كلا.. ليس هذا خطأ مطبعيا، لا ريب في أن يتبادر إلى أذهان البعض أنه في طريقه إلى التدارك.. أجل.. فموضوعنا اليوم موضوع بنى وتجهيزات ومرافق ومنشآت.
حدث أن درسا من دروسي الأخيرة في مجال الترجمة أوصلني إلى اتخاذ «البنى التحتية» موضع تدقيق لفظي، حتى يترسخ في تصور الحفل الكريم أن كلا من «بنية» و»بنى تحتية» و»تجهيزات» و»مرافق»، مصطلحات لها ترجمة فرنسية خاصة بها، وبالتالي ينبغي مراعاتها. ومن هنا أيضا ختمت كلامي على سبيل المزاح قائلا: «من أحسن ترجمة البنى، صار خليقا بتمنيات بأطيب البنى»…
وبعيدا عن الرغبة في الاستيلاء على مقولة صارت من أكثر العبارات شيوعا في المجال السمعي البصري العربي، لاعتماد نجمة إعلامية إياها، تبين لي أن مزاحا صبيانيا «لطيفا» بإمكانه أن يتحول إلى رسالة صحافية لصيقة بتطورات الأحداث الراهنة.
فإن لم تكن لصيقة بمسألة البنى والتجهيزات والمنشآت، فضلا عما هو لصيق بها أصلا، بماذا تكون الثورات العربية وتطوراتها ورهاناتها لصيقة إذن؟ أليس وراء مطالب بغد أفضل مصحوبة بتوق إلى احترام مبادئ ديمقراطية مبنية على صرح التعددية التشاركية، مطالب ضمنية بوجود مرافق بأنواعها تضمن تحقيق تفاعل مقومات الديمقراطية الوليدة في ظروف مادية تسمح بظهور مثل هذه الإبداعات؟
أليس صيانة أو إصلاح أو بناء ـ وفي الأغلب الثلاثة معا- الطرقات والمطارات والمستشفيات والمدارس والجامعات… عصب الإشكالية؟ أليس مراعاة تزويد مؤسسات الدولة الشتى بتجهيزات رقمية تتيح لها مسايرة سرعة انتقال المعلومات عالميا بيت قصيد المسألة؟ أليس بناء مساكن لائقة وإتاحة فرصة الوصول إلى الملكية للجميع أمرا بات شغلا شاغلا يراود الشعوب؟
نعم الشعب أراد إسقاط النظام، ولكنه أراد أيضا قيام تجهيزات ومرافق وبنى تحتية وفوقية تحفظ له طرق الوصول إلى «العيش والحرية والكرامة الاجتماعية «، فلا علاج من دون مستشفيات مجهزة، ولا تعليم من دون مدارس تحفظ للتلميذ كرامته، ولا دراسات عليا رفيعة الجودة، من دون دعم للمرافق التعليمية، ولا حياة كريمة من دون فرص شغل متاحة ولا فرص شغل متاحة من دون بنى تحتية اسمها شركات، ولا إشعاع اقتصادي من دون جهات داعمة ولا جهات داعمة من دون اعتمادات مالية مخصصة للبناء والتحديث والتجهيز، ولا مجتمع يفرض صوته في العالم من دون قنوات سليمة يمرر بها هذا الصوت، ولا دولة تحترم نفسها ومواطنيها من دون بنى تحتية وفوقية يراد لها أن تكون «أطيب البنى».
٭ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
بيار لوي ريمون
ﻧﺸﻜﺮ ﻟﻸﺳﺘﺎﺫ ﻣﻘﺎﻟﻪ،ﻣﻘﺎﻟﻪ،ﻭﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺃﻋﺎﻭﺩ ﺗﺘﺒﻊ ﺳﻴﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﺍﻹﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻷﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺟﺪ ﻟﻬﺎ ﺭﺍﺑﻄﺎ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ،،ﺣﻴﺚ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﻠﻰﻣﻮﻋﺪ ﻋﺎﺟﻞ.ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﺑﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﻻﻻﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ،،ﻭﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺍﻟﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ.،،ﻭﻗﺪ ﺃﺣﺴﻦ ﻓﻲ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻣﺪﺧﻼ ﻟﺮﺻﺪ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺇﺻﻼﺡ ،،ﻓﺘﻨﺼﻠﺤﺒﻪ ﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ. ﻭﻧﺮﺟﻮ ﺃﻥ ﻧﺠﺪ ﻟﻪ ﻣﻘﺎﻻﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺔ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ.
لغة أي مجتمع، قواميسها تجمع خلاصة حكمتها في معنى المعاني، وهيكل اللغة نفسها من خلال الجملة والكلمة والحرف يُظهر خلاصة مفهومها للحياة، إن كان من خلال الأصوات أو من خلال الكتابة، الديمقراطيّة/الديكتاتوريّة/البيروقراطيّة هي منتج من منتجات الفلسفة/الفكر، ترجمته على أرض الواقع هي نظام الدولة الحديثة لكل أعضاء نظام الأمم المتحدة، العولمة من منتجات الحكمة/اللغة ترجمتها على أرض الواقع هي نظام الشَّابِكَة (الإنترنت)، العولمة أعطت للغة أهمية لم تصل لها أي لغة في السابق، الترجمة في مفهوم العولمة تعني التوطين وفي لغة العرب تعني التعريب (إيجاد جذر واختيار صيغة بنائية ملائمة للمعنى المطلوب ترجمته)، في حين الترجمة في النظام السياسي تعتمد على النقل الحرفي الببغائي مثل الديمقراطية/الديكتاتورية/البيروقراطية.
الحياة من وجهة نظري أكبر من الثنائيات، الفلسفة أم الحكمة، أو الفكر أم اللغة، المرأة أو الرجل، هناك من أهل لغات التأويل يفهم أن عدم اضمحلال أي مجتمع من خلال العمل على خلق الصراع بين الأضداد فيه، وبتلك الطريقة يعمل على نشر السعادة فيه، وهناك من أهل لغات الاستقراء والاستنباط يظن أنَّ التكامل بين النقيضين في أي مجتمع هو اساس الجمال والسعادة، وأنا أقول هناك ثقافة الـ أنا التي فيها مفهوم الحرية/الليبراليّة تكون بلا حدود بسبب بسيط أنّها لا تعترف بوجود إلاّ الـ أنا وهذه هي الفلسفة/الديمقراطية/الديكتاتورية، وهناك شيء اسمه ثقافة الـ نحن والتي فيها مفهوم الحرية/الليبرالية تكون حدودها عن حدود الـ آخر ببساطة لأنّه يعترف بوجود الـ آخر وهم سوية يمثلوا ثقافة الـ نحن، هل فهمت لماذا الشعب يُريد اسقاط النظام؟
حكمة العرب لخصت “كلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ” في طريقة تعاملنا مع كل شيء حولنا من خلال قول “كلٌّ يُغنِّي على ليلاه” في طريقة فهمه لأي شيء، ولكن الفضفضة شيء، يمكنك أن تعمله مع نفسك أو مع من تمون عليه، ولكن أن تنشره على أنْ يتم اعتباره من ضمن حرّية الرأي فهي الطامة الكبرى، فهي سبب 90% من مشاكلنا مما لاحظته، وخصوصا في المجتمع الذي يجمع الذكر والأنثى، ويُزيد الطين بلّة هو عندما نقول لهم هذا ثور، وتدخل امرأة وتقول احلبوه، والأنكى يدخل ذكر للتغطية عليها، بحجة أنَّه لا يُمانع في حلب الثور، وسينتج لنا حليب في كل الأحوال، كيف يمكنك تمييز الألوان في تلك الحالة؟ لأنّه سيُصاب الجميع بعمى الألوان، عندما يتعامل الجميع مع كل شيء على انّه رمادي، فقط لإرضاء فلان أو فلانة، وهذا بالضبط معنى الديمقراطية/الديكتاتورية للعلم.
لو كان النظام الديمقراطي في عصر العولمة يحقق طموحات المواطن ولا يحتاج إلى نقد، فلماذا في بريطانيا حصل استفتاء اسكتلندة، وفي اسبانيا أهل كتالونيا يطالبون بالاستفتاء، وفي فرنسا أهل الباسك يطالبون بالاستفتاء، وفي ألمانيا أهل بافاريا يطالبون بالاستفتاء؟ فهمنا أنَّ مثقف دولة الجنرال نابليون بونابرت ضد التقسيم، طيب ما رأيكم بالوحدة هل أنتم ضدها؟ أم ثقافة الـ أنا وفق محددات سايكس وبيكو تمنع ذلك، كما عمل على تسويقها محمد حسنين هيكل، والفضيحة بحجة أنّها تدعم القومية العربية؟! في تناقض تام مع أي معنى لفكر قومي للدولة الحديثة إن كان فرنسي أو بريطاني أو أمريكي ولذلك نحن في حاجة إلى نظام جديد الآن، نتجاوز فيه ضيق ثقافة الـ أنا (الفرد)، إلى سعة ثقافة الـ نحن (الأسرة).
الصراع ما بين العولمة والديمقراطية، فضح المثقف والنخب الحاكمة، في مسألة بُعدها عن الواقع والشعب ومشاكله وقضاياه، فإشكالية النظام الحالي لدول الأمم المتحدة الأعضاء بداية من أمريكا وفرنسا وبريطانيا، تقوم باستخدام في الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية بشر امكانياتهم العقلية ضحلة، إن لم تكن غير مؤهلة للقيام بواجباتها دون استخدام وسائل عضليّة في تنفيذ أي مهمة تطلبها النخب الحاكمة منهم، ناهيك أنَ هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية، أصلا يتم تهيئتها وبنائها على ثقافة القتل للدفاع عن النخب الحاكمة للنظام في الدولة، فماذا تتوقع منها غير اسلوب التعذيب وإهانة للمواطن بغض النظر إن كان مخطئ أو متجاوز على القانون أم لا، كيف يمكن أن تتوقع ممن تم السماح له بتجاوز القانون أن يقوم بالمحافظة على القانون؟
ومع أنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام، فيما ردّده عالميا، والمثقف الديمقراطي يُصر على أنّ هناك حلول فكريّة في نظام الأمم المتحدة البيروقراطي، توحي أنَّ عملية السجن هي للتضييق على نفسه داخل الصندوق، فضبابيّة الديمقراطيّة تكفيه، وهذه مشكلة ضيق ثقافة الـ أنا أولا، أظن سترتاح كثيرا لو تركتها إلى سعة ثقافة الـ نحن، وذلك بواسطة الاعتراف بوجود غيرك في هذا العالم، يمكنك الاستفادة من الحوار معهم، للخروج من وحدتك القاتلة على الأقل، وهناك فوائد كثيرة أخرى يمكن اكتشافها يوما بعد يوم من خلال لغة الحوار مع الآخر، حينها ستفهم قيمة الحرف والكلمة والجملة واللغة بشكل عام، أي لغة كانت، ولكن نصيحة لوجه لن يمكنك فهم أي لغة أخرى، دون إجادة لغتك الأم يجب عليك احترامها.
ما رأيكم دام فضلكم؟