أكاديميون وسياسيون ليبيون وتونسيون يعتبرون التعاون الثنائي مدخلا للتكامل المغاربي

حجم الخط
1

بعد مرور ستين عاما على اكتشاف النفط في ليبيا وخمسين عاما على اكتشافه في تونس، ما زال الخبراء يتحدثون عن إمكانات شراكة افتراضية بين البلدين في قطاع الطاقة. ينطلق الخبير حبيب الأزرق، الذي شغل منصب وزير الصناعة والطاقة في تونس، من هذه الملاحظة ليضع خريطة طريق لتعاون متقدم بين البلدين في هذا القطاع الاستراتيجي يشمل أيضا الجزائر. بهذا المعنى ركز الكتاب الذي أصدرته أخيرا «مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات» في تونس، على إبراز مساهمة الشراكة التونسية الليبية في التكامل المغاربي، بالرغم من الأوضاع الصعبة التي تعيشها ليبيا حاليا. ويضم الكتاب الأوراق والأبحاث المقدمة إلى مؤتمر عقدته المؤسسة الناشرة تحت عنوان «مساهمة الشراكة التونسية الليبية في التكامل المغاربي». أما الخلاصة التي وصل إليها الكتاب فهي أن تطوير الشراكة الثنائية لا يُعطل التكامل المغاربي، وإنما يشكل أحد البدائل المتاحة للاقتراب منه.
يضم الكتاب ثماني عشرة دراسة قطاعية (394 صفحة) تطرقت لفرص الشراكة والتكامل في التعليم والصناعة والعلوم والمصارف والطاقات المتجددة وكذلك في المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم. وأشار الدكتور عبد الجليل التميمي في مقدمة الكتاب إلى أنه لم تقم أي شراكة بحثية بين البلدين خلال العقود الأربعة الماضية، مع كثرة الخطب الرنانة عن التكامل والوحدة والمصير المشترك. وتوقف الدبلوماسي الليبي مختار دريرة عند المفارقة المتمثلة بإقدام شباب تونسيين على عبور البحر المتوسط على مراكب متهالكة، طمعا بالوصول إلى فرصة عمل في أوروبا، فيما تستورد ليبيا العمالة من كوريا والهند وباكستان.
وذهب الأكاديمي موسى الأشخم إلى ما هو أبعد من المجاملات والأرقام الباردة، فاستعرض المعوقات الثقافية والنفسية التي تعيق الشراكة الثنائية، فالليبيون مثلما قال يعتقدون أن التونسيين محكومين بعقدة الخواجة فهم يُفضلون الشراكة التجارية مع الفرنسيين والأوروبيين، ولا ينظرون إلى ليبيا بوصفها شريكا، وإنما بوصفها مصرفا لتمويل المشاريع التنموية التونسية فحسب. أما التونسيون فينظرون إلى الليبيين على أنهم بدو ومتخلفون لا يصلحون كشركاء تجاريين ولا يتجاوز دورهم أدوار المستهلكين للسلع والخدمات التونسية ومصدرا للعملة الصعبة. ورأى الأشخم أن إزالة المعوقات يبدأ بحل المشاكل الأمنية العالقة والقضاء على فوضى السلاح في ليبيا وتفعيل الاتفاقات المبرمة في إطار الاتحاد المغاربي.
واستعرض السفير السابق صلاح الدين الجمالي الاتفاقات الموقعة بين تونس وليبيا بعد استقلال البلدين، ليلحظ أن البعد السياسي يسيطر على مآلات التعاون الاقتصادي، على عكس الوضع في أوروبا. وعزا ذلك إلى أن «الذهنية العربية تتسم بالحساسية المفرطة وانعدام الثقة في تعاطيها مع محيطها العربي، وهي حساسية ساهمت التجارب الثنائية السابقة في ترسيخها». وأشار إلى أن الاتفاقات التي يتم التوصل لها بين العرب تواجهُ صعوبة كبيرة في التنفيذ، ويتم وأدُها أحيانا مباشرة بعد التصديق عليها. واستدل بالاتفاقات التونسية الليبية التي قُتلت جميعا في المهد (اتفاق الإخاء وحسن الجوار في 1957 ومشروع الوحدة الاندماجية في 1974 واتفاق الاندماج في 1992).
واعتبر الجمالي أن الأسرتين الحاكمتين سابقا في تونس وليبيا هما اللتان استفادتا من العلاقات الثنائية وأقامتا مشاريع مشتركة، «إلا أن ذلك لم يُؤسس لشراكة حقيقية ومستدامة بين البلدين». مع ذلك انتقد الجمالي تجاهل المسؤولين الحاليين الاتفاقات السابقة، مُشددا على أنه «خطأ فادحٌ لأن بناء المستقبل لا يتم من فراغ». وفي هذا السياق طالب بتحويل الحدود إلى جسور للمنافع المشتركة «وليس إلى مرتع للإرهابيين والمهربين». وشدد على أن انخراط البلدين في الحوكمة الرشيدة كفيل بالنأي بالتعاون عن قبضة السلطات السياسية، فيجري التعاون بين البلدين في سلاسة بعيدا عن أمزجة المسؤولين، مثلما تجري العلاقات بين بلدين أوروبيين.

صناعات صغرى تكاملية

على الصعيد العملي قدم الأكاديمي الليبي موسى الطويل في بحث بعنوان «دور مصارف التنمية في دعم الصناعات الصغرى» اقتراحات تخص تقديم التسهيلات لإقامة صناعات صغرى تكاملية من دون وضع العراقيل البيروقراطية في طريق المستثمرين. وشدد على ضرورة السماح بتنقل الرساميل وضمان حق التملك، مع التشجيع على إنشاء حاضنات الأعمال. وحض المجتمع المدني في البلدين على إقامة الحاضنات التكنولوجية لمساعدة المبدعين على إنجاز مشاريعهم، ما يحدُ من انتشار البطالة بين الشباب. وأكد الدكتور الطويل على ضرورة إيجاد حلول للمشاريع المتعثرة «وتأمين الحماية اللازمة لمنتوجات الصناعات الصغرى عن طريق سن قوانين ومراسيم تقضي بتخصيص خدمات ونشاطات وسلع ينفرد هذا القطاع بإنتاجها كي نضمن لها عدم المنافسة» على ما قال. غير أن العودة إلى الاحتكار باتت اليوم محظورة بموجب انخراط البلدان المغاربية في المنظمة العالمية للتجارة وهي صعبة التنفيذ بحكم انتشار اقتصاد السوق.
وعزز الدكتور عامر مصباح القيلوشي هذا الجانب من الشراكة الثنائية بدراسة شاملة عن «استراتيجيا المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشراكة التونسية الليبية»، فيما ركز كل من الوزير التونسي السابق أحمد فريعة والأكاديمي الليبي خالد الفار على آفاق التعاون في مجالي التعليم والعلوم. وكتب حاكم البنك المركزي التونسي السابق مصطفى كمال النابلي والخبير الاقتصادي مروان العباسي بحثا عن الشراكة الاقتصادية التونسية الليبية انطلقا فيه من المقولة التي مفادها أن انفتاحا تجاريا أكبر على تونس وعمالها يؤديان إلى تأزيم الأوضاع في ليبيا، لأنهما يحدان من فرص الإنتاج الذاتي ويُقللان من فرص العمل للمواطنين الليبيين.
وتبلغ نسبة البطالة في ليبيا حاليا نحو 30 في المئة، وهي أعلى لدى فئة الشباب وخريجي الجامعات. وتُعتبر الدوائر الحكومية المُشغل الرئيسي في ليبيا بنحو 1.4 مليون موظف. يتزامن ذلك مع تزايد استجلاب العمالة الأجنبية، خاصة في مواقع العمل التي لا يميل لها الليبيون. وحسب النابلي والعباسي يختلف الوضع الليبي عن أوضاع البلدان العربية الأخرى المنتجة للنفط، إذ يوجد في سوق العمل الليبية مليونان ونصف مليون ناشط غالبيتهم من الفئة الشبابية، التي تعاني من نقص في التكوين والتدريب، بسبب تردي مستوى التعليم. وهذا الوضع يبعث على القلق لأن هؤلاء الشباب ساهموا في إطاحة النظام السابق، وهم اليوم مسلحون وغير عاملين، كما أنهم يعتقدون أن من حقهم الحصول على «حصتهم» من إيرادات النفط. وتبعا لذلك يعتقد الخبيران أن الأيدي العاملة التونسية ليست بالضرورة منافسة للعمالة المحلية، لا بل قد تكون متكاملة معها وتساهم في تحسين القدرة التنافسية للعمالة الليبية، خاصة في القطاعين السياحي والخدمي. واشترطا لنجاح التكامل أن تكون المشاريع والخطط المشتركة مُستمدة من الاستراتيجيات الوطنية ومندمجة مع خطط التنمية المحلية في كل بلد من البلدين. وفي هذا الإطار اقترحا إنجاز مشاريع في ليبيا في مجال توصيلات المياه الصالح للشرب وتدوير النفايات والصحة الأساسية والصرف الصحي والتدريب المهني والخدمات البريدية والتعليم الابتدائي.

كاتب وإعلامي تونسي

أكاديميون وسياسيون ليبيون وتونسيون يعتبرون التعاون الثنائي مدخلا للتكامل المغاربي

رشيد خشانة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Moussalim Ali:

    .
    – ” عشرون ” ( 0 2 ) سنة مضت ، وزار فخامة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفريقة ، شفاه الله ، معرض كتب مغاربي نظم بالجزائر العاصمة .( وكنت حاضرا ، وشاهدا على ما أعقب به الآن ، في هذا الموفع الإخباري ) …
    .
    – لما اقترب منا ، نحن ” المثقفين المغاربية – ( المراكشيين كما حكى أحهدم أعلاه عن مصطلح MORROCCO ) – ، قال لنا فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفريقة ، و بالحرف الواحد ، ” أرجو ان يحقق جيلكم ، جيل المثقفين ، ما لم نستطيع نحن السياسيين أن نحققه ” ….. ( أي وحدة المغرب العربي ).
    .
    – خلال تخمينات الشخصية الليليية بفندق في العاصمة ، كنت أفكر فيما قصده السيد الرئيس ” بنحن السياسيين ” ؟ . واعتقد انه ربما كان يقصد ؤلائك كبرنات عسكر الجزائر الذين صدعوا لنا رؤوسنا طيلة ستون سنة بأسطوانة مشؤروخة عنوانها ” تقرير مصير الشعوب ” ، بينما يتضح الآن في 2017 ان شعب الجزائر ( الشقيق ) هو نفسه لم يستطيع تقرير مصيره بعد ….

إشترك في قائمتنا البريدية