أعداء الإنجازات المصرية

حجم الخط
0

عدنا مرة أخرى إلى حديث احترام الدستور والقانون، ورعاية مصالح الشعب والحفاظ على استقلال الوطن ووحدة أراضيه، تلك الكلمات التي أصبحت خالية من المعنى، والتي لا تثير لدى البعض إلا حديث السخرية أو مشاعر الوجع. كلمات تتردد في فضاء مشابه لا يشبه الواقع خارج الجدران التي عبرت عن الفرحة ورددت أحد الأصوات داخلها بكل سهولة، «بنعشق التراب اللي بتمشي عليه، ولولا ربنا كرمنا بحضرتك كنا زمانا لاجئين ومعندناش أرض ولا عرض».
لم أقف مثل بعض أهالي سيناء منتقدة فكرة اللجوء وما يتعرض له الأهالي من ترحيل وتقييد ومعاناة، ولا مقارنات البعض السريعة بين «أحسن من سوريا والعراق» والحياة في مصر، ولكن توقفت كثيرا أمام تيران وصنافير، وكيف افتقدنا زيارة الرئيس للجزر، ربما إن سار عليها أدرك البعض أهميتها في المجلس ودافع عنها كما يفترض، ودخلت في قائمة الأرض والعرض.
توقف البعض أمام صور الموكب الرئاسي في طريقه إلى البرلمان من أجل أداء يمين احترام القانون والدستور، وكيف أن الموكب كان يسير مخالفا لقواعد المرور، رغم أنها ليست المرة الأولى. بالطبع جاءت السخرية من تصور أن القانون يحترم في عمومه، في حين ترى السلطة عندما تنفرد بالأمور أنها صاحبة القرار، تضع القوانين وتخترقها، وفي حالة الاختراق تلك تشعر بقدرتها على التحكم، ويزيد شعورها بالسيطرة، وقيمة الاستثناء الذي تتمتع به بحكم المنصب.
تناقض يبدو واضحا بين خطاب رئاسي يقول، لا أغضب من المختلف والجميع أبناء، وواقع يؤكد أن هناك من يحضر اجتماعات ومؤتمرات رئاسية وشبابية لا يحاسب أحد على أهميتها وتكاليفها، وأمن يواجه المعترض، حتى إن كان على حالة الجو أو رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، إعمالا للنصيحة الخالدة من قصة المياه والثلاجة الشهيرة، حين يتم الخلط بين الحكم والشخص، ويتحول القبول بدون شرط إلى حالة عزة نفس مصنعة من أجل السلطة.
جاءت الكلمات بدون معنى حقيقي، بعد أن شهدنا على أرض الواقع كيف يتم اختراق الدستور والقانون، ويتم التخلي عن وحدة الأراضي، أما حديث رعاية «مصالح الشعب رعاية كاملة»، فإن التناقض بينه وبين الواقع يتواجد في الكثير من التفاصيل التي يصعب حصرها، وإن ظلت رمزية، ومعنى السجادة الحمراء على هامش افتتاح مساكن لمحدودي الدخل، والاهتمام الخاص بالعاصمة الإدارية وأكبر المباني، مقابل حالة المعاناة، واختفاء الأدوية وارتفاع أسعار وتكلفة الخدمات الأساسية، صور واضحة لتلك الرعاية الكاملة. كما ظهر التناقض في الأخبار سريعا ووزير الإسكان يعلن في اليوم نفسه، السبت 2 يونيو 2018، أن الانتهاء من توصيل خدمات الصرف الصحي إلى 175 قرية في محافظة الشرقية سوف يرفع نسبة القرى المخدومة بالصرف في المحافظة إلى 50% من إجمالي القرى. ولا يتصور أن يختلف الوضع في تفاصيله بين الشرقية والعديد من المحافظات الأخرى، التي مازالت في انتظار الأساسيات، ولا تستفيد من حديث القروض المتزايدة والمباني الجديدة والمؤتمرات الشهرية والمواكب الضخمة. 
إن توقفت أمام الحدث من البداية، وحديث الانتخابات الديمقراطية التنافسية، يعيد للواجهة جهود توسيع الفجوة بين الحدث وإعادة تفسيره وتغليفه في أوراق يراد لها أن تكون جديدة وبراقة، رغم أنها لا تغير الحقيقة إلا إذا أنكرت الواقع الذي تعيشه وقبلت كل ما يقدم بوصفه الحقيقة. الانتخابات التي كانت تبحث عن مرشحين، وتستبعد منافسين، والنسب التي تحدد وفقا للمشاركات وتلك المنافسة المفترضة، لا تغير الواقع وإن كانت تساهم في الترويج له من أجل نسيان الحقيقة وتصديق الصورة المعدلة للوقائع، والترديد المستمر لها، حتى تصدق وتصبح النسخة الوحيدة، تماما كما جاء في رواية «1084» رائعة جورج أورويل، «من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل، ومن يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي»، حيث يعاد إلقاء ما لا يعجب السلطة في مقابر الذاكرة، واختراع قصص جديدة، قبل أن يتم الإلقاء بها مرات ومرات، كما حدث مع قناة السويس الجديدة، ووعود المعاناة التي تنتهي في ستة أشهر وغيرها من وعود تقبع في مقابر الذاكرة الآن مع غيرها.
مقابر الذاكرة لا تحتوي على تفاصيل قديمة فقط، بمعيار الحكم، ولكنها متجددة بشكل متسارع، تضم الحدث فور حدوثه، أو بعد وقت قصير للغاية وسط آلة إعلامية ضخمة وساعات بث ممتدة، وإعادة خلط الأوراق والاهتمام بالإلهاء، حيث كرة القدم أو تفاصيل صغيرة يمكن أن يتم تضخيمها وتشغل الجميع قبل أن يتم تغييرها وتجديدها، حتى لا يمل الجمهور في صالة سينما الواقع. مقابر تحتوي بسهولة على جريمة قتل، تتبعها تسريبات وتصريحات، وآثار يتم العثور عليها في مدينة إيطالية، واسماء تختفي وتعود للواجهة، وانتقادات للحقوق والحريات تواجه دوما بخطاب التنديد بالآخر بدون حل المشكلة التي لا نعترف بوجودها من الأساس.
يتحدث رئيس المجلس عن الإنجازات، ومعه ساعات أخرى من البث والتصريحات التي تنتقد كل من يعترض أو يختلف أو يحاول إيجاد فكرة من خارج صندوق تحميل المعاناة على الشعب. إنجازات ظهرت بسرعة مع رفع أسعار مياه الشرب بنسبة 46.5% في يوم السبت التاريخي نفسه. فجوة أخرى تبدو واضحة في العلاقة بين السلطة والشعب، زيادات في الأسعار تتجاوز الضعف في الكثير من الأحيان، وزيادات في الأجور والمعاشات تشبه سرعة السلحفاة عندما تحدث. وفي المنتصف حديث يتم ترويجه عن كرم السلطة ومراعاة الشعب وكيف أن لدينا أقل الأسعار، وأن المسؤول يستحق زيادة ضخمة في الدخل، والمواطن لا يستحق المعاش والعلاوة، وكيف الواجبة الواحدة للشعب والمؤتمرات والمباني والسفريات تقدم جميعا في سلة واحدة شعارها الحزام والمعاناة ضرورة للشعب، والمميزات للسلطة ومن حولها.
مازلنا نسكن في عالم «اخترناه وبايعناه» الذي يمثل دوما خلفية حكم الرئيس محمد حسني مبارك صاحب الضربة الجوية وفاتح باب الحرية، ورغم أن السلطة ما بعد ثورة 25 يناير لم تستطع إنتاج عمل مشابه في القيمة الفنية، حتى إن اختلفت في المعنى والرسالة، فإن الواقع يظل يحكم بفكرة صاحب الإنجازات الذي لا ينتقد.
تلك الإنجازات تواجه أعداء من نوع جديد، تجعل حديث الرئيس عن مميزات إعلام الستينيات مفهوما، حين كان من السهل أن تروج الهزيمة بوصفها انتصارا. طبيعي أن تواجه السلطة وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تستهدف تلك المساحة الحرة، حتى إن كانت افتراضية، ومن ينتقد على جدر افتراضية بعد ان أغلقت الباب أمام الجدر المادية. تنتقد السلطة بشكل متزايد عداوة تظهر في تقارير دولية، ومنظمات حقوق وحريات زادت التطورات من قدرتها على الوصول للواقع، ووصول الجماهير لها في عالم تراجعت فيه فكرة الدولة بوصفها صندوقا أسود، بدون أن يتراجع حلم السيطرة الكاملة عن السلطة.
يروج لنا ان زيادات أسعار تذاكر المترو هامشية، وأن أسعار وسائل النقل في مصر هي الأقل عالميا، وتروج لنا إنجازات ضخمة في حديث البنية الأساسية التي لم تقف عادة أمام أمطار جديدة تأتي كاشفة من إسكندرية إلى التجمع الخامس. تضاف لكل هذا خطوات أخرى تأتي أيضا كاشفة، وتؤكد أهمية إغلاق وسائل المعرفة التي لا تملكها السلطة حتى تروج ما تريد وقتما تريد. ويأتي خبر مثل توسع استونيا في إتاحة وسائل النقل بالمجان من العاصمة، التي بدأ التنفيذ فيها من خمس سنوات، إلى غيرها في بداية شهر يونيو، وانتشار الفكرة إلى دول أوروبية أخرى، وكيف ترتبط فكرة إتاحة وسائل النقل بالمجان مع حق المواطن في الحصول على تعليم وصحة وغيرها من الخدمات الأساسية بالمجان كاشفا عن كيف تدار حقوق المواطن في العالم، وكيف يتوسع البعض في تعريف ما هو حق للمواطن لصالح الأخير، ويتوسع البعض في تقييد حق المواطن لصالح السلطة.
أما حديث إنجازات البنية التحتية الدائم فيواجه بتقرير التنافسية الدولية- 2018، ووضع ناميبيا المتقدم فيه بوصفها أفضل دولة إفريقية في المجال، والربط بين تلك الوضعية التي جعلتها تحتل المرتبة رقم31 من إجمالي 137 دولة، وإنشاء إدارة للطرق عام 2000. ناميبيا التي جاءت قبل الصين والهند وإيطاليا، تكشف كيف أن سنوات قليلة يمكن أن تحدث فارقا ايجابيا كبيرا، وكيف أن الواقع ليس الصورة التي تروج بالضرورة لنا أو للآخر.
يتعدد الأعداء من حوائط افتراضية، لتقارير دولية، لوالدة إيطالية تدافع عن حقها في معرفة حقيقة مقتل ابنها والمحاسبة بدون إلقاء الملف في مقابر الذاكرة. تلك المقابر التي يتوسع النظام في استخدامها، تواجه تحديات حقيقية ما دامت هناك صور أخرى لكشف الحقيقة لا تجعل الواقع جدرا مغلقة كما كانت في «1984». يقول أورويل في مزرعة الحيوان «من أجلكم أنتم نشرب نحن اللبن ونأكل التفاح، ألا تعلمون ما الذي يمكن أن يحدث لكم إذا ما فشلت الخنازير في مهامها؟ إن جونز يعود ثانية، نعم جونز بنفسه أيها الرفاق «الخطر نفسه الذي يقدم لنا ويحاول إخفاء الحقيقة، ما يحدث نفسه عندما تروج ضرورة مكافأة المسؤول وزيادة معاناة الشعب، الخوف من»جونز» متعدد ومتجدد، لكن المعاناة والحرية والوطن دائمة.
كاتبة مصرية

أعداء الإنجازات المصرية

عبير ياسين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية