■ ليس ثمة خريطة واضحة للتحالفات والاصطفافات السياسية والامنية في مشرق العرب. ثمة تداخل وتعارض في آن بين سلوكيات اللاعبين الكبار واللاعبين الصغار وتحركاتهم في المنطقة، بعدما اصبحت او كادت ساحةً واحدة لصراعات عدّة متزامنة من الساحل الشرقي للبحر المتوسط الى جبال افغانستان، مروراً بسوريا ولبنان والعراق وتركيا ومصر وايران. ولن يطول الزمن قبل ان تعصف بالاردن و»اسرائيل» ودول شبه جزيرة العرب احداث مماثلة.
من يستطيع، مثلاً، الجزم بأن الولايات المتحدة عدو فعلي لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وليست حليفاً ضمنياً له؟ فهي تناهضه في بلاد الرافدين بدليل انها تدعم، ولو ببطء ورفق وعونٍ محدود، حكومة نوري المالكي، لكنها لا تناهضه في بلاد الشام، بدليل انها تعادي وتناهض اعداءه بلا هوادة، اي سوريا وايران وحزب الله.
مَن يستطع الجزم بأن دول الخليج تناهض «داعش» فعلاً، طالما هي تعادي عدوه، حكومة المالكي، كما يشارك بعضها بمناهضة اعدائه الفاعلين، سوريا وايران وحزب الله؟
هل تخشى «اسرائيل»، كما تدّعي، من تداعيات سيطرة «داعش» على سوريا، أم تسلّم بأن سوريا، حليفة حزب الله، اخطر على امنها القومي من «داعش» وحلفائه؟
هل يدعم رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني حكومة العراق الاتحادية في بغداد ضد تنظيم «داعش»، أم يهادنه مؤملاً بأن تكون هجمته عليها مساعِدة له في إحكام سيطرته على محافظة التأميم (كركوك) بعد «عودتها الى اقليم كردستان العراق»، على حد قوله؟
هل يعتبر المالكي الولايات المتحدة حليفاً بعد تعهدها بإرسال نحو 300 مستشار عسكري لدعم الجيش العراقي في حربه على «داعش»، أم يبقى متشككاً في نياتها، بدليل شكواه من عدم قيامها بتسليم العراق طائرات «اف 16» الـ36 التي سبق ان اشتراها منها، الامر الذي اضطره الى شراء طائرات مستعملة من روسيا وطائرات سوخوي من بيلاروسيا «لأنها تنفع في حرب العصابات»، على حـد قوله؟
هل تعتبر تركيا «داعش» تنظيماً ارهابياً؟ وهل هي صادقة حقاً في مناهضته ومنع «الجهاديين» القادمين من الخارج من التسلل الى العراق وسوريا عبر حدودها، وهي التي لها مصلحة في سيطرة «داعش» على آبار النفط في سوريا والعراق وقيامه بتصدير انتاجها الى تركيا او عبر موانئها الى الخارج؟
مَن ضد مَن في مشرق العرب حقاً؟
سيمضي وقت طويل قبل ان يتمكّن احد من تحديد التحالفات والاصطفافات التي يجري بناؤها او هدمها في المنطقة. غير ان ذلك لا يحول دون قيام المراقبين بمتابعة سلوكيات اللاعبين الكبار والصغار ومراقبة تحركاتهم وقراءة مدلولاتها القريبة والبعيدة.
لعل سلوكية الولايات المتحدة وتحركاتها هما الاكثر مدعاة للحيرة، فبعد ان نفى الرئيس اوباما وجود معارضة سورية قادرة على هزيمة الرئيس الاسد (بل وَصَف ادعاءها بأنه «فانتازيا») وتأسّف «لأن ادارته استهلكت وقتاً طويلاً في العمل مع المعارضة المعتدلة»، تقدّم قبل ايام بطلب من الكونغرس للموافقة على تخصيص 500 مليون دولار من اجل «تدريب وتجهيز» المعارضة المسلحة المعتدلة! برر اوباما تخصيص المبلغ المرقوم بأنه «لمساعدة السوريين للدفاع عن النفس، وإحلال الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتسهيل توفير الخدمات الاساسية، ومواجهة التهديد الإرهابي، وتسهيل الظروف للتسوية عن طريق التفاوض». ثمة اسئلة لا مناص من طرحها في هذا السياق :
هل يعقل ان يكفي المبلغ المطلوب لتغطية نفقات كل الاهداف والمهام والعمليات واللوازم التي حددها الرئيس الامريكي؟
ما هي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المعتدلة؟ ألم يقع معظمها في ايدي تنظيميّ «داعش» والنصرة» اللذين تعتبرهما الادارة الامريكية ارهابيين وبالتالي غير معتدلين؟
هل «مواجهة التهديد الإرهابي» التي دعا اليها اوباما تعني خوض «المعارضة السورية المعتدلة» الحرب ضد «داعش» و»النصرة»؟ اذا كان الامر كذلك، هل تستطيع «المعارضة المعتدلة» محاربة هذين التنظيمين الإرهابيين ومحاربة الجيش العربي السوري والمجموعات المسلحة الرديفة له في الوقت ذاته؟ ألا يكون المراقب الموضوعي مدفوعاً، في هذه الحال، الى استعارة كلمة الرئيس اوباما نفسه في توصيف الامر بأنه مجرد «فانتازيا»؟
هل «تسهيل توفير الخدمات الاساسية» يمكن ان يتمّ من دون قيام تعاون بين «المعارضة المعتدلة» والحكومة السورية، او حتى مع «داعش و»النصرة»؟ وكيف يمكن تحقيق هذه المعجزة؟
هل «تسهيل الظروف للتسوية عن طريق التفاوض» يعني اجراء مفاوضات بين «المعارضة المعتدلة» والحكومة السورية، أم يعني ايضاً ضم «داعش» الى هذه المفاوضات؟ ثم متى يمكن تحقيق هذه المعجزة؟ من تحليل هذه الواقعات والاحتمالات يستطيع المراقب الموضوعي الاستنتاج ان الولايات المتحدة غير قادرة او اقلّه غير جادة في تحقيق ايٍّ من الاهداف والمهام التي اشار اليها الرئيس اوباما، وان الغاية المتوخاة من وراء طرحها والدعوة (غير الجدية) الى تحقيقها هي تطويل مرحلة استنزاف سوريا والعراق، املاً في نشوء ميزان قوى جديد في كلٍ منهما، يساعدها في المستقبل القريب او البعيد على ايجاد تسوية شاملة ومتكاملة للازمات التي تعصف بالمنطقة، بشكلٍ يؤمن مصالحها وأمن «اسرائيل».
ما حظ هذه المقاربة الامريكية الملتبسة من النجاح؟
لا يمكن الجزم في الوقت الحاضر وإن كنتُ اميل الى استبعاد النجاح، ذلك انه يُستفاد من تصريحات المالكي الاخيرة ثلاثة امور اساسية:
اولها، انه بات ضعيف الثقة بجدية الولايات المتحدة في دعم العراق، بعد إحجامها عن تسليمه 36 طائرة من طراز «اف 16» كان اشتراها منها، واشاراته المتعددة الى ضلوع بعض حلفائها العرب والترك والكرد في دعم «داعش» وحلفائه.
ثانيها، ان العراق بادر الى تعويض عدم تسليمه الطائرات الحربية الامريكية بشراء مجموعة من الطائرات المستعملة من روسيا وبيلاروسيا. غني عن البيان ان قرار موسكو تزويد العراق باسلحةً ثقيلة ينطوي على دلالة استراتيجية بالغة الاهمية، اذ من الممكن ان يتطور هذا التعاون بين بغداد وموسكو (وطهران) الى قيام تعاون استراتيجي اوسع بين موسكو من جهة، وطهران ودمشق وحزب الله في لبنان من جهة اخرى.
ثالثها، ان سلاح الجو السوري بات يعمل ضد «داعش» داخل الاراضي العراقية، وقد اعترف المالكي ضمناً بذلك ورحب به. لهذا التطور دلالته الإستراتيجية ايضاً اذ يؤشر الى تكريس سوريا والعراق ساحةَ حربٍ واحدة في مواجهة «داعش»، الامر الذي قد تنشأ عنه تداعيات سياسية توحيدية بين هاتين الدولتين في المستقبل، كما قد تنشأ عنه ردود فعل امنية سلبية من طرف تركيا و»اسرائيل».
وبعد… ذلك كله سيضطر الولايات المتحدة ، عاجلاً او آجلاً ، الى اتخاذ موقف صارم من «داعش» ، فلا تبقى مناهضة له، ظاهراً وربما باطناً، ومعادية لإعدائه ظاهراً وباطناً.
٭كاتب لبناني
د. عصام نعمان
امريكا وكل دول المنطقة تتصرف بحسب مصلحتها ولا اخلاق في السياسة الى الان وهذا يطال كل الاطراف
في تساؤلاتك حول داعش استاذ عصام نعمان لم تطرح ولماذا تجاهل النظام السوري داعش في سوريا وقصفها في العراق ؟
لماذا احجمت داعش عن استهداف ايران ؟
لماذا يرتب ( وهو هنا لا يدعي ) مجلس الامن القومي الاسرايلي المصغر اعداءه بالترتيب التالي :
حزب الله ثم حماس والجهاد في الداخل ثم منظمات الجهاد العالمي التي بات يخشى من وجودها القوي في سيناء وتدور حرب حامية الوطيس امنيا بينه وبينها ؟
وهل جيش المالكي الذي دعم بعشرين مليار لم يحظ يوما بدعم ؟
طبعا لا فكل من تغطى بالامريكيين عريان وكل من ذبح شعبه وتحجج بالجهاديين ساقط لا محالة وكل من حاول دعشنة الثورات وامركتها في حملة رخيصة اعلاميا استعدت شعوبا كاملة ضده سيسحق لا تحت اقدام داعش والقاعدة والنصرة بل تحت اقدام المظلومين الذين لا يهمهم بماذ يعنونهم من قتلهم والذين سيكونون حتما احد اركان حكم عالمنا الذي يولد من رحم النار عالم لا مكان فيه لا للاسد ولا للمالكي ولا للنظام الاردني ولا السعودي عالم يخشاه من يعرفه ويحارب بكل قوته من اجل تاخير ولادته الحتمية
وزارة المستضعفين ، جريحة فلسطينية منشقة عن المنظمة التي دعمت نظام البراميل المتوحش السادي في سوريا والتي تطلق على نفسها اسم حزب ( الله )
والله يا دكتور عصام لخمونا من تعقيد هذه القضية وعدم الرغبة في تبسيطها بأي حال من الأحوال. كل ما يحتاجه العراق هو قيادة حكيمة تساوي بين المواطنين وتدافع عن مصالحهم جميعا بغض النظر عن عرقهم، أو إثنيتهم، أو دينهم، أو طائفتهم. وهذا أمر ممكن جدا نظرا لغنى هذا البلد ووقوعه فوق بحر من النفط، ومناطق زراعية واسعة، وطبقات عالمة ومثقفة. المشكلة هي أن الحكام لا يريدون الخير إلى لبطانتهم. أما الشعب فمن يكترث له أو لرفاهه؟ ليس هؤلاء الحكام بطبيعة الحال. وتلك هي المصيبة.
تحية الى التعليق الصالح من الاخ الصالح صالح