أبواب تونس وأسوارها تنطق تاريخا تليدا

حجم الخط
1

تونس ـ «القدس العربي»: للأبواب التونسية جاذبية خاصة، فهي أسرار آلاف السنين من الحضارة والأصالة. وتضم المدن التونسية أبوابا مختلفة، بعضها ردمته السنون والآخر ما زال قائما يشع كأول طلوع الشمس فوق المنازل والأحياء الـقــديمة، فــمــن يملك مفاتيحها ومن يملك الضوء ولمن يحكي أزرق الأبواب وأخضرها أقاصيصه العتيقة؟
يقول الباحث والكاتب التونسي بدري المدني في حديثه لـ «القدس العربي» ان هذه الأبواب تزيد من جمالية المدن التونسية وهي تحكي قصص السابقين وبطولات ومفاخر وأمجاد، وتتجمّل الأسوار مع شموخها بتلك الأبواب الصامدة التي تروي قصص العشاق ومواهب العابرين وحكايات العبّاد. وينقلنا المدني معه في فسحة قصيرة إلى أبرز المدن التونسية لنطرق أبوابها ونسائلها عن الملاحم.

سور صفاقس

صفاقس عاصمة الجنوب وهي جميلة بسورها الذي بناه في عهد الأغالبة القاضي علي البكري بين 849 -851. ويوضح محدثنا ان هذا السور يمتاز بهندسة عربية إسلامية، وبعلو يحمي من الأخطار الخارجية، وينفتح منه 12 بابا. وأضاف: «البابان الرئيسيان هما باب الجبلي وباب الديوان باعتبار أنهما أقدم أبواب صفاقس المفتوحة، فقد بقيت المدينة قروناً ببابين فقط حتى أواخر القرن 19 إثر الاحتلال الفرنسي، حيث فتحت الأبواب الأخرى لتكاثر عدد السكان وإنشاء أحياء خارج السور، فأضيفت 10 أبواب جديدة آخرها الباب الشرقي، وهذه الأبواب هي:
باب البحر وفتح سنة 859 وسمي كذلك لأنه يفتح مباشرة على البحر، ويمثل الآن باباً من 4 متجاورة مكونة من باب الديوان، وأطلق عليه الاسم في العهد الحفصي، وباب فرنسا الثاني على اليمين متوسطاً الكبيرين، وفتح سنة 1906 والبابان الكبيران بين فرنسا والبحر، وفرنسا والسور، فتحا مباشرة بعد الاستقلال، والجبلي وفتح سنة 859، والجبلي الجديد وفتح سنة 1910، والقصبة أو باب الجديد أو سيدي الياس، وفتح أواخر القرن 19، وجدد سنة 1960 والباب الغربي الذي فتح سنة 1960، ويتكون من فتحتين غربية وشمالية. والباب الشرقي وفتح عام 1965».

رباط المنستير

 ومن مدينة صفاقس ينقلنا بدري المدني إلى المنستير ويوضح ان هذه المدينة كانت تسمى «روسبينا» في العهد الروماني، وعاش فيها ودفن الإمام المازري، وعاش فيها الرئيس بورقيبة وفيها مرقده وقد اشتهرت برباطها وبسورها التاريخي الذي شيّد في عهد الأغالبة خلال القرن 19 وما زال صامدا وشاهدا على تاريخها وفيه 7 أبواب بقي بعضها وفتحت فيه أبواب أخرى فيما زال عدد آخر منها، والأبواب الأصلية الباقية عددها ثلاثة وهي: 
باب بريقشة: وهذه التسمية لها ارتباط كبير بعادات وتقاليد المنستيريين، إذ هي تصغير لنوع من الأسماك والمعروف بالبرقاش ويطل على أهم شوارع المدينة. وباب الكرم وباب الغربي وباب الجديد: ويعرف أيضا باسم باب بنات، وقد أزيل هذا الباب وحلت محله مباني جديدة وباب السور، وسمّي في وقت لاحق بباب الشهداء وباب الخوخة، ويقع قبالة مقبرة الإمام المازري وأخيرا باب الدرب.

جوهرة الساحل

 ويتابع محدثنا: «وننتقل إلى مدينة سوسة. جوهرة الساحل، حضرموت الرومانية، ومن أهم المعالم التاريخية الإسلامية فيها سور المدينة الذي تحدث المرحوم حسن حسني عبد الوهاب في كتابه (ورقات عن الحضارة العربية بافريقية التونسية) عن هذا المعلم التاريخي الخالد وعلى لسان البكري فقال: وسور سوسة صخر منيع، حصين ومتين البناء يضرب فيه البحر.
 لسوسة على امتداد السور 8 أبواب لا يعرف إلا بعضها، وهي الباب الكبير وما يعرف بباب بحر والباب الغربي الذي ما زال يحتفظ ببنائه وباسمه وموقعه إلى الآن مثلما هو الشأن بالباب الجبلي والباب القبلي المعروف بباب القيروان والباب الجديد، في حين انتفى الباب الذي يوجد في الجهة الغربية ولا يعرف أي شيء عن الباب الآخر، بالرغم من إنشاء باب جديد عرف لدى الناس بباب الفينقة أو المشنقة.

العاصمة أو الحاضرة

يتوقف بنا بدري المدني في هذه الرحلة في العاصمة تونس ويوضح ان أبوابها تنقسم إلى قسمين: أبواب داخلية وأبواب خارجية. ويتابع بالقول: «من أربعة وعشرين بابا لم يبق منها اليوم سوى خمسة أبواب، في حين لا تزال التسميات الأخرى تطلق على أماكن وجود الأبواب المضمحلة. وتتميز هذه الأبواب بالتشابه الكبير من حيث الشكل والهندسة، إذ يميزها شكل القوس، باستثناء باب الجديد الذي بني على الطريقة المغربية، إذ توجد به ثلاثة انحناءات مسقفة عكس الأبواب الأخرى».
ويؤكد الأستاذ والباحث في جامعة الزيتونة ان تسميات الأبواب مقترنة بالاتجاهات التي تفتح عليها، فباب البحر مثلا سمي كذلك لأنه يفتح في اتجاه بحيرة تونس التي تفتح على البحر، أما باب الجزيرة فهو يستمد اسمه من جزيرة شريك أي ما يعرف بالوطني القبلي حاليا.
في حين أن بعض الأبواب يستمد تسمياته من وجود بعض الأولياء الصالحين، مثل باب سعدون الذي سمي بذلك نسبة للولي الصالح «بو سعدون» أو باب سـيدي عبد الــســلام نســبة للولي الصالح سيدي عبد الــســلام الأسمر المدفون في مدينة زليتن الليبية.
في حين أن باب بنات سمي بذلك لأن السلطان أبو زكريا الحفصي (1223-1249) تبنّى بنات عدوه يحيى بن غارية الثلاث ورباهن في قصر واقع قرب هذا الباب. أما باب الخضراء فسمي بذلك لأنه كان يفتح على مساحات خضراء، وهو إلى الآن يؤدي إلى منطقة «البلفدير».

أبواب صامدة

بفعل عامل الزمن تدمرت عدة أبواب في حين ان أبوابا أخرى لا تزال صامدة في قلب المدينة العتيقة لتحكي قصص الاناس الذين عاشوا فيها قبل عقود طويلة. وحسب المدني فان الأبواب التي لا تزال قائمة هي، باب البحر بني في عهد الأغالبة، في السور الشرقي للمدينة العتيقة. سمي كذلك لأنه يفتح في اتجاه البحر، ثمّ أخذ باب البحر اسم باب فرنسا خلال الاستعمار الفرنسي لتونس، وهو اسم ما زال يستعمل أحيانا اليوم «porte de france».
وباب الجديد هو الباب السادس الذي أحدث في أسوار المدينة في عهد السلطان يحي الحفصي سنة 1278. ثمّ باب الخضراء يقع شمال المدينة بني حوالي 1320على شكل قوس بسيط. اسمه هو أحد تسميات مدينة تونس «الخضراء» فباب سعدون بني حوالي سنة 1350 بجانب باب سويقة، وقد جاء اسمه من اسم رجل صالح يدعى سيدي بو سعدون، كان يعيش في جواره. ونأتي إلى باب العسل بني في العهد العثماني. سمي بباب العسل على لقب عائلة بني عسال، وهي عائلة غنية كانت تسكن قرب الباب. وكان يسمى أيضا باب سيدي يحيى.

ولا يبق غير الأسماء

وتجدر الإشارة إلى اندثار الكثير من الأبواب التي لم تبق منها سوى التسمية في أماكنها وهي باب الأقواس وباب الجزيرة أحد أقدم أبواب المدينة العتيقة، وباب سوق القماش الذي بني في القرن الخامس عشر الميلادي. وباب سيدي عبد السلام بني في عهد باي تونس حمودة باشا على السور الغربي للمدينة العتيقة، ويحمل اسم الولي الصالح سيدي عبد السلام الأسمر (1475-1573) وباب سيدي عبد الله الشريف وبني في الجانب الجنوبي الغربي للقصبة. سمي على اسم الولي الصالح سيدي عبد الله الشريف، حيث يقع ضريحه، وللباب وظيفة عسكرية، وباب سيدي قاسم بني في العهد العثماني ويقع على الأسوار الغربية للمدينة. سمي على اسم الولي الصالح سيدي قاسم الجليزي المتوفي سنة 1497 وحيث يقع ضريحه. وهناك أيضا باب سويقة الذي يقع قرب حي الحلفاوين المجاور لباب العسل وباب الأقواس، بين باب البنات وباب قرطاجنة وهي من أبواب الأسوار الداخلية، وبين باب الخضراء وباب سعدون التي تقع في الأسوار الخارجية لمدينة تونس العتيقة، وكان قد هُدم هذا الباب عام 1861. وقد جاءت تسمية باب سويقة تصغيرا لكلمة سوق. وهناك أيضا باب العلوج الذي بناه السلطان الحفصي أبو إسحاق إبراهيم المستنصر (1349-1369) وسماه باب الرحيبة (أي باب الساحة الصغيرة). في عام 1435 قام السلطان الحفصي أبو عمرو عثمان باستدعاء عائلة أمه من إيطاليا، وأسكنها في الحي المجاور للقصبة، والذي صار يسمى رحبة العلوج (من العلج، وهو الأجنبي الأوروبي) وبذلك سمي الباب بـباب العلوج.
وتاسعا باب عليوة الذي بناه السلطان الحفصي أبو إسحاق إبراهيم المستنصر (1349-1369) في الجهة الشرقية من سور المدينة. سمي بباب عليوة نظرا للعلّيّة (طابق علوي صغير). وهناك باب الفلة سمي كذلك نظرا لأنه كان مجرد ثلمة أو «فلة» في سور المدينة العتيقة. وباب القرجاني أو باب سيدي الغرجيني أو باب سيدي علي الغرجيني (يسمى أيضا بالعامية التونسية باب القرجاني) يحمل اسم أحد التلامذة الأربعين لأبي الحسن الشاذلي (سيدي بالحسن الشاذلي) سيدي علي الغرجيني من القرن السابع هجري، وباب المنارة بني عام 1276 على الأسوار الغربية للمدينة في عهد الحفصيين.

حاضرة الإسلام الأولى

ولا يمكن الحديث عن أبواب المدن القديمة في تونس دون أن يعرج المرء على مدينة القيروان، حاضرة الإسلام الأولى في افريقيا وبلاد المغرب والتي يرقد فيها عظماء ومؤثرون في التاريخ الإسلامي من صحابة لرسول الله وقادة فاتحين وعلماء وقضاة ومفكرين وأدباء. هذه المدينة أسسها عقبة بن نافع وجعل منها قاعدة مكنت المسلمين من الزحف على كامل بلاد المغرب والأندلس باعتبار أن واليها موسى بن نصير هو من أرسل طارق بن زياد لفتح الأندلس بعد أن استكمل من سبقوه من ولاة القيروان السيطرة على كامل بلاد المغرب الذي كانت القيروان التونسية عاصمته في ذلك العهد.
وسور القيروان الذي يبرز اليوم للعيان ليس هو السور الأصلي الذي بدأ بناؤه في العهد الأموي واكتمل في العهد العباسي وازداد تحصينا مع الأغالبة والصنهاجيين زمن المعز بن باديس. حيث هدم الغزاة من بني هلال الذين أرسلهم الفاطميون أجزاء من المدينة وكذا سورها الذي كان يحصنها من الغزاة من مختلف الأمصار. وأعيد بناء سور القيروان في العهدين الحفصي والحسيني رغم عملية التخريب الثانية للمدينة بين العهدين من قبل ملك تونس مراد الثالث الذي عاقب أهل القيروان على تمردهم عليه بهدم بيوتهم وأجزاء من سورهم.
ويضم سور القيروان ثمانية أبواب أهمها على الإطلاق باب الجلادين، وهناك أيضا باب تونس الذي يفتح على الطريق المؤدية إلى مدينة تونس، والباب الجديد وغيره. وتظلّ أبواب المدن التونسية الشهيرة علامات تاريخية مضيئة للأدوار الجمّة التي أدتها في الحياة الاقتصادية وكذلك العسكرية الأمنية رغم أن العديد منها اندثرت وتلاشت مع ما عرفته البلاد من تطورات عبر تاريخها حالت دون صمود هذه المعالم التّاريخية.

أبواب تونس وأسوارها تنطق تاريخا تليدا
حكاية الأصالة والهوية والتراث
روعة قاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زيد:

    محتاج مصادر و معلومات عن التحصينات الدفاعية بمدينة القيروان بالعهد الحفصي و العثماني

إشترك في قائمتنا البريدية