن رفع السبابة امام الآخرين عنف , ووضع رجلٌ على رجل هو عنف !! والركوب في الحافلة وراء امرأة هو العنف بحالة و…دقي يا مزيكا !!
بالنهاية لا بد من الاشارة الى ان بدوي سُؤل عن اهم الاختراعات التي شاهدها فقال: انا لا استغرب لاختراع التلفزيون ولا للهاتف النقال ولا حتى المركبات الفضائية ( المسبار ) ولكن…العجيبة هي كيف عرفوا يفوتوا حبة اللوز بقلب الملبسة .
ليست العطسة هي ما اعجبني؟!! ولكن روحك الشفافة وفكرك الخلاق هو دائماً ما يعجبني , من الكرمل الى الجليل حفنات احترام والسلام.
السلام عليكم
نــــــــــــــــداء: نريد عودة غادة الشاويش سالمة…نسأل الله لها السلامة والعافية…
الموضوع:
كم يعجبني السيد الكاتب(سهيل كيوان) في طرحه للمواضيع على الرغم من شكلها البسيط في بساطة كلماتها وسهولة مفرداتها إلاّ أنّها ذات مغزى عميق ودلالة عميقة وعلاج لما في المجتمعات من مغالطات ونكسات يسعى لوضع الأصبع عليها لتظهر لنا جلية واضحة…
1-الحضور 30فقط: عدم إهتمام الناس بقضاياهم الجوهرية ممّا تسبب لهم ضياع بقية قضاياهم (همهم الجانب المادي المحض فقط -لوكان الإجتماع من أجل مآرب نفعية لغصت القاعات بالحاضرين)
2-السرقة-عدم إحترام نظام المرور-الإحتشام-الإلتزام بالدين-الإدمان على “الفيس بوك”-تفكك عرى الأسرة …إلخ)كل هذه الآفات نستطيع أن نجملها في كلمة واحدة -غياب الأخلاق والوازع الديني الذي ينظم ويجعل هذه التصرفات في مصافها وسبيلها الصحيح… فقضية السياقة واستعمال التكنولوجيا الحديثة وغيرها من الأمور التي يحتاجها الإنسان ويستعملها يجب أن تكون بفن وذوق سليم وليس مثلا كل من يسوق السيارة سائق ..فنسميه “سائق “إذا كان يلتزم قوانين المرور ويطبقهاوليس كل من يعرف إستعمال الفيس بوك أنّه يعرف كنه التكنولوجيا ولكن من يعرف كيف يستثمرها من أجل “حياة أفضل” هذا الذي نقول عنه يجب أن يستعمل هذا النوع من التكنولوجيا وما دون ذلك فإلى مزبلة التاريخ وهم للحيوانية أقرب…
3-الضيف والعاطس: رغم أن حالة العطس لا إرادية ولكن لها آداب حين حدوثها وكان أحرى به(العاطس) أن يمزق جيب قميصه الأبيض ليضمد به مناخر أنفه تجنبا لكل إنتشار…أمّا الضيف الذي جاء ليساهم في الابحث عن حلول لمشاكل المجتمع فكان أحرى به أن يسكت حفاظا على دعوته في هذا الجمع…لأنّ مشاكلنا ليست في العطسة والعطستين ولكنها أكبر من ذلك أكبر ممّا حمله الضيف ليطرحه كمشكل إجتماعي…فهناك الفعل ورد الفعل في المدارس والمعاهد والشوارع والمساجدوالأسواق والإدارات…
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
تحدثو في الاجتماع عن كل انواع العنف ؛حتى العطسة!!!
تشبه اجتماعات الجامعة العربية؛الغايب اكثر من الحاضر……
تحدثو في كل شيئ ،إلاّ. اهم شيئ وهو السبب الرئيسي حتى للعطسة؟!! “الاحتلال”،،،،
لكن استاذ سهيل ،بماذا شاركت انت!!؟
امسيتك سعيدة،وان كانت هذه الاخيرة صعبة المنال في ظل كل عذا الدم والدمع والاحتلال ووو،،،،
اشكرك على حسك الناقد باسلوب ساخر لاذع …
دمت بخير ؛انت وكل الاخوة القراء