أزمات العراق.. بين الدعم وتدويل مشاكله

بغداد ـ «القدس العربي»: جاء صدور إعلان بغداد في ختام الدورة 11 لمؤتمر البرلمانات الإسلامية بما تضمنه من دعوة الدول الإسلامية لدعم جهود العراق في محاربة الإرهاب وتنظيم الدولة ومحاربة الفكر المتطرف ودعوة البلدان لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في المؤتمر، ليحقق للحكومة العراقية جزءا من محاولاتها لكسر طوق العزلة وخاصة عربيا، بعد اتهامها بالتركيز على التحالف مع إيران بسبب التقارب العقائدي. إلا أن المؤتمر قوبل بمقاطعة معظم الدول الخليجية واليمن بسبب تواجد إيران وسوريا إضافة إلى 14 دولة إسلامية، كما واجهته قوى عراقية بانتقادات لاهمال الحكومة العراقية في كلماتها موضوع النازحين ودور الجماعات المسلحة في إثارة الفتنة الطائفية، وللتكلفة العالية للمؤتمر في وقت تشكو الحكومة من الأزمة المالية، إضافة إلى الاعتقاد بأن المؤتمر لن يخدم العراق سوى ببيان يتيم لن تجد معظم بنوده طريقا للتطبيق كحال معظم المؤتمرات المماثلة.
ومن جهة أخرى، فقد خطت القوى السياسية السنية خطوة نحو تدويل معاناة المكون عندما تقدم اتحاد القوى الوطنية بطلب رسمي إلى بعثة الأمم المتحدة في العراق من أجل تدويل قضية الاعتداءات الطائفية التي وقعت في محافظة ديالى مؤخرا ومطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية للسكان في المحافظة وأخرى مثل الأنبار وصلاح الدين والموصل، وذلك بسبب عجز الحكومة عن الوقوف بوجه الميليشيات. وهي ضربة اعتبرها البعض إجهاضا لنتائج مؤتمر البرلمانات الإسلامية الذي لم يجف الحبر عن إعلانه، ودليلا على عجز الحكومة عن الوقوف بوجه بعض الميليشيات وتوفير الحماية لأبناء المحافظات السنية.
وكما هو الحال في تناقض مواقف القوى السياسية العراقية، فقد أثارت تصريحات السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان حول رفض المحافظات السنية للحشد الشعبي، عاصفة جديدة من انتقادات الأحزاب والميليشيات الشيعية التي طالبت بطرد السفير الذي لم يمضِ على التحاقه بالسفارة سوى أيام قليلة، معتبرين التصريحات تدخلا في شؤون العراق، في حملة اعتبرها الطرف السني اجراء معدا له مسبقا ضد السعودية، عادين أن تصريحات السفير كانت واقعية وصحيحة، وهي لا ترتقي لمستوى التدخل العراقي في قضية إعدام المعارض السعودي نمر النمر.
وفي إطار تطورات الأوضاع الأمنية، فقد لاحظ المراقبون، أن معارك الرمادي في الأنبار والهجمات التي يشنها الجيش العراقي على مناطق تحت سيطرة تنظيم «الدولة» هناك منذ أيام، أصبحت أكثر بطئا بعد التقدم السريع في بداية الحملة، وذلك بسبب شدة المقاومة وزرع المناطق بالعبوات ووجود بعض العائلات التي ما زالت داخل المدينة، كما استمرت هجمات الكر والفر بين الطرفين لتؤشر حدة المعارك وأهمية السيطرة على المدينة الاستراتيجية لكليهما.
أما مسلسل التفجيرات والاغتيالات والجثث المجهولة المتواصل في العاصمة العراقية، فهو يعزز حقيقة الانهيار الأمني وتأثير انشغال الحكومة بالحرب ضد تنظيم «الدولة» عن مواجهة نشاطات وتنامي نفوذ وسطوة الميليشيات وجماعات الجريمة المنظمة، ليس في استهداف حياة ومصالح البغداديين فحسب، بل وفي ازدياد ظاهرة اختطاف الأجانب التي كانت موجودة في بغداد منذ سنوات ولكنها تصاعدت وخاصة بعد خطف العمال الأتراك والصيادين القطريين وأخيرا وليس آخرا اختطاف خبراء أمريكان، لتعطي الجهات القائمة بها رسالة بأنها القوة المتحكمة بالوضع العراقي، بدليل عجز الحكومة عن العثور على أي أحد من الأجانب المخطوفين.
واقتصاديا، انتشرت في الشارع العراقي هذه الأيام مخاوف جدية من تداعيات انهيار أسعار النفط على الأوضاع المعاشية وخاصة تأثير الأزمة على امكانية الدولة في الاستمرار بتوفير رواتب الموظفين باعتراف وزراء مهمين في الحكومة وخبراء اقتصاديين، وسط انتقادات لاذعة للحكومات في العراق منذ 2003 التي لم تعمل وفق سياسة تتحسب لمثل هذا الانهيار رغم الموارد الهائلة التي حصل عليها العراق منذ التغيير، وذلك لانشغال الطبقة السياسية بالفساد والمحاصصة وتقاسم السلطة واستبعاد ذوي الاختصاص.
وفي كردستان العراق، أسفر اجتماع مسعود البارزاني بالأحزاب الكردية في أربيل قبل أيام، عن قرارات لإصلاح الأوضاع في الإقليم ومنها تشكيل لجنة عليا ذات صلاحيات واسعة لوضع أسس التعامل مع أزمات الإقليم ومنها الأزمة المالية الحادة وعدم صرف رواتب الموظفين منذ أشهر ما أثار حراكا وتظاهرات احتجاجية جديدة أجبرت الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والاتحاد الوطني على توجيه بعض مواردهما لسد الرواتب، كما ستقوم اللجنة بالاتصال بجميع الأحزاب وخاصة التي قاطعت الاجتماع ومنها حركة التغيير والجماعة الإسلامية لاشراكها بوضع الحلول، كما سيتم مناقشة أزمة منصب رئاسة الإقليم. وأسفر الاجتماع عن توجه لتفعيل البرلمان المعطل منذ أشهر بسبب الخلافات بين الأحزاب، وذلك «لتمشية» قوانين هامة وإعادة تفعيل مفوضية الانتخابات للاعداد لإجراء الاستفتاء حول تقرير مصير الإقليم في موعد قد لا يتجاوز العام الحالي.
وقد أعلنت حكومة الإقليم عن خطط تقشف جديدة منها منح صلاحيات للمحافظات لاعتماد الإدارة المركزية وتوفير موارد مالية لدعم دفع رواتب الموظفين وسد بعض احتياجاتها، مع مناشدة المجتمع الدولي لتقديم الدعم المالي العاجل.

مصطفى العبيدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً للاستاذ العبيدي الدائم على مقالاته التحليلية ونظرته ” الثافبة ” للوضع العراقي…

    أستاذنا الفاضل …. مشاكل العراق تتفاقم وتتعاظم سياسياً وأجتماعيا ً وأقتصادياً و(الان) مالياً ” ككرة الثلج المتدحرجة ” منذ الاحتلال الاميربكي للبلاد عام 2003 ولحد يومنا هذا.والسبب بتقديري ليس العبادي وبطانته وانما حكم المالكي السابق ومافياته التي نهبت ثروات البلاد وأفقرت العباد وشجعت على الفساد والمفسدين !!!

    فأذا كان المالكي تصرّف بحوالى 3/4 ترليون دولار عند ما كان سعر برميل النفط العربي الخام ما بين 80-100 دولار خلال حكم حزب دعوته ودولة قانونه فأن العراق اليوم من الدول ” المفقورة ” والتي تشحد الديون والمعونات من الدول والمنظمات بسبب هبوط السعر الى مادون 30 دولار…انا لله وانا اليه راجعون…ولاحول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم !!!

إشترك في قائمتنا البريدية