بيروت ـ «القدس العربي» : لا صوت يعلو على الصوت المدوّي لنتائج انتخابات بلدية طرابلس التي فرضت الوزير المستقيل اللواء أشرف ريفي زعيماً بالقوة في عاصمة الشمال. وانشغل كثيرون امس في قراءة هادئة للمعطيات التي أدت إلى حصول هذه الانتفاضة في طرابلس منها الوهن في جسم الائتلاف العريض الذي تشكل من الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي والنواب محمد الصفدي ومحمد كبارة وروبير فاضل وسامر سعادة والوزير السابق فيصل كرامي والجماعة الإسلامية والاحباش.
فقد اعتبر الطرابلسيون أن هذه اللائحة التوافقية التي جمعت المتخاصمين سابقاً هبطت عليهم مثل «الباراشوت» وتجاهلت الاحياء الفقيرة في التبانة وباب الرمل حيث لم تضم اللائحة أي مرشح من هذه الاحياء التي شهدت جولات قتال عنيفة وشكلت وقوداً للمحاور.
وإذا كان البعض يحمّل الرئيس نجيب ميقاتي جزءاً من مسؤولية الفشل بسبب إصراره على تسمية رئيس اللائحة من أنصاره بدلاً من اختيار شخصية قريبة من تيار المستقبل، فإن أوساط ميقاتي ترد بأنه دفع ثمن التحالف مع الحريري من رصيده الطرابلسي وأنه لم يستمع لأصوات طالبته بخوض المعركة البلدية بمفرده.
وبغض النظر عن خسارة ميقاتي والحريري والتحالف العريض فإن التنوع الطائفي في طرابلس دفع بدوره الثمن وكان أول ضحايا المبارزة الانتخابية، حيث خلا المجلس البلدي الجديد من أي تمثيل للمسيحيين أو للعلويين ما دفع بالنائب الاورثوذكسي عن المدينة روبير فاضل إلى تقديم استقالته من خلال بيان جاء فيه «لا سعادة لنائب على حساب تعاسة الشعب… عندما احترفت الشأن العام والسياسة، آليت على نفسي شرطاً إلزامياً ومهمة لا أحيد عنه مهما كانت التحديات والمصاعب أو الإغراءات. وذاك الشرط هو حتماً مبرر وجود لبنان وأعني: التعددية والعيش المشترك وتوازن مكونات لبنان الوطن، التي إن تم المساس بأي مكون منها؛ ضاع الهدف وإختفى مبرر الوجود».
وقال «وقفت إلى جانب الرئيس الحريري ولا أزال كلما كان مستهدفاً برمزيته وموقعه واعتداله والتزامه. حذرت من تجاوز الثنائية المارونية في الاستحقاقات الأساسية ومن أخطار الوقوع في رمال متحركة تغرق الجوهر الكياني للبنان».
وأضاف «شاركت في تأليف اللائحة الإئتلافية في الإنتخابات البلدية الأخيرة وحافزي هو حصراً خوفي من أن تطيح المعركة السياسية الطاحنة بتمثيل جميع مكونات نسيج مجتمعنا. وبالتالي، أن تهدد مبرر الوجود الكياني، لذا عملت على تأمين تمثيل كل الطوائف من أي منطقة يطغى عليها لون مكون واحد إن كان مسيحياً أو مسلماً، معتمداً الكفاءة والنزاهة والأهلية.»
وقال «حذرت من المساس بتمثيل أي فئة من مجتمعنا، وقرنت القول بالفعل فسعيت وبادرت وعملت جاهداً متجاوزاً كل الأولويات التي تلي هذه الأولوية الحتمية… فكان ما كان وسبق السيف غمد الخوف ووقع المحظور :فلقد كشفت معركة الإنتخابات البلدية غبارها، وإذا بها تغيّب أو تهمّش أكثر من مكون أساسي من المجلس البلدي الجديد أو على الأقل أخلّت بالأعراف وبالجوهر. ويعزيني بدون أن يكفيني أن وعي الناخب طغى لدى الأكثرية بعدم التشطيب الطائفي، إلا أن هذا لم يكن كافياً لتجنب المحظور. وحيث أن القضايا الميثاقية تلزم بموقف واضح وصريح لإعادة النظر بقانون إنتخاب البلديات كي لا يتحول بدون قصد إلى مصدر للفتنة أو الإلغاء».
وأردف فاضل «كما أننا بحاجة لثقافة سياسية ناضجة قائمة على المحاسبة والمساءلة وتحمل المسؤولية، وحيث أن حضوري لجلسات عديدة لطاولة الحوار الوطني أكد لي عدم استعداد المتحاورين أو المتناحرين إلى تنازلات تحفظ الوطن وتصون المواطنات والمواطنين، وحيث أن جهودي في التشريع لقضايا أساسية مثل قانون الانتخاب ومكافحة الفقر المدقع ومعالجة أزمة الكهرباء…كلها قوبلت بصمت وتردد ولامبالاة، وحيث أن وكالتي عن الشعب اللبناني هي في جوهرها، قائمة على حفظ التوازنات ومنع الإخلال بالمكونات الوطنية والوقوف سداً منيعاً ضد تحجيم، تهميش أو إلغاء أي مكون من مكونات نسيج الوطن.ولما كانت نيابتي إستقالت من ذاتها؛ وكانت قد تشظت وتضررت بالتمديد المتكرر؛ لذا وللأسباب السابق ذكرها: أتقدم باستقالتي من مجلس النواب».
وجاءت استقالة النائب روبير فاضل بعد اتصال طويل أجراه مع الرئيس نبيه بري الذي حاول ثنيه عن قراره. كما اتصل الشيخ أسد عاصي بالرئيس بري معترضاً باسم جبل محسن على الخلل الحاصل في التوازن البلدي، ومنبهاً إلى عواقبه .وقد حذّر بري من خطورة الانزلاق إلى ردود فعل متسرعة، مشدداً على انه لا يجوز التعاطي مع ما حصل في طرابلس بالانفعال وانما بالحكمة، لأن المرحلة لا تحتمل أي سلوك قد يساهم في تأجيج الجمر الطائفي أو في رفع منسوب التعصب . ونقل عن بري قوله لفاضل: الأمر لا يتوقف على عدم وجود ممثلين عن المسيحيين في المجلس البلدي لطرابلس.. ان الأزمة الأكبر تتمثل في استمرار غياب رئيس الجمهورية المسيحي.. وأضاف: نصيحتي لك ان تهدأ وأن تدرس قرارك ملياً قبل حسمه، وإذا صممت على الاستقالة، فعليك ان تقدمها وفق الاصول، علماً بانني في كل الحالات لن اقبلها.
كما أكد بري للشيخ عاصي وجوب ضبط النفس، لأن أي تصرف انفعالي قد يعيد انتاج التوتر بين باب التبانة وجبل محسن. وتابع مخاطباً إياه: أعطوني بعض الوقت لأرى ما الذي يمكنني فعله، وإذا تبين ان الأفق مسدود، ربما نبحث لاحقاً في امكانية إنشاء بلدية خاصة بجبل محسن، لكن الآن عليكم ان تتحلوا بالهدوء.
وكان عضو كتلة الكتائب النائب عن طرابلس سامر سعادة وضع استقالته بتصرف مطران طرابلس جورج أبو جودة الذي لم يوافق عليها وأكد له أننا بصدد تثبيت الوجود المسيحي في طرابلس وليس إضعافه. وفي مسلسل الاستقالات، أعلن المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس والشمال ايهاب نافع في بيان استقالته.
وقال «مع إجراء الانتخابات البلدية في طرابلس، جرت اتفاقات وتحالفات لم ترق للشارع الطرابلسي، فتم الاعتراض عليها من الكثيرين. وبعد صدور النتائج التي أظهرت ان اختيارنا لم يكن سليماً، ولم تلب الجماعة طموحات الشارع الطرابلسي ولم ترق إلى مستوى تطلعاته، فإنني بوصفي مسؤولاً عن العمل السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس والشمال، أتحمل مسؤوليتي كاملة أمام أهلنا ومناصري جماعتنا ومحبيها، ولذلك، فقد تقدمت باستقالتي من هذه المسؤولية بكل شفافية، لأعود جندياً في هذه الدعوة المباركة التي نشأت فيها وتتلمذت على أفكارها، متمنياً لمن يختاره الأخوة بعدي سداد الرأي والخطى».
بدوره فإن الوزير السابق فيصل كرامي الذي هنأ المجلس البلدي الجديد بالفوز، توجّه إليه بالقول «ان انتصارهم الحقيقي يكون بانتصار الانماء على السياسة، وبانتصار المدينة على محاولات توظيفها في الصراعات الإقليمية والدولية، وبانتصار العقل والحكمة والعمل على الشعارات والغرائز. ولا أنكر على الإطلاق ان النتائج التي خرجت من صناديق طرابلس لها دلالات سياسية وستكون لنا قراءة شاملة وصريحة لكل هذه الدلالات وأبعادها في وقت قريب، ولكن على المجلس البلدي ان يستفيد من الربح الذي حققته له السياسة، وان يرمّم الخسارة التي تسببت بها السياسة، ولا شك ان الخسارة الأكبر للمدينة كانت في غياب التمثيل المتنوع لنسيجها الاجتماعي والطائفي، وهو ما يتطلب الكثير من الوعي لتعويض هذا الغياب المؤقت الذي فرضته معركة أحزاب الأحجام والأوزان حساب وجه الطرابلسي المنفتح والحضاري بل و«اللبناني، يدنا ممدودة لخير طرابلس وأهلها».