من تابع كلمات نيكي هالي في مجلس الأمن، خلال جلسة التصويت على قرار وقف إطلاق النار في الغوطة، لظن أن الولايات المتحدة الأمريكية مصرة وقادرة على وقف مجزرة الغوطة، مستفيدة من موقعها في الأسرة الدولية، لكن ذلك كله تبخر مع أول صاروخ يسقط على الغوطة، بعد ساعات قليلة من التصويت على القرار الدولي.
الموقف الأمريكي المتحمس للقرار الدولي، تحول لسراب، لكن اللافت هذه المرة أن الولايات المتحدة الأمريكية مؤيدة للقرار الضائع وليست معارضة له، كما جرت العادة في القرارات الهوائية السابقة في منطقتنا، بينما لعب الروس دوليا، والإيرانيون إقليميا دور المعطل لتنفيذ القرار مستفيدين من نفوذهم الراسخ في سوريا. وتبدو الولايات المتحدة غير مستعدة وغير مهيأة للدخول في صدام مع القوى النافذة في الإقليم، إن كانت روسيا أو إيران، ولأن موسكو وطهران تدركان ذلك، فقد تجرأتا وبسرعة لافتة على الاستخفاف بالقرار الاممي، وفي اليوم التالي لإصداره، عندما شهدت الغوطة مجزرة جديدة، بعد القرار بساعات فقط!
تجارب الشد والجذب هذه بين القطبين الدوليين، تمنح كل منهما قدرة على قراءة حدود أفعال خصمه، واختبار مدى جديته وقدرته، وآخر اختبار بين روسيا وأمريكا في سوريا، كان عندما قصفت الولايات المتحدة الأمريكية رتلا لقوات النظام وقتلت معه جنودا روسيين مرتزقة، لكن دعونا نتذكر أن الأمريكيين قصفوا قبل نحو عام وبمشهد مماثل، رتلا لقوات ميليشياوية للنظام تتقدم نحو معبر التنف، لكن النتيجة كانت وبعد شهور من الإصرار الروسي الإيراني على أهمية هذا المحور، بأن حوصر الأمريكيون وحلفاؤهم في دائرة ضيقة في التنف، قبل ان يواصل جنود النظام التقدم لدير الزور والبوكمال.
هذا لا يعني في أي حال أن مهمة النظام والروس ستكون بالسهولة نفسها في عبور الفرات والوصول لحقول النفط شمال شرق دير الزور، ولكنه سيناريو غير مستبعد على المدى الطويل، والأهم أن هذه المصادمات تمثل اختبارات لقوة وقدرة كل طرف في تنفيذ إرادته في سوريا، وهكذا كان قرار مجلس الأمن إشارة جديدة أظهرت تراجعا مستمرا في التأثير الأمريكي على الأحداث في سوريا، يتواصل بالوتيرة نفسها منذ سنوات، مقابل صعود للدور الروسي.
في بداية ولاية ترامب، أطلق عليه البعض من جمهورنا العربي، «الفاتح ترامب» بعد سريان توقعات بالتصدي لإيران، ومع تنفيذ أول ضربة صاروخية لمطار النظام في حمص بعد الهجوم الكيميائي، استعرت الآمال بأن «ابو ايفانكا» يحمل الوصفة السحرية لمواجهة النظام، وبعد انقشاع غبار القصف، تبين انها كانت ضربة «رفع عتب» هامشية وغير مؤثرة، بل الأهم من هذا كله ان واشنطن أبلغت موسكو بها، وأبلغوا النظام ليقوم بسحب طائراته!
لذلك فإن أقصى ما يمكن ان تقوم به ادارة ترامب هو تكرار ما فعلته في قصفها الذي كان لمجرد ذر الرماد في العيون، وبراءة ذمة من دم ابناء الغوطة، وهكذا كان القرار الاخير، إبراء ذمة دولية من المسؤولية قبل المزيد من عمليات خنق الغوطة، حملت رسائل تحد مباشر وعلني ضد واشنطن ومكانتها الدولية المتداعية في الاقليم.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
وائل عصام