آداب 2015

حجم الخط
0

نوبل للآداب

ذهبت إلى البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفتش التي أتقنت سلسلة أنماط متغايرة من السرد التوثيقي، بل الوثائقي، الذي يحاذي التاريخ دون أن يغادر الصحافة، ويحكي ما هو تسجيلي دون أن يفارق النزوع المركزي الذي حكم كتابات ألكسييفتش طيلة عقود: الريبورتاج الأدبي، أو كتابة تاريخ المأساة الإنسانية عبر سرد أدبي يتوخى السجلّ والوثيقة، كما نظّر له الناقد السوفييتي (البيلاروسي) أليس أداموفيتش؛ أستاذ ألكسييفتش الذي أنار دروب هذه الأسلوبية المنفردة. بين أبرز أعمالها كتاب «نهاية الإنسان الأحمر»، الذي يرصد نماذج «الإنسان السوفييتي»، ويعيد التقاط أصواته المبعثرة في عشرات من الشخوص، رجالاً ونساء؛ صنعوا موضوعات الكتاب، ورسموا صورة هذا الكون، وربما الأكوان، في حقبة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي القديم.

جائزة «كتارا» للرواية العربية

في العام 2014 انطلقت جائزة «كتارا» للرواية العربية، بدعم من المؤسسة العامة للحي الثقافي ـ كتارا، وإشرافها. وتهدف هذه الجائزة، السنوية، إلى «ترسيخ حضور الروايات العربية، وترجمتها إلى اللغات الأجنبية، والمساهمة في تشجيع الروائيين العرب وتكريمهم ومكافأة تميّزهم». وهي تعدّ الأضخم للرواية العربية، وقد بلغ مجموع ها لهذا العام 750 ألف دولار.

العام 2015 توزعت على النحو التالي:
ـ فئة الروايات المنشورة، وهي الأعمال التي ترشحها دور النشر، وتفوز بها خمس روايات على أن يتم اختيار واحدة منها لتحويلها عملاً درامياً:
ـ «366» للسوداني أمير تاج السر؛
ـ «أداجيو»، إبراهيم عبد المجيد ـ مصر؛
ـ «جارية»، منيرة سوار ـ البحرين؛
ـ «دوامة»، ناصرة السعدون ـ العراق؛
ـ «مملكة الفراشة»، واسيني الأعرج ـ الجزائر، واختيرت هذه الرواية للتحويل إلى عمل درامي.
ـ فئة الروايات غير المنشورة، حيث يقدّم المؤلف مخطوط روايته بنفسه، وتفوز بالجائزة خمس روايات، ويتم اختيار واحدة منها لتحويلها عملاً درامياً:
ـ «أفاعي النار، حكاية العاشق»، جلال برجس ـ الأردن؛
ـ «امرأة في الظل»، عبد الجليل الوزاني التهامي ـ المغرب؛
ـ «حبل قديم وعقدة مشدودة»، سامح الجباس ـ مصر، وقد اختيرت للتحويل إلى عمل درامي؛
ـ «العرش والجدول»، ميسلون هادي ـ العراق؛
ـ «مزامير الرحيل والعودة»، زكرياء أبو مارية ـ المغرب.
كذلك تقدّم الجائزة مزايا إضافية للروايات الفائزة، إذ تترجم إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والهندية والصينية، وتتولى طبعها وتسويقها في أنحاء العالم. وقد أعلن في دورة هذا العام عن استحداث فئة جديدة هي جائزة النقد والتحليل الروائي، التي ستنطلق مع الدورة الثانية للجائزة في السنة المقبلة، وذلك بهدف تطوير هذا الجنس الأدبي.

الشيخ زايد للكتاب

ـ فرع الآداب: رواية «مجانين بيت لحم» للصحافى الفلسطينى والروائى أسامة العيسة، حيث شكل العمل «نصاً أدبياً فريداً يهتم بسيرة المكان، ويتتبع تغيراته من خلال موضوعة الجنون التى احتفى بها العمل وصورها على نحو يؤرخ لحقبة فكرية فى العالم العربى، وهو عمل يستلهم أساليب السرد التراثية، إضافة إلى أنه يفيد من وسائل تقنيات السرد المعاصرة ويمزج مزجاً إبداعياً بين التاريخ والتحقيق الصحفى، وبين الواقعى والغرائبى».
ـ فرع الترجمة: ثلاثية نجيب محفوظ: «قصر الشوق»، «بين القصرين»، و»السّكرية»، نقلها إلى اليابانية البروفيسور هاناوا هاروو. وتشكل هذه الترجمة «إنجازاً معرفياً يتجاوز مسألة البعد اللغوى، لتكون بمثابة حوار حضارى بين الثقافتين العربية واليابانية نظراً لما تنطوى عليه الترجمة من أبعاد تتعلق بالتاريخ الاجتماعى الخاص بمصر وثقافتها، وماشهدته من تحولات مجتمعية من عشرينيات إلى خمسينيات القرن الماضي».

ـ فرع الثقافة العربية فى اللغات الأخرى: كتاب»تأثير الليالى العربية فى الثقافة اليابانية»، للمؤرخ والكاتب سوغيتا هايدياكى من اليابان. يتناول الكتاب تطور نظرة اليابانيين للثقافة العربية بعيون يابانية منصفة وغير منفعلة بمقولات الاستشراق، ويرصد تأثير «الليالى العربية» فى مختلف جوانب الثقافة اليابانية الحديثة والمعاصرة، منذ إصلاحات الإمبراطور المتنور المايجى (1868- 1912) حتى اليوم، وبعد الحرب العالمية الثانية فى أدب الأطفال عند اليابانيين، وفى الروايات اليابانية والمسرح، والسينما، والآداب، والفنون، وكتب الرحلات، والترجمة، والدراسات المقارنة وغيرها من حقول المعرفة فى اليابان.
ـ فرع النشر والتقنيات الثقافية: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، لبنان وذلك لأن الدار ظلت منذ تأسيسها قبل ثلاثين عاما تصدر عن مشروع معرفي، يتمثل فى الحرص على نشر الكتابات العلمية والفكرية والإبداعية التى تسهم فى حركة التنوير، وترتقى بوجدان القارئ العربى، من خلال نشر الأعمال العلمية والفكرية والإبداعية.
هذا وقد وقد أعلن مجلس أمناء الجائزة حجبها فى فروع «التنمية وبناء الدولة» و»الفنون والدراسات النقدية و»المؤلف الشاب» و»أدب الطفل والناشئة»، وذلك لأن الأعمال المشاركة لم تحقق المعايير العلمية والأدبية ولم تستوف الشروط العامة للجائزة.

سلطان بن علي العويس الثقافية

ـ الشعر: الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ، «كونه أحد رواد الحداثة الشعرية في الخليج العربي، و«تحديث شكل القصيدة وايقاعها»، و»نقل القصيدة الشعرية من محليتها إلى نطاقها العربي الأوسع».
ـ القصة والرواية والمسرحية: المصري يوسف القعيد والكويتي إسماعيل فهد إسماعيل. الأول بسبب تمحور إنتاجه الإبداعي حول علاقة الإنسان بالغربة التي جعلها رمز الوطن، والجمع بين التجريب الأدبي، والنقد الاجتماعي بسردية حداثية جعلته واحداً من الأقلام المتميزة في عصره». والثاني لأنه «قدّم سرداً بمستويات ثابتة مفتوحة ومختلفة، جعلت من خطابه الروائي نصاً مفتوحاً، استوعب فنون المسرح والسينما والفنون البصرية الأخرى مما أخرج النص الروائي في الخليج إلى عوالم عربية أكثر رحابة وشمولية».
ـ الدراسات الأدبية: المصري صلاح فضل، الذ ي»حقق السبق في تبني الحداثة في النقد، كما وضع اللبنات الأولى في منهج النقد البنيوي». والسوري كمال أبو ديب، الذي «تميزت جهوده بتطوير حركة نقدية مواكبة لعصر الحداثة النقدية ووظف آليات جديدة في مفاهيم النقد العربي».
ـ الدراسات الإنسانية والمستقبلية: المؤرخ المصري رشدي راشد، «حيث إن معظم دراساته عنيت بدراسات مبتكرة ومحققة لبنية الرياضيات العربية التي امتدت جذورها إلى حوالي سبعة قرون، ولم يستطع معظم السابقين إبراز كنيتها، وبذلك أهلته هذه الدراسات.

مئويات
رولان بارت
الذكرى المئوية لولادة الناقد الفرنسي رولان بارت (1915 ـ 1980) أتاحت الكثير من الفرص لاستعادته، ليس على سبيل تكريمه وإعادة التشديد على أهميته الفائقة في النقد الفرنسي الحديث والمعاصر، فحسب؛ بل كذلك لإعادة قراءته في ضوء التطورات الراهنة في النظرية النقدية، وكيف يمكن النظر إلى البنيوية (تيار بارت الأبرز) على هدي مدارس مثل ما بعد البنيوية، التفكيكية، ما بعد الحداثة، وما بعد الاستعمار.
وإلى جانب تركيزه على علم الدلالة والقراءة النصية ومعطيات الانثروبولوجيا وفقه اللغة، اهتمّ بارت بالثقافة الشعبية وفونونها، وكتب حول الرسم والتصوير الفوتوغرافي والموسيقى. وهكذا تقلّب بارت في أكثر من فلسفة وانحياز فكري، من الماركسية إلى البنيوية، ومن النَصّية إلى مذهب المتعة، قبل أن يستقرّ به المقام عند الانشغال بمسائل الحبّ والشفقة والموت. وجوناثان كَللر، في الكتيّب الذي كرّسه لبارت، يعترف أنّ شهرة الأخير تقوم على جملة متناقضات، حتى عند الذين يؤمنون بأنه بنيوي في المقام الأوّل والأخير. ولكن ماذا عن ريادته لمفاهيم مثل «لذّة النصّ»؟ ومبدأ «القرائيّ» في موازاة «الكتابيّ»؟ ودفاعه، الأوحد والأبكر والأكثر بلاغة، عن أسلوبيات «الرواية الجديدة»؟ ونظريته في «موت المؤلّف»؟ هذه، من وجهة نظر جدلية ربما، ليست سوى سلسلة المتناقضات التي تصنع التكامل المعقّد عند شخصية نقدية وفكرية بالغة التعقيد.

جدير بالذكر أنّ بارت سافر إلى الشرق، اليابان؛ وأقام في الرباط، المغرب، خلال 1968 ـ 69. وبين أعماله المترجمة إلى العربية، هنالك «التحليل النصي»، «لذّة النصّ»، «هسهسة اللغة»، «النقد البنيوي للحكاية»، «درس السيميولوجيا»، «الكتابة في درجة الصفر»، و»طرائق تحليل السرد الأدبي».
احتفالات فرنسا بالذكرى المئوية تضمنت مجموعة أنشطة احتضنتها المكتبة الوطنية الجديدة (فرانسوا ميتيران)، بينها معرض بعنوان «بانوراما كتابات بارت»، ومهرجان أفلام بعنوان «بارت في 50 فيلماً»، وندوات وقراءات وطاولات مستديرة. كما صدرت سيرة جديدة للناقد، الذي قُتل في حادث سيارة، بتوقيع تيفان سامويوت، ترصد بصفة خاصة علاقات بارت مع كبار رجالات عصره، من أمثال أندريه جيد وجان ـ بول سارتر وفردينان دي سوسور وكلود ـ ليفي ستروس وميشيل فوكو وجاك دريدا.

صلاح أبو سيف
المخرج السينمائي المصري صلاح أبو سيف (1915 ـ 1996) أحد كبار روّاد الواقعية في السينما المصرية، والعربية استطراداً؛ ومن الصعب أن يعثر الدارس على المكان الشعبي المصري (من الحارة والزقاق، إلى الحمّام والمقهى) في تمثيلاته العميق الطبيعية والرمزية، وفي تطوّره التاريخي، كما يعثر عليه عند مشاهدة أفلام أبو سيف الأشهر: منذ «شارع البهلوان»، 1948؛ و»لك يوم يا ظالم»، 1950؛ و»شباب امرأة»، 1956؛ و»الفتوة»، 1967؛ وحتى «بداية ونهاية»، 1960؛ و»حمام الملاطيلي»، 1972؛ و»السقا مات» 1977.
ولعلّ أفضل المصادفات في حياته كانت اللقاء مع المخرج المصري الكبير كمال سليم، الذي اختار أبو سيف ليكون مساعده في إخراج الفيلم الواقعي الرائد «العزيمة»، بداية 1939. بعد ذلك سافر إلى فرنسا، ثمّ إيطاليا (البلد الذي كان، في حينه، يحتضن أبرز مدارس الواقعية في السينما العالمية). ومنذ أفلامه الأولى اختط لنفسه نهجاً في الإخراج، يقوم على مشاركته في كتابة السيناريو، إذْ اعتبر أنّ كتابة السيناريو أهم مراحل إعداد الفيلم، ومن الممكن عمل تحقيق فيلم جيد بسيناريو جيد وإخراج سيء، ولكن الإخراج الجيد لا يمكن أن ينجز فيلماً ناجحاً بسيناريو رديء.
لكن هذا المخرج الواقعي لم يكن بعيداً عن النزوعات الرومانسية، إذْ قدّم عدداً من الأفلام التي لا تغادر مساحة الواقع وإنْ كانت تداعب قضايا الحبّ والعواطف والمشاعر؛ كما في «الوسادة الخالية» و»هذا هو الحبّ» و»لوعة الحبّ» و»أنا حرّة». كذلك حضر التاريخ بقوّة في عدد من أعماله الرئيسية (كما في «فجر الغسلام» و»القادسية»)، والسياسة المباشرة («القاهرة 30»)، واختتم حياته بالفيلم الكوميدي «السيد كاف»، 1994.

أرثر ميلر
إذا كان الأمريكي أرثر ميلر (1915 ـ 2005) قد اشتُهر ككاتب مسرحي في المقام الأول، وهو بالفعل أحد كبّار أسماء هذا الفنّ في أمريكا وعلى نطاق عالمي أيضاً؛ فإنه، في المقابل، كان شخصية بارزة في عالم السينما، بسبب ما كتب من نصوص لامعة (وليس، البتة، بسبب ما يُشاع من أنّ زواجه من مارلين مونرو كان بوّابته إلى الفنّ السابع). ومن جانب آخر، كان ميلر ناشطاً بارزاً في ميدان الدفاع عن الحريات الفكرية، وقد تعرّض للتنكيل في لجان التحقيقات المكارثية الشهيرة، واتُهم بالشيوعية، وأُحيل إلى المحاكمة سنة 1956.
كان مسرح ميلر قد التقط روح أمريكا خلال سنوات الكساد، فرسم عدداً من الشخصيات المحورية المعذبة القلقة، والمشاهد الاجتماعية القاتمة، والخراب في داخل النفس وخارجها؛ ولعلّ مسرحيته الشهيرة «موت بائع جوّال»، 1949، هي النموذج الأفضل على هذا المزيج. وبين أعماله الأخرى: «عدو الشعب»، «المحنة»، «نظرة من الجسر»، «ساحرات سالم»، «بعد السقوط»، «رثاء سيدة»، «السنوات الذهبية»، «الزجاج المكسور»، و»إنهاء الصورة».
هنا نموذج على الإرشادات المسرحية العجيبة التي اقترنت بأعمال ميلر، من مسرحية «بعد السقوط»: «المسرح يتكون من ثلاثة مستويات ترتفع إلى أعلاها في مؤخرة المسرح بشكل منحن يبدأ من أحد جانبي المسرح وينتهي في الجانب الآخر. وأعلى ما في المسرح هو برج أحد معسكرات الاعتقال الألمانية. ولهذا المعتقل نوافذ واسعة تبدو كما لو كانت عيوناً لا ترى.. فهي مظلمة. ومن هذه النوافذ تبدو أعمدتها الحديدية وقد انثنت وبرزت إلى الأمام كأنها أهداب محطمة. أعلى المعسكرين الآخرين توجد مساحات محفورة، كأنها من العهد القديم أو كأنها العصر الحجري، أو كأنها بقايا سيول بركانية.. ففيها فتحات وفيها كهوف. والعقل ليس له لون، وإنْ كانت كل ذكرياته واضحة عندما تتحرك فوق هذه المساحات الحجرية الرمادية».

رحيل

فاطمة مرنيسي
تتلمذت الكاتبة والروائية وعالمة الاجتماع المغربية فاطمة مرنيسي (1940 ـ 2015) في سياق ثلاث ثقافات: المغربية الأمّ (جامعة محمد الخامس)، والفرنسية (السوربون) والأمريكية (برانديز)؛ ولكن نطاق تفكيرها كان يضجّ باسئلة عابرة لهذا التكوين ـ الهجين، إذا جاز القول ـ لأنها عكفت منذ البدء على دراسة حال المرأة في المجتمعات المسلمة، وعلاقات الجنس والاختلاف، وكذلك حقوق الإنسان في معناها الكوني العريض.
ولم يكن غريباً، إذاً، أن تنخرط مرنيسي في سلسلة اشغال عالمية، فكانت عضواً في لجنة الحكماء لحوار الحضارات، التي شكلتها اللجنة الأوروبية برئاسة رومانو برودي، سنة 2003؛ كما حصلت على جائزة أمير أستورياس للأدبن مناصفة مع الكاتبة الشهيرة سوزان سونتاغ؛ واختارتها صحيفة الـ»غارديان» البريطانية، في مناسبة اليوم العالمي للمرأة، النساء الـ100 الأكثر تأثيراً في العالم، للعام 2011.
وبعد 1985، حين صدر كتابها «الجنس، الإيديولوجيا، الإسلام»، بالفرنسية؛ تعاقبت أعمال مرنيسي بالفرنسية: «العالم ليس حريماً»، «سلطانات منسيات: نساء حاكمات في الإسلام»، «الحريم السياسي: النبيّ والنساء»، «الخوف ـ الحداثة: أزمة الإسلام والديمقراطية»، «أحلام النساء: طفولة في الحريم»، «هل أنت محصّن ضدّ الحريم؟ نصّ ـ اختبار للسادة الذين يحيون السيدات»، «الحريم والغرب»، و»سندبادون مغاربة: رحلة في المغرب المدني». والكثير من هذه الأعمال تُرجم إلى اللغة العربية.

غونتر غراس
رغم أنّ عمله الأدبي الأول كان مجموعة شعرية، صدرت في العام 1965 بعنوان «مزايا دجاج الريح»، وأنه واصل بعد ذلك كتابة ونشر الشعر دون توقّف عملياً، ومارس كتابة المسرح والمقالة والنثر الأدبي والرسم والحفر؛ فإنّ شهرة الأديب الألماني غونتر غراس (1927 ـ 2015)، الحائز على جائزة نوبل للآداب، للعام 1999، تنهض أساساً على نوع أدبي واحد هو الرواية، وربما بصفة محددة على سلسلة الروايات التي عُرفت باسم «ثلاثية دانزيغ»، وضمّت العمل الأشهر «الطبلة الصفيح»، 1959، ثمّ «القطّ والفأر»، 1961، و»سنوات الكلب»، 1963.
ذلك، بالطبع، لا يطمس حقيقة علوّ كعب غراس في ميدان الشعر، وحضوره في المشهد الشعري الألماني الحديث كواحد من أبرز الأصوات وأكثرها أصالة وخصوصية، وإثارة للجدل أيضاً. ولعلّ عنوان مجموعته الشعرية الأولى يدلّ على كبرى السمات التي سوف تطبع كتاباته الشعرية في المراحل الأولى، أي حرصه على أن يكون الشعر لعباً لغوياً وبلاغياً في الجوهر، وأن يكون الشاعر «بهلول» الشعب الذي يقول الحقائق أيّاً كانت مرارة آثارها، وأيّاً كان مقدار التزام الشاعر بالقضايا السياسية الجادّة.
وبعد سنة من صدور «الطبلة الصفيح»، نشر غراس مجموعته الشعرية الثانية، والأهمّ ربما: «وصلة المثلث». وهنا أيضاً كان العنوان يشير إلى سمة الشعر، إذ أنّ التعبير مستمدّ من اسم محطة مترو في برلين، تتقاطع عندها خطوط شطرَي المدينة. «الشاعر ـ البهلوان» أخذ يلتفت إلى الوقائع أكثر فأكثر، وصارت خرائب برلين تخيّم على النصوص، بل إنّ إحدى القصائد تحمل عنواناً بريختياً صريحاً: «أنشودة السحابة السوداء». لكنّ اللعب البلاغي لا يتراجع كثيراً، والقصيدة تواصل حسّ التسلّي والتسلية، وتستمرّ الدلالات العميقة في التخفّي طيّ القول البسيط المفتوح على أبواب تأويل لا حصر لها.

إدوار الخراط
كان إدوار الخراط (1926 ـ 2015) أحد روائيي مصر الكبار الذين لم يعشقوا مدينة الإسكندرية قياساً على جمالياتها المتعددة، المعمارية والبصرية بصفة خاصة؛ بل لأنها حاضنة خصبة تتيح للروائي الحصيف أن يعثر على عشرات النماذج البشرية، المتقاطعة أو المتناقضة أو المتلاطمة كالأمواج العاتية في بحر المدينة. في مقدّمة روايته «يا بنات اسكندرية»، كتب: «حوريات الذِكْر والتخايل، مائلات أبداً عن أجساد وأرواح مندثرة، تهاويم سجيقة القدم، احتشد بها الصبا والشباب، والكهولة، متخطرات حتى الآن في أحلامي، بحياة أكثر جَسَدانية من أية امرأة. بنات إسكندرية، وبحر إسكندرية ـ غوايات قائمة لا تنتهي ومحبّات لا تبيد. مهما كانت كثيرة فهي واحدة، مهما كانت عارضة خاطفة فهي أبدية. كيف أقاومها؟».
والحال أنّ الراحل لم يقاومها أبداً، بل أقبل عليها بحماس وتوق، وكتب «ترابها زعفران»، و»اسكندريتي»، و»حيطان عالية»، و»يقين العطش»… الجاذبية العالية التي تمتعت بها الإسكندرية، لدى أجيال مختلفة من الروائيين المصريين، حوّلت جغرافيتها إلى ميدان سرد فسيح متشابك، ومتقاطع؛ حتى أنّ أحياءها الكبرى، وربما بعض شوارعها أيضاً، اتخذت صفة الشخصيات الروائية، والأنماط الإنسانية العليا. الخراط، من جانبه، اعتمد تقنيات الحكي العجائبي، والسرد على هيئة مونتاجية، وشحن اللغة بشعرية عالية لا تتفادى المناخات الصوفية والاستيهامية واللاشعور. وفي الأصل كانت «رامة والتنين»، روايته الأولى التي صدرت سنة 1980، بمثابة مختبر أوّل لهذا الخليط من الأساليب، وخاصة مزج الأساطير الفرعونية والإغريقية والمسيحية والإسلامية.

جوائز

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية