عائدة لبيتي بعد يوم طويل، متشوقة للاسترخاء في مكتبي، لكوب الشاي الليلي الذي لا يجب أن أرشفه في الساعات المتأخرة التي لا يحلو إلا فيها، لأصوات كمبيوتر زوجي مشكلةً خلفيةً صوتيةً رتيبةً اعتدتها لكل أعمالي المكتبية، لروتيني الليلي الجميل الذي أنتظره بفارغ الصبر طوال ساعات النهار المزدحمة، وانا عائدة بأشواقي لكل ذلك وجدت قطة رابضة بشكل مؤلم على باب البيت. اقتربت منها فإذا هي مصابة أسفل فمها، ساكنة بشكل مريب في مكانها، تبدو بطيئة التنفس وهي تصارع ألماً ما، وتكافح فناءً ما.
أسرعت داخلةً الى البيت بنية إحضار شيء من الطعام ليخفف عنها إن كانت هذه ساعاتها الأخيرة، إلا أنها سرعان ما غادرت تاركةً إياي لليلة غريبة الفحوى.
كنت قد قرأت منذ أول النهار حول مأساة خان شيخون السورية، توالت الصور والفيديوهات عبر وسائل التواصل، وكعادتي أجبرت نفسي على مشاهدتها كلها، أحياناً أكثر من مرة، وكأنني بمشاهدتها أشارك بعض الشيء في ألم أصحابها، وكأنني أخفف عن ضميري إيهاماً بأنني أعاني كذلك، أدفع ثمناً ما، ولو كان بألم المشاهدة والمشاركة عن بعد.
أرسلت بعض التغريدات، قلت بعض الكلمات، ثم شغلتني في باقي اليوم، محاضراتي، امتحانات الطلبة، لجنة ما، كتاب ما، موضوع ما، موعد طبيب، زيارة عائلية، كلها تكومت فوق بعضها صانعة يومي هذا، وكالعادة، أغلقت الشاشة الزرقاء، اختفت الصور ومعها المأساة، احتجبت أنا خلف أمانها فابتعدت الآلام. هكذا نحن البشر، نعشق هذه الشاشة التي تريحنا وتحمينا، نكتب عليها كلمتين فتخدر ضمائرنا، نطفئ ضوءها فنريح نفوسنا من مواجهة الألم لتختفي الكارثة وتصبح مجرد قصة بعيدة.
لكن شيئاً ما انفجر، ما كنت أعلم أن أسفل تراكمات يومي الطويل كان يربض أطفال خان شيخون برؤوسهم الصغيرة وعيونهم «النصف مفتوحة»، ملابسهم الملونة وأجسادهم البضة المكشوفة. غادرت القطة باب بيتي وفتحت علي باب جهنم، ألمها، جرح ذقنها المدبب الصغير، ثقل أنفاسها، ضياعها مني قبل أن أستطيع مساعدتها، بصغرها وضآلتها وقلة حيلتها، أخذتني قذفاً الى سوريا، وضعتني بين العيون الصغيرة التي نسيتها أو تناسيتها طوال اليوم، فتحت لي صدور الأمهات لأتفرج على قلوب الثكالى الدامية، جرجرتني من كل عرق في جسدي لأقف إلى جانب الأجساد الصغيرة، بعضها مخفور بملابس ملونة أحالها التراب رثاثة، وبعضها منزوع الملابس إلا من قطعة تستر، مصطفين الى جانب بعضهم بعضاً، وجوه دائرة الى اليمين، وجوه دائرة الى اليسار، أخرى تنظر الى الأعلى، أيادٍ مشبوكة على الصدر، أيادٍ مسدلة على الجنبين، وجوه كثيرة، أياد، أقدام، شعور، أصابع، كلها صغيرة، لم تكبر بعد، لم تنضج، لكنهم جميعاً قضوا، هكذا قدرت لهم الدنيا التي يحاولون إقناعنا أن لكوارثها مغزى، ولمعاناة الضعفاء منها معنى، فهذا اختبار، وهذا امتحان، وتلك معاناة دنيوية ستليها راحة أخروية، وتبقى الوجوه الصغيرة، تخبر بضياع المغزى وبعدمية المعنى و بالسقوط المدوي في الاختبار الغريب.
سأنسى القطة بعد أيام رغم كمية الألم الرابضة على قلبي الآن وكأنها دخان كثيف موغل في رئتي، دخان، غاز، مثل هذا الذي خنق صغار خان شيخون، لكن دخاني مخملي، لطيف، يوجعني ليلة ثم يغادر، وعندما يغادر سأنسى، ولربما ستغادرني صور صغار شيخون، ولا يبقى يعودني سوى ألمي الشخصي، ذكرى فقد بعيد لا يزال يحرقني، يعود ويذهب كلما نكأ خبر ما ذكرياتي، فهكذا هو الإنسان، حتى في تعاطفه، حتى في تواصله الإنساني هو غاية في الأنانية، لا يحركه عميقاً سوى ألمه الشخصي وذكرياته الخاصة. سأعود لروتيني المريح، ولن تعودوا، ستأتي ليال أفضل من ليلتي هذه، ولن تأتيكم ليال، سأرجع فأسعد بكوب الشاي وجلسة المكتب وطقطقة أزرار كمبيوتر زوجي، وأنتم لن ترجعوا أو تسعدوا بشيء، حين تختفي الدنيا عنكم وأنتم عنها، والسبب، نحن.
آه يا صغار، كم هو قاس النسيان، يمحو صوراً ومشاعر من قلوبنا، أشد الآلام تختفي بعد فترة، نَحٍن إليها، نود لو نشعرها بكل حرقتها كما كانت، ولكنها لا تعود، شيء ما غير إنساني في هذا النسيان، ولكنه يبقى حمايتنا الأنجع من تراكم الآلام.
أكتب لكم يا صغار شيخون حتى إذا ما نسيت بعد فترة أعود لهذه الكلمات فأتذكر، أبحث في مخزون عقلي عن صوركم، أجسادكم المصفوفة جنباً الى جنب، عيونكم النصف مفتوحة، استلقائكم المسالم، كأنكم تسخرون منا، من حيواتنا ومشاغلنا واهتماماتنا وطموحاتنا وغاياتنا وآلامنا وآمالنا. هي غابة يسودها «الأسد» ويسكنها الجبناء، لا مكان لكم فيها بضحكاتكم وصخبكم وألوانكم وأنفساكم. هذه ليلة عصيبة سأراكم خلالها في عيني قطة معذبة، ليتكالب عليّ السؤال، أي تكريم نستحق «كبني آدم» والليلة ندفن أطفال خان شيخون بصدورهم المليئة بالغاز؟
د. ابتهال الخطيب
كل ما جري و يجري بأرض الشام جزء من جحيم وجريمة و أشنع انواع الارهاب و من اول يوم.كم من طائرات ،دبابات ،راجمامات صواريخ وتسلح من كل نوع وشكل.كم من ميليشيات مترسنه ومسلحه ، من كل قبيله ،طائفة ،وايدلوجيا ،لتقتل ،لترهب، لتفتك ،لتدمر.هنا لا يوجد صراع حضارات ،ولا صراع ايدلوجيات او صراع مصالح،بل هنا صراع الموت،صراع الظغاه والفناء. و الصراع الاخير.اليوم أطلقت أداره ترمب،عدد من الصواريخ الحراريه التومهاك علي قاعده عسكريه للنظام،للردع أو العقاب او تسجيل حظور .فالاجواء ،لاتكاد ان تخرج من حلقه دائره،استحوذت علي سوريا بال٦الاعوام السابقه.هرج و مرج،طغاة و طغيان ،بغي وبغاه ارهاب ومجرمون.هل عادت هناك اي مسببات ا خري ،او مسيرات أو نتائج اخري لهالجنون،و الرعب المريع بلا توقف او هدنه من جحيم إبليس بالارض.(كلما أوقدو نار حرب اطفاءها الله)..ولا حول ولا قوه الا بالله العلي..
الاخ الكروي جمعة مباركة عليك بما انك ترى الامر من باب القضاء والقدرولا شك عندي ان كل الاطفال في الجنة ولكن لماذا يحدث كل هذا هل يريد الله ان يدخل هؤلاء الاطفال الجنة وهل الكبار سيحاسبون على اعمالهم السابقة ويحدد دخولهم الجنة او جهنم على اساسها.
حياك الله عزيزي سلام وحيا الله العزيز السوري من أمريكا وحيا الله الجميع
إنها إرادة الله ونحن لا يمكننا إلا الإستسلام لها ونحسب الضحايا شهداء عند الله
ولا حول ولا قوة الا بالله
ما اصابك يا د. ابتهال اصابني وما انفجر في داخلك انفجر في سويداء داخلي !!
كم من الشجن اصاب وصفك لمكامن الالم عندي ؟! هذا الوصف المؤلم عندما ذكرتِ اطفال شيخون وهم يربضون برؤوسهم الصغيرة وعيونهم ” النصف مفتوحة ” , آآآآآه لهذه العيون!! فالنصف الغير مرأي وصل الى سماء الاحتضان وملائكة الرحمة , مودعاً بغير استأذان مراتع الشياطين , ومرابط صهوات القوم الكافرين !! والعين بنصفها المفتوح شاخصة بقبحكم وظلمكم , معاتبة لعدم مبالاتكم , غاضبة من قساوة قلوبكم كانها تقول لكم بأي ذنبٍ اُخنَقُ ؟؟! كنت افضل لو استطعتم استبدال غاز السارين بهدية مرفقة بوردة ياسمين , لامتع عيوني المفتوحة بكاملها بالجمال ولعشرات السنين !! أأأأأأه لهذه العيون , من شناعات الاوغاد !!
رحم الله ارواحكم البريئة يا اطفال شيخون , ولعن الله كل جبارٍ عنيد والسلام
رحم الله هؤلاء الأطفال وكل الضحايا. هذا الإجرام الذي يقوم به بشارون ونظامه كما فعل شارون والصهاينة بالشعب الفلسطيني. وتصوروا أن أمريكا تبكي على أطفال سوريا بينما أطفال فلسطين هم بنظرها إرهابيين! تصوروا أن إسرائيل تتظاهر بالدفاع عن أطفال سوريا بينما أطفال فلسطين هم بنظرها إرهابيين! تماما كما يتظاهر النظام بالدفاع عن أطفال فلسطين بينما أطفال سوريا هم إرهابيين! الوحوش ذاتها والضحايا أطفال وأناس عُزّل وشعوب وبلدان!
قال الله تعالى في سورة البقرة: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ).
يا سيدتي الفاضلة وكما توضح الآية القرآنية أعلاه إن الله ما خلقنا في هذه الدنيا إلا لكي يختبرنا ويمتحننا في كل شيء في البأساء والضراء والخير والشر.فكلنا مبتلين من عند الله تعالى، منا من ابتلاهم الله بالغنى والنعيم لكي نختبر هل نحن شاكرين لهذه النعمة التي أنعمها الله علينا بالتصدق وإخراج الزكاة وأعمال الخير أم جاحدين لهذه النعمة (الذهب الأسود بالخليج ومأسات العراق) ومنا من ابتلاهم الله بالحروب والكوارث والشقاء ليمتحنهم كذلك هل هم راضين بقدر الله أم لا.
فمأساة إخواننا السوريين في خان شيخون والمدن الأخرى والذين يتعرضون للإبادة الوحشية بكل أنواع الأسلحة هي مدمية للقلب ولكن ألا نتسائل لماذا سلط الله هذه النكبات المتتالية على العرب والمسلمين ابتداءا من نكبة فلسطين أليس بابتعادنا عن تعاليم ديننا الحنيف وهرولتنا اتجاه قبلة أمريكا طاغوت الرأسمالية المتوحشة تارة وتارة أخرى هرولتنا اتجاه قبلة السوفيات والروس طاغوت الشيوعية المدمرة حتى أهلكنا من كلا الجانبين وتركونا ننهش بعضنا البعض أليس ذلك كافيا لنا لأن نعتبر ونتصالح مع الله تبارك وتعالى،أم سنظل كذلك نعيش في هذا الذل والهوان نستجدي تدخل أمريكا وغير أمريكا حتى يحين الدور على الآخرين ونندم يوم لا ينفع الندم
نتكلم على أنفسنا وكأننا كتلة واحدة موحدة لا يشوش على أجماعها كيد كاءد
أو مؤامرة عدو مندس. والحالة هذه أن من بين ظهران هذه الأمة طواءف وجماعات ارتات أن تخدم اجاندات لاتمت إلى هوية ومصالح هذه الامة بصلة. والابتلاء كل الابتلاء في أختبار قدرة أهل الحق من هذه الأمة في الرجوع
إلى الطريق الاسلم ,عبر تنقية النفس من رواسب الضلال والالتزام بكلمة التقوى حتى يكونوا أهلا للسند الرباني في مواجهة أهل الباطل والطغيان من هذه الأمة أو غيرهم , حيث لا مناص من كبح جماحهم من أجل أن نستحق الوصف الرباني: كنتم خير أمة أخرجت الناس.