السجال الذي اندلع حول التحرش الجنسي عموما، وحركة الوسم الشهير #MeToo بصفة خاصة، لا يزال حامي الوطيس، لأسباب لم تعد تتصل جوهريا بالمحتوى، ولا حتى بالشكل، بل بالوقائع ذات الصلة بالمتحرشين «النجوم»، خاصة إذا كانت الأنثى الضحية لا تقلّ نجومية. آخر الأمثلة هي الاتهامات التي يخضع للتحقيق فيها المفكر الإسلامي طارق رمضان، الذي قد يكون بعض سوء حظه (أو العكس؟) أنه حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، دون سواه. يضاف إلى هذا أنّ رمضان، ربما لأنه أحد أبرز الدعاة الإسلاميين في الغرب، وأبرعهم خطابا، وأعلاهم هضما للثقافة الغربية، يتمتع بالشعبية والنفور، في آن معا، ومسبقا أحيانا.
قضية رمضان ليست موضوع هذه السطور، حتى يقول القضاء كلمته النهائية على الأقلّ، ولكن سيل اتهامات التحرش، والسجال النسوي ــ النسوي حولها بصفة خاصة (كاترين دونوف بين نجوم السينما، ومارغريت أتوود في الأدب)، يعــــيد إلى الأذهان حقيقة تفصيلية، أرى أنها ترتـــدي أهمية خاصة: كانت الحركات النسوية، في الفلسفة والنقــــد وعلم الاجتمـــاع بصفة خاصة، قد انطلقت إجمالا من فرنسا، أواخر الستينيات، وتلقفتها أمريكا، وأمّا اليوم، فإنّ أمريكا تعيد ردّ البضاعة إلى العالم، مع اختلاف المعايير والمعطيات والقِيَم، متشبعة بما تجـــيد أمريكا إنتاجه جــــيدا، أي الإبــهار والإثارة والـ«شو بزنس». لهذا بدا نادرا، حتى الساعة، أن تقترن حركة الـ#MeToo الجارفة بقراءات فلسفية أو نقدية تتوغل إلى عمقها، أو تقرأ مدلولاتها المختلفة، الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
شتان، كما يتوجب القول، بين الحال الراهنة ومناخات الطور النسوي الأول، الذي أطلقته أربعة أعمال رائدة، بين أخرى أقلّ تأثيرا: سيمون دوبوفوار في «الجنس الثاني»، وكيت ميلليت في «السياسة الجنسية»، وبيتي فريدان في «الباطن المؤنث»، وجيرمين غرير في «الخصيّ المؤنث». هذه المؤلفات حاصصت الأدب والثقافة لصالح «الحالة النسوية»، فسألت بوفوار: ما هي المرأة، ولماذا يُساء تمثيلها في النصوص؟ وسألت ميلليت: ما السياسة الجنسية، وكيف يجري تمثيلها في الأدب؟ وسألت فريدان وغرير: لماذا تتأصل الأنماط الأنثوية المتكررة، ولماذا تقبل بها المرأة؟ هذا المزيج من النقد الثقافي والنقد الأدبي شكّل السمة المشتركة للنقد النسوي بعد الحرب العالمية الثانية، حين طُرح مفهوم الثقافة كأداة فعالة في معركة اشتغال النظام البطريركي على حقوله وتواريخه: دوبوفوار وميلليت نظرتا إلى البطريركية كمنبع لقمع المرأة، وفريدان وغرير رأتا الإشكال في أوجه استجابة المرأة ذاتها للبطريركية. ولقد انتهى الاتجاه الأول إلى الحديث عن تحالفات جذرية بين النسوية والزَنْوَجة والمثلية، وشدّد الثاني على تنمية الوعي بالذات الأنثوية كعتبة أولى نحو التغيير.
عام 1968 سوف يكون المحطة الفاصلة التي ستشهد انهيار الحواجز بين أنظمة التحليل النفسي والفلسفة والأدب والألسنية، من جهة، ومدارس النقد النسوي وتطبيقاته وسجالاته، من جهة ثانية.
بطلات هذا الطور من صراع الولادة، كما يصحّ القول، كنّ الفرنسيات جوليا كريستيفا ومونــــيك وتيــغ وهيلين سيكسو ولوس إريغاري.
لقد أُقيمت رابطة وثيقة بين الأدب والتحليل النفسي لسببين جوهريين: أنّ الثاني رصد العلاقة النفسية بين الأمّ والابنة، بهدي من «الأنماط الخالدة» التي كرّسها النشاط الأول، وأن مجمل سلطات المؤلّفين واشتراك الكاتب والقارئ في ملكية النصّ خضعت لمساءلة حادّة في ضوء مراجعة التحليل النفسي لفكرة السلطة ذاتها.
فيما بعد، توجّب على النقد النسوي أن يجابه مركزية الثقافة في المجتمع والسياسة، ويعيد تدقيق الإشكالية الناجمة عن هذه الممارسة، ضمن تأويل تاريخي، وإعادة إنشاء وتكوين، لحقيقة كبرى: أنّ قراءة الموروث الثقافي هي، على الدوام، إعادة قراءة. وهكذا أخذت النسوية ترتدي أهمية حاسمة في معظم تيّارات النقد الثقافي، وفي تيّارات دراسة الخطاب ما بعد الاستعماري تحديدا، وذلك لسببين أساسيين: أنّ البطريركية والإمبريالية تمارسان أشكالا متناظرة من الهيمنة على التابع، موضوع الهيمنة، وأنّ النقاش الطويل حول ترتيب أولويات التحرّر النسوي في المجتمعات المستعمَرة، يشمل ثلاثية القمع الاستعماري والقمع البطريركي واندماج القمعَيْن معا.
وكما كان موقف نظريات ما بعد الاستعمار متشككا في فلسفة الأنوار الغربية وما يختفي طيّ مبادئها الكونية من تمركز غربي حول الذات، كذلك كان موقف النظريات النسوية ما بعد الاستعمارية متشككا في الخطاب النسوي الغربي (الأمريكي بصفة خاصْة)، حيث يتحوّل التفعيل الأحادي لثنائية الصراع بين المرأة والرجل إلى غاية مطلقة مجرّدة، تخفي حقيقة الصراعات الأخرى على الجبهات الثقافية والاجتماعية والسياسية، التي تجابهها المرأة المستعمَرة في سيرورات تحرّرها. جدير بالتأمل، هنا، ذلك التفصيل الذي يسأل عن حال حركة الـ#MeToo في المجتمعات غير الغربـــية، أو في الثقافات التي لم تشهد عصر أنوار على غرار ما شهدته أوروبا (أو، في المقابل الجدلي، كانت مجرّد مستعمرة/ ضحية لذلك العصر الأوروبي ذاته!)، وهل يستقيم أن يُقاس غياب الحركة، الواضح وليس النسبي، على أسس ثقافية، أو سياسية ــ اجتماعية؟
ذلك سؤال جدير بأن يذهب بنا إلى نطاق أبعد من سيل الـ#MeToo الدافق، أبعد كثيرا، وأعقد وأعمق.
صبحي حديدي
مع ادانة كاملة وقوية لكل تحرش جنسي او اغتصاب للنساء ومحاكمة كل مجرمي التحرش والاغتصاب، اتساءل ايضا لماذا لا تحاكم النساء اللاتي يتحرشن بالرجال او يغتصبوهن ايضا… وقضية طارق رمضان هي قضية باطلة يراد بها حق لخنق صوته
يا اخ سورى
هو جريمة التحرش فيها خيار وفاقوس
رئيس امريكا كلنتون اتهم بالتحرش والفعل الفاضح
داخل البيت الابيض
ولم يقل اى امريكى سواء رجل ا و سيدة
ان المتحرش بها كاذبة او مدعية على
أقوى رجل فى العالم
القانون ياخذ مجراه
ولا يصح الا الصحيح
حسب تقديري ومتابعتي للأحداث قبل وبعد انطلاق قضية التحرش, أن هذه القضية التي انطلقت من أمريكا كان سببها الفشل الذي شعرت به هذه المؤسسات الأمريكية (غالبها كان داعماً لهليري كلنتون) بفوز ترامب على هليري كلنتون. وبدلاً أن تناقش هذه المؤسسات هذا الفشل بنقد ذاتي جاد يبحث عن الاسباب الحقيقية أولاً, أطلقت قضية التحرش بهذا الإبــهار والإثارة (ومن هوليوود مع صحيفة ذات شهرة عالمية, على أساس أن المجتمع (الأمريكي-الغربي بالدرجة الأولى) مازال ذكوريا ولهذا فشلت كلنتون ونجح ترامب!. إلا أن الحملة على التحرش تبدو مضطربة نوعاما, واتهام رمضان هو جزء من هذه القصة وهو ليس إلا واحدة من الدلائل التي تشير إلى هذا الاضطراب.