أرجوك، لا تقرع بابي بعد اليوم

حجم الخط
11

استيقظت ليلا على قرع عنيف على بابي. كانت العودة من كوكب الكوابيس والأحلام صعبة.. حين أنام، أفتح نافذة سرية في وسادتي وأقفز منها إلى كوكب آخر.
قرع لجوج على باب قلبي في الظلام. أفتح الباب. أجد أمامي عجوزا جذابا بشباب توقّد العينين ورقصة الابتسامة. من أنت؟ يصرخ بي بصوت عاتب مؤثر كأغنية شامية تراثية: أنا العيد يا حمقاء.. أنا العيد.. هل نسيتني؟ أقرع بابك من أيام.
العيد؟ اسم يكاد يكون مألوفا!
قال بنبرة مرحة وهو يتوقع أن أقفز فرحا بلقائه: أنا العيد الذي كنت تنتظرينه طفلة في بيتك الشامي العتيق وتنشدين حين تفتحين لي الباب: «جاء العيد عيد الأضحى أكبر فرحة للأطفال/لبس جديد وروح جديدة وضحك ولعب وراحة بال».
راحة البال؟ عبارة كدت أنساها! هل كنت يوما طفلة حقا تفرح بالعيد وترتبك اليوم أمامه خجلة لنسيان وجهه وطقوس حضوره؟ السيد العيد؟ كيف أنسى يوم عادت جدتي من الحج وزينا مدخل البيت بسعف النخيل وذبحنا الأضاحي وسقتنا جدتي من ماء زمزم؟
سألته: ما الذي جاء بك يا سيدي العيد إلى باريس لقرع بابي؟ ألا تعرف فجائع عالمي العربي، وأحزان قلبي وقاع روحي؟
أجاب السيد العيد ومع إجابته كان وجهه يتلاشى ببطء كغيمة: أعرف. ذهبت إلى سوريا وبكى الناس على كتفي.. ذهبت إلى العراق حاملا الهدايا فكتبوا عليها «مرتجع مع الشكر» وهم ينتحبون! ذهبت إلى اليمن (السعيد) ووجدت على القلوب لوحات تقول: «المكان مغلق الآن».. ذهبت إلى ليبيا وكدت أُقتل في قصف الإخوة الأعداء.. ذهبت إلى لبنان وكدت أدفن تحت القمامة.. وذهبت إلى…

إسرائيل تحتفل بعيد الشماتة بنا

قاطعته: أرجوك.. لا تتابع.. أعرف كل ما انتظرك هذا العام من تجهم وتقصير في الاحتفاء القلبي بك..
سامحنا يا سيدي العيد..
أضاف: لم أجرؤ على المرور براكبي القوارب هربا من بيوتهم على أمل النجاة بأطفالهم.. لم اجرؤ على قرع أبواب عائلات الذين أحرقوهم أحياء في اقفاص حديدية ولا الذين قطعت رؤوسهم ولا.. ولا..
قلت للسيد العيد: أرجوك، كف عن التلاشي هكذا.. شيئا فشيئا مثل قوس قزح يتبدد.
ولكن لم يعد بوسعنا، يا سيدي العيد، استحضارك من دون الانتحاب بدلا من الفرح..
قاطعني: لم يستقبلني بيت واحد يُفرح قلبي.. شاهدت القناديل والأطفال يحملونها وينشدون الأناشيد.. وما من بهجة حقيقية. قلت له هذا بينما إسرائيل تتابع (مسيرتها) في المسجد الأقصى، وجثث الأطفال السوريين المشردين تتناثر على الشواطئ والغرب يحاول الترويح عن ضميره المثقل بالاهتمام بطفل منهم ـ عشرات الضحايا اختنقوا في الخزان النمساوي، ولن أطيل في سرد تفاصيل أحزان عارنا العربي والقائمة تطول.. وحدها إسرائيل لديها عيد.. إنه عيد تفتت العالم العربي كما كانت تشتهي.. خطب جمال عبد الناصر صارت تثير ضحكهم لا مخاوفهم. لقد اشتهت تمزق العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن و.. و..
في إسرائيل يحتفلون كل يوم بعيد الشماتة بالعرب!!

عيد بأي حال عدنا إليك

نحترف اتهام الآخر بأخطائنا، حتى أننا نصرخ فيك أيها السيد العيد:
بأي حال عدت يا عيد والحقيقة أنك أنت الذي ينبغي ان تطرح علينا هذا السؤال الأليم.. فأنت تعود برهافة ورقة وروحانية. فكيف عدنا نحن إليك؟
سامحنا يا سيدي العيد فكل شيء يمضي من سيئ إلى أسوأ.. ولن تلقى عندنا غير «الموات» والخجل لأن إسرائيل تكاد تنجح في تهويد ما تبقى من فلسطين المحتلة وتحويل القدس إلى عاصمة لها ونحن مشغولون عن ذلك بأسئلة مصيرية حول صبغ اللحية بغير الحناء، حلال أم حرام، والشعر الزائد في جسد المرأة أين يزال وإبريق المرحاض هل يوضع إلى يمين المتوضئ أم إلى يساره، وقضايا أخرى «مصيرية جدا» كهذه وسجادة الأرض يتم سحبها من تحت أقدامنا لحظة بعد أخرى ونحن نعيش خارج الزمان.
اعذرني، يا سيدي العيد، فأنا لم استقبلك كما كنت أفعل من زمان في أرجوحة مسحورة، أصرخ فيها جزلا في أحياء (الشام)، فالمصير العربي كله صار في أرجوحة اللامعقول واللاصحو واللاعقلانية والهذيان.
والآن أرجوك، يا سيدي العيد، ان تمضي تحت مطر باريس، دعني أحاول أن أنساك.. ولا تتلاشى أمامي حزنا هكذا كي لا أنفجر بكاء وأنا أكره ذلك.

جماجم بقبعات العيد الملونة

ليس من المفترض أن تعود إلينا، يا سيدي العيد، بل أن نعود إليك. فانظر إلينا ونحن نخاطبك لا بثياب جديدة براقة نفرح بها وتفرح بنا، بل بثياب مبللة بدم حروبنا ومياه البحار التي غرقنا فيها هربا في القوارب، تقطر منا.. لم اعد إليك بالفستان (التفتاه) الوردي (والعيدية) في جيوبي بل أعود بعينين دامعتين بالحزن، عاما بعد آخر، هزيمة بعد أخرى وأسطوانة «أمجاد يا عرب أمجاد» مخربة تدور وتدور على نشاز يشبه النشيج.. ثمة قرى عربية تتهدم لصالح (المستوطنات) وهو الاسم المهذب لكلمة المستعمرات والحكاية تطول.. لقد اختنقتُ في خزان قرعت جدرانه منذ أعوام طويلة ولم يسمعني أحد.
الذين يخططون لاغتيالك يتابعون فرحهم بذواتهم وشهواتهم لاعتلاء سدة الحكم، ولو على شعب من الهياكل العظمية والجماجم التي يهدونها قبعات ملونة لترقص بها.
لا تقولوا عيد بأي حال عدت بل لنقل: عيد بأي حال عدنا إليك، فسامحنا!!

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول طاهرالعربي!:

    مقال رائع!
    عيد باي حال على الأمة العربية عدت ياعيد
    بما مضى ام لامر فيك تجديد

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    شعر من النت يناسب هذا المقال الحزين

    أيها العيد الحزين
    كيف تجرؤ أن تمر بأرضنا
    وتثير في الروح الشجون
    أيها العيد الحزين
    كيف تأتينا
    وفي الأرض دماء
    ودمار …وجنون في جنون
    أيها العيد الحزين
    كيف تأتينا
    وليس لدينا غير هذا الدمع
    والموت المغلف بالسكون
    تبكي بغداد وتبكي الشام
    وتبكي ….وتبكي…..وتبكي
    وتبكي فلسطين
    عفوك اللهم
    لا أقوى على كبح الأنين
    عفوك اللهم ضاعت إنسانيتي
    ضاع من إحساسي الإحساس
    تائه بين التخبط والظنون
    أيها العيد الحزين
    كيف تأتينا وكل صغارنا
    ألماً وخوفاً ينزفون

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول أفانين كبة . مونتريال ، كندا:

    لقد كتبت الأديبة غادة السمان قبل ثلاثون سنة التماسا من العيد في كتابها الموسوم (الأعماق المحتلة ) ، ترجوه أن لايأتي ولا يحضرولايهل علينا ( لا تحضر ياسيدي لاتحضر ) . بالرغم من ان الموضوع كُتب في ٣٠\٥\ ١٩٨٥ ، لكنه لايزال ساري المفعول ولم تنتهي مدة صلاحيته وكأنه كُتب لأحداث الساعة .فقد قرأته في أول يوم العيد وأعدت قراءته عندما وجدت نفسي النغمة النشاز التي لم تحس ببهجة العيد ولم ترتدي قناع الفرح والبهجة . ولم أجد من يشاركني هذا الأحساس سوى ماكتبته الأنسانة التي تحمل ثقل وهموم العالم العربي على كاهلها في زمن القلوب المتجمدة . لعل وعسى كلماتك هذه المملوءة بالأسى والحسرة والخيبات تصل الى أذهان ألأمة العربية النائمة والمنومة لتنهض من هذا السُبات العميق .
    أفانين كبة
    كندا

  4. يقول للأسف الشديد ، عربي:

    1948
    1950
    1967
    1971
    1973..
    حتى الثمانينات والتسعينات والالفية الأولى والثانية ومنتصف ماقبل بلوغ الثالثة
    جميع هذه التواريخ تمثل نكسات ونكبات وحروب وهزائم وخلافات واغتيلات
    هذا خلاف الانقسامات والغزوات والقصص التراثية المؤلمة
    منذ 1400 عام ولازالو الاخوة في الدين الإسلامي والعروبه يستحضرونها بين الحين والآخر
    فأي عيد تقصدين الذي لازال ناقوس ذكراه يلازمك حتى الآن
    وتصفين مباهجه وايامه السعيدة
    لربما تكون الإجابة عن السؤال :لدىَّ الوسادة ؟!
    فالسعادة مطلب يسعى لها الإنسان حتى وإن كان ذلك من خلال الاحلام

    كل عام وانتم بخير
    وهذا هو الأهم الآن”

  5. يقول عبد الوالي العفيش سوري الهوا ...الماني الاقامه:

    كانت الروح تنازع الحياه في وجودها ولكن الان انهيتي انين الروح .وارحتيها بان قضيتي عليها من ارق هذه الكلمات الصريحه .وازحتي غواغئيه الواقع المرير .وتراتيل الحن الحزين .وتوصيفك المزخرف مابين ورد الماضي واشواك الحاضر …..رائعه غاده السمان

  6. يقول م.سمير الجزائر:

    الاخت غادة العيد بعد ان طرق ابواب كل الدول العربية لم يجد من يفتح له الباب فقال ساقوم بجولة ليرى ماوقع فى هذه الدول فوجد مالم يخطر على باله وجد الحروب والدمار وسفك الدماء وجد كذلك الاقتتال بين ابناء البلد الواحد والعشيرة وحتى الاهل والاقارب فجاء اليك فى باريس والحمد لله انكى فتحتى له الباب ليقول لك اكتبى علي حال هذه البلاد وهذه الامة وكل عام وانت بالف خير

  7. يقول عياد القابسي من تونس:

    سوريا هي شهيد يبكي شهيد
    سوريا هي عائلات ماتت في شاحنة التبريد
    سوريا هي مأساة طفل ظل وحيد
    سوريا ذبحوها من الوريد الى الوريد
    سوريا تبكي وتقول اين انت يا خالد يابن الوليد
    الم تترك لنا ولدا او حتى حفيد
    سوريا طفولة ضاعت وسط النحيب
    اجسام كالسمك مثلجة في بيت التبريد
    سوريا هي شهيد يؤبن شهيد
    ياكل البحر اطفالها ومن نجا يركل كالعبيد
    سوريا تقدم لنا في كل يوم الف شهيد
    سوريا وبشار حزن اكيد اكيد

  8. يقول عياد القابسي من تونس:

    صفر في بورصة البشر
    سألت نفسي يوما هل نحن من خانة البشر؟
    إن كان نعم فلماذا نذبح في البورما كالبقر؟
    أما في الكشمير فلسنا محسوبين من بقية البشر
    وفي غزة الحياة تحتظر
    وحكوماتنا لا تخسر علينا سوى ان ترمينا ببراميل تنفجر
    سألت نفسي يوما لماذا نحن صفر في بورصة البشر؟
    هل عجزت نساؤنا ان تنجب خالد من مليارين من البشر؟
    فحكامنا لا يساوون غرزة في نعلك يا عمر
    استفحل فينا اليأس وخلنا أنفسنا لسنا بشر
    فالحياة مذلة بدونك يا عمر
    لقد اصبحنا أيتاما بعد ان مات عثمان وعلي وعمر
    وسيكتب لنا التاريخ أننا كنا صفر في بورصة البشر
    عفوا يا ملياري مسلم سادق ناقوس الخطر
    قبل ان يفوت الأوان ونحشر كلنا في سقر
    هيا اغثنا ايها المهدي المنتظر فالوضع لا يطاق
    وانا لا أرضى بالمذلة الى بقية العمر
    فيا ربي اطل في عمري ان كنا سننتصر
    واجعلني ممن يحملون رايتك ويقتدون بابي بكر وعثمان وعلي وعمر

  9. يقول بولنوار قويدر-الجزائر:

    السلام عليكم
    لقد قدم هذا الزائر وسط هذه الظروف ليس من تلقاء نفسه بل فرضت عليه تلك الحالة فرضا وهو الذي كان ينتظره الكبار والصغار على حد سواء فالصغار بألبستهم المزركشة وخضب الحناء في أيديهم وزيارة الأحباب والأهل وأمّا الكبار من أجل التهليل والتكبير إقتداء بحجاج البيت المحرم وبالتغافر والتراحم وتنفيذ شريعة الذبح التي عوض دمها في هذه الظروف بدم أزكى عند الله وعوضت بدم الإنسان المسلم الذي استقبل هذا العيد وقد لبس الأسود بدل الملون من الألوان الزاهية وعوض خضب الحناء وحمر الشفاه بالدم من الوريد إلى الوريد وأصبح دم المسلم أرخص ما يكون في هذا الزمن الموبوء بحمى السياسة التي لا تفرق بين ما حرّم الله وما أجازه والتي أصبحت وسيلة للتصفية في أيدي حكام مصلحو يين لا يهمهم إلاّ مصالحهم ولو بسحق غير ..لذلك وجدنا الأطفال سرقت منهم الفرحة وعوضت الابتسامة دموع جارية أو ساكنة تسيل حسرة وشوقا في كل من مصر وقد فرقت السياسة بين الابن والزوجة والآهل وكذا في سوريا وقد تيتم طفل وشردت عائلات ودمرت بلد باسم السياسة الرعناء وهكذا في فلسطين الجريحة و ليبيا ولبنان والعراق واليمن وبورما وغيرها من الدول الإسلامية ولا منقذ ولا حكيم ولا ناه بل كل في تأجيج نيران العنف والعنف المضاد وكلما ظهرت بادرة أمل لوقف هذا النزيف في يوم كيوم العيد أو غيره من الأيام نجد أعواد الثقاب استعرت لهيبا من أجل استمرار سيلان دم المسلم وكأنّه هو الوحيد الذي يسمح بسيلان دمه في هذا الوجود …
    ليسعنا إلاّ أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل ثمّ هل من رجل رشيد في هذه الآمة ليخلص هذه الآمة من هذه الغمّة هل انبطح الجميع للدنيا ومصالحها الفانية؟؟؟؟؟ ولو دامت لغيرك ما وصلتك…
    أين رجال الأمس هل ابتلعتهم المصالح حتى أصبحوا مصلحويين؟؟؟؟
    ولله في خلقه شؤون
    وسبحان الله

  10. يقول محمد عودة ،، الأردن:

    كنت أقرأ .. حزينآ ..
    لكني ضحكت كثيرآ بخصوص قمامة لبنان !!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية