بيروت – علي حايك : أن تجد زاوية تطل على الشارع الرئيسي للحي هو افضل ما تجده في هذه المدينة التعيسة. وما ستجده في طفولتك واسوأ ما سيرافقك في شبابك. نحن، ابناء «الزواريب» لا مكان لنا في الخارج.
كان سقف الطموح ان نجد زاوية تجمعنا فالبيوت صارت ضيقة علينا. تعلمنا كيف تسير الحياة من الشارع، من الزاوية تحديداً، فقد كنا نقضي معظم أوقاتنا هناك. نراقب المارة والسيارات وعمال التنظيف وأصحاب المحلات.
في البداية لم يكن لدينا مكان نلجأ اليه، يكون بمثابة مرتع لنا. كنا نتشرد في الطرقات كي نبحث عن تسلية. تشردنا لمدة طويلة إلى أن ورثنا زاوية الحي من الذين كانوا قد استحلوا قسطاً منها قبلنا، وانتقلت حياتهم إلى المقهى او بسطته. فهذا هو قانون الشارع. من يكبر ينتقل إلى المقهى، ليجالس الكبار ويلعب ورق الشدة معهم، ويرثه على الفور من هم اصغر سناً.
من يرث الزاوية يرث معها شتائم اهل الحي، ولقب «الأزعر»، والنظرات المريبة واحياناً اهتمام المخبرين. بعد سنوات من الجلوس على أطراف الحي، ضاق بنا المكان وتغير طعم إثارة المشاكل. تفرقنا بطبيعة الحال. الطلاب لازموا بيوتهم وانتقلنا نحن إلى المقهى.
نحن العاطلون عن العمل منا. صرنا نجلس طوال النهار بإنتظار من يعمل كي يعـود إلى مقـهانا. بعض الذين قرروا البقاء على زاوية الطرقات لم تسر حياتهم بشكل جيد. فالشاب الطويل الذي كان يجلس معنا ضبط أثناء خروجه من المخيم وبحوزته قطع مخدرات. وشاب آخر قتل أمامنا بسبب أحد مشاكله. بعضهم لجأ إلى السرقة؟ المصير الأسوأ كان من نصيب الراقدين تحت التر اب. لم نولد سيئين، الزوايا جعلتنا على ما نحن عليه. اغلب من بقي هناك لم يسعفه الحظ كما فعل معنا، ما نحن عليه هو مجرد حظ. في الغالب لو أن الجميع وجد مكاناً جيداً كي ينتمي اليه لما وصل حال البعض إلى هنا.
«الزواريب» مقبرة الطموح. فمن قتل كان يحلم بأن يحترف كرة القدم، بالرغم من أن حلمه كان مستهلكاً من الجميع الا أنه كان حلماً بسيطاً. ومن سجن في قضية مخدرات يقف الآن خلف ماكينة القهوة في كوخ صغير كان يحلم ايضاً. حلم دائماً بتكوين عائلة إلا أن الزاوية هي هويته اينما هب، ومن تكون الزاوية هويته لا يقبله أحد عريسا لبناته .
في الغالب كنا نُشتم لمجرد وجودنا في الشارع وجلوسنا على زوايا الطرقات الا أنهم لم يساعدونا. ولم يخبرونا أن بعض الأماكن هي أفضل من هذا. وقف أمامنا أحد رجال الحي يوماً وقال دفنت ابني منذ عدة سنين كان يجلس هنا مثلكم، ابتعدوا عن الزوايا كي لا تموتوا في اول العشرين. الزاوية كانت مدخلي للحياة. نشأت فيها وأبعدتني عنها الصدف كي يتغير سلوكي في وقت لاحق .كل ما أتمناه ان لا ينقل الحظ مكان إقامته، فهو الأمل الوحيد لأطفال «الزواريب».