القاهرة – إسلام أنور: «قيراط حظ ولا فدان شطارة» مثل مصري شهير يعبر عما يمكن للحظ أن يمنحه للإنسان من مكاسب كبيرة بغض النظر عما يملكه من مهارة وجدارة.
ورغم المعرفة العميقة للسلطة المصرية بهذا المثل الذي يبدو في كثيرٍ من الأحيان هو القاعدة الحاكمة لصعود وارتقاء كثير من قياداتها، إلا أنها تتناسى هذه القاعدة في صراعها الممتد مع نجم كرة القدم محمد أبو تريكة.
الأخير، أعلنت محكمة جنايات شمال القاهرة يوم 17 يناير/كانون الثاني الماضي عن وضعه ضمن قائمة طويلة من الشخصيات المتهمة بالإرهاب والانتماء لـ»الإخوان المسلمين»، موجهة إليه تهمة المساهمة في تمويل الجماعة التي صنفتها السلطة عام 2013 كمنظمة « إرهابية».
وحسب قانون لمكافحة الإرهاب أقره النظام في 2015، تفرض على الأشخاص المدرجين على قوائم الإرهاب عقوبات تشمل منعهم من مغادرة البلاد، ومصادرة جوازات سفرهم وتجميد أصولهم المالية.
القرار ضد اللاعب الدولي أثار ردود أفعال قاسية على السلطة الحاكمة في مصر داخليًا وخارجيًا، فأبو تريكة لاعب كرة القدم الأسبق في النادي الأهلي ومنتخب مصر الملقب بـ «معشوق الجماهير» و»زيدان الكرة المصرية»، واحد من القلائل الذين حازوا على ثنائية الحظ والشطارة. رغم سطوة أبناء الطبقة الوسطى على مجال كرة القدم في مصر خلال السنوات الماضية، لكن أبو تريكة القادم من قرية ناهيا، إحدى أفقر قرى محافظة الجيزة، استطاع أن يخترق هذه المنظومة ويجد لنفسه مكانة فريدة في المستطيل الأخضر وخارجه.
وشهدت الفترة الماضية حملات كبيرة للتضامن معه من الملايين من عشاقه على مواقع «التواصل الاجتماعي»، ومئات من اللاعبين والشخصيات العامة العالمية وتصدرت صورته عشرات الصحف العالمية.
وكتب الإعلامي والمعلق الرياضي الجزائري حفيظ دراجي: «يجب أن نقرأ على الدنيا السلام عندما يصنف الكابتن أبو تريكة إرهابياً، وهو واحد ممن شرف مصر والعرب وأسعد عشاقه بأخلاقه قبل مهارته».
رغم المنجزات الكبيرة والمتتالية التي حققها أبو تريكة لم تغيره الأموال والشهرة، ولم يسع للحصول على مكاسب سياسية وفردية، مع العلم أن إغراءات كثيرة عرضت عليه.
منذ اللحظة الأولى لدخوله عالم الساحرة المستديرة بكل ما تحمله من صخب وسطوة ونفوذ وشهرة، شعر أبو تريكة بالوحدة والغربة. هو لا ينتمي لهذا العالم، هو فقط محب وعاشق لكرة القدم ليس أكثر. لذلك اختار العزلة والصمت وقدم نموذجا مغايرا عبر حضوره الشفاف وكلامه القليل والإخلاص في عمله والقدرة على ضبط نفسه ورغباته، ليبقى حضوره في الملعب كأثر فراشة لا يزول.
اعتزل وهو في سن الـ33 من عمره، رغم قدرته على الاستمرار والعطاء لأكثر من ذلك. لقد أراد الخروج من أرض الملعب، وهو في قمة نجاحه وتألقه.
منذ الثورة لم يتوقف حضور أبو تريكة في المشهد العام، تميز كالعادة بالحرص والحكمة مع الانحياز الواضح لـ 25 يناير/كانون الثاني، وجمهور الألتراس الذي ظهر بوضوح عقب مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها 74 من أنصار النادي الأهلي.
حينها، رفض أبو تريكة، مصافحة المشير طنطاوي قائد المجلس الأعلى متهماً المجلس العسكري بالمسؤولية عن المجزرة.
وبعد توقف نشاط كرة القدم لسبعة أشهر، وصل فيها الرئيس محمد مرسي للحكم، قررت السلطة عودة النشاط الكروي، فكان قراره عدم المشاركة في مباراة السوبر المصري تضماناً مع جماهير الألتراس.
رفض اللعب حتى تتحقق مطالب الجماهير بالقصاص من القتلة، وتعرض لهجوم كبير وغرامات قاسية، لكنه أصر على قراره.
النظام في مصر لم ينس ما فعله أبو تريكة، ومع وصول السيسي للحكم بدأت حملة تصفية لرموز ثورة 25 يناير/كانون الثاني وداعميها. حاولت السلطة استمالة اللاعب الشهير أكثر من مرة، لكنه رفض وظل في عزلته، فكانت النتيجة اتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان والتحفظ على جزء من أمواله في مايو/ايار 2015.
بعض المصادر أشارت إلى أن الرئيس السيسي طلب لقاء أبو تريكة منذ أسابيع عدة للظهور معه ودعمه، كما فعل اللاعب محمد صلاح الذي تبرع لصندوق «تحيا مصر»، لكن «معشوق الجماهير» رفض.
وعليه، كان العقاب بوضعه على قوائم الإرهاب. وتبدو هذه القصة غير المعلنة واقعية إلى حد بعيداً، في ظل الدعوات المستمرة إلى الآن من عدد من الإعلاميين الداعمين للنظام الحالي لآن يتبرع أبو تريكة لصندوق «تحيا مصر» كي يسكت الألسنة التي تتهمه بأنه ينتمي لجماعة «الإخـوان».