الرباط ـ «القدس العربي»: دبت الروح في مؤسسات الدولة المغربية للتعاطي مع احتجاجات منطقة الريف المندلعة منذ اكثر من سبعة اشهر، وبعيداً عن الملاحقات والاعتقالات وفي الوقت الذي بدأت فيها المحاكمات لقادة الاحتجاجات، كان مجلس النواب المغربي، ولاول مرة يخصص جلسته لتطورات هذه الاحتجاجات وبعد ساعات قليلة من اجتماع عقده رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مع وزراء ومنتخبين لمنافشة الملف نفسه.
واذا كان ما تلي في اجتماع العثماني او تحت قبة البرلمان، لا يختلف كثيراً عن التصريحات الرسمية او الحزبية المتداولة، فان تكرار المضمون نفسه، واحياناً العبارات نفسها، يؤشر على ان هذه الاحتجاجات لا زالت مستمرة، لانها تتزامن مع محاكمات قادة الحراك، يعتبر ناشطوه، ان الاعتقالات والمحاكمات غير شرعية، وما دامت مؤسسات الدولة المعنية لا زالت ترفض فتح الحوار مع الناشطين وتقتصره على المنتخبين الذين لا يعترف الناشطون بأهليتهم ويذهبون لاتهامهم بالفساد وسوء التدبير.
وقال الدكتور سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية إنه بتعليمات من الملك محمد السادس، رئيس الدولة، عقد الاجتماع الذي جمعه مساء الاثنين بأعضاء الحكومة المشرفين على الاوراش التنموية في إقليم الحسينة والمنتخبين على المستوى الجهة، وأن الهدف فتح نقاش صريح حول مشاكل المنطقة، والإنصات المتبادل.
واكد إن «الانصات للمحتجين من ثوابت منهجنا ومن واجب الحكومة الاستجابة لمطالب الساكنة لكن الحكومة معنية بالحفاظ على الأمن العام وعلى الثوابت الوطنية» مهنئاً ساكنة الحسيمة، على حفاظهم على الامن والسلمية وقال ان «المشاكل الكبرى يجب أن تحل بنفس وطني، بعيداً عن الحسابات الحزبية الضيقة او الفئوية المنغلقة، لاننا نريد أن نبين أننا في القضايا الوطنية يد واحدة».
نغمة الانفصاليين
وتمت تسريبات حول اللقاء قالت ان رشيد الطالبي العلمي، وزير الشباب والرياضة، عاد إلى نظرية الانفصال، الذي كانت جرت على الأغلبية غضباً واسعاً داخل الريف وخارجه، عشية تفجر الاحتجاجات وافادت مواقع مغربية ان الطالبي العلمي، قال في الاجتماع «لا يمكننا أن نتصدى للانفصال في الجنوب، ويطلع لنا في الشمال»، في إشارة إلى شيطنة حراك الريف واتهامه بالسعي للانفصال.
وقال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت رداً على سؤال للبرلماني نبيل الأندلسي، حول حظر التجول غير المعلن الساري في الحسيمة «في مثل هذه الظروف لا يمكن لأي كان أن يتحرك كما يريد».
ورد نشطاء حراك الريف على تصريحات رئيس الحكومة العثماني بضرورة التسريع بتنفيذ المشاريع التنموية للمنطقة، ورفع المحتجون في الوقفة الاحتجاجية بحي سيدي عابد بالحسيمة، التي نظمت بعد صلاة التراويح شعار «قالو التنمية أشمن (اية) تنمية والمعتقلون في السجون».
وادى النشطاء جماعياً القسم على عدم خيانة الحراك والتشبث بالنزول إلى الشارع للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، وإكمال مسيرة الاحتجاجات التي خرجوا من أجلها إلى حين الاستجابة إلى المطالب التي رفعوها منط بدابة الاحتاجاجات لاكثر من سبعة أشهر وردد المحتجون شعارات «سلمية سلمية لا حجرة لا جنوية»، و»الشعب يريد السراح للمعتقل».
وندد نشطاء الحراك بـ «المقاربة الأمنية التي ينهجها المخزن في التعامل مع سلمية الحراك»، واعتبروها «استفزازاً وقمعاً لحريتهم في الاحتجاج المنصوص عليها في الدستور المغربي»، واعتبروا أن التعامل مع مطالبهم المشروعة والعادلة «بالقمع والاعتقالات في صفوفهم لن يزيدهم إلا إصراراً على مواصلة نضالهم وتقوية لصفهم».
وفي مجلس النواب أكد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، امس الثلاثاء، أن إقليم الحسيمة، شأنه شأن باقي أقاليم المملكة، استفاد من الدينامية التي يعيشها مجموع التراب الوطني، من خلال مؤسسات منتخبة وأجواء ديمقراطية، فضلاً عن المجهودات التنموية التي تم بذلها في المنطقة في السنوات الأخيرة.
وأوضح جواباً على أسئلة آنية بمجلس النواب حول الأحداث التي شهدها إقليم الحسيمة والمشروع التنموي بالمنطقة، أن الدولة واعية بأن هاته المجهودات تبقى غير كافية لتحقيق المنسوب التنموي الكافي للاستجابة لاحتياجات الساكنة ومتطلباتها، مما جعلها تحرص على تبني مقاربة استباقية تتوخى جعل المنطقة قطباً تنموياً وان الأوراش والمشاريع المبرمجة، تتجاوز الوثيقة المطلبية التي تم الترويج لها، والتي تشتمل على 21 مطلباً تم التعامل معها بكل جدية من طرف القطاعات الحكومية المعنية، التي حرصت على التجاوب الإيجابي معها نقطة بنقطة.
وزير الداخلية يستنكر استمرار الاحتجاجات
وتساءل لفتيت عن المغزى من إصرار البعض على السلوك الاحتجاجي رغم للحكومة مع مختلف المطالب المعبر عنها وحول الجهات المستفيدة من تبخيس الجهود التنموية للحكومة في المنطقة، ومن دفع الحوار الذي فتحته الحكومة إلى الباب المسدود، خصوصاً في ظل استحضار المخطط المعتمد من طرف بعض الأطراف، والهادف إلى تضليل الرأي العام ونشر الوقائع غير الصحيحة، من خلال العمل على صناعة ونشر الأخبار الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل الفورية.
واكد وزير الداخلية المغربي على كون المقاربة الحكومية كانت دائماً مبنية على نهج الحوار والتفاعل الإيجابي مع مطالب الساكنة، وأن الحاجة تبقى ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز الدور الإيجابي للنقابات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، إلى جانب الأحزاب السياسية التي تعتبر الأكثر قرباً من الساكنة بالنظر للصلاحيات الهامة التي خولتها المقتضيات الدستورية والقانونية للجماعات الترابية كقاطرة لتحريك عجلات التنمية، وبالنظر أيضاً إلى دور الهيئات المنتخبة الذي يبقى حاسماً وداعماً للبرامج التي تعدها مختلف القطاعات الحكومية.
وشدد على أن «حرص الدولة لتحقيق التنمية لا يوازيه إلا تحقيق حياة آمنة للمواطنين وحماية ممتلكاتهم، والسلطات عليه فرض القانون ضد المخالفين تحت السلطة القضائية»، و»عندما يتم خرق القانون فإن الدولة تكون ملزمة بتطبيق القانون من منطلق حماية الأفراد والجماعات وممارسة حقوقهم وضمنها الحياة الأمنة». وقال «لم يتم اعتقال أي فرد من المحتجين إلا بعد منع الشعائر الدينية واتهام الإمام، حيث إن المصالح الأمنية أوقفت أشخاصاً ثبتت في حقهم مخالفات، وهو ما تم الإعلان عنه من لدن النيابة العام» وأن «الأشخاص المتابعين يتمتعون بالضمانات التي يخولها لهم القانون، وعلى رأسها قرينة البراءة، وأن أماكن اعتقالهم معروفة، والدولة أبانت عن قدرة عالية في التعاطي مع هذه الاحتجاجات».
وقال لفتيت ان «القوات الأمنية أبانت عن ضبط كبير في النفس، رغم تعرض العديد منهم وعددهم 205 عناصر للاعتداء وتدمير 42 ناقلة أمن»، والاحتجاجات في المدينة بلغت خلال الأشهر الستة 843 شكلاً احتجاجياً أي ما معدله أربع وقفات احتجاجية يومياً مستغرباً من كون الاعتداء على القوات الأمنية لم يحظ بالاهتمام بقدر ما سعى البعض إلى ترويج الادعاءات، وان التصرفات غير المسؤولة للبعض لن تثني الدولة عن الاستمرار في القيام بدورها التنموي في المنطقة.
وأكد وزير العدل محمد أوجار، على أن «وزارته تتابع عن كثب التطورات والأحداث الأخيرة التي عرفها إقليم الحسيمة، وأنه قد جرى التأكيد على النيابات العامة من أجل الحرص والسهر على تمكين الموقوفين كافة من الضمانات التي يكفلها القانون سواء عى مستوى المتابعة أو التحقيق أو المحاكمة بما يضمن قرينة البراءة» و»أنه تم احترام جميع الضمانات المخولة لكل الموقوفين خاصة اشعار عائلات الموقوفين والسماح لهم بالاتصال بمحاميهم واخضاع كل من ادعى تعرضه للتعذيب للفحوص الطبية اللازمة».
حزب العدالة: نرفض التخوين
ووجه إدريس الأزمي رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، انتقادات لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، في تعامل الحكومة مع احتجاجات الريف وقال معقباً على جواب الوزير «نؤكد أن احتجاجات إقليم الحسيمة لها أهداف ومرامٍ اقتصادية وتنموية صرفة، ونرفض تخوين شباب الحراك واتهامهم بالانفصال، هؤلاء وحدويون ومن خيرة شباب المغرب». وأكد أن تأطير المظاهرات اختصاص للدولة حصرياً، ولا يمكن أن يتدخل فيه أحد، كما لا بمكن أن نترك أحداً يتحرش بالمتظاهرين» في اشارة للبلطجية الذين يتحرشون بالمحتجين والمتضامين مع حراك الريف والذين ينشطون تحت اسم «الشباب الملكي».
وربط بين ما يحدث في الريف وتدخل السلطة في الانتخابات، وقال مخاطبا لفتيت «خصنا نخليو المواطنين يختارو من يمثلهم، ونخليو الأحزاب تختار القيادة ديالها بحرية»، واكد انه لا حل لمشكل الحسيمة، وغيرها من مناطق المغرب إلا عبر ثلاث مقاربات متكاملة، سياسياً وتنموياً وحقوقياً، داعياً إلى ضرورة امتثال الجميع إلى القانون أفرادًا ومؤسسات.
وهاجم نورالدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي الوزير لفتيت على خلفية اتهام نشطاء حراك الريف بخدمة أجندة انفصالية وقال مضيان «بغينا نعرفو شكون هاد الخونة الذين يخدمون أجندة انفصالية»؟، وقال «إننا نعرف أن الحراك بريء من هذه الاتهامات» وأن ما يحدث في الحسيمة هو «نتيجة لإستهداف الأحزاب ذات التمثيلية الشرعية مما أدى لقطع الوساطة بين الساكنة والدولة».
وأضاف «المؤسسات المنتخبة في إقليم الحسيمة الآن لا تمثل الساكنة»، في إشارة لدعم السلطة لحزب الأصالة والمعاصرة بالإقليم «المطالب الاجتماعية الآن أصبحت متجاوزة، حينما اعتقلتم شباب الحراك سديتو باب الحوار، لذلك لا حوار إلا بإطلاق سراح المعتقلين» مؤكداً ضرورة التفكير في إطلاق سراح المعتقلين وإطلاق حوار جدي مع نشطاء الحراك.
وأشار النائب البرلماني إلى «أن المسؤولية تفرض علينا أن نقول الحقائق كما هي، ذلك أن معالجة الاختلالات التي تعرفها الحسيمة والمناطق الأخرى تتطلب مقاربة سياسية وتنموية وحقوقية ترقى إلى مستوى طموح البلد واختياراته الاستراتيجية».
محمود معروف