شهدت الأيام الماضية سجالاً بين النشطاء والمثقفين والمهتمين في القضايا العامة في عالمنا العربي، نتيجة الأحداث الدموية المتعاقبة والتي أرخت بظلالها على وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وأكّدت بما لا يدع مجالاً للشك حالة الاختلاف والشد والجذب بين تيارات فكرية متقاطعة ومتضادة، وصلت الى حالة من القطيعة وفقدان البوصلة الانسانية!
عندما يتعرّض المدنيون في أي بلد لمجازر وحشيّة أو هجوم بأسلحة مُحرّمة من أي طرف، يفرض المنطق أن يكون المحرك لأي نقاش أو نشاط سياسي هو التضامن مع هؤلاء المدنيين ومحاولة رفع الأذى عنهم بالاحتجاج وجذب الانتباه لمعاناتهم والتركيز على رفع شأن القيم الانسانيّة، أما تجاوز هذه المعاناة الانسانيّة والتعامل مع الحدث وكأن هؤلاء الضحايا هم قرابين بشرية يتم استغلالهم في إذكاء التطرّف وتكريس الفرقة فهو ما لا يقبله أي عقل أو منطق!
خان شيخون
عندما تصدر التصريحات الرسميّة من النظام السوري بإنكار واقعة «خان شيخون»، وعدم الإشارة من قريب أو بعيد الى معاناة الشعب السوري ليس من هذا الحدث فقط، وإنما جرّاء الحرب التي يخوضها النظام للمحافظة على السلطة لست سنوات خلت فهذا شيء مثير للاستهجان ويستحق الوقوف عنده، عندما ينكر النظام السوري دوره في المجازر التي حصلت في سوريا في الفترة الأخيرة، (مع تسليمنا بدور داعش وبعض الفصائل المتطرفة أيضاً) ويتنصّل من دوره الأساسي في تخريب البلد بالقصف العشوائي وتهجير الملايين نتيجة انعدام الأمن، وقتل مئات الألوف من شعبه بالصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً بحجة مكافحة الارهاب، وعندما يكرّر رواية المؤامرة وتلفيق الأحداث دون تقديم أي دليل ملموس، فهذا يوضح حالة «الشيزوفرانيا» التي يعانيها هذا النظام، ويؤكد على حالة الموت السريري التي يعيشها.
الأنكى من كل ذلك انتشار حملة من الممانعين للتذكير بالكذبة الأمريكية الكبرى لاحتلال العراق (أسلحة الدمار الشامل)، ومحاولة اسقاط هذه الكذبة على حال سوريا اليوم بالقول إن أمريكا كذبت في العراق وتكذب الآن في سوريا حول الأسلحة الكيماوية، ولكنهم يتناسون عن عمد أو جهل، أن النظام السوري الذي يدافعون عنه الآن كان جزءاً من حملة التزييف والكذب في العراق، ألا تذكرون ؟! لقد شارك نظام الأسد في المؤامرة على العراق عندما ارتبطت مصالحه مع مصالح أمريكا وإيران في المنطقة، فلماذا تذكروننا الآن بهذه الواقعة المُخزية!
اللافت أنه بعد ماراثون من النفي وفبركة سيناريوهات عديدة حول عدم مسؤولية النظام عن مجزرة شيخون، استخدمت روسيا «الفيتو» ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بالتعاون مع تحقيق دولي حول استخدام السلاح الكيماوي، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تخشى روسيا من نتائج التحقيق؟ لا يمكن تفسير الفيتو الروسي والارتياح الذي قوبل فيه لدى النظام ومؤيديه، سوى ازدراءً واحتقاراً لكل الدماء التي تراق على الأرض السورية!
الضربة الأمريكية والسيادة
تركيز الحديث عن سيادة البلد بعد الضربة الأمريكية وتشتيت الانتباه عن كل ما يحصل من تقتيل وتهجير للمواطنين الأبرياء في الوقت الذي يقوم فيه النظام نفسه بتدنيس كل معالم الوطنيّة والسيادة بتقديمه كل مقدرات البلد عربوناً لدعم الميليشيات الإيرانية والحليف الروسي، وبالرضوخ لكل الاملاءات ومصادرة قراره السيادي، فهذا تناقض فاضح في المواقف، ناهيك عن انفراج أسارير الممانعين عندما كانوا يشاهدون الضربات الأمريكية تدك داعش وجبهة النصرة وحينها لم نسمع أي شكوى او تذمر من خرق السيادة او الاعتداء على سوريا والسوريين!.
إن الشراكة الإيرانية السورية اليوم هي أقرب ما تكون في رأيي الى شركة الهند الشرقية التي كانت تستخدم كواجهة تجارية لإدارة المستعمرات البريطانية ولكنها في الحقيقة كانت تقدم الخدمات للتاج البريطاني بما في ذلك الاتجار بالبشر ثم أصبحت كياناً سرطانيا يقتات على نفسه، وهذا هو بالضبط حال سوريا اليوم التي قدّمها النظام قرباناً لحلفائه للبقاء في السلطة دون أي حس وطني أو قومي أو حتى ديني، لقد أصبحت السفارة الإيرانية في سوريا مركزا متوهجا لإدارة الخدمات من داخل سوريا لصالح الطغمة السياسية الإيرانية!
لا مكان للسيادة الوطنية عندما يقوم أي نظام في العالم بارتكاب مجازر وحشية في حق شعبه، أو عندما يعجز عن توفير الأمان لشعبه، فالأمر سيّان عندها إذ لا حق للسيادة دون ضمان حق العيش الكريم والآمن للمواطنين. إن أي عقد للسلطة مع الشعب يقوم على مبدأ الشراكة والالتزام بالحقوق والواجبات وأهم واجب للسلطة هو الحماية من المخاطر وتمكين الشعوب من ممارسة حقوقها، وهذا ما فشل فيه النظام السوري فشلاً ذريعاً، ولكنه رغم ذلك ما يزال مصراً على التمسك بالسلطة وتكرير الأسطوانة المشروخة عن السيادة الوطنية والممانعة والمؤامرة الكونية!
في المقابل عندما تطالب المعارضة السورية بضربات أمريكية أكثر صرامة، او عندما يهلّل بعض المثقفين المحسوبين على تيار المعارضة للضربات الأمريكية، ويطالب بالمزيد ألا يثير هذا كله شعوراً بالإحباط ويؤشر على مستوى الحضيض الذي وصلنا له، هل يُشرّفكم أن تقوم أمريكا بقلب النظام في سوريا على غرار العراق مثلا؟!
أستطيع ان أتفهّم حال السوريين المدنيين الضعفاء الذين تقطعت بهم السبل ووصلوا الى مرحلة يشعرون فيها بعدم الحرج من التحالف مع الشيطان نفسه للخروج مما يتعرضون له من قصف واعتداءات وحشية، ولكني لا أستطيع في أي من حال من الأحوال تفهم موقف المثقفين والمفكرين الذين يطالبون بدعم امريكي!
وهذا يقودنا الى التساؤل عن سر الغياب التام لدور الأشقاء العرب والأصدقاء بل ومؤسسات المجتمع الدولي، أين القادة العرب الذين اجتمعوا في قمة عربية مؤخراً وما هو موقفهم من الأزمة السورية ا!
تفجير الكنائس في مصر
ما حدث في مصر من أحداث دموية مؤسفة تحوّل مرة أخرى الى «إخوان فوبيا!» فهذا حقوقي يتقدم بدعوى ضد الرئيس مرسي لدوره في التحريض على الكنيسة، وإعلامي آخر يحمّل الرئيس مرسي المسؤولية بسبب حملة التضامن مع الشعب السوري التي دشّنها أثناء فترة حكمه، ويقول انها هيأت الإرهابيين ودفعتهم للقتال في سوريا، ضاربين في عرض الحائط كل التقصير الأمني والفشل الذريع للنظام المصري الحالي في إدارة البلاد اقتصاديا وسياسيا والحفاظ على أمن البلد، ثم يتطور الموضوع للهجوم على مؤسسة الأزهر، تلك المؤسسة الوسطية المعتدلة، بالقول (إن مناهج الأزهر بحاجة الى نسف!)
من سخرية القدر أن السيسي ابتدع مفهوم «مكافحة الإرهاب» ليسوّق نفسه ويروّج للانقلاب على الشرعيّة ويمهّد الطريق للقفز على السلطة، فيتحوّل هذا الإرهاب «المُفترض» الى لعنة حقيقية تطارد مبتدعها في كل أرجاء الوطن ويقف صاحبها عاجزاً أمامها!
يُحكى أن عجوزاً قبيحة أمسكت مرآة ذات يوم ونظرت فيها فرأت قبحها الفاضح، فقذفت بالمرآة وحطّمتها قائلةً ما أقبح هذه المرآة! هذا هو حال الأنظمة الاستبدادية في كل مكان وزمـــــان وحال مريديـــــهم والمنتفعين بهم، يرون عيوبهم وقبحهم واضحاً ثم يلبسونه بخصومهم!
إن حالي اليوم وحال الكثيرين على ما أعتقد، بعد فقدان كل معاني الإنسانية وتدنّي قيمة الإنسان في وطننا العربي، هو حال سيدنا لوط حين خاطب قومه قائلاً (أليس منكم رجل رشيد)) !! ثم أردف شاكياً ضعفه ((لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)) !!
٭ كاتب ومُدوّن من الأردن
أيمن يوسف أبولبن
” هل يُشرّفكم أن تقوم أمريكا بقلب النظام في سوريا على غرار العراق مثلا؟! ” إهـ
والله للشيطان أفضل من هذا الكيماوي السفاح – ألم يستعين بشياطين الأرض من صفويين وروس ووووو
ولا حول ولا قوة الا بالله
عذراً أخي الكروي وهل ستسعين بالشيطان وبالطبع أنا أعرف أن الجواب لا. ما يخيفني واضح وضح ويدركه حتى أولئك الذين يصفقون لترامب وهو أن يتحول ترامب إلى “بطل” في سوريا و”أرنب” في إسرائيل كما وعد بنقل السفارة الأمريكية والاعتراف بالقدس عاصمة ووو… ومسلسل الذل والهوان العربي (الذي تمثله الأنظمة طبعا) يتتابع في حلقات أكثر مأساوية وقهرا وبطلانا ولنا الله ومالنا غيرك ياالله.
أخي ايمن اسعد الله صباحكم بكل خير ويوم سعيد..
عندما يتأمل الأنسان المشهد الدامي في شوراع أمتنا العربيه وتغيب الكلمه الحره والمنبر الحر عن هذه التراجيديا او الكوميديا السوداء سميها ماشئت .. هذا ما تريده الصهيونيه العالميه وماخططت له مع تباشير إنتصارات المقاومه اللبنانيه وخروج وهزيمه الجندي الصهيوني مدحورآ ذليلا خانعآ تاركآ ورائه هزيمته وعاره من الجنوب اللبناني وماتلاه من ثلاثه حروب متتاليه على غزه صخره المقاومه والصمود .. وإنتصار المقاومه الفلسطينيه .. هنا أدركت الصهيونيه الخطر المحدق بالمشروع الصهيوني التي سخرت له الغالي والنفيس وجندت له كل شياطن الأرض لحمايته .. من هنا بدأت مرحله التكتيك لخلق واقع مغاير لسلوكيات الأنسان العربي؟ وهم قارؤن جيدين لتاريخ والجغرافيا العربيه والمنطقه عمومآ , وما بها من إثنيات وطوائف وهم مدركين لشخصيه الأنسان العربي عمومآ … مابعد إتفاقيه سايكس بيكو اللعينه . هنا ادركوا لابد من التغير وهذا ما قرروه فعلآ ووضعوا له السناريوهات وكانت الثوره التونسيه والثوره المصريه هي الشراره التي أشعلت فتيل اللخطه المعده سلف . تفتيت المفتت وتقسم المقسم على أساس ديني وطائفي ومذهبي وجعل الولاء للحزب والمذهب قبل الوطن .. الشخوص موجودون ومعدين مسبٌقآ .وكل بنود الخطه مرسومه بدقه .. دمر العراق وجيشه العظيم .. تحويل ليبيا إلى دوله فاشله وسوق سوداء لنخاسه ومادونها !؟ اليمن هو بالطبع كان الزمن توقف به قرابه 500 عام والأن اصبح من الماضي السحيق .. تدمير سوريا وتفتيتها وتدمير الجيش العربي السوري قد نختلف وقد نتفق على ذالك ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان .. هناك مؤامره دنيئه من الغرب لصهيوني والحركه الصهيونيه .. وهم غلفوا كل مشاريعهم بغلاف ديني ومذهبي لكسب تعاطف العوام .. المثقف العربي إختفى وتبخر من المشهد لصالح فضائيات العار والعهر والرذيله وتحويلها الى أنابيب صرف إعلامي قذر ..للأسف الشديد من يستسطيع أن يوقف هذا الدم الم المسفوح في شوراع بغدادوصنعاء ودمشق وطرابلس وشوراع أمتنا العربيه هو النسان العربي نفسه … فيا سيدي مجزره خان شيخون والأعتداء الأرهابي على دور العباده في مصر وغيرها هي مدروسه وسناريوهات معده سلف ومن فجر كنيسه القديسين ليله راس السنه هو من إعتدى على الركع السجود في الحرم البراهيمي وهو من إرتكب مجزره دير ياسين وبحر البقر وصبرا وشتيلا وتل الزعتر ..
المقال توصيف لحال عربية مزرية بلا شك، والوقوف على العلة أمر جيد، لكن لا بد من البحث عن الاسباب والدوافع، ثم النتئائج والانعكاست اذا اردنا ان نكون منهجيين، ولا نكتفي بنظرية المؤامرة التي تريحنا من جلد الذات، وأن كل مآسينا ليس منا ولكن من الصهيونية والامبريالية والرجعية وكل هذه الاسطوانة المشروخة للممانعين المرائين، فهناك سؤال يجب ان يطرح عليهم، لماذا سلم نظام الاجرام في سورية اسلحته الكيميائية إذا لم يكن مسؤولا عن ضرب اطفال الغوطة بهذا السلاح القاتل؟ ولماذا انبرى لا فروف المخادع وبوتين صاحب الوجه الرخامي لحماية ذليلهم بشار الكيماوي ابو المسالخ البشرية ٫إذا كان بريئا كالذئب من دم يوسف, والان لماذا الفيتو الثامن اذا كان النظام الهمجي الطائفي العميل في سورية غير مسؤول عن مجزرة خان شيخون؟ رحم الله سيدنا لوط الذي لم يجد رشيدا في قومه وهذا هو حال امتنا اليوم
أخي داود أسعد د الله مساك. طبعا أعلم أنك تقول كلامك مجازا، تعبيرا عن ضيقك وحنقك. ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول تدخل أجنبي على الأقل دون مظلة دولية شرعية وموافقة عربية.
ناهيك عن تاريخ أمريكا غير المشرف وتواطؤها مع دولة الإحتلال الصهيوني، مما يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة دورها في سوريا.
الأهم من ذلك أن ندرك أن دور روسيا وإيران لا يقل قذارة.
أخي غاندي. نعم نختلف في التفاصيل ونتفق على المصلحة الوطنية
شكرا على تعليقك الإيجابي رغم الاختلاف.أعتز بمتابعتك
تحياتي
الأخ سوري. تحياتي لك ولكل الأشقاء السوريين. أرجو أن أكون قد عبرت عن لسان حالكم على قدر استطاعتي، إن وفقت فبفضل الله، وإن قصرت فذلك اجتهادي.
تحياتي
أي أيمن ابادلكم الود بود مثله … الأختلاف في الراي لايفسد للود قضيه إحترامي الشديد ودمتم بخير
———-
إبن النكبه العائد إلى يافا
لاجىء فلسطيني
الشعوب العربيه نائمه ومشغوله في قوتها اليومي, إسألوا من يصدر ويفرخ ويمول الإرهابيين