لقد أدّت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي عرفتها شوارع البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، في ما عُرف إعلاميا بالربيع العربي، وما رافق ذلك من استبدال قسري لرؤوس الأنظمة في تونس ومصر وليبيا، وسقوط الكثير من الضحايا وتدمير العمران في أكثر من بلد، إلى صوغ الكثير من الأسئلة بخصوص دور المثقف ومدى قدرته على التفاعل مع نبض الشارع وحركيّة الاحتجاجات، حيث انعقد الكثير من الندوات الفكرية التي تمحورت جلساتها حول نقد الخطاب الثقافي الراهن، مع ما صاحب ذلك من تحميل المثقف العربي الكثير من النعوت والتوصيفات، لدرجةٍ أصبحنا نقرأ ونسمع أن هذا محسوب على النظام وذاك ملتزم بقضايا الشعب الكبرى.
مناسبة هذا الكلام هو ما بات يتعرض له الشاعر السوري أدونيس، صاحب «الثابت والمتحول» والمرشّح الخائب لجائزة نوبل لعدة سنوات، من انتقادات لاذعة بسبب موقفه الصامت والملفوف أحياناً بقماط الاستعارة والمجاز، حيال ما يجري في سوريا. ولقد تضاعفت الانتقادات الموجهة لأدونيس أكثر من أي وقت مضى، مع الإعلان عن منحه جائزة السلام التي تحمل اسم الروائي الألماني الراحل إيريك ماريا ريمارك، التي تمنحها مدينة أوسنابروك الألمانية كل سنتين. حيث انتقد سوريون وألمان، في عريضة موجهة إلى لجنة تحكيم الجائزة، قرار اختيار أدونيس هذا العام (2015) مطالبين بتجريده من الجائزة، لأنه يقف على النقيض من أهدافها التي تروم إشاعة السلام والانتصار لقيّم التسامح. ولأن أدونيس الفائز، حسب هؤلاء، لم يندّد ولم يستنكر المذابح التي اقترفها نظام بشار الأسد في حق مدنيين عزّل، كما لم يبد أي موقفٍ صريح بخصوص تدفق اللاجئين السوريين على شواطئ أوروبا بحقائبهم المبتلة، وموت أطفالهم غرقاً أمام كاميرات العالم، وفي أحسن الحالات تركلهم مصورات القنوات التلفزية في مشهد مقرف.
وفي هذا الصدد، اعتبر الشاعر والناقد السوري محمد المطرود منح جائزة السلام لعلي أحمد سعيد أسبر المعروف باسمه المستعار أدونيس، ضربة غدر من الخلف تبرئ القاتل وتدين المقتول، خصوصا أن الآلاف من السوريين نزحوا أفواجاً إلى بلد الجائزة المذكورة، وزارتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في مركز اللاجئين، فيما استقبلت آخرين بنفسها في محطة القطار، ما عزّز شعبيتها وسط تحفظ (وتذمر) شركائها الأوروبيين الموقعين على اتفافية اللاجئين عام 1951، وهو ما جعل المطرود أن يختم مقاله بنداءٍ مؤثر قال فيه «أيها الألمان يا من خضتم يومًا في الدماء وعرفتم النار عن كثب، لا تقتلونا وقد آويتمونا وأحسنتم وفادتنا، فليس من العدل أن تكرمونا وتكرموا القاتل في الوقت نفسه».
وإذا لم يسمع الألمان هذا النداء ولا أيّ نداء آخر، هل سيرمي أدونيس، كعادته، بقفازات التحدي أمام منتقديه ويقبل الجائزة، وهو الذي لا يترك مناسبةً من دون أن يحذّر أصدقاءه من الإعلام والإعلاميين؟ ومعروف أن صاحب ديوان «أغاني مهيار الدمشقي» لا تنقصه الشهرة ولا الجوائز وهو الذي كبر سريعا مثل صغار الغزلان في عالم الشّعر، منذ أن أنشد قصيدته الوطنية أمام شكري القوتلي رئيس سوريا حينذاك، وحظي بعطفه، إلى أن صار الشاعر الأكثر حضورا وشهرةً بين معاصريه، والمفكر الأكثر مقروئية في العالم، والاسم رقم واحد الذي يرشّحه النقاد لجائزة السويد العالمية. أمّا ألا يرفض الجائزة حتى لو جاءت ملفوفة بقماط طفل مات للتو فهذا ما لا نتغيّى قوله.
ومن بشاعة التاريخ المعاصر أن يستأسدَ بشار، أو الديكتاتور الضاحك، كما وصفه الشاعر والصحافي أمجد ناصر، بسلاح الروس ويحوّل البلاد قاعاً صفصفاً على مرأى ومسمع العالم. لكن غير مقبول بتاتا من أدونيس ألاّ يسمع لكلّ هذه الأصوات المطالبة بمعرفة رأيه الواضح من الحراك السوري، أو على الأصح أن يغيّر رأيه وينحاز للثورة السورية التي انتقدها بشدّة من أول أيامها عندما قال إنها لا تمثله بتاتا، لأنها خرجت من المساجد، وكأن الشاعر البالغ من العمر 85 عاما ينتظر ثورة شعبيّة أخرى تخرج من الحانات حتّى يعدّل نظارتيه ويسير وسط الحشود، لكن التاريخ لن ينسى أن أدونيس كان من أول المتحمّسين لثورة الخميني التي ناصرها بمقالاته المطولة وصفّق لها في أكثر من منبر إعلامي، بل وأسعفته القريحة حينها وتغنّى بها في قصيدته «تحية إلى ثورة إيران» التي نشرت في إحدى الجرائد العربية الأكثر مقروئية يوم وصول الخميني إلى كرسي السلطة حيث يقول: «أفقٌ، ثورةٌ، والطغاة شتاتٌ/ كيف أروي لإيران حبّي/ والذي في زفيري/ والذي في شهيقي/ تعجز عنه الكلمات». وهل يجوز، مع هذا التناقض، أن نستعير لسان تلك الجارية القديمة ونقول كلام الليل يمحوه النهار، أم أنّ أدونيس وجد في ثورة الخميني من قيّم الحداثة ما لم يجده في الثورة السورية؟
ومهما يكن من أمرٍ، فأدونيس لم يفاجئنا هذه المرّة بقدر ما أوغل في خذلان شعب سوريا وقرّائه، بعدما عرفناه رجلا شكّاكا لا يتوّرع عن مهاجمة تراث الأمم والدين والثقافة وكل شيء، مع حرصه الشديد على تفريخ مريديه من الشعراء الشباب أينما حلّ وارتحل.
وشخصيا أشكر الله لأنّني بعتُ أعماله الشعرية الكاملة ذات إفلاس فظيع. أمّا سوريا فيكفيها أن تفتخر بأبنائها الرافضين بالمطلق لأي مساومة والذائدين على الدوام عن حياض الحرية والحق في العيش الكريم، مثلما يفخر تاريخها بالفنان التشكيلي الساخر لؤي كيلاني الذي قضى سنوات عمره يرسم هموم شعبه بفرشاة الدم وأصباغ الروح إلى أن غفا ذات ليلةٍ فسقطت من بين أصابعه سيجارته ومات محترقا بعدما اندلعت النار في أغراض البيت، وسوريا أيضاً بلد محمد الماغوط الشاعر الاستثنائي، الذي عاش حزيناُ حتى تبدّى له «حزنٌ في ضوء القمر» وصارت له «غرفة بملايين الجدران» واللائحة تطول مع الأحياء والأموات على حد سواء. وفي الأخير يبقى عشق الوطن وتذوّق طعم الحرية أكبر من أي جائزة.
كاتب مغربي
حسن بولهويشات
لن تخلِّصَ أيةُ جائزةٍ «تقديريةِ»، مهما علا شأنُها ولا ريب، روحَ أيٍّ من أولئك الشعراء «العالميين» والناطقين السُّفهاء والمنحلِّي الضمير، من أمثال أدونيس، خصوصًا وأنهم لم ينفكُّوا يزدرون ويحتقرون المهاجرين السوريين أنفسهم، وبكلِّ قطعيةٍ وصفاقةٍ، لمجرَّد أنهم يهاجرون من بلدهم الذي تكتنفه كلُّ أشكال الموت الوحشيِّ، ليس غير. إذ يقول هذا الشاعر «العالمي»، في الآونة الأخيرةِ، في حوار مع صحيفة «السفير» اللبنانية، وبكلِّ قطعيةٍ وصفاقةٍ كذلك: «في سوريا مثلاً، فإن ثلث الشعب هاجر. لا يوجد شعب في العالم يهاجر ونستمرُّ في تسميته بأنه شعب ثوري».ولم يتوانَ لحظةً، عن التنصُّل من أيِّ شيءٍ له مِساسُ بالثورة السورية منذ بداياتها، في نهاية المطاف!!!
يا أستاذ حسن. ادونيس ليس الا علويا ولا علاقة له بأصول ولا اخلاق
ولن استغرب ان منحوه كل الجوائز .
الفنان التشكيلي الساخر لؤي كيالي وليس كيلاني
أعرف ما بدخيلته هذا الشاعر المثير للشفقة أدونيس. بما أنه مقيم في فرنسا زمانا طويلا، وبصفته واحدا من السوريين القلائل على وجه التحديد، كان يظن أنه قطع نادر في هذا المكان، وفي هذا كان يظن كذلك أنه مُلفت لكل أشكال الانتباه والآن، وبعد أن انتشر السوريون في أوروبا بعشرات الألوف، بل بمئات الألوف، لم يعد ا نادرا ولم يعد ملفتا للانتباه كما كان يظن،.