أخي الرئيس عبدربه منصور هادي

حجم الخط
9

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
دعني – أخي الرئيس ـ في البدء أخاطبك خطاباً مباشراً غير محمل بنياشين البلاغة، أو حذلقات الكلام. فأنا رجل بدوي بسيط، لا أجيد التخاطب بالألقاب الرسمية التي يجيدها البعض، وربما كان هذا عيباً فيَّ وميزة لهم، غير أنني اليوم أريد ان أتخلى عن ألقاب الفخامة والسيادة لا لأخرق قواعد اللياقة، بل ليكون حديثي معك حديث القلب إلى القلب، غير مرصع بالكليشيهات الجاهزة والديباجات التي تشبه لمعان النياشين البراقة على صدور من لا يستحقها.
منذ فترة طويلة وأنا أفكر في كتابة هذه الرسالة، ولكني لم أكتبها لسببين: الأول أنني أقول لعل وقتها لم يأت بعد، والثاني هو خشيتي من أن تفهم خطأ فلا تجدي في إصابة هدفها الذي أقسم أنه لم تخالطه نازعة من طمع شخصي، أنا والله في غنى عنه، ولا أقول ذلك تعففاً كاذباً، بل لأنني فعلاً غني عما لا أريد. كما أنني لا أريد من وراء هذه الرسالة أن يقال كتب إلى الرئيس للشهرة، أو ليشار إليه بالبنان، فقد علمتني الأيام أن أغلب الذين يشار إليهم بالبنان ليسوا من السعداء، وأنا رجل أريد أن أكون سعيداً، ولو كلفني ذلك أن أبقى بعيداً عن البنان والأضواء، وببساطة أنا رجل في الأصل قادم من الصحراء وأكره حر الشمس وأحب أن أظل دائماً في الظلال. وما دفعني لكتابة مثل هذه الرسالة على صفحات الجرائد هو كمية من الوجع في داخلي شخصياً وفي عيون اليمنيين في المنافي وداخل الوطن، وجع تعجز الكلمات عن وصفه، وجع اليمنيين وهم يرون البلاد التي خرج منها العرب والشعر والمسند اليمني، تغوص في الرمال التي حدثتني ذات يوم عنها في أحد فنادق العاصمة البريطانية لندن.
دعني أخي الرئيس أعود إلى يوم 21 فبراير 2012 الذي خرج فيه ثمانية ملايين يمني يحدوهم الأمل في عهد جديد لانتخابك، والذي لم يكن يوماً سعيداً لك وحدك ولكن للملايين الثمانية من اليمنيين الذين صوتوا وصوت معهم لك. لم نصوت أخي الرئيس لهادي الشخص، قدر ما صوتنا لهادي الأمل والحلم والرجاء في التغيير والمستقبل الأفضل. صوتنا لهادي الأمن والسكينة والخروج من المآزق المتراكمة، صوتنا لهادي اليمن الجميل الذي ظل إلى اليوم حلماً يستعصي على التحقق، صوتنا لك ونحن نلحظ دعماً شعبياً وإقليمياً ودولياً، لا أظن أن رئيساً يمنياً قبلك حظي به.
واليوم وبعد أكثر من سنتين على رئاستك، مجرد السؤال عما بقي من هذا الزخم والحلم والأمل الذي كان في قلوب الناس، مجرد السؤال أصبح مقلقاً لي بحكم مخالطتي لفئات مختلفة من اليمنيين في الداخل والخارج.
كيف سمحنا أخي الرئيس للزخم الكبير أن يتسرب بدون أن نستغله؟ كيف حولنا عوامل القوة في أيدينا إلى عوامل ضعف؟ كيف بددنا الأمل الذي امتلأت به قلوب الناس يوم 21 فبراير 2012، لتحل محله حسرة، وخوف على مستقبل البلاد برمتها.
وبالأمس – أخي الرئيس – استشهد واحد من أنبل القادة العسكريين، وأشجعهم، هو العميد حميد القشيبي، وهو يخوض معركته ضد جحافل الظلام القادمة من السراديب المظلمة التي يختبئ فيها من يبعث بأبناء اليمن إلى مصارعهم، بدون أن تواتيه الشجاعة للخروج من هذه السراديب، وخوض المعارك مع أنصاره.
كيف بالله عليك – أخي الرئيس – يترك حميد القشيبي يقاتل وحده شهوراً طويلة، بدون أن تهب لنجدته ولو قوة محدودة من مئات الألوية التي يملكها الجيش اليمني؟ كيف نظرنا إليه وهو يتحدى الموج وحده، وقد منعه شرفه العسكري أن يطلب المساعدة من أحد؟ كيف نترك خيرة الرجال لنتمسك بساسة ومستشارين، لو صدقوا معك، أو أحسنوا النصح لك لما وصلنا اليوم إلى ما وصلنا إليه؟
لا أخفيك أخي الرئيس أن استشهاد العميد حميد القشيبي جعلني أوقن أن هذه البلاد تقتل المخلصين من أبنائها، في المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية من الذين ذهبوا وتركوا دماءهم على رقابنا جميعاً نحن الذين خذلناهم، وتركناهم يخوضون معارك الشرف منفردين أمام طوفان التتار الجدد. إن استشهاد العميد القشيبي على قدر ما يمثل منتهى البطولة والثبات في ميادين الشرف، فإنه كذلك انعكاس لخنوع وضعف وتآمر من خذلوه في مؤسستي الجيش والأمن. وقبل القشيبي استشهد سالم قطن على يد «القاعدة» ومئات الرجال الرائعين ليبقى أصحاب الكروش المنتفخة في هاتين المؤسستين.
خسائرنا لا تنحصر – أخي الرئيس – في رحيل قيادات عسكرية مهمة، فالدمار يطال حتى نفوسنا وأرواحنا التي تشوهت بفعل مجرى الحياة اليومية المضرجة بالدم والبكاء على الراحلين، في بلاد تأكل أبناءها الرائعين، ويأكلها أسوأ أبنائها على الإطلاق.
ربما يقول لك البعض إن الصراعات التي تدور هنا وهناك جيدة لإضعاف المتصارعين تمهيداً للقضاء على مراكز القوى، وهذا رأي غير سديد ـ على الأقل من وجهة نظري ـ لأن الصراعات لا تضعف المتصارعين قدر ما تقويهم وتمرنهم أكثر على جولات قادمة، عدا عن أنها تخلق أجواء مشحونة تؤدي إلى صراعات مستقبلية وثارات لا تنتهي.
ربما قال لك أحد بحسن نية أو سوئها – لا فرق – إن الدولة ينبغي أن تكون محايدة، وهذه مقولة لم أسمع بها إلا في بلاد العجائب اليمن، إذ كيف تكون الدولة محايدة إزاء القيام بمواجبها في فرض هيبتها أمام كل الأطراف، وحضورها على كامل ترابها الوطني.
أخي الرئيس: يتحدث الكثير في اليمن وخارجه عن أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو سبب هذه المشاكل، والمنطق يقول إن لصالح يداً في ذلك، غير أنها ليست اليد الوحيدة، فالفريق الحاكم مسؤول بدرجة أولى بدون أن تخلو مسؤوليته بمجرد إلقاء اللوم على صالح ونظامه السابق. لكن السؤال هنا – أخي الرئيس – هو: مادام أن صالح بهذه القوة التي يستطيع بها خلط الأوراق، فما العيب في لقاء مباشر معه ليتم التعرف على ما يريد، والوصول معه إلى اتفاق؟ علماً بأن صالح يمكن – إذا تم التفاهم معه – أن يساعد في تهدئة ملفات كثيرة، وإعادة الثعابين إلى جحورها. وفي السياسة لا توجد محظورات إلا عند أولئك الذين يعيشون في عمق الإيديولوجيا وعلى هامش ساحات المناورة السياسية.
مهمة جداً الخطوة التي خطوتها جهة الحراك الجنوبي أخي الرئيس، ومهم أن تجرب مثلها مع الرئيس السابق، ومع قبائل حزام صنعاء الشمالي الذي لو ضمنته لصد عنك جيش التتار القادمين من مجاهل التاريخ.
أخي الرئيس: الوضع الاقتصادي، ليس أفضل حالاً من الأمني، والفريق الحاكم منقسم على نفسه، أصابه الشلل، أو ضربه نوع من ذهول الذين يساقون إلى مصيرهم ببلاهة منقطعة النظير، بدون ان يتحرك الفريق قبل الطوفان.
ليس مطلوباً من أحد في الفريق الحاكم بكافة مؤسساته أن يبذل فوق جهده. ما نطالبهم به هو بذل ربع الجهد المطلوب، أو أقل، وصدقني أخي الرئيس ان ربع الجهد فقط كفيل باجتراح المعجزة. المشكلة أن حالة الذهول التي يمر بها الفريق الحاكم تجعله لا يبذل جهداً، وإن بذله فهو جهد غير مخطط له، يذهب مع الريح، نظراً لعدم تناغم هذا الفريق، وعدم رؤيته، رغم وضوح الطريق الذي لا أحد يريد أن يسلكه. ونقطة أخرى مهمة أريد أن أذكرها هنا: يخيل لي –أخي الرئيس- أننا بالغنا كثيراً في الاعتماد على الخارج، حتى أصبح بلدنا مرهوناً لنوايا هذا الخارج التي تعرف أنها نوايا مرتبطة – حتى إن كانت خيرة – بمصالح الخارج، ونحن للأسف في علاقتنا معه نمثل في هذه المرحلة الطرف الأضعف الذي تكون معادلة العلاقات دائماً مختلة لغير صالحه.
في يدك أخي الرئيس عوامل قوة، وأوراق كثيرة يمكن أن تحركها، وما يزال بعض الأمل موجودا في قلوب الشعب الذي يمكن أن يندفع معك إلى أشواط قصوى كلما اقتربت منه وأحسست بنبضه، وطموحاته ومعاناته، ولامست فيه جمرة الانتماء والولاء لهذه البلدة الطيبة.
أعرف أن الوضع صعب ومعقد، لكني أعرف أن الناجحين ينظرون إلى الصعوبات على اعتبار أنها فرص لا تحديات، وأن في البلد من الإمكانات ومن الخيرين ما يمكن أن يخرجنا إلى بر الأمان.
وفقك الله لإنقاذ هذا الشعـــب الصابر المحتسب.

أخوك: محمد جميح

٭ كاتب يمني من اسرة «القدس العربي»

د. محمد جميح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالله العليي:

    عبرت يادكتور عن كل ما هو بداخلنا من ألم وغضب,هي كلمات اريد ان يعرفها كل اليمنيين لانها تعبر عن بعض ما نريد ان نبوح به من شدة الالم والجروح التي اصيب بها جسم اليمن من شماله الي جنوبة
    سلمت.دكتور محمد وبارك الله في فكرك النير وعقلك السديد

  2. يقول عصام علي الغمري ..اليمن:

    هذا ما يدور في عقول اليمنيين ..لو قراء الاخ الرئيس هذه الرساله وعمل بما فيها لكان الوطن بألف خير
    كلام رائع يا دكتور والاروع منه شخصيتك انت
    اسأل الله أن يزيد في الرجال الأوفياء من امثالك

  3. يقول حسن المسعودي . اليمن:

    نتشرف بمعرفتك دكتور محمد فقد وضعت نقاطك على الحروف ولامست مايدور بفكركل يمني غيور .. وكم أنا سعيد بطرحك المميز وتفكيرك السليم وسعيد أيضآ بإنك من إسرةالقدس العربي رغم إني متابع الصحيفةمنذ 15عام .. إستمر بعطائك وواصل مقالاتك وإبداعك فالوطن محتاج لعقول أبناءه النيره .. وتحياتي لك ولأسرةالقدس

  4. يقول Bakr Akwa:

    أتمنى أن يقرأ الأخ الرئيس أو يصل إليه هذا الكلام..أو اتمنى ان يكون هناك من ومستشاريه يملكون الحكمة لسيدون إليه بالنصيحة الصادقة والمفيدة..فتلك كانت دائما مشكلة رؤسا اليمن..البطانة الصالحة..

  5. يقول عصام:

    دكتور محمد لاتعليق يشرفني انك من بلدي واتمنى وانا متاكد ان الرئيس هادي سيعرف بمقالتك الرائعة وطلبك الوفي المحب لبلدة.

  6. يقول عمار ..اليمن:

    وهذه مشكله هادي بانه يستمع الى الافواه التي لا تريد الخير لليمن سوي خارجيه وداخليه لا تهمها مشاكل اليمنيييين اكثر من مصالحها ويترك الاستماع الى من يريد الخير للبلد وكانه ممتملق يريد منه مصلحه زائله….

  7. يقول عزالدين:

    تمنيت لو كان لغة مخاطبتك للرئيس اكثر صرامة وخالية من كل الألفاظ الدبلوماسية.. وتقول له بالحرف الواحد ان مصير اليمن معلق في رقبتك طالما وقد تقدمت بقيادتها وصوت لك الشعب بذالك.. على الرئيس ان يقوم بمسؤوليته امام الله والشعب والوطن ويتجنب من البطانة الفاسدة.. عليه ان يتحمل المسؤلية التاريخية التي أنيطت به بكل أمانة وشجاعة.. وندعو له الله ان يجعل منه قدر المسؤولية ويعينه في قيادة البلد الى بر الأمان ويبعده من البطانة الفاسده

  8. يقول فضل:

    في بلدي الحزين الموجوع اختلط الحابل بالنابل

    على وقع قصف الهاون ومعارك وتفجير قنابل

    يقتل يحرق الارض والموت يحصدنا يا فاتل

    ترضي اسيادك ياخائن تقتل اخوانك ياجاهل

    تبيع الدين والمبدأ لاطماع دنيا وكرسي زائل

    اي حديث تستند اليه في قتلك من القائل؟

    ما عاد هناك بصيص أمل او من متفائل؟

    فالوضع خطير غامض من يجب سؤال متسائل

    حرب خراب اطفال ايتام هلكى قتلى دمار هائل

    يذكي نار الفتنة وينشر في البلد قلاقل وبلابل

    متى تنتهي كوابيس اليوم وننصت لصوت العاقل

  9. يقول عبد اللطيف البناء اليمن:

    كلام جميل ينبع من إنسان يحس بإخوانه اليمنيين ومعاناتهم
    فالشعب في هذه المرحلة الأخيرة بدأ اليأس يدب فيه بسبب تساهل الحكومة أمام الأوضاع السيئة التي تواجه البلاد

إشترك في قائمتنا البريدية