الخرطوم – منصور الصويم: انتهت فعاليات معرض الخرطوم الدولي للكتاب «17 – 29 تشرين الأول/أكتوبر»، تاركاً أثراً معقولاً من الرضا والقبول لدى الكتاب والمثقفين السودانيين. فالمعرض هذا العام خلا تقريباً من تدخلات المصنفات الأدبية بمصادرة الكتب ومنعها؛ تلك اللعنة التي ظلت تلازم دوراته خلال السنوات الأخيرة.
كما تميز بتعدد العناوين المعروضة، لاسيما للكتاب السودانيين، وبمشاركة فاعلة لعدد كبير من الكتاب العرب، والعدد الكبير من المشاركات الشابة، تأليفاً ونشراً ومشاركة في حفلات التوقيع والندوات المصاحبة.
إضافة إلى ثراء الأنشطة المصاحبة للمعرض رغم بعض الهنات التي لازمت إعداد الفعاليات.
الشباب المشاركون، هم أولئك الكتاب دون سن الثلاثين عاماً، الذين كما أرى ابتدعوا طرقاً جديدة في النشر وتقديم الكتاب وعرضه للقارئ والناقد.
بينما لا يزال الكتاب من الأجيال السابقة يشكون عدم نشر مؤلفاتهم التي هي حبيسة الأدراج لسنوات طويلة، قفز هؤلاء الشباب فوق كل المعوقات التقليدية للنشر، الرسمي والأهلي، وعمدوا إلى نشر أعمالهم بصورة مباشرة دون انتظار دعم من أي جهة أو تعميد أبوي – أستاذي، يسهل من عملية التقديم للكاتب الجديد، مثلما كان سائدا كتقليد أدبي وسط الأجيال السابقة.
انطلاقا من منصات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وروابط الجامعات، بدأ هؤلاء الشباب تأسيس منافذهم الخاصة للنشر والقراءة والنقد، يتداولون فيما بينهم ما يكتبون ثم يعمدون بشكل جماعي على نشره إلكترونيا أولا ومن ثم ورقيا، وخير أنموذج لهذه الحالة المتفردة مجلة «جيل جديد» الإلكترونية وكتابها الشهري، فهذه المجلة يشرف عليها ويحررها ويسهم في إنجازها شباب جلهم دون الثلاثين وأكثرهم ما زالوا طلابا في الجامعات.
من عناوين الكتب لهؤلاء الشباب: «ملاحم» – إبراهيم جعفر مجموعة قصصية، «حكايات تلعب النرد»- مجموعة قصصية لمحمد النوراني، «صباحات ورقية» مجموعة قصصية- أنس مصطفى، مريم خميس روائية شابة أصدرت ثلاث روايات «رسول السلام» و«خلف الكواليس»، و«جريمة لن تغتفر»، «سحرة الضفاف»و «هوج النيازك» للروائي مهند رجب الدابي، «مدارج السلسيون» رواية لدهب تبيلو، «وحي العتمة» شعر للطيب عبدالسلام، كل هذه الأعمال صدرت عن دار نشر مصرية، يبدو أنها مخصصة لنشر الكتاب السوداني، لاسيما الشباب، اسمها دار أوراق للنشر.
دار «العنقاء» أسستها الكاتبة الشابة سحر عظيم، الأخيرة كانت إحدى الفائزات في مسابقة الطيب صالح للقصة القصيرة في مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي.
استثمرت عظيم قيمة الجائزة في التأسيس لهذه الدار، وتمكنت بالتعاون مع زملائها وزميلاتها من الكتاب الفائزين بذات الجائزة من إنجاح التجربة وإصدار عدد من الكتب والمشاركة بها في معرض الخرطوم للكتاب هذا العام، من ضمنها «رسالة لمن يريد النجاح» للدكتور عبد المنعم العميري، وكتاب شعر بعنوان «حبيبتي التي تحب حزني»، و»ماريا والصياد» مجموعة قصصية لصاحبة الدار سحر محمد عظيم، أما إنجازها الأكبر في أولى مطبوعاتها يتمثل في كتاب «جناح الفراش» وهو مجموعة قصصية ضمت نصوصا لإحدى عشرة كاتبة شابة.
الملاحظ في الغالبية العظمى من هذه الإصدارات الشبابية علو الصوت السردي على غيره من أبواب الكتابة، وهو اتجاه ربما نجد تفسيرا له في الإمكانيات التي يتيحها السرد «القصة القصيرة والرواية»؛ للكاتب في استظهار وعرض أسئلته التي يواجه بها الآخر، والتي عن طريقها قد يتمكن من مناقشة قضايا مجتمعية وسياسية وتاريخية شائكة، يصعب تناولها بشكل مباشر في ظل الظروف السياسية الراهنة في السودان.
إضافة إلى أن اللجوء للسرد دلالة على حالة من «التمرد» الشبابي على المنابر التلقيدية للقول وإبداء الرأي والمشاركة في تناول قضايا الوطن، أي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بما فيها الكيانات الأدبية والثقافية.
هؤلاء الشباب كفروا بكل الأساليب القديمة، فثمارها التي عايشوها طوال العقود الأخيرة لم تخرج عن نتاج الفشل ولم تهب سوى الإحباط واليأس، لذا نراهم ينحتون دروبا وطرقا جديدة تخصهم وحدهم وحتما ستنير الطريق مستقبلاً.