القاهرة ـ «القدس العربي» رغم كثرة وأهمية الأخبار والموضوعات السياسية في صحف أمس الأربعاء1 أكتوبر/تشرين الأول، فلا يزال اهتمام الغالبية الساحقة موجها إلى أسعار اللحوم والخراف وتوافرها في المجمعات الاستهلاكية بأسعار أقل من القطاع الخاص. والسوق السوداء، التي تنشط دائما في الأعياد في ما يخص أسعار تذاكر القطارات، خاصة المتجهة إلى الصعيد، وكذلك استعداد الوزارات للعيد من خلال وقوف مئات عربات الإسعاف في الشوارع والميادين، وإعداد الحدائق ونشر رجال الأمن في الشوارع، لمنع التحرش بالسيدات والفتيات، وللحفاظ على الأمن العام من محاولات إرهابية قد تستغل احتفال الناس بهذه المناسبة، وزيادة الإعلانات عن الأفلام السينمائية الجديدة واستعدادات القنوات الفضائية لعرض المسرحيات والأفلام .
ولم تحظ الأخبار والقضايا الأخرى بالاهتمام نفسه، مثل تمكن الجيش والشرطة من قتل سبعة إرهابيين في سيناء، والقبض على آخرين وتفكيك ثلاث عبوات ناسفة تم وضعها حول منزل ضابط شرطة في مدينة العاشر من رمضان لنسفه، وإصدار محكمة جنايات القاهرة أحكاما بالسجن خمس عشرة سنة على ثلاثة وستين من الإخوان المسلمين، وعشر سنوات لخمسة في قضية أعمال الشغب والتخريب التي قاموا بها في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في شارع رمسيس أمام قسم الأزبكية، وإصدار محكمة جنايات المنيا أحكاما بإعدام عشرين من الإخوان غيابيا في قضية تعذيبهم وقتلهم نائب مأمور مركز مطاي العقيد مصطفي العطار، وحرق المركز وسيارات الشرطة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، وإصدار محكمة جنح قسم قصر النيل بالقاهرة حكما بالسجن سنتين على تسعة من أعضاء حركة السادس من إبريل، بتهمة خرق قانون التظاهر والاعتداء على الشرطة، وتجديد حبس صديقنا رئيس حزب الوسط المهندس أبو العلا ماضي خمسة وأربعين يوما في قضية اتهامه بالاشتراك في أحداث منطقة بين السرايات بمحافظة الجيزة، وقرار النائب العام المستشار هشام بركات التحقيق في البلاغ المقدم ضد زميلنا وصديقنا المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، لما هو منسوب إليه بأنه إذا صدر حكم قضائي ببراءة مبارك فسيشارك في ثورة جديدة.
وارتياح لعدم حدوث انقطاع في الكهرباء، واستمرار شكوى المزارعين من أزمة السماد، وإقامة مؤسسة الأهرام احتفالا ضخما بعيد ميلاد محمد حسنين هيكل، وكانت لفتة مؤثرة للغاية عندما صمم زملاؤنا في «الأهرام» على أن يجلس الأستاذ في غرفته وإلى مكتبه عندما كان رئيسا للتحرير، وأن يجتمع مع المحررين من مختلف الأعمال «هابي بيرث داي تو أستاذنا» وعمر مديد .
وإلى بعض مما عندنا…
كاميرون: الأسد ديكتاتور متوحش
ونبدأ تقرير اليوم ببعض المعارك والردود المتميزة التي لا يجمعها رابط أو ضابط وبدأها يوم الاثنين في «الأهرام» زميلنا عماد عريان بقوله:»في كلمته أمام مجلس العموم البريطاني يوم الجمعة الماضي، للحصول على موافقته بمشاركة سلاح الطيران الملكي في ضرب مواقع «داعش»، ضمن الحملة المستعرة حاليا، لم يتردد رئيس الوزراء البريطاني في وصف الرئيس السوري بشار الأسد بأنه ديكتاتور متوحش، معتبرا أن القضاء على تنظيم «داعش» المتطرف ودولة الخلافة ربما سيصبح أسهل بالخلاص من هذا الديكتاتور، وحمله مسؤولية تمدد «داعش» في بلاده.. تماما مثلما اتهموا صدام حسين بأنه يرعى تنظيم «القاعدة» كمبرر إضافي لغزو العراق عام 2003، وهي تهم جاهزة يمكن توجيهها إلى أي زعيم وطني يحمي مصالح واستقلال بلاده. والغريب أن القادة الغربيين وعلى طول التاريخ هم المتوحشون وعلينا فقط أن نرجع إلى الماضي القريب. والأشد غرابة أن قادة المنطقة يعلمون ذلك جيدا ولكن لا يتكلمون».
مصر لا تنحاز إلى مذهب ضد مذهب آخر
أما المعركة الثانية المتميزة في اليوم نفسه فكانت لزميلنا وصديقنا العزيز الأديب الكبير في «الأخبار» جمال الغيطاني بقوله في عموده اليومي ـ عبور ـ معبرا عما يثير قلقه: «تقلقني النبرة التي تتردد مؤخرا حول اعتبار مصر قوة أساسية بحكم دورها التاريخي في جانب السنة ضد الشيعة، يقلقني القول إن الأزهر سد منيع في مواجهة الشيعة، مصر للمسلمين جميعا لا تنحاز إلى مذهب ضد مذهب آخر، لكنها عنصر تقريب بين المختلفين والمتصارعين من أتباع الدين الواحد.
الأزهر للمسلمين جميعا ورسالته الصحيحة في التقريب بين المذاهب، وتلك دعوة تبناها شيوخ الأزهر العظام، وكان للشيخ القمي أحد كبار المرجعيات الشيعية مكتب دائم في الأزهر، وهو الأزهر نفسه كأهم مؤسسة دينية إسلامية في العالم يجسد وحدة المسلمين، على مصر أن تكون حكما لإيقاف الفتنة. أما انحيازها في هذه الفتنة فسوف يسد أبواب الأمل وهكذا يقضي المسلمون على المسلمين».
تحجيم الحريات يولد الكبت ثم الانفجار
والغيطاني يشير إلى العلامة تقي الدين القمي، والحقيقة أنه تم في عهد مبارك سحب الأزهر إلى معارك مع الشيعة، خاصة قبل سنوات قليلة من سقوطه، ولكن شهدت سنوات أخرى محاولات لاستعادة جهود التقريب بين المذاهب الإسلامية، التي بدأت في الثلاثينيات من القرن الماضي، وازدادت في عهد خالد الذكر والسادات، وبعدها أي أيام مبارك، لعب صديقنا العزيز الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر، عندما كان المرحوم الدكتور الشيخ محمد سيد طنطاوي دورا بارزا في هذا الجهد، لدرجة أنه كان أول عالم دين سني يؤم المصلين الشيعة في صلاة الجمعة في جامعة طهران.
ولكن لعب السلفيون ونظام مبارك في ما بعد دورا في زيادة العداء مع الشيعة، لدرجة أن مبارك نفسه في أحد أحاديثه اتهم الشيعة العرب في العراق بالانحياز إلى إيران، ثم حاول التراجع بعدها، وتمت دعوة الشيخ مهدي شمس الدين من كبار علماء الشيعة في لبنان للقاهرة. ونظل مع الأزهر ومشاكله بعد أن أصدر مجلس الوزراء قرارا بالسماح لجامعة الأزهر بعزل الأساتذة الذين يقومون بتحريض الطلاب على التظاهر وتخريب المنشآت الجامعية، ونشرت «عقيدتي» تحقيقا عن ذلك لزميلتنا الجميلة مروة غانم جاء فيه: «قال الدكتور عبد الفتاح أبو الفتوح الأستاذ بجامعة الأزهر، للأسف هذه التعديلات مدعاة للتظاهر، وستكون في اندلاع المظاهرات بجامعة الأزهر لأنها تدعو إلى الكبت وتحجيم الحريات، والكبت يولد الانفجار ولابد للمكبوت من فيضان، ومن اخطر نتائج هذه التعديلات نزع الانتماء لهذا الوطن وهنا مكمن الخطورة هذا القرار تعسفي وظالم.
الجامعة ليست مكانا للتظاهر
أما الدكتورة فتحية الحنفي رئيسة قسم الفقه فأكدت تأييدها الشديد لهذا القرار لأنه يصب في مصلحة الطالب والأستاذ، كما أنه ضمانة لنجاح العملية التعليمية، وتأخر إصدار مثل هذه الإجراءات يضر. أنا لم أخرج من بيتي كي أتظاهر وأعوق العملية التعليمية، كما أنني أرفض تظاهر الطلاب داخل المؤسسات التعليمية، ومن يرد أن يتظاهر فعليه أن يذهب للشارع فالجامعة ليست مكانا للتظاهر».
قنوات جامعية لعرض
مشكلات الطلاب ومظالمهم
وأوضح الدكتور محمد أبو هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر أن الجامعة شأنها شأن باقي الجامعات المصرية، وما تقره الجامعات المصرية يقره الأزهر، لأننا نسير في درب واحد. لكن بحكم خصوصية الأزهر وأن له قانونا خاصا به ينظمه هو القانون 103، فقد أجرى مجلس الوزراء بعض التعديلات على هذا القانون، بما فيه صالح الأزهر والجامعة وأن هذه التعديلات كفيلة بحفظ الأمن داخل الجامعة يخشاها ويرفضها الإنسان المنحرف غير الحريص على جامعته، ليس التظاهر هو الباب الوحيد لعرض المظالم والمشكلات، فهناك قنوات متعددة لعرض المشكلات من دون تخريب أو شغب، فالجامعة أبوابها للجميع ومجندة لحل كافة المشكلات الجامعة، وقد تكبدت ملايين الجنيهات جراء المظاهرات التي شهدتها العام الماضي» .
خطاب السيسي في الأمم المتحدة
«زي كلام الناس لا يقدم ولا يأخر»
وانتقلت المعارك من الأزهر وجامعته إلى رؤساء مصر، ففي جريدة «المشهد» الأسبوعية المستقلة التي تصدر كل ثلاثاء، ويرأس تحريرها زميلنا مجدي سندي وتقوم بطبعها وتوزيعها مؤسسة أخبار اليوم القومية، حيث تعرض الرئيس السيسي إلى هجوم عنيف من إبراهيم خالد في بابه ـ بدون عنوان ـ ووصفه بأنه زعيم أونطة وقال في عدة فقرات:
– بعد خطاب السيسي في الأمم المتحدة يولد زعيم جديد زعيم أونطة.
– قريبا جدا ستنظم رحلات الحج السنوي للمشير السيسي إلى البيت الأبيض.
– وبعد طول انتظار نهاية فيلم «أوباما ـ السيسي» أخيرا السيسي يقابل أوباما في مشهد درامي خارجي بايخ ونهاية متوقعة كالعادة.
– خطاب السيسي في الأمم المتحدة زي كلام الناس لا يقدم ولا يأخر.
– كل طبالي نيويورك من الإعلاميين والصحافيين المرافقين للسيسي بيفكروني بالمثل الشعبي القائل إطعم الفم تستحي العين.
– نظام السيسي طرد السفير التركي منذ شهور وأبقى على السفير الصهيوني. نظام السيسي أسد على تركيا فأر على الصهاينة.
مصلحة مصر في استمرار العلاقة مع أمريكا
لكن زميلنا محمد عبد الحافظ رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» قال عن السيسي يوم الثلاثاء ايضا: «إذا كان لعبد الناصر أنصار ومحبون وللسادات أيضا، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي جمع محاسن كليهما لصالح الشعب، وإذا نظرنا جانب السياسة الخارجية نجد أن عبد الناصر كان منحازا للاتحاد السوفييتي، وكانت له أسبابه الوجيهة. والسادات كان منحازا للولايات المتحدة وكانت له أسبابه المنطقية، أما السيسي فقد جعل البلدين منحازين له، روسيا تعظم شأنه وتراه مثل بوتين زعيما ومنقذا، وتعلن استعدادها لعقد أي صفقة أسلحة أو مشروع اقتصادي وتنموي مع مصر بعد زيارة السيسي الناجحة لروسيا ومباحثاته المستمرة مع بوتين. أما الولايات المتحدة فقد أجبرها الأداء الوطني الراقي للرئيس السيسي على أن تعود إلى رشدها وتعامل مصر بما تستحق من قدر عال ومكانة غير قابلة للفصال أو الدونية، وكانت رغبة أوباما في لقاء السيسي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خير دليل على أن مصلحة أمريكا في معاملة مصر بقدرها الذي تستحقه، وعندما وافق السيسي كان من منطلق أن مصلحة مصر في استمرار العلاقة مع أمريكا ما دامت تقدم هذه الشراكة على الندية».
مبارك وعائلته أنفقوا أموالا خيالية من قوت الشعب
وكما حدثت معركة بسبب السيسي، فقد اندلعت حرائق بسبب مبارك نتيجة محاكمته وتأجيل جلسة الحكم للنطق فيها إلى التاسع والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما أثار أقوالا عديدة، ودافع البعض عن مبارك وشن آخرون هجمات عنيفة ضده، كان من بينهم صديقنا يحيى حسين عبد الهادي، الذي قال يوم الاثنين في مقال له بجريدة «اليوم السابع»، عن المبالغ التي دفعها مبارك وعلاء وجمال قيمة تكاليف إصلاح عدد من القصور والفيلات المملوكة لهم، بعد اكتشاف أنه تم سحبها من ميزانية إصلاح القصور الرئاسية. «من أين لمبارك ونجليه مبلغ مئة وأربعة ملايين جنيه التي سددوها للمحكمة؟ وبفرض أن ما تم إنفاقه على هذه المقرات من مالهم الخاص، وليس من المال العام، وهو ما نفته المحكمة، فهل يجوز لحاكم مصر أن ينفق هذه الملايين على ديكورات مقرات وفيلات ممتدة من شرم الشيخ إلى القطامية إلى الساحل الشمالي. في الوقت الذي يدهس الفقر حوالى نصف رعاياه، ولا يعرف الملايين منهم إلا وجبتين في اليوم؟ ما لم يحاكم هذا الرجل على السرقة لوجبت محاكمته على السفه، هذه القضية هي قطرة في بحر فساده، ماذا لو فتح ملف سفريات الهانم إلى أوروبا ومشترياتها هي وصديقاتها من الهوانم الأخريات على سبيل المثال؟ ماذا لو نطق الصامتون من شهود هذه المرحلة في قصر الرئاسة والخارجية، مثلما نطق موظفو المقاولون العرب في قضية القصور الرئاسية؟ تلك هي جرائم القرن الحقيقية التي يتعامون عنها ويركزون على القضية التي عبث نظام مبارك بأدلتها. مئة وخمسة وعشرون مليون جنيه في قضية واحدة يا فجرة».
إمكانية عودة بقايا الحزب الوطني إلى البرلمان
رحم الله حاكما حلت بالأمس ذكراه، كانت له جلسة حساب شهرية مع رئيس السكرتارية يسدد فيها المصاريف الخاصة بأسرته من جيبه، وكان طباخه يخجل وهو يشتري سمكتين فقط لحساب بيت الرئيس، لأن السيدة الفاضلة حرم الرئيس قالت إن الأبناء في رحلة ولن يشاركها الغداء إلا الرئيس، رحمه الله. ويحيى يقصد خالد الذكر ويشير إلى ما كتبته المرحومة زوجته السيدة تحية كاظم، وسكرتيره الخاص محمد أحمد عن المشكلة التي كانت تواجهها كل شهر وهي توزع مصروف البيت على الطعام .
ويبدو أن مبارك ومن يدافعون عنه استفزوا الكثيرين الذين يخشون حصوله على البراءة في قضية قتل المتظاهرين، فطالبوا بمحاكمة سياسية له، مثل زميلنا في «الجمهورية» السيد البابلي وقوله يوم الثلاثاء في عموده اليومي ـ رأي:»سواء كان الحكم بالبراءة أو بالإعدام أو بالسجن المؤبد، فإن القضية انتهت منذ سقوط مبارك، الذي أصبح ورقة في ذاكرة التاريخ وذهب ولن يعود. ولم يكن مبارك وحده هو من سقط وإنما نظامه كله الذي نأمل ألا يتمكن من العودة من جديد عبر بوابة الانتخابات البرلمانية القادمة، التي بدأت ملامح المتقدمين لشغل مقاعده تتضح، ويتضح معها إمكانية عودة بقايا الحزب الوطني إلى البرلمان من جديد. ولكيلا يعود نظام مبارك ويعيد تشكيل وصياغة اتجاهات الرأي العام، فإن النظام الوطني الحالي الذي يقود مصر في مرحلة انتقالية بالغة الحساسية، عليه أن يقوم ببناء وإعداد منظومة إعلامية وسياسية جديدة، بفكر يتفق وآمال وطموحات المصريين في دولة جديدة تخلو من النفاق والتطبيل والانتهازية، دولة فيها أهل الخبرة قبل أهل الثقة، لأن الثقة تأتي بالعمل وبالرجل المناسب في المكان المناسب».
جلال دويدار: يجب الأخذ
بالاعتبار ما قدمه مبارك لوطنه
وإذا انتقلنا إلى «أخبار» الثلاثاء سنجد فيها ثلاثة كتبوا عن مبارك، أولهم زميلنا وصديقنا ورئيس تحريرها الأسبق جلال دويدار الذي قال في عموده ـ خواطر:
«لا يمكن لأحد أن يجادل في حقيقة تعرض الدولة المصرية لموجة من الفساد في السنوات الثماني الأخيرة من حكمه، نتيجة التهاون في ممارسة المسؤوليات، إلى درجة التخلي عنها لجوقة الترويج لتوريث الحكم للابن جمال، وكان يتحتم أن يوضع في الاعتبار ما قدمه مبارك لوطنه طوال خدمته العسكرية، وعلى مدى عشرين سنة رئاسة لتكون شفيعه له، في ما قد يكون ارتكبه أو ارتكبته بطانته من أخطاء، لا أرى بل أشك، والأمر متروك لتقرير المحكمة الموقرة أن يكون من بين هذه الأخطاء القتل الذي كان ضحاياه شهداء ثورة 25 يناير/كانون الثاني».
لعنات ودعوات الملايين أشد حكما ضد أي إنسان
أما زميله عاطف زيدان فقد كان عنيفا في هجومه على مبارك ونظامه وقال عنهما في عموده ـ كشف حساب: «أشعر بالأسى لأن التهم التي يحاكم عليها الرئيس المخلوع مبارك تنحصر في قتل المتظاهرين أو التربح. مبعث حزني أنه كان من الضروري محاكمة مبارك ونظامه كله على ما اقترفوه من جرائم بحق شعب مصر، لقد سرق ذلك النظام أعمال أجيال متعددة، بسبب تشبثه بالسلطة لدرجة أن بعض الوزراء ظلوا وكبار المسؤولين وبعض رؤساء الصحف القومية في مواقعهم قرابة ثلاثة عقود، ولنا أن نتصور مسؤولا يجلس على كرسيه هذه المدة الطويلة! بالتأكيد لن ينجح سوى في إقامة شلة منتفعين وبطانة هبش ونهب. واستشرى الفساد بكل أشكاله في ربوع مصر بسبب سياسة مبارك التي ترتكز على فكرة بقاء الحال على ما هو عليه، «واللي أعرفه أحسن من اللي ما أعرفوش»، فأصبحت الرشوة أمرا عاديا في الجهاز الإداري وانتشرت معها كل الموبقات من ظلم وأحقاد وصراعات، واستغل أسلوب الصفقات مع القوى السياسية، بما فيها الإخوان في توزيع مقاعد البرلمان، وكله بالتزوير، ومهما كان الحكم الذي سوف تصدره محكمة الجنايات على مبارك ورجاله فإن دعوات ولعنات الملايين من ضحايا نظامه سوف تظل تلاحقه في الدنيا والآخرة، وهذا أشد حكما ضد أي إنسان».
مبارك سرق بلدا وقتل أمة
أما آخر مهاجم لمبارك في عدد «الأخبار» نفسه فهو زميلنا وصديقنا العزيز عبد الحليم قنديل رئيس تحرير «صوت الأمة» الذي يكتب مقالا أسبوعيا في «الأخبار» قال فيه:»يحاكمون مبارك على ما فعله في ثمانية عشر يوما هي عمر الثورة التي خلعته، ويتركون الجناية الأصلية في حكم الثلاثين سنة، التي انحطت بمصر وهوت بمقاديرها وجلبت الخراب المستعجل للبلاد والعباد، وجرفت الركائز الإنتاجية الكبرى في الصناعة والزراعة، وحولت الخصخصة إلى «مصمصة»، وشفطت ثروة البلد إلى جيب وحلق العائلة، وإلى خزائن الحواريين من مليارديرات المال الحرام، الذين كونوا طبقة أغنى من أمراء الخليج، وانتهوا بالشعب الأفقر إلى حال من البؤس الكظيم جعل الانتحار خيارا أفضل للخلاص من حياة هي والموت سواء، فوق نشر العوز والبطالة والعنوسة التي عمت ثلثي السكان المصريين، ونهب البلد كما تنهب في تاريخها الألفي وتوزيع أصول وأراضي الدولة كهبات للمحظوظين، وإقامة تحالف اللصوص من البيروقراطية الفاسدة وعهرت مجالسها التشريعية وصار الفساد مشروعا ومقننا.
قتل الرجل أمة لا أفرادا وجعل البلد مطية للأمريكيين والإسرائيليين، لم يحاكم مبارك على آثام الثلاثين سنة ويحاكمونه على بعض ما جري في هامش الثمانية عشر يوما وبطريقة تشبه المساءلة عن سرقة حبل غسيل لا عن سرقة بلد وقتل أمة».
رؤساء مصر يكتبون تاريخ مصر وتاريخهم
اييه.. اييه.. هكذا ذكرنا قنديل بما كان من أنواع اللصوص منذ خمسين عاما، فقد كان هناك لصوص متخصصون في سرقة الغسيل المنشور على الحبال ليجف، وآخرون متخصصون في سرقة أقلام الحبر من ركاب الأتوبيسات والترام، وغيرهم لسرقة المحافظ والأكثر مهارة سرقة ساعات اليد. وكان هناك لصوص الفراخ، أما الأمهر في سرقة الطيور فهم لصوص الإوز لأن المعروف عنه أي «الوز» سرعة الصياح وجلب الفضائح. أما زميلنا في «التحرير» أحمد الصاوي فإنه ناقش يوم الثلاثاء كذلك شخصيات الرؤساء المصريين، خالد الذكر والسادات ومبارك ومرسي من زاوية جديدة فقال:»المعطيات لا تكذب مسيرة عبد الناصر الحافلة، فقد كان يمكن أن تتوقف في أي محطة من تلك التي تجاوزها هو، ربما أن تفشل الثورة من البدء ويعلق على المشانق، أو يواجه في حرب السويس مصيرا مثل مصير مصدق في إيران، وتنتهي مغامرته بعودة الملكية، أو يقبل الشعب قراره بالتنحي بعد الهزيمة، لكن عبد الناصر امتلك المجال لصنع أسطورته بين الفقراء وعلى مستوى القارة والعالم، ووقف في النهاية لا يستحق الذهاب مهزوما لحظة التنحي، ولا الانتصار الكامل ليعود منتصرا مستعيدا ما فقده من أرض. موته كان صيغة مشرفة أو خروجا آمنا يضمن استيعاب دروس الهزيمة كاملة، الرجل الذي أنفق عمره في العمل مات وهو يعمل، الرجل القادر على تعزيز كل معاني الصمود والتحدي، بنى هذه الإرادة حتى استكملت مقوماتها ورحل كأب وضع أبناءه على أول الطريق الصحيح ومضى. وتقريبا كان السادات في موته الأسطوري، هذا القائد المنتصر يموت بردائه العسكري وسط جنوده وبرصاص التيارات التي أنشأها، وقبل أن تستحكم الأزمات الاقتصادية أكثر وأكثر فيتبخر مزيد من الشرعية من تحت أقدام البطل الكبير. ومبارك اختار السجن وهي مسألة لا تحتاج إلى تأصيل الفساد، تلك نهايته المنطقية والمعطيات في عهده كانت كثيرة، والثورة عليه كانت واردة ومتوقعة. واختار محمد مرسي هذه النهاية له ولتنظيمه، في اللحظة التي انحاز فيها للتنظيم على حساب الوطن، واختار الدخول في مظلومية جديدة تمنحه هالة مظهرية من النضال والصمود، بدلا من حماية الوطن وديمقراطيته بخروجه متهما بقدر من التقصير أو الفشل».
مبارك يلوح لأنصاره
لكن في العدد ذاته اثبت زميلنا وصديقنا الفنان الموهوب حلمي التوني، أن تقديرات الصاوي عن مصير مبارك ليست صحيحة، فقد أكد حلمي أنه شاهد بنفسه مبارك في طائرة هليكوبتر يلوح بيده من النافذة بعد انتهاء جلسة محاكمته وتأجيلها، وسمعه يقول لأنصاره أراكم في ما بعد ويصدر أوامره لقائدها قائلا:»اطلع يا اسطي وفسحني شوية».
وظائف نظرية المؤامرة متعددة ومتنوعة
كيف بلغت نظريات المؤامرة منا في مصر موضعها الخطير الحالي الذي تحولت معه على الرغم من سذاجتها وتهافتها وتناقضها مع وقائع مثبتة وظواهر جلية إلى إطار أساسي لمقاربة ماضينا وحاضرنا وتقلبات الحكم وقضايا السلطة؟ هذا ما بدأ به عمرو حمزاوي مقاله في «الشروق» يوم امس الأربعاء الذي عنونه بـ«وظائف نظريات المؤامرة» مواصلا كلامه:» كيف تمكنت نظريات المؤامرة ليس فقط من السيطرة على الغالب من الأفكار والآراء المعبر عنها بشأن أوضاع بلاد العرب وأدوار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، بل أيضا من غزو مجالات الإبداع الفكري والثقافي والفني، على نحو صرنا معه نطالع الكثير من الأعمال الأدبية الحديثة، ومن كتابات مفكرين ومثقفين معروفين، ومن أعمال الدراما التلفزيونية والسينمائية، التي تتناول ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والانتفاضات الشعبية في بلاد العرب كأحداث تآمرية رتبتها (منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة) مخابرات الغرب ودفعتها إلى الواجهة «الخطط السرية» الأمريكية والأوروبية، التي أرادت نشر «الفوضى الخلاقة» وتدمير مصر والدول والمجتمعات العربية؟ عوامل عدة تفسر الانتشار الراهن لنظريات المؤامرة واختراقها الكارثي للنقاش العام حول قضايا الحكم والسلطة وغزوها المدمر لمجالات الإبداع في مصر:
1 ــ حالة الوهن التي تمر بها الدولة ويعانى منها المجتمع، وهي وإن كانت متوقعة (كما تخبرنا أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية بشأن الثورات والانتفاضات الشعبية) إلا أنها تدفع المواطن المهموم ــ المصدوم ــ الخائف وكذلك بعض النخب الفكرية والثقافية والفنية وبعض أصحاب الرأي إلى البحث عن طرف ظاهر أو خفي تلقي عليه «اللائمة» وتعلق على شماعة «مؤامراته» أوزار الوهن.
2 ــ الترويج المنظم لنظريات المؤامرة من قبل السلطة التنفيذية، إن لتبرير انتهاكات الحقوق والحريات كسبيل وحيد لمواجهة «أفعال» متآمرين متوهمين في الداخل والخارج، أو لتثبيت المضمون غير الديمقراطى المرتبط بعدم مسؤولية السلطة التنفيذية عن الأوضاع السلبية الحالية والأزمات الراهنة، ومن ثم عدم جواز مساءلتها ومحاسبتها ــ بل تتحول الطاعة والتأييد ودعم كشف «المؤامرات» والقضاء على «المتآمرين» إلى واجبات المواطن الوحيدة، بجانب قبول تخوين وتشويه معارضي السلطة.
3 ـ إصرار السلطة التنفيذية على تغييب وحجب الكثير من الحقائق والمعلومات عن المواطن، لكي يسهل تعريضه لقراءة السلطة بشأن «أحداث» السنوات الماضية، ويتحقق التماهي بين موقفه ورأيه وبين الموقف والرأي الرسميين ــ غياب الحقائق والمعلومات هو المكون الجوهري لبيئة مجتمعية ومجال عام تنتشر بهما نظريات المؤامرة.
4 ــ تتسم الفترات التي تعقب الثورات والانتفاضات الشعبية بسرعة وتنوع التغيرات التي تطال الدول والمجتمعات، بل وبالكثير من المتناقضات. ولهذه الفترات أيضا نخب ومجموعات وفئات تربح، وأخرى تخسر وبعنف. هنا يمكن التعويل على نظريات المؤامرة حين يعجز المواطن وتعجز بعض النخب الفكرية والثقافية والفنية وبعض أصحاب الرأي عن التعامل مع التغيرات بموضوعية، أو حين ترفض الحركات والمجموعات السياسية ممارسة النقد الذاتي والبحث الجاد في أسباب الثورات والانتفاضات والاستفادة الرشيدة منها، أو حين تسعى السلطة التنفيذية إلى القضاء على الإدراك الشعبي الإيجابي لطلب التغيير».
فتوى التكبير
وإلى الفتاوى التي يشرف على صفحتها زميلنا موسى حال، وسؤال من محمود محيي من محافظة المنوفية قال فيه: بعض الناس يقولون إن الزيادة في تكبيرات العيد «الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا» بدعة ومخالفة للسنة، فما حكم الشرع في ذلك؟ وأجاب على سؤاله الشيخ رامي عجلان من علماء الأزهر قائلا:
«التكبير في العيد مندوب وفيه سعة، لأن النص الوارد في ذلك مطلق قال تعالى: «ولتكبروا على ما هداكم ولعلكم تشكرون» (البقرة 185) والمطلق يؤخذ على إطلاقه، حتى يأتي ما يقيده في الشرع. والناس في مصر درجوا من زمن قديم على التكبير بالصيغة المشهورة في مصر وهي «الله.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر ولله الحمد.. الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.. لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهز الأحزاب وحده.. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون». والصيغة التي درج عليها بعض الصحابة وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود هي «الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر ولله الحمد». وقال الإمام الشافعي عندما سمع الناس في مصر يكبرون بالصيغة التي درج عليها المصريون «وإن كبر على ما يكبر الناس عليه اليوم فحسن وزاد تكبيرا فحسن وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببته».
وبناء على ما سبق فالصيغتان جائزتان ومن قال إن الصيغة المشهورة بدعة فقد أخطأ وقد حجر واسعا وضيق ما وسعه الله ورسوله على المسلمين، وقيد المطلق بلا دليل ويجب أن يسعنا في ذلك ما وسع سلفنا من استحسان مثل هذه الصيغ وقبولها ما لم تخالف الشرع الحنيف والله اعلم».
حسنين كروم