القاهرة ـ «القدس العربي» : حملت الصحف المصرية الصادرة أمس الاثنين 11 يوليو/تموز مفاجأة من العيار الثقيل، وهي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية سامح شكري لإسرائيل واجتماعه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعقد مؤتمر صحافي، رغم أنه لم يقم أي وزير خارجية مصري بزيارة إسرائيل منذ تسع سنوات، أي منذ عهد مبارك.
والمفاجأة أيضا كانت ترحيب نتنياهو بمبادرة سابقة للرئيس السيسي عن حل الدولتين، ثم توقف الحديث حولها حتى لا تتصادم مع المؤتمر الدولي الذي سيعقد في فرنسا لبحث حل الدولتين. كما تأتي المفاجـــأة أيضا بعد الحملات التي تعرض لها نتنياهو بسبب زياراته لعدد من دول حوض نهر النيل، والتي انتهت منذ أيام وصُورت على أنها مؤامرة إسرائيلية ضد مصر.
صحيح أن سامح شكري أكد على موقف مصر الثابت من حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وفقا لحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، رغم رفض نتنياهو ما يسميه وضع شروط مسبقة، وصحيح أيضا ما أكده شكري على أن هذه الزيارة تمت بناء على زيارة قام بها في التاسع والعشرين من الشهر الماضي يونيو/حزيران، كما قال، إلى رام الله واجتماعه مع القيادة الفلسطينية وإجراء حوار معها قبل زيارته لإسرائيل، والله أعلم بما تم في الكواليس وإن كان من الصعب تصور أن تغامر مصر وتضع نفسها في موقف محرج إذا ما أصر نتنياهو على مواقفه، خاصة إذا زار القاهرة واجتمع مع الرئيس السيسي، ومع ذلك فهناك شيء ما يتم خلف الكواليس، لكن الشيء المؤكد أن مصر لا يمكن أن تترك القضية الفلسطينية بعيدة عنها ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي دور لتركيا بالذات فيها، خاصة أن الدور التركي سيكون في غزة، أي على حدودها حيث حركة حماس.
وأبرزت الصحف المصرية أيضا تأكيدات الحكومة على أن تعليمات الرئيس السيسي بالنسبة لرفع أسعار الكهرباء، لا تمس الشرائح الثلاث الأولى لأنها خاصة بالفقراء. كما أجتمع مع خالد حنفي وزير التموين للاستعلام منه عن حقيقة ما تكشف من فساد في صوامع القمح، وتأكيده على أن أي متورط في الفساد لن يفلت من العقاب. كما واصلت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس النواب عملها مستعينة بأجهزة الرقابة الأخرى، ولمحت إلى أن حجم الفساد مهول تخطى حتى الآن مبلغ الأربعمئة مليون جنيه.
أما اهتمامات الأغلبية فكانت متابعة مباراة فرنسا والبرتغال في نهائي كأس الأمم الأوروبية واعتداء حسام حسن المدير الفني للنادي المصري على مصور وزارة الداخلية وقرار النيابة العامة بضبطه وإحضاره. كما لا يزال الاهتمام كبيرا بسبب تعادل الأهلي والزمالك بدون أهداف وهي النتيجة التي لم تغير من فوز الأهلي ببطولة الدوري.
مع ذلك أخبرنا يوم الأحد زميلنا وصديقنا الرسام الموهوب في «المصري اليوم» عمرو أنه كان في زيارة مسؤول كبير وسمعه يتحدث في الهاتف ويقول غاضبا:
وقعتكم سودة أزاي نتيجة ماتش الأهلي والزمالك تبقي كدة ؟ ما أنتوش عارفين السيسي بيشجع مين؟
وإلى بعض مما عندنا….
دماء العراقيين في رقبة من؟
ونبدأ بردود الأفعال على تقرير لجنة تشيلكوت حيث طالب مستشار جريدة «الوطن» اليومية المستقلة وأستاذ الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور محمود خليل بمحاكمة القادة العرب الذين أيدوا الغزو وقال يوم السبت في عموده اليومي «وطنطن»: «السؤال: دماء هؤلاء في رقبة من، بعد أن أثبت البريطانيون عدم وجود داعٍ لتلك الحرب؟ اللافت أن الإعلام الأجنبي لم يطالب بمحاكمة «بوش وبلير» كما يفعل كلما حدث أي انتهاك لحقوق الإنسان في أي دولة عربية، ولم نسمع أي تصريحات لمنظمات حقوقية دولية تتحدث عن تلك الجريمة الدولية التاريخية. لقد حاكم المحتل صدام حسين – رحمه الله- لتورطه في قتل الأكراد في حلبجة، وحُكم عليه بالإعدام ونُفذ الحكم صبيحة عيد الأضحى، فليس أقل من أن يقدم كل من شارك في قتل مئات الألوف من العراقيين وخرب هذا البلد لمحاكمة عاجلة وعادلة، بمن فيهم الرؤساء العرب الذين لعبوا دور المحلل في غزو العراق، هذا هو العدل، وإذا لم يطالب الغرب بذلك فعلى العرب أن يطالبوا بذلك ويصروا عليه، وهنا لا بد أن يكون للشعوب دور خصوصاً الشعوب التي رفضت غزو العراق عام 2003، وما زلت أذكر حتى الآن المظاهرات التي خرجت في مصر منددة بالغزو ورافضة للوجود الأمريكي في المنطقة، في وقت كان نظام الحكم في مصر يدعم هذه الحرب بكل ما أوتي من قوة. المفارقة في الأمر أن هذا التقرير يجعل بعض الحكام العرب الذين ينتهكون حقوق الإنسان في بلدانهم يبدون أمام بوش الصغير وبلير كما لو كانوا تلامذة صغاراً».
المؤامرة ضد العراق
ولو تركنا «الوطن» ومحمود خليل وتوجهنا إلى «اليوم السابع» في يوم السبت سنجد زميلنا دندراوي الهواري يتهم الدكتور محمد البرادعي بالمشاركة في المؤامرة وقال: «الأول اعتذار توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق للشعب العراقي عن الدور الرئيسي الذي لعبه في الحرب على العراق وذلك في مقابلة له مع قناة الـ«سي أن إن» مؤخرا حيث قال نصا: «إنني أعتذر بشأن حقيقة أن المعلومات الاستخباراتية التي تلقيناها كانت خطأ». الاعتذار الثاني كان للكاتبة العراقية سمر الألوسي، إحدى أبرز المعارضات لنظام الرئيس صدام حسين، حيث كتبت يوم الثلاثاء الماضى 5 يوليو/تموز على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» نصا: «أعتذر منك يا صدام حسين لأنني رقصت وفرحت يوم سقوطك، لقد نسيت مجانية التعليم ونسيت التغذية المدرسية ونسيت الخدمات الصحية المجانية ونسيت الصناعة العراقية ونسيت الزراعة ونسيت قضاءك على الأمية ونسيت الخطوط السريعة والأسواق المركزية والحصة التموينية، وعدم السماح بالطائفية وتوزيع الأراضي وقروض الزواج وتوزيع السلع المعمرة للمتزوجين وحماية العراق وإعدام اللصوص والخونة والسارقين. أعتذر منك لأنني لم أدافع عنك وعن بلدي». وهو الاعتذار الذي نشرته معظم الصحف العراقية، لكن ماذا تفيد كل اعتذارات الشعب العراقي ومعه شعوب أمريكا وبريطانيا وكل من تورط ولو بشطر كلمة في تدمير العراق، وتلوثت يداه في قتل أكثر من مليون عراقي بدم بارد، ومن بينهم محمد البرادعي الذي لعب دورا خبيثا وحقيرا في شن الحرب على العراق. البرادعي لم يكتف بتدمير العراق وإنما حاول باستماتة أن يلعب الدور نفسه في تدمير مصر بالأساليب العجيبة نفسها في تأجيج الشارع المصري بمعلومات خاطئة ونشر شائعات وتحليلات تحتضن الخيال وتبتعد به عن الواقع بمئات السنين وتسخير صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لتنفيذ مخططاته».
جريمة حرب
وفي جريدة «الأخبار» الحكومية قال رئيس تحريرها الأسبق زميلنا وصديقنا جلال دويدار يوم الأحد في عموده اليومي «خواطر»: «جعلني تقرير لجنة «تشيكلوت» البريطانية للتحقيق في أحداث حرب العراق التي قادها بوش الابن عام 2003 ضد هذا البلد العربي، وأدى إلى تدميره وتعريضه لحالة الضياع التي يعيشها منذ إنهائها، إلى الشعور بالفخر والاعتزاز بالأداء المهني الوطني الأخلاقي المتمثل في رفض هذا العمل الإجرامي المجنون من جانب صحيفة «الأخبار» ومحرريها، عندما كنت رئيسا لتحريرها في ذلك الوقت. كانت «الأخبار» ضمن وسائل إعلامية قليلة ونادرة في مصر وفي كل العالم العربي التي اتخذت هذا الموقف منذ بداية الحرب وحتى نهايتها. من ناحية أخرى رفضت مصر «مبارك» أن تتورط في هذه الحرب وكانت قد شاركت في الحرب ضد نظام صدام العدواني في العراق لتحرير الكويت، بعد أن قام بغزوها عام 1990 وهو ما انتهى بالانتصار ودحر القوات العراقية الغازية، جرى تبني هذا الموقف على أساس معارضتها لهذا العمل العدواني الذي لم يكن له ما يبرره من جانب صدام ضد الكويت.. إن ما يؤكد الموقف الذي أصرت عليه صحيفة «الأخبار» دونا عن الصحف المصرية القومية الرئيسية في ذلك.. ما جاء في تقرير لجنة التحقيق البريطانية التي شكلت عام 2009 وأعلنت نتائجه منذ أيام متضمنا الإدانة للرئيس الأمريكي الابن بوش ولرئيس الوزراء البريطاني توني بلير. بهذه المناسبة كنت قد وصفت بلير في مقال منشور في ذلك الوقت بالتابع «قفة». تقرير لجنة التحقيق البريطانية طالب بتقديم القيادتين السابقين لدولتي أمريكا وبريطانيا للمحاكمة أمام الجنائية الدولية، باعتبار أن ما قاما به جريمة ضد الإنسانية أدت إلى تداعيات بشعة مازال العراق وشعبها يعانيان منها حتى الآن.
من المؤكد أن ما توصلت إليه لجنة التحقيق البريطانية بعد 7 سنوات، تحقق بعد البحث والدراسة والاطلاع على الوثائق والمستندات. كان مجلس الأمن قد كلف لجنة خاصة زارت العراق قبل الحرب للتحقيق في ما ادعاه بوش لتبرير جريمته بأن صدام يقوم بإنتاج أسلحة دمار شامل. انتهت مهمة اللجنة بإعلان كذب هذا الادعاء وانه لم يثبت لجوء صدام إلى القيام بهذا النشاط. تحدث تقرير اللجنة البريطانية عما لحق بالعراق من دمار وتخريب وما تعرضت له القوات البريطانية والدولة البريطانية من خسائر إرضاء لرغبة «بوش» الدموية التي يستحق وصفها بأنها جريمة حرب شاركه في أركانها توني بلير».
الدول العربية
تدخل منطقة الفوضى
ونظل في عدد «الأخبار» نفسه لنكون مع جلال آخر هو زميلنا وصديقنا ونقيب الصحافيين الأسبق ورئيس المجلس الأعلى للصحافة جلال عارف وقوله في عموده اليومي «في الصميم»:
«أعرف أخطاء صدام حسين وخطاياه ولكن الحقيقة هي أن العالم كان سيصبح بالفعل أفضل حالا لو لم يدخل بوش الابن إلى البيت الأبيض مطلقا، ولو لم يكن تابعه بلير قد حكم بريطانيا ولو لم يقد الاثنان مأساة تدمير العراق بعد أن كذبا على شعبيهما وعلى العالم بادعاء امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وبأنه قادر على ضرب لندن بصواريخه خلال 45 دقيقة. قبل الحرب تم اختراع أكذوبة أن حرب العراق ستكون المقدمة لعالم عربي تحكمه الديمقراطية، التي سيكون العراق النموذج الأكمل لها. بعد الحرب وحتى الآن يكرر مجرمو الحرب أن العالم أصبح أفضل حالا بدون صدام حسين. لا يتحدث بوش الابن ولا بلير عن مليون عراقي راحوا ضحية هذه الحرب القذرة، ولا عن تدمير العراق وتسريح جيشه وتفكيك دولته وتسليمه لنفوذ ايران، للحروب الطائفية التي جاءت لنا بـ»داعش» وأخواته، لينتقل الدمار بعد ذلك إلى سوريا واليمن وليبيا، وتسقط المنطقة في الفوضى وبحور الدم، بينما مازال من قادا المنطقة إلى هذه المأساة يكرران بكل صفاقة أن العالم أفضل حالا بدون صدام حسين».
هذا المجرم يجب اعتقاله
ومن «الأخبار» إلى «وفد» اليوم نفسه وزميلتنا الجميلة سناء السعيد وقولها: « جاء تقرير «جون تشيلكوت» في السادس من يوليو/تموز الجاري ليدين توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق لحربه على العراق عام 2003. إنه بلير الذي خرج عن الصراط المستقيم ومارس دوراً دنيئاً في الغزو الذي نفذته أمريكا. وهي جريمة الحرب الكبرى التي دمرت العراق وأبادت مئات الآلاف من مواطنيه. ورغم هذا مازال بلير حتى اليوم يتبنى التدليس والخداع في معرض تبريره لهذا الغزو الآثم. وينسى أنه ساق مزاعم مغلوطة حول وجود أدلة مخابراتية تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، يمكن استخدامها خلال 45 ثانية. وهى فرية ثبت بطلانها في ما بعد. ولكنه اختلقها كذريعة لتبرير الغزو. لن ينسى أحد لهذا المجرم ما تكبده العراق بسبب فريته هذه من دمار هائل وانهيار للدولة وتفشٍ للطائفية المذهبية وهو ما مهد الأرضية لظهور الجماعات الإرهابية على أرض العراق ويتصدرها «داعش» و«القاعدة».
وكم كان غريباً أن يتم تعيين هذا القاتل مبعوث سلام للمنطقة وهو الذي شارك في غزو مازالت آثاره الكارثية ماثلة إلى اليوم. طمس بلير الحقيقة وخلط الأوراق وتبنى الكذب والتزوير الممنهج ولم يكتف هو وزمرته بالإطاحة بالنظام، فكان أن أصدروا أحكام الإعدام على صدام وتابعيه. كان الهدف تدمير العراق وكسر شوكته وإفناءه وإخراجه من الحظيرة العربية، وتدمير هويته الوطنية وترسيخ الطائفية في كل أرجائه. هذا هو بلير مجرم الحرب الذي يجب أن يساق إلى محكمة الجنايات الدولية، فلقد غزا دولة وأباد مئات الآلاف من مواطنيها ومارس القهر فيها وهدم بنيتها التحتية وعصف بالقوانين الدولية وانتهك معاهدة جنيف إنه مجرم الحرب الأخطبوط الذي يجب اعتقاله فورا».
قلب الأكاذيب
إلى حقائق
ونترك «الوفد» إلى «المساء» الحكومية وزميلنا وصديقنا محمود غزلان وقوله في عموده اليومي «عين الطائر»: «الحرب على العراق تم التخطيط لها بعد ضرب أفغانستان عام 2001 حيث قررت كل من لندن وواشنطن القضاء على صدام حسين، وقامتا من خلال أعوانهما في الإعلام العربي بشيطنة صدام حسين، وأن العالم سيكون أفضل وأكثر أمناً وسلاماً بعد القضاء على صدام. كانت الجيوش تستعد والأقلام تشحذ في المنطقة العربية لدعم الموقف البريطاني والأمريكي، ويقال إن هناك من قبض ثمن الخيانة، أو أن هناك من تطوع بها مجاناً وتم إعداد العدة للإجهاز على العراق على أن يتم إخراج المسرحية بشكل جذاب ولائق، أسلحة الدمار وحدها لا تكفي فلا بد من وجود قنابل دخان إعلامية وتصوير هوليوودي لكافة العمليات ويكفي أن نعلم أن صور تحطيم تمثال صدام في بغداد، تم تصويرها أكثر من مرة لتخرج إلى العالم بالشكل المبهر، بل تم إعداد مجموعات من الكومبارس لأداء أدوار الأسرى العراقيين.
الغريب أن الكثير من حكام العرب شاركوا في المهزلة، والمضحك أن هناك من يطالب الآن بتقديم جورج بوش الابن وتوني بلير إلى المحاكمة، والتقدم إلى محكمة العدل الدولية طلباً لتعويضات للشعب العراقي، الذي مازال وحتى الآن يدفع من دمه فاتورة حرب قذرة. هؤلاء الذين يطالبون بالمحاكمات يعلمون أولا يعلمون أن الولايات المتحدة هي التي تحكم العالم وتحاكم العالم ولا أحد سواها يقدر على قلب الأكاذيب إلى حقائق وتحويل الحقائق إلى مهازل تاريخية سيغلق عليها الزمن أبوابه».
إعدام وطن بأكمله
ومن «المساء» إلى «اليوم السابع» الأحد وزميلنا عادل السنهوري وقوله: «الكذبة عرفها العالم في وقتها ولم ينتظر تقارير دولية أو غيرها لكشف حقيقة الأسلحة النووية والكيماوية التي حشدت الولايات المتحدة معظم دول العالم لتدمير واحتلال واحدة من أقدم دول الحضارة الإنسانية، فبعد الاحتلال لم تظهر أسلحة الدمار الشامل ومرت السنوات ولم يظهر أي أثر لها والجميع كان متأكدا من الكذبة والأكذوبة، فلم تكن هناك أسلحة ولا يحزنون وصمت العالم على الجريمة، وعلى قتل الشعب العراقي وتدمير الدولة. فرنسا وحدها في عهد جاك شيراك وقفت موقف الدول المحترمة التي عارضت لأسباب كثيرة حرب تدمير العراق، منذ أبريل/نيسان 2003 لحظة سقوط عاصمة الرشيد وحتى ديسمبر/كانون الأول 2011 وهو الموعد الذي أعلنت فيه واشنطن إنهاء العمليات العسكرية والحرب رسميا في العراق وإنزال العلم الأمريكي من فوق بغداد، لم يصدر تقرير واحد عن حقيقة الحرب ودوافعها حتى صدر تقرير السير تشيلكوت رئيس لجنة التحقيق البريطانية عن حرب العراق التي تشكلت منذ سبع سنوات تقريبا.. لا تقرير السير تشيلكوت أدان بلير ولا بلير اعتذر عن أصل الجريمة، وهي غزو وتدمير العراق، فلم يرد فى التقرير أي إدانة ضد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ولم يرَ التقرير قرار الحرب بأنه غير شرعي أو قانوني. ولم يطالب تشيلكوت بمحاسبة بلير ولا حتى بالتحقيق معه ومحاكمته. ويبدو أن الترجمة العربية تغافلت عن أشياء كثيرة فى التقرير. فلم ترد كلمة واحدة عن كذب بلير على مجلس العموم البريطاني. التقرير على عكس أمنياتنا العربية برأ بلير من تهمة الكذب وقال بالنص «إن رئيس الوزراء نقل ما جاءه من تقارير للمخابرات البريطانية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق». توني بلير أيضا لم يقدم اعتذارا علنيا وواضحا عن قرار الحرب والتدمير ولم يبد ندمه وأسفه حتى على نتائج الحرب التي أفرزت الخراب والتدمير والتشريد والإرهاب في المنطقة، وكانت مقدمة حقيقية لظهور تنظيمات الإرهاب التي تعانى منها أوروبا. أعود للبداية وأقول إنه سواء أدان التقرير بلير أو لم يدنه وسواء اعتذر رئيس الوزراء البريطاني أو لم يعتذر فالجريمة مازالت حية لم تمت وقتل مليون شخص وإعدام رئيس دولة، وهي كلها جرائم لا تسقط بالتقادم والتاريخ شاهد عليها. وكلما ظهرت الحقائق حول الحرب دفعتنا دفعا إلى الإحساس بالذنب ووجع الضمير كعرب في أننا سمحنا ووافقنا ليس فقط على إزاحة صدام بل على إعدام وطن بأكمله».
آن للشعب العراقي أن ينتفض
وأخيرا إلى زميلنا وصديقنا عضو مجلس النواب ورئيس تحرير «الأسبوع» الأسبوعية المستقلة مصطفى بكري الذي كان مقاله أمس عنوانه «رد الاعتبار إلى صدام حسين» وبكري لم يغير موقفه من صدام واعتباره بطلا وشهيدا ودافع عنه منذ الغزو وحتى الآن قال:
«أدرك أن المؤامرة هذه المرة كانت كبيرة وأن المخطط لم يكن اعتباطيًا بل كان البداية التي ستنطلق من هناك إلى كل انحاء وطننا العربي الكبير، كانت المؤامرة تقول على لسان مدير الاستخبارات الأمريكية السابق جيمس ويلسي، «العراق هدف تكتيكي والسعودية هدف استراتيجي ومصر هي الجائزة الكبرى». وها هو المخطط ينطلق ليأخذ في طريقه العديد من العواصم وينشر الحرب والموت والدمار لينتج في النهاية شرق أوسط جديدا خاليا من العروبة والوطنية والعقيدة والإيمان، أمة يعاد إنتاجها لتقبل بالسيادة الصهيونية ـ الإمبريالية ونعود نحن عبيدا نقدم الثروات ونركع لولاة أمورنا الجدد، ليدفعوا بنا إلى آتون التخلف والسقوط من جديد. الآن وبعد أن تكشفت الحقائق التي قلنا بها منذ زمن طويل، الآن هل يعتذر الصحافيون والإعلاميون الذين مهدوا للغزو؟ وهل يعتذر من كانوا مجرد أدوات فتحت الطريق وعبدته أمام سادة العالم الجديد؟ أم أنهم سيبقون يكابرون ويبررون أو يطنشون؟ أظن أنهم لن يمتلكوا شجاعة الاعتراف بالحقيقة. أما أنت يا شعب العراق يا من تصديت وضحيت كثيرا من أجل الأمة، يا من قاتلت وصمدت وفتحت أبوابك للعرب من كل حدب وصوب، آن لك أن تنتفض وأن تزيل عنك غبار السنين وأن تداوي جراحك وتعود لتبني مجدك من جديد. حتما سيعود العراق ولو بعد سنين، أما أنت يا صدام فقد عشت رجلاً ومت بطلاً وليخسأ الخاسئون!».
فتح أبواب جهنم
على المنطقة العربية
أما عماد الدين حسين رئيس تحرير «الشروق» فكان رأيه في عدد يوم الأحد: «.. يقول تقرير تشيلكوت إن حرب العراق تسببت في مقتل 179 جنديا بريطانيا، لكن التقرير وغيره في بريطانيا والغرب نسي أو تجاهل أن أكاذيب بلير وبوش ورامسفيلد وبيرل وولفيتز وبقية عصابة إسرائيل، تسببت في مقتل حوالي مليون مواطن عربي في العراق، وتدمير هذا البلد الكبير ذي الحضارة العريقة. والأخطر أن هذا الغزو هو الذي فتح أبواب جهنم على المنطقة وكان أحد الأسباب الرئيسية ــ وليس كلها ــ للمأساة التي يعيشها العرب حتى هذه اللحظة.
لكن ولكي نكون موضوعيين علينا أن نرى الصورة كاملة ونسأل: هل كان بلير وبوش وبقية العصابة هم المتهمون الوحيدون في هذه الجريمة؟! الإجابة هي لا، لأنه إذا كان بلير وبوش قد لعبا دورا لمصلحة إسرائيل بقصد أو بغير قصد، وتسببا في تدمير العراق، فلماذا لا نتذكر أن هناك أطرافا عربية وإسلامية كثيرة ساعدت هذه العصابة في تحقيق هدفها بطرق سرية حينا وعلنية حينا آخر.. ويمكن القول بضمير مستريح إن إيران هي المستفيد الأكبر مع إسرائيل من تدمير العراق، لأنها صارت تحكمه عمليا الآن وتتحكم في كل كبيرة وصغيرة فيه. إذن علينا ألا نكتفي بلوم بلير أو بوش أو آيات الله في طهران. علينا أن نكون شجعانا ونلوم أنفسنا على سذاجتنا وتآمرنا على أنفسنا! لو كنا جادين فعلى الأقل لتتوقف كل الدول العربية عن استقبال المجرم بلير، الذي يتعامل معه البعض باعتباره مستشارا وخبيرا، هو محض مجرم.. فلنتعامل معه باعتباره مجرما أو على الأقل ليس صديقا!».
معارك الإسلاميين
وإلى الإسلاميين ومعاركهم التي بدأتها يوم السبت في «أخبار اليوم» الدكتورة إلهام محمد شاهين مدرسة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر ضد أحد الإعلاميين من دون أن تذكر اسمه بسبب هجماته ضد بعض المسؤولين في الأزهر وقالت: «أحد الإعلاميين الذين يبحثون عن الشهرة من أقصر الطرق كتب حتى الآن تسع مقالات في الحديث عن فساد الأزهر، ولن أذكر اسمه ليعامل بخلاف مقصوده من تحقيق الشهرة بذكر اسمه وتعريف الناس به، ومن خلال تتبعي لمقالاته منذ اليوم الأول للنشر لم أجد لديه دليلا واحدا على ما يقول ولا مستندا لادعاءاته ولا معلومة موثقة لما ينشر؛ بل مجرد كلام مرسل. فكل كلامه يقطر بالحقد والحسد والغيرة الشديدة من شخص بعينه، وهو القاضي محمد عبد السلام مستشار فضيلة الإمام الأكبر، الذي لمع نجمه في سماء المشيخة نتيجة أعماله الدائمة وجهده المستمر ونشاطه الدائم، الذي يشهد به القاصي والداني والطفرة التي حدثت في المشيخة بصفة خاصة والأزهر الشريف بصفة عامة نتيجة لجهود الإمام الأكبر ومعاونيه المخلصين أمثال د. عباس شومان والقاضي محمد عبد السلام اللذين خصهما الكاتب الطاعن في الأزهر والمشيخة بالذكر، واتهمهما بأبشع تهم الفساد واستغلال السلطة والنفوذ، من دون دليل، والعجيب أنه يدعي أنه صديق للمستشار ومحب للإمام الأكبر وحريص على الأزهر، والحقيقة أن اللوم لا يمكن أن نلقيه على الكاتب فهو لم يستطع أن يكتم أمراض نفسه التي طفحت على قلمه ولكن نلقي باللوم على الصحيفة التي تنشر له، من دون أن يكون لديه دليل على ما يقول».
من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب
وفي اليوم التالي الأحد نشرت «الأخبار» مقالا بعنوان «عصفور والأزهر والقرآن» كتبه خفيف الظل الشيخ الدكتور عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر هاجم فيه صديقنا الأستاذ في الجامعة ووزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور وقال عنه: «في أواخر أيام شهر القرآن والنور نُسبت تصريحات للدكتور جابر عصفور يطالب فيها الأزهر الشريف باسم التنوير: بحذف الآيات القرآنية التي تتحدث عن الجهاد من المناهج الدراسية، لأنها ستكون سببا في استقطاب التنظيمات الإرهابية ومنها «داعش» ثم قال: لا يصح للأزهر أن يعتبر نفسه سلطة دينية يسلط سيفه على المواطنين، خاصة المعارضين له، وقد استغربت في البداية من التصريحات وقلت لمحدثي لا يمكن أن ترتفع درجة حرارة الشطط من الدكتور عصفور لهذا الحد ويطالب بحذف آيات من المقررات، فهو عندنا أعقل من هذا! فأكد محدثي صحة التصريح فقلت له: إن كان ما قال حقا فهو قول زور وبهتان ولا يحق لأي عصفور أو نسر أو حتى غُراب يبحث في الأرض أن يتفوه بهذا- مع احترامنا لشخص الدكتور – فالقرآن أكبر وأجل من أن نتحدث عنه بهذه اللهجة، ثم من الذي أخبر السيد العصفور بأن هذه الآيات قد يُفهم منها التطرف والإرهاب، فلو أن سيادته تدبّر القرآن حقا لما تفوه بهذا، ولكن نلتمس له العذر لأنه غير متخصص في علوم الدين، بل هو استاذ في الأدب والنقد (ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) وما أكثر عجائب حبيبنا حينما يترك الأدب والروايات ثم يتحدث في الدين والعقيدة والقرآن والتفسير! فنراه مرة يزعم أن الحجاب ليس بفرض وأخرى، أن كتب الصحاح كالبخاري فيها أحاديث خاطئة. وكنت أود من الدكتور الفاضل الذي نأمل فيه الخير أن يعلو بنفسه عن هذه التصريحات التي لا تليق بمثله وأن يتعلم عصفورنا الكريم من الهدهد الكريم الذي تحدث في فنه فقط لما رأى قوما يسجدون للشمس وقال: «ألا يسجدوا لله الذي يُخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون» (النمل 24) فذكر «الخبء» وهو الغيث أو الماء وهذه وظيفته فهو بمثابة مهندس مياه تميز بحدة البصر فكان يدل على الماء في تخوم الأرض، فمن منطلق تخصصه تحدث ولم يتجاوز أنه يجب أن لا نحاكم ديننا بتصرفات المارقين، فـ«داعش» ليس متحدثا باسم هذا الدين وما يفعله لم نر عالما واحدا فضلا عن الأزهر الشريف وافق عليه فلماذا استدعاء اسمه كل حين؟».
الثقافة العامة والفلسفة
أخرجت من المناهج الأزهرية
وقد وقع خفيف الظل في خطأ علمي فادح عندما أخذ يرد على ما نسب للدكتور عصفور ويعلق عليه، من دون أن يكلف نفسه بالعودة إلى نص كلامه وهو نوع من الاستخفاف ورغبة في انتهاز أي فرصة لمهاجمة الدكتور جابر، الذي شاء سوء حظ الدكتور فؤاد أن تنشر «الأخبار» في العدد نفسه حديثا معه جابر أجرته معه زميلتنا الجميلة ميرفت شعيب تناول فيه قضايا عديدة منها الأزهر فقال: «الأزهر في أغلبيته باستثناء قلة قليلة أصبحت ذات توجه سلفي، فلا تصدقوا انهم سيقومون بما لا يؤمنون به، لأنهم يعملون ضد التطوير. كيف يجددون الخطاب الديني وهم الذين جمدوه. المفرخة التي يخرج منها الشباب الإرهابي؟ من نظام تعليمي فاسد ومتخلف حتى بين الازهريين حتى في الكليات العملية وقيادات الإخوان معظمهم أطباء ومهندسون لأن مادة الثقافة العامة والفلسفة أخرجت من المناهج، ولم يكن مصادفة أن الإخوان منعوا تدريسها لأن الفلسفة تعلم التفكير وتحفز المخ على السؤال فلا يمكن الضحك عليهم والتعليم لا يعلم العقل النقدي ولا يقبل اي شيء بسهولة بل يسأل ويبحث عن المعلومة بعيدا عن التلقين والحفظ. وأظن إذا كنا جادين في حكومة تطبق هذا بحزم وبدون تردد يمكن أن تتغير مصر خلال خمس سنوات ونأتي بجيل جديد خلال 10 أو 15 سنة».
حسنين كروم
يقول أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور محمود خليل “لقد حاكم المحتل صدام حسين – رحمه الله- لتورطه في قتل الأكراد في حلبجة”. لا أفهم لماذا يواصل بعض الكتاب ترديد أكاذيب الإدارة الأميركية، فقد أثبتت التحقيقات التي قامت بها لجنة أميركية رسمية أن الغاز المستخدم في قصف حلبجة هو هيلوجين السيانيد، وهو غاز كان معروفا لدى الدوائر الغربية بأن العراق لا يمتلكه، وأن إيران هي من يمتلكه وأنها سبق أن استخدمته في حربها ضد القوات العراقية، وهي من استخدمته في ضرب حلبجة. إلا أن الإدارة الأميركية “الصادقة” صاحبة أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية رأت أن المصلحة تقتضي اتهام صدام حسين بالجريمة.
تحري الحقيقة هو أهم أسس الإعلام، ومهما كان موقفنا من صدام حسين فإن الحقيقة أولى بأن تتبع. لقد آن الأوان لأن نتوقف عن الانسياق وراء الأكاذيب الغربية المغرضة وهي كثيرة.