إسطنبول ـ «القدس العربي»: تعززت العلاقات التركية الأمريكية بشكل حقيقي منذ انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» عام 1952 لتصبح الدولة التي تمتلك ثاني أكبر جيش من حيث العدد في الحلف بعد أمريكا، وبات يطلق على البلدين مصطلح «الحليفان الاستراتيجيان».
لكن هذا التحالف الذي وصف بالاستراتيجي واجه أزمات كبيرة على مر العقود الماضية تمثلت في صراعات وخلافات وصلت في كثير من الأحيان لمراحل سلبية متقدمة قبل أن يتم احتوائها بشكل لم يضمن عدم تكرارها. وبفعل تراكم الخلافات تراجعت الثقة بين الحليفين إلى مستوى متدن غير مسبوق.
وفيما يلي أبرز الأزمات التي مرت بها العلاقات التركية الأمريكية طوال العقود الماضية:
أزمة الصواريخ الكوبية 1962
تعتبر هذه الأزمة واحدة من أكبر الأزمات التي مرت بها العلاقات الأمريكية التركية ويرى فيها البعض بداية «الخذلان الأمريكي» لتركيا وأول الإشارات القوية على تجاهل واشنطن للمصالح التركية، وتعتبر أيضاً بداية تراجع الثقة بين الحليفتين المفترضتين.
في تشرين أول/أكتوبر عام 1962 اندلعت ما عرفت بـ«أزمة الصواريخ الكوبية»، حيث تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والمعسكر الغربي بشكل عام، والاتحاد السوفيتي إلى مستوى غير مسبوق بسبب نشر الاتحاد السوفييتي صواريخ استراتيجية في كوبا وهو ما أشعل أزمة كادت أن تؤدي لحرب نووية بين القطبين.
وبعد أن وصل التوتر إلى ذروته ونتيجة مفاوضات سرية توصل القطبان لاتفاق لنزع فتيل الأزمة تمثل في سحب الاتحاد السوفييتي صواريخه الاستراتيجية من كوبا مقابل أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بسحب صواريخ استراتيجية كانت تنشرها في الأراضي التركي.
سحب الصواريخ الدفاعية الاستراتيجية «صواريخ جوبيتر» من تركيا وبشكل سري في أوج التوتر العسكري تم بقرار أمريكي دون استشارة أو حتى إبلاغ الجانب التركي وهو ما أغضب أنقرة بشكل غير مسبوق، واعتبرت هذه الخطوة رسمياً وشعبياً في تركيا بمثابة تخل أمريكي عنها ما أشعل أزمة كبيرة بين البلدين.
ازمة رسالة جونسون 1964
عقب سنوات من التوتر بين تركيا والغرب بشكل عام بسبب تصاعد الخلافات بين تركيا واليونان حول جزيرة قبرص، بعث الرئيس الأمريكي ليندون جونسون رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء التركي آنذاك عصمت إينونو يهدد فيها بالتخلي عن تركيا إذا ما أقدمت على استخدام القوة في الجزيرة القبرصية.
وهدد جونسون فى رسالته من أن تركيا لا يحق لها استخدام الأسلحة الأمريكية من دون التوافق مع الإدارة الأمريكية ومن أنه فى حال استخدمت تركيا هذه الأسلحة وتدخلت فى قبرص أو فى حال تعرض تركيا لهجوم سوفييتى، فإن حلف شمال الأطلسي لن يدافع عن تركيا.
هذا التهديد المباشرة والصريح والذي اعتبر الأول والأشد من واشنطن لحليفتها أنقرة أدى إلى تصاعد الخلافات بين البلدين وعلى أثرها بدأت تركيا بالتقارب مع الاتحاد السوفييتي قبل أن يتم العمل على احتواء الأزمة وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها.
إغلاق قاعدة إنجيرليك 1974
وفي واحدة من أكبر الأزمات بين البلدين عبر التاريخ، اتخذت تركيا قراراً غير مسبوق عبر إلغاء جميع الاتفاقيات العسكرية مع الولايات المتحدة من جانب واحد وطرد آلاف العسكريين والمدنيين الأتراك، عقب قرار الحكومة التركية نقل السيطرة والسيادة على جميع القواعد العسكرية التي يستخدمها الجانب الأمريكي في تركيا للجيش التركي.
هذه الخطوة التي جاءت رداً على فرض الإدارة الأمريكية حظراً على وصول الأسلحة إلى تركيا بسبب العملية الواسعة التي سيطر من خلالها الجيش التركي على أجزاء واسعة من جزيرة قبرص عام 1974، ولم تتراجع عنها أنقرة إلا بعد 3 سنوات عندما تراجعت الإدارة الأمريكية عن قرار حظر إيصال الأسلحة لتركيا، حيث يحتفي الأتراك بهذه الحادثة على اعتبار أنها نموذج لمواجهة ما يسموه «غطرسة» الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الدوام، تهدد أنقرة بإغلاق «إنجيرليك» أمام القوات الأمريكية، لا سيما عقب تصاعد الأزمة بين البلدين فيما يتعلق بدعم وحدات حماية الشعب الكردية في شمالي سوريا، ويشدد كبار المسؤولين الأتراك على أن إغلاق القاعدة هو «حق سيادي» لتركيا يمكنها من اتخاذه وقتما تشاء، لكنها لم تنفذ هذه التهديدات رغم مستويات التراجع التاريخية التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين.
أزمة حرب العراق 2003
مع بدء استعداداتها لشن حرب على العراق، طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من تركيا رسمياً الانضمام إلى التحالف المشارك في الحرب على العراق بالإضافة إلى فتح أراضيها وقواعدها العسكرية ومجالها الجوي أمام القوات الأمريكية.
لكن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك فضل رفض القرار من خلال حزبه الذي لم يمرر مذكرة بهذا الخصوص في البرلمان التركي وبالتالي رفضت الحكومة التركية الطلب الأمريكي باستخدام الأراضي التركي، متذرعةً برفض البرلمان التركي لذلك، ما أثار غضب الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير.
ومع تصاعد الأزمة وطلب أمريكا من أنقرة الرضوخ لسياسات واشنطن اتجاه سوريا وإيران عزز اردوغان علاقاته مع دمشق وطهران في تحد للتوجه الأمريكي، وهو ما زاد من الخلافات بين الجانبين وسط تصريحات حادة من قبل مسؤولي البلدين.
حادثة قلنسوة 2003
في الرابع من تموز/يوليو 2003 وفي أعقاب غزو القوات الأمريكية للعراق، قامت مجموعة من العسكريين الأمريكيين باقتياد مجموعة من العسكريين الأتراك الذين يعملون في مدينة السليمانية شمالي العراق وتم اقتيادهم مع وضع قلنسوات فوق رؤوسهم، واستجوبتهم القوات المسلحة الأمريكية.
عقب 60 ساعة من التوقيف ثم أطلق سراح الجنود بعد أن قدمت تركيا اعتراضًا لدى الولايات المتحدة. ورغم أن أيًّا من الجانبين لم يعتذر، فقد شكلت لجنة أمريكية تركية للتحقيق في الحادثة وأصدرت بيانًا مشتركًا للاعتذار، لكن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد كتب خطابًا إلى اردوغان أعرب فيه عن أسفه حيال تلك الحادثة.
هذه الحادثة أضرت بالعلاقات الدبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة ومثلت نقطة تدهور في العلاقات بين البلدين. ورغم أن الحادثة قد لقيت تغطية ضئيلة نسبيًا في الولايات المتحدة، فقد كانت حادثة كبرى في تركيا ورأى مواطنون كُثر أنها إهانة متعمدة وأطلقوا عليها اسم «حادثة القلنسوة».
أزمة تأشيرات السفر 2017
وفي 8 تشرين أول/أكتوبر عام 2017، أعلنت السفارة الأمريكية لدى أنقرة تعليق جميع خدمات التأشيرات بمقرها وفي القنصليات الأمريكية لدى تركيا، «باستثناء الهجرة»، وعلى الفور ردَّت السفارة التركية في واشنطن على الخطوة الأمريكية بإجراءٍ مماثلٍ، وعلّقت منح التأشيرات للمواطنين الأمريكيين بمقرها، وجميع القنصليات التركية لدى أمريكا. هذه الأزمة اندلعت بعد أيام من صدور حكم قضائي تركي بحبس متين طوبوز، الموظف بالقنصلية الأمريكية العامة في إسطنبول، بتهم مختلفة، بينها «التجسس»، وعلاقته بتنظيم غولن ومحاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد منتصف عام 2016، وعقب أشهر طويلة من التوتر توصل البلدين إلى حل للأزمة.
أزمة الراهب برونسون 2018
رغم اعتقاله منذ أشهر بتهم تتعلق بالتعاون مع منظمات إرهابية وشبهات حول دوره في محاولة الانقلاب، صعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مطالبه لتركيا بإطلاق سراح الراهب الأمريكي أندرو برونسون رغم وجود مفاوضات بين الجانبين للتوصل إلى صفقة ما.
ومنذ أيام وعقب تهديدات حادة جداً، بدأ الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا تمثلت في فرض عقوبات مالية وقانونية على وزيري الداخلية والعدل التركيين، قبل البدء بفرض عقوبات اقتصادية ورفض الضرائب على الواردات التركية، وتفاخر ترامب بشكل مباشر بتمكنه من توجيه ضربة كبيرة للعملة التركية «الليرة».
وعلى الجانب الأخر اعتبرت تركيا العقوبات الأمريكية «حرباً اقتصادية مباشرة» عليها من قبل واشنطن، وهدد اردوغان بأن ذلك يعني المخاطرة بخسارة تركيا بشكل كامل، معلناً مزيداً من التقارب مع روسيا وإيران، وسط تكهنات بإمكانية توسع الأزمة لتشمل ملفات التعان السياسي والعسكري بين البلدين بشكل غير مسبوق، في ظل انعدام الوساطات وتراجع فرص الحل.
*ربما تركيا تخسر (ماليا )
لكنها تربح شرفا وكرامة
واستقلالا بعيدا عن
الغطرسة الأمريكية البغيضة.
نصر الله تركيا على كل
أعدائها .
سلام