■ ما زالت الدولة المصرية على إصرارها في معاداة الفقراء، واضطهاد الفلاحين والعمال وصغار الكسبة والبسطاء وسلالاتهم.. وتنسى أنهم ملح الأرض وعماد الوطن وحماته.. وتخصم من حقوقهم وتحابي بها رجال الأعمال، الذين يسرحون ويمرحون في طول البلاد وعرضها.. والهمة البادية في سن تشريعات مانعة للدعم، ومشجعة على رفع أسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية للحياة.. والتمادي في فرض الضرائب على الفقراء وبسطاء الناس؛ تعطي إنطباعا معاكســا عن التدليل والدعم الزائد للأغنياء.. وباختــــصار إنها سياسة لا تتوقف عند تنغيص حـــياة الشعب، وحرمانه من حقوقه المشروعة.
وفور أن يكشر الأغنياء عن أنيابهم ترتد الدولة مذعورة وتتراجع أمامهم بتخاذل مهين.. وآخر تراجعاتها كانت ضريبة أرباح البورصة.. ورغم حدة الأزمة الاقتصادية لا يتوقف المسؤولون عن تحميل غير القادرين تبعاتها وأعبائها، ويتركون الحبل على الغارب للقادرين، ويسلمونهم الجمل بما حمل. وأسوأ ما في مصر هو اختيار المسؤولين وأصحاب القرار فيها من بين دوائر المال والاحتكارات والشركات والعائلات والأصهار. وبلد يواجه ما تواجهه مصر من مخاطر على الأصعدة كافة في أمس الحاجة إلى العلماء والمفكرين والخبراء والشباب والمنتجين وكل قادر على العطاء، ووضعهم في مواقع المسؤولية، والتخلي عن المتخصصين في اللصوصية والنهب والتمييز والتطبيع، ودون ذلك تغرق البلاد ولا تجد شاطئا تَرسو إليه.
وكلما دقق المراقب في وجود ابراهيم محلب ووزرائه، وفي الخبراء والاستشاريين المحيطين بالرئيس السيسي يلفه التشاؤم.. فهم يفاقمون المشاكل ولا يحدون منها أو يخففونها.. وصاروا جزءا منها وليسوا طرفا في حلها.. والمواطنون مقبلون على شهر رمضان الكريم، وينتظرون توفر السلع الغذائية والاحتياجات الضرورية.. ومن يدقق في مشاكل المواد الغذائية وأسعارها يجدها من فعل المحتكرين ورجال الأعمال وخبراء الزراعة والغذاء الصهاينة، وبتأثير غياب الرقابة الحكومية على الأسعار؛ منذ إلغاء التسعير الجبري في ثمانينات القرن الماضي.
وصار من المسلمات أن تعمل الحكومات المتعاقبة لأكثر من أربعة عقود لحساب الأثرياء وتقدم كل أنواع الدعم لهم، وورث الرئيس السيسي عن الرئيس الذي سبقه عدلي منصور رئيسا للوزراء؛ كل خبرته المقاولات. ومحسوب على الفلول ورجال ما قبل الثـــورة، وهذا أدى لرفض الشعب له ولحكومته، التي نسيت أن الغالبية العظمى من الشعب فلاحين وعمال وصغار كسبة ومتوسطي حال، وسرعان ما تتراجع حكومة محلب، وتلغي قرارات وإجراءات ضرورية وحيوية إذا مست «الأبقار المقدسة»، المعروفة برجال الأعمال. وكان وقف تنفيذ ضريبة أرباح البورصة علامة ضعف متناهية لحكومته.. وعلامة من علامات استمرار الخلل واستفحال الفساد بعد ثورة 30 يونيو 2013.
ونشرت صحيفة «الشروق» القاهرية في 21 مايو الحالي عن رضوخ الحكومة لضغوط سماسرة البورصة، فتراجعت عن قرار تحصيل ضريبة على أرباح التعامل في الأسهم المتداولة فيها، وتأجل التحصيل لمدة عامين، وذلك تمهيدا لإلغائه، وفي نفس الوقت تنفذ رغبات المطالبين بخفض الحد الأقصى للضرائب على أرباح ودخول رجال الأعمال. وأضافت الصحيفة: «بعد مرور نحو عام من حكم الرئيس السيسي، يمكن القول وبضمير مستريح تماما إننا أمام نظام حكم موال لرجال الأعمال والأثرياء، ربما بدعوى أنهم يستطيعون ضخ الاستثمارات التي ستتحول إلى فرص عمل للفقراء، وهي نظرية ثبت فشلها الذريع في سنوات حكم مبارك، لأنها ببساطة لا تقدم أي ضمانة لتوزيع عوائد النمو».
وتتغاضى الحكومة عن تشييد المنتجعات وبناء القصور وإقامة الأبراج على غير الأراضي المخصصة لذلك، واستقر في ذهنها أن رغباتهم أوامر تنفذ على حساب التنمية والإنتاج الزراعي والصناعي والنقل وإصلاح الأراضي والإسكان الشعبي ووقف انتشار العشوائيات السكنية على الأراضي الزراعية.. وإذا ما خصصت الدولة أراضي لمشروعات زراعية أو صناعية يتم الاستيلاء عليها من قِبَلهم، بقدرة قادر، وتُبنى عليها «مستوطناتهم» بما فيها من ملاعب غولف وسائل متعة خاصة، ومن يفكر منهم في زراعتها يستجلب مزارعين وخبراء صهاينة؛ كعقاب للفلاح؛ كان أول من فلح الأرض في التاريخ، واخترع الزراعة، وعلمها لغيره، وكطمس لتراثه وخبراته الطويلة المتراكمة والتشويش على ما تفوق فيه!.
والأمثلة كثيرة وصارخة؛ نختار منها رجل أعمال معروف، ومن صناع أزمات مصر الزراعية والغذائية، ومعروف بين الناس بـ«رجل الصهيونية الأول في مصر”، وقد صنعت منه أكبر أباطرة المال والأعمال، ومكنته من الاستحواذ على أكبر شراكة مع تل أبيب.. ومن هيمنة عائلته على 70٪ من التوكيلات الأمريكية.. (حسب ما جاء في دليل النشاط التجاري الأمريكي في مصر؛ الصادر عن السفارة الأمريكية بالقاهرة، ونُشر على موقع الطليعة الألكتروني في 19 نوفمبر 2014) وهو منافس أكبر لعائلة ساويرس وإن كان يشارك نجيب ساويرس في ملكية صحيفة يومية ويكتب فيها باسم مستعار.
استحوذ مع عائلته على 43 توكيلاً أمريكيا؛ منها توكيلات شركة «هاليبرتون» للنفط؛ يملكها نائب الرئيس الأمريكي الأسبق «ديك تشيني»، وفضائحها ومخالفاتها المالية في توريد مشتقات نفطية للجيش الأمريكي؛ زكمت الأنوف. ولرجل الأعمال هذا شقيق تخصص في الزراعة، ويحتكر النشاط الزراعي المشترك مع الدولة الصهيونية، ويستورد منها أدوات ري وبذور وشتلات موز وبطيخ وتفاح، وأشهر أنواعه «التفاح الويليامز». واعتاد هو وعائلته على العمل مع شركات وخبرات صهيونية، وأدمنوا «التطبيع» والتلاعب بسوق المحاصيل الزراعية والسلع الغذائية، وامتدت احتكاراتهم إلى الذهب. ويخضعون لتحقيقات منذ 2011 في بلاغات تتهمهم وآخرين بالاستيلاء على أراضي الدولة، وعلى مساحات واسعة من منطقة «برقاش» التابعة لمحافظة الجيزة.
وهذا الذي لا يخجل من عار التعامل مع الدولة الصهيونية يوجه حملة ضد القوات المسلحة بدعوى تنفيذها مشاريع لحسابها. ويرى مراقبون أن انطلاق حملة من أهم «المطبعين» إنما يعكس ضيقا صهيونيا من دور القوات المسلحة في تنفيذ مشروعات استراتيجية، وما في ذلك من كشف لمواطن وصور فساد كانت تمارس في السابق.. والقوات المسلحة المصرية تسند تنفيذ المشروعات لشركات مدنية؛ تتابعها وتتأكد من معايير ومواصفات الجودة والسلامة فيها؛ وليس هذا بدعا، فسلاح الهندسة الأمريكي ينفذ مشروعات استراتيجية.. ونذكر أنه تولى تصميم وتنفيذ العازل الحديدي في عمق خط الحدود الفاصل بين قطاع غزة ومصر إلى أن فشل؟.
والحملة تستهدف إشغال القوات المسلحة، وخدمة الإرهاب المتصاعد في الداخل وعلى الحدود الغربية، وفي شمال شرقي البلاد.. وتخفيف الضغط على «الجماعات الجهادية» في سيناء.. والرئاسة تساعد في ذلك؛ بغض النظر عن النوايا، بسوء اختيار الوزراء والمسؤولين، ففضلا عن أنه يضعف الدولة؛ فغايته تعقيد الأزمات.. واستمرار التعيين من الفلول وأتباع جمال مبارك، أو من بين العاملين في شركة «مقاولات كبرى»، احتضنت جماعات العنف المسلح.. وأول من مولتها ورعتها في نشأتها الأولى بجامعات مصر عام 1972 وحملت اسم «جماعة الإسلام». ويُسأل في ذلك عصام العريان وعبد المنعم أبو افتوح، وتركهما «جماعة الإسلام» والانضمام لـ«الإخوان»…
وكان رئيس الشركة نديما للسادات ثم صهره، وأقنعه بانسحاب الدولة من التزاماتها تجاه مواطنيها، وكان رفيقه في رحلة العار إلى القدس المحتلة في 1977.. وصاحب مبدأ «الدولة تاجر فاشل»… ولم يكن على وعي بمهمتها في الإدارة السياسة والتنفيذية، وفي توظيف الموارد الطبيعية والبشرية وتحقيق أعلى عائد سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وحضاري منها، وإرساء قواعد العدل؛ كأساس للملك وموئل الحكم الرشيد، وتوفير الرعاية الشاملة للمواطنين.
وحين تدار دولة على هوى رجال الأعمال، وعقلية المقاولين، وجشع الجباة؛ تزداد ضعفا ويتلاشى الأمل في إنفراج أزمتها قريبا. ولقد وصل الجشع حد فرض ضريبة على «الفول المدمس»، وتنبأ الصحافي علاء عبد الهادي في صحيفة «الأخبار» القاهرية الخميس قبل الماضي بدخول «الفول المدمس» إلى دائرة التحريم على الفقراء، ويلحق بالعدس الذي اختفى من مائدتهم، وانتقل إلى موائد الأغنياء!!.
وبهذا نتَبَيُّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من أزمات الزراعة والغذاء، ومن مسؤولية أنصار «التطبيع»، ومن تجذر النفوذ الصهيوني بين مليارديرات مصر وهم صناع الأزمات الفعليين.. ووقف هذا المسار المشبوه والمدان مسئولية الرئيس السيسي، وغير ذلك فعواقبه وخيمة.. والرئيس هو المسؤول أولا وأخيرا!!.
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن
محمد عبد الحكم دياب
نفس الكلام كالعادة. إلقاء مسؤولية الأزمات على الخارج و كأن النظام العسكري ليس مسؤولاً عن الكوارث في مصر منذ 1952.
كلام في الصميم .. ونظام تقسيم الشركات الحكوميه الناجحة قادم لمصلحة الابقار المقدسة وجاري الآن تدمير شركة الاتصالات المصرية التي تقدم للدولة الضرائي ومعظم ارباحها واسهمها مرتفعة في السوق وطلبت الاستحواذ علي الشركة الجديدة للمحمول لكن الاصابع نجحت وتم اقالة رئيس الشركة الناجد في قفا اقتصادي مؤلم بحجة انه اخواني وبدلا من ايجاد ابديل المناسب جاري تقسيم الشركة وتوزيع الغنايم وطظ في دخل الدولة من الشركة والبركة في الرز
رحمك الله يا مرسي في عهدك حملوك كل نقيصة وفي عهد السيسي تبرير ومؤمرات ومحاولة إخفاء الشمس بالغربال .