لديَّ الكثير من الأطباء والطبيبات الأصدقاء، الذين تجمعني معهم أفكار مشتركة، قبل أن تجمعني معهم علاقة المريض مع طبيبه، كلما ألمّ بي عارض صحيّ. وخارج هذا العدد، تعاملت مع عدد من الأطباء الرائعين، المخلصين، الذين لا يخفى حرصهم على مرضاهم، وهذا أمر يحسّه المريض، لأنه يتحول، ما إن يصيبه مرض، إلى كتلة من قرون الاستشعار فائقة الحساسية.
كان لا بدّ من هذه المقدمة القصيرة، كي أقول إنني لا أخلط الحابل بالنابل، ولا أعمِّم. لكن العلاقة بين كثير من الأطباء ومرضاهم غير ذلك؛ وبعض الحكايات التي أسستْ تلك الأجواء السوداء في رواية (حرب الكلب الثانية) استمعتُ إليها من أطباء أعرفهم، أو من مرضى أعرفهم، أو من تجربتي شاهد عيان، لكثير من الحوادث الطبية، وبعضها تنحدر، حتى لا أقول ترقى، إلى مرتبة الجرائم.
لكن الجسم الطبّي، العربيّ، وهنا يمكن أن أعمّم! يتمتّع بقدرة هائلة على حماية أعضائه، وكأنه محفل ماسوني، أو ما شابه، فمن النادر أن تصل قضية خطأ طبيّ، أو جهل طبي، أو جريمة طبية، إلى نهاية عادلة للمتضرّرين؛ وهذا أمر، وهنا أعمّم أيضا، يجعلنا نقف لنتساءل عن المكون الأخلاقي للمهنة، الذي يَحوُل دون تقدم طبيب للشهادة ضد زميل أو زميلة له.
هذا المقال، لا يستطيع أن يستوعب كل ما سأكتب، فالرواية التي أشرتُ إليها، لم تستوعب ذلك، فكيف بعدد قليل من الكلمات، ولذا سأقسمه إلى نصفين، الأول يتعلق بتجارب رجال أعرفهم، وجدوا أنفسهم في مهب الموت، أو قبضة الاحتيال، في مستشفيات خاصة، وسأخصص المقال المقبل لما تعرضت له نساء، وفيه حكايات تصل إلى ما بعد الرعب، ولحسن الحظ لدي تسجيلات بها، وحدثت في مستشفيات حكومية.
وقبل أن أبدأ بطرح القصص التي يمكن أن يستوعبها هذا المقال، سأشير، أنا الذي يعيش في الأردن، إلى الحملة الشعبية الفلسطينية للمحاسبة على الأخطاء الطبية، والتي شملت مختلف المدن الفلسطينية، وتحوّلت إلى مظاهرات. والمفزع في الأمر، وحسب علمي، أنها أول مظاهرات من هذا النوع، يخرج فيها الناس، لا ضد الاحتلال، بل ضد (ممارسات) في الجسم الطبي.
سأبدأ بحكاية رأيتها بعيني، وسمعتها من أولها إلى آخرها، حين رافقتُ أحد المرضى إلى المستشفى:
أب طيب، يحضر طفله، في الثالثة أو الرابعة من عمره للمستشفى، وهو يعاني من حرارة عالية، على ما يبدو، يتناوله أحد الممرضين من بين يديه يقلّبه، ويناوله للأب، ثم يذهب مع الأب والطفل إلى غرفة لا أراها في الطابق الثاني. بعد عشر دقائق، أرى ممرضا آخر يتأبط ذراع الأب، ويقوده بارتباك إلى الصالة، الأب يسأل: شو صار؟ والممرض يطمئنه. بعد نصف ساعة يأتي الطبيب ويشرح للأب أن الحياة والموت بيد الله، وأن عليه أن يصبر ويكون مؤمنا! كما لو أن الأب الذي جاء بابنه كان كافرا! ونستنتج أن الابن مات. يصرخ الأب: ولكنه لم يكن يعاني سوى من ارتفاع الحرارة!
تعمّ الفوضى، تهدأ، ويحين أذان المغرب، فيهبط ذلك الممرض وزملاؤه الذين تجمّعوا، ومعهم الطبيب، ويقودون الأب المذهول، ليصلي معهم جماعة، فقد حان وقت الصلاة!
من الهمسات الكثيرة بينهم، تكتشف أنهم لم يُجروا فحصا للطفل، ليعرفوا إن كان يعاني من حساسية من البنسلين، أم لا.
الحكاية الثانية:
يتلقى أحد الأصدقاء اتصالا يفيد بأنهم نقلوا أخاه (28 عاما) الذي كان يمارس لعبة كرة القدم، من الملعب إلى المستشفى. يصل، يخبرونه أن الشاب بحاجة لعملية قلب مفتوح! يطلب فيلم التنظير، يقولون: لا وقت، سيموت إذا لم نُجر له عمليه قبل الساعة الخامسة! يجلس مهموما، يسأله موظف الاستقبال: ماذا تنتظر؟ يجيب: فيلم التنظير لأخي! يُحضره له الموظف الذي لا يعرف خفايا المسألة. ينظر الصديق إلى ساعته، لديه ثلاث ساعات قبل إجراء العملية، ينطلق إلى ثلاثة أطباء قلب، كلهم يؤكدون أن قلب الشاب أفضل من قلوبهم. يتصل، ويطلب من أخيه ألا يسمح لأحد أن يمسّه. يختفي جراح القلب الذي كان سيجري العملية، ويخلو الممر من أي موظف أمام غضبة الأهل.
الحكاية الثالثة:
بقعة دم في أسفل الدماغ، قرب نهاية العمود الفقاري، نتج عنها ما يشبه مظاهر السكتة الدماغية. الطبيب يقرر عمل جراحة في هذه المنطقة الحساسة، يأتي شقيق المريض أيضا على عجل، ولكن من أمريكا هذه المرة. يطلب بلطف من الطبيب أن يأخذ رأيا طبيّا آخر. يغضب الطبيب: وهل تعتقد أنني لا أفهم عملي؟! يصرّ الأخ: يرسل التقارير إلى زوجته الطبيبة في أمريكا، تستشير زملاءها، يقرُّون: إجراء العملية سيؤدي إلى الموت، أو الشلل، وأن العلاج يجب أن يتم بالأدوية.
ينقل الأخ التقارير إلى طبيب آخر، في مستشفى آخر، من دون أن يخبره برأي الأطباء في الخارج، يؤكد رأيهم، ويعالج المريض بالدواء، تتحسن الحالة تدريجيا، ويعود المريض إلى ممارسة حياته بصورة طبيعية.
لقد نجا المريضان الأخيران، لكن حياة الطفل انتهت.
في كل جلسة، ستسمع، إذا ما فتح هذا الموضوع حكايات كثيرة، ولا أخفي أن كثيرين مثلي باتوا يخشون المستشفيات والأطباء. قد يكون بعضنا محظوظا بوجود رعاية طبية صادقة، لكن كثيرين باتوا يعتقدون: أن المرض ليس هو المرض، بل الذهاب إلى المستشفى أو الطبيب! وهذا كابوس لم يعد باستطاعة البشر الفرار منه إلى أحلامهم بالحياة.
إبراهيم نصر الله
هذه الحادثة حصلت قبل ستة شهور مع خالتي في احدى مستشفيات الأردن الحكومية ! ذهبت من اجل المراجعة حيث كانت تشكوا من
ألم بركبتها ، وخلال أربعة وعشرون ساعة انزلوها الى غرفة الإنعاش لتعيش وتتنفس على الأجهزة ، وخلال عشرة أيام فارقت الحياة
وعانت العائلة من خلال اقوال الممرضين والأطباء المقيمين والتصريحات المتناقضة من قبل الجميع ، منهم من علل الامر لعدم وجود
الاخصائي في العطلة الأسبوعية ، ومنهم من افضى بسر ما حصل وهو إعطائها دواء غير مناسب لحالتها حيث تسبب بتوقف الرئتين
عن العمل والفشل الكلوي .
وعندما سؤل الطبيب المناوب ماذا حدث ، ولماذا توفيت بهذه السرعة كونها أتت للمراجعة من اجل سبب بسيط ، الجواب كان صادماً
وزاد العائلة حزنناً اكثر ، أجاب الطبيب المثقف الملاك ( هي كبيرة بالسن واجلها حصل والاعمار بيد الله وهذا ما حصل )
المستشفيات في الوطن العربي شبيهة في الإهمال والتطبيب ، ورواياتها متشابهة للتصدي لحقوق المريض وأهله
جارتي هنا في أمريكا بسن الخامسة والتسعين ، أحيانا اراها تتجول كالحصان الهرم ولكنها تمشي على رجليها دون عكازة
ومن حين الى آخر تأتي سيارة الإسعاف لتنفلها الى المستشفى حين تشعر بألم معين ، ومن ثم تعود بعد يومين او ثلاثة
يبدوا ان أوراق حياة البشر الصفراء او الخضراء هنا لا تسقط بتلك السرعة كما في بلادنا ، او ان الله لا يحسب سنين حياتهم
كما هو عندنا
هناك الاف القصص والحكايات عن هذه المعاناة اليومية في بلادنا الرحيمة
شكراً أستاذ إبراهيم نصرالله لطرحك وخوضك بهذه الأمور
الطب عمل إنساني. والطبيب إذا نزع إنسانيته فهو أشد فتكا من جزار ومن قاطع الطريق
بالنسبة للواقعة رقم 2 و 3 هذة ليست أخطاء طبية هذة وقائع نصب و تستحق المحاكمة
بعد سنين طويلة من عملي كطبيب إقتنعت أن الإنسان أضعف من الذبابة إذا هدَّه المرض . و عندما يصاب الإنسان بصحته ، كلّ واحدٍ منّا و أهله و محبيه يصابوا بالقلق الشديد ، و يصبح واجب الطبيب و الآخرين ممن يشتركوا برعاية المريض تخفيف أثر إعتلال صحته على المريض و عائلته ، و العمل بكل صدق و إخلاص نحو ذلك . هنا تأتي عوامل كثيرة متشابكة قد يكون لا حصر لها ، و منها البيئة المحلية و ثقافتها _ ذاك أمرٌ يقود الى أن يستغرب بعض الأطباء الجدد اللذين يقدمون للعمل في الدول المتقدمة كأوروبا و أمريكا من حجم الشكاية من الخدمات الطبية مع توفر كل الإمكانيات المادية . هنا يجب ذكر أن الرعاية الصحية تحتاج إمكانيات مادية و بشرية كثير من بلدان العالم الثالث مع شديد الأسف لا تستطيع توفيرها . لا يوجد شك أنه توجد الكثير من المثالب و النواقص في نظام الرعاية الصحية في بلادنا ، و تقع أخطاء لشديد الأسف . بعض هذه الأخطاء تظهر هكذا فقط عند النظر الى النتيجة النهائية ، غير أنها في وقتها بالنسبة لمن إرتكبها ما إعتقدة بناء على ما يملك من خبرة ” طريقة في العلاج ” إن ، و ذاك شرط مهم ، وافقه جزء معتبر من الجسم الطبي .
يبقى واجب الطبيب العمل بكل إخلاص لأداء واجبه و تحكيم الضمير دائماً.
إِنَّ الطَبيبَ بِطِبِّهِ وَدَوائِهِ
لا يَستَطيعُ دِفاعَ مَكروهٍ أَتى
ما لِلطَبيبِ يَموتُ بِالداءِ الَّذي
قَد كانَ يُبرِئُ جُرحَهُ فيما مَضى
ذَهَبَ المُداوي وَالمُداوى وَالَّذي
جَلَبَ الدَواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اِشتَرى
لفتة جميلة من استاذنا ابراهيم نصر الله بعيدا عن الأدب والسياسة وأثني على تعليق الدكتور محمد شهاب احمد ويؤسفني ان الفساد في بلادنا طال كل شيء حتى الطب
أم صديقي ذهبت لعملية في ركبتها بالنرويج قبل 10 سنوات
تفاجأت بأنها ماتت بالعملية والسبب قلبها !
هل كان هناك نزيف حاد بركبتها أثر على وصول الدم لقلبها ؟ الله أعلم
ولا حول ولا قوة الا بالله
شكراً جزيلاً على ثنائك و لطفك الأخ سوري