يغيظني الكاتب الذي يسأله الصحافي لمن تكتب؟ فيجيب بترفع: أكتب لنفسي!
إذا كان (عبقور افندي) يكتب لنفسه، فلماذا ينشر (إبداعاته)؟
من طرفي، اعترف بلا تحفظ بأنني أكتب للقارئ، ورأيه فيما أخطه يعني لي الكثير سلباً أو إيجابا. رسائل القراء نافذة على سيمفونية العقل (أو اللاعقل!) العربي بايقاعاتها وأبواقها ومزاميرها وناياتها، وشهقات ولادتها واحتضاراتها.
حين أكتب أحاول مد الجسر الأبجدي الضوئي بين قلبي وقلوب القراء لنلتقي ونتواصل ونتبادل الآراء والتنهدات وربما، التفاؤل!
لقاء مع القراء
أبدأ بشكر الذين أحسنوا استقبالي وزرعوا ياسمينة دمشقية أو وردة بيضاء على خبر عمودي الأسبوعي ورحبوا بي في سطورهم التي فاحت منها رائحة القهوة العربية والهال أو «الكبوتشينو» و «القهوة الآيرلندية».
أشكرهم على جمال استقبالهم السخي بالمحبة لحرفي.
هل أنا بحاجة إلى التشجيع بعدما أصدرت عشرات الكتب وترجم بعض أعمالي إلى 18 لغة أجنبية؟
لست كاتبة «طاووسية»، كبعض «طواويس الأدب» وهم كثر وأعترف للقارئ بأنني حتى اليوم ما زلت أتهيب الإمساك بالقلم في حضرة الورقة البيضاء، ولحظة ما قبل كتابة السطر الأول.
تقرع طبول قلبي مثل تلميذ صغير ذاهب إلى امتحان (البكالوريا)!! ولعل هذا الشعور يراود كل من يحترم كلمته. وأذكر أن الصديق الشاعر محمود درويش قال لزوجي ولي في جلسة في المقهى الباريسي إنه قبل الكتابة يدور في البيت ويرتدي مع ثيابه ربطة عنق ويروح ويجيء وهو (يعدلها).. وصار زوجي بعدها يقول لي كلما شاهدني أحوم حول طاولة الكتابة: ألم تنتهي بعد من عقد ربطة عنقك؟ ولكنني حين أبدأ الكتابة أنهمر كالمطر وتشتعل أصابعي كالشموع.
ثم أنني فوجئت ببعض الرسائل مفاجأة سارة فهي من أشخاص تواصلت معهم على نحو طويل ثم أضعتهم في دهاليز كوابيسنا العربية، كالأستاذة لطيفة حليم ـ المغرب التي تدعم ما أخطه منذ زمن طويل. وكلمة «سماح» الشابة التي التقيتها مصادفة منذ سنوات وهي تعمل في حانوت صغير لبيع التذكارات قرب برج إيفل حيث أقيم وتعرفت عليّ ووعدتها بكتاب مني هدية لها تسأل عنها. لقد مررت يا عزيزتي مرات بالحانوت ومعي الكتاب مع إهداء مني ولم أجدك وظننت أنك انتقلت للعمل في مكان آخر.
وأشكر «منى الآردن» التي ردت ببساطة على هجوم طالني لأن صديقة فرنسية لم تكن تعرف ديني بقولها إنه في الغرب «من قلة الأدب أن تسأل الشخص عن دينه وأصله وفصله من منطلق انه يجب معاملة أي شخص أمامنا بالاحترام بغض النظر عن خلفيته» وهذا صحيح وأنا شخصيا لا أعرف دين سكان ناطحة السحاب التي أقيم فيها، فالعلاقة هنا مباشرة بين العبد والخالق ولا يقوم البعض بتوظيف أنفسهم وكلاء له تعالى ويحاكمون «الآخر»، وبينهم من هو بحاجة إلى محاكمة!
رنى سنداحة: أنا فلسطين
الأديبة الشابة رنى سنداحة (كريمة الكاتب الراحل ابن القدس ميشيل سنداحة) كتبت لي من عمان معلقة على نحو غير مباشر على شعار «أنا شارلي» الذي رفعه الكثيرون في التظاهرات الكليونية الفرنسية، وفي عرائض لعرب يقيمون في باريس وتظاهرات غربية كل من فيها يحمل شعار «أنا شارلي» وفي احتفالات هوليوودية شاهدت بعض صورها في مجلة (كلوسر) الفرنسية وسواها وفي صفوفها. جورج كلوني وعلى صدره «أنا شارلي» كما زوجته المحامية البارعة والشعار على حقيبة يدها البيضاء. أما رنى سنداحة فكتبت تقول:
ـ أنا أحمد (المقصود الشرطي المسلم القتيل في المجزرة أحمد مرابط).
ـ أنا ناجي العلي (فنان الكاريكاتور الفلسطيني الكبير).
ـ أنا غسان (كنفاني الشهيد الذي فجره العدو الاسرائيلي).
ـ أنا كمال (الشاعر كمال ناصر الذي قتله العدو الإسرائيلي أيضا).
ـ انا لبنان/أنا سوريا/أنا العراق/أنا حرية القول.
أنا فلسطين. أنا فلسطين
ومعظمنا يشد على يد قلبها ويتفق معها.
يريد البعض إرغامنا على القول.. «أنا شارلي» من أجل «حرية الفكر والتعبير».
ومن طرفي أردد: أنا لست شارلي، لأنني اتفق مع قداسة البابا ومع كل من يرى أن ذلك القول ليس دقيقا، فإهانة معتقدات الملايين ليست حرية تعبير والحرية الفكرية لا تعني الاعتداء على مشاعر المتدين المؤمن، ولا النموذج الذي يحتذى للإعلان عن حرية الرأي، كما ان القتل مرفوض كرد. في فرنسا قانون يمنع «الحرية الفكرية» من التطرق إلى إحدى المسلمات الفكرية النادرة في الغرب وهي موضوع «المحرقة اليهودية»، ولذا يتعرض المسرحي ديودونيه للملاحقة باستمرار لأنه يسخر من مهارة الصهيوني في تسول الشفقة وسعيه لمنحه أوسكار «المتظلم»!! واعتقد أن توظيف الكاريكاتور الساخر ضد مقدسات المليارات من المؤمنين بالأديان السماوية هو أيضا اعتداء إرهابي لكنه معنوي.. ولا أملك إلا أن أضيف مع عبارة «أنا لست شارلي» ببساطة.. يريدون إرغامنا على القول ان شعار «انا شارلي» مرادف لتبني حرية التعبير، وذلك غير دقيق لأن إهانة المعتقد الديني للملايين ليس النموذج الذي يحتذى لممارسة الحرية الفكرية، كما ان القتل ليس النموذج الذي يحتذى في الحوار! ولذا أضيف إلى عبارة: «انا لست شارلي» عبارة «أنا لست القاتل»، الذي قام بمجزرة في «شارلي إيبدو» أساءت إلى سمعة المسلمين بقدر ما اساء الكاريكاتور إليها أو أكثر بكثير.
أرفض القتل كرد وأفضل المجادلة (بالتي هي أحسن) وباللغة ذاتها، أي بالكاريكاتور والأبجدية.
وأخيرا، أحب التذكير بأن مجلة «شارلي إيبدو» كانت تطبع قبل (المذبحة) 70 ألف نسخة بشق الأنفس وبعدها صارت تطبع 7 ملايين نسخة!!
وإلى اللقاء مع المزيد من رسائل القراء في الأسابيع القادمة.
غادة السمان
وأعترف للقارئ بأنني حتى اليوم ما زلت أتهيب الإمساك بالقلم في حضرة الورقة البيضاء، انتهى الاقتباس
السؤال هو : هل ما زلت تكتبين بالورقة والقلم يا أستاذه غاده
أليست الكتابة بالحاسوب أفضل وأريح وأسرع
أم انها نكهة الماضي الملازمة
أطلب منك اليوم بالرد على تساؤلاتنا بحقنا عليك – ألسنا قرائك
ولا حول ولا قوة الا بالله
السيدة غادة السمان شكرا على الصراحة والتواضع فيما كتبتيه، فعلا حرية التعبير لا تعني اطلاقا اهانة معتقدات الملايين، فبين الحرية المسموح بها والاساءة الى الاخرين خيط رفيع. انا مثلك لست شارلي وفي نفس الوقت ضد القتل:
انا اهات اطفال فلسطين
انا من تشردوا بسبب الحروب واصبحوا بلا منازل
انا شجر الزيتون الذي يقتلعه المستوطنون
انا دموع اليتامى وصراخ الارامل
انا قتلى الحروب التي اشعلتها الدول الكبرى
انا الاسرى الفلسطينين
انا من يموتون في افريقيا من الجوع والعطش
انا ضحايا التمييز العنصري
انا مليون ونصف شهيد قتلتهم فرنسا في الجزائر
انا طفل عمري ثماني سنوات استجوبته فرنسا
انا المستضعفين المظلومين فوق كل ارض وتحت كل سماء
انا المضطهدين المظلومين
انا القدس والاقصى الاسير
انا كل هؤلاء
انا لست شارلي!!!
الله يحيى اصلك و فصلك يا غادة…. أنا ايضا من أهل الشام ومن مدينة الياسمين
كلامك كله ذهب و الماس
أقرى لكي الكثير من كتاباتك الجميلة .
نحن نعيش واقع متشظي .بالكتير من الاخفاقات .كبشر….لم نختلف فما أعتقد عن النزعة الحيوانية .أصبح القتل .أسلوب حياة .مع ان الديانات جاءت لتسمو بالبشرية الى مراتب الاحترام .وتجسيد فكرة إمكانية العيش المشترك.لكن حدث العكس نحن ننام على الكثير من الخطايا والرزايا. وبالتالي الحياة أصبحت فى خطر.للاسف هناك توظيف للدين بهدف إلغاء وجود الاخر.فيه صناعة الارهاب .لكن هدة الصناعة وهذه الماركة أريد لها انتكون باسم الاسلام .
الكاتبه المخضرمه غادة السمان ارفح لك القبعه احتلراماً وتقديراً لكل كتاباتك منذ عقود وتحية احترام ومحبه لك يا سيدة القلم
الكاتبه المخضرمه غادة السمان ارفع لك القبعه أحتراماً وتقديراً لكل كتاباتك منذ عقود وتحية احترام ومحبه لك يا سيدة القلم والتعبير الحر والجريء
شكرآ على هذا المقال الرائع
تحيه للكاتبه لتواصلها مع قراء القدس العربي. فكاتب بلا قراء كالناقش علي الهواء، و قارئ بلا كتاب ( بالتشديد) كالسمك بلا ماء.
الحديث عن حريه الرائ، او اي حريه، دون التعريف بحدودها و ادوات التعبير عنها هو حديث لا مسئول. فمثلا، في المطلق يمكن اعتبار الهجوم علي شارلي نوع من ابداء الرائ في ما تنشره، فهل يمكن تقبله؟
وعليه، انضم الي الكاتبه فيما اقترحت. اذا اردت موقفا من شارلي الحدث فانا لست شارلي الاسلوب ولست من يطلق الرصاص لابداء الرائ.
اما الي من لا يعرفني اقول: انا من نزلت صحائف موسي علي ارضه وارتفعت مزامير داوود في سمائه، انا من سار كلمه الله عيسي علي ترابه و علي ماءه، انا من قال الله تعالي قرانه علي لسان نبيه محمد واول كلماته ” اقراء” . انا العربي ابن الحضاره و الكرامه و الحريه وان حجبني الان السحاب فهو زائل لا محاله.
سيدتي الجميلة كلما قرأت مقالاتك لا ادري لماذا اشعر بأن غسان كنفاني يروح ويغدو بين سطورك؟؟؟
شكرا جزيلا ؛ غادة السمان.