وقّع المغرب ونيجيريا اتفاقية لدراسة مد أنبوب للغاز من هذا البلد الواقع وسط القارة الإفريقية إلى المغرب، وسيصل بدون شك إلى أوروبا، وتأتي هذه المبادرة ذات البعد الاستراتيجي، في وقت تحول فيه الغاز إلى المصدر الثاني للطاقة بعد البترول، وإلى عامل مؤثر في العلاقات الدولية، خاصة في المستقبل، ما يجعل بعض الدول لا ترى بعين الرضا هذا التطور ومنها روسيا.
وكان ملك المغرب محمد السادس قد عالج هذا الموضوع منذ شهور خلت مع الرئيس النيجيري محمد بوهاري، وعاد لطرحه يوم الأحد الماضي في العاصمة الرباط بمناسبة زيارته إلى المغرب. ويتجلى تصور المغرب في مد أنبوب الغاز من نيجيريا إلى المغرب مرورا عبر عدد من دول إفريقيا الغربية مثل، ساحل العاج وغامبيا والسنغال وموريتانيا وصولا إلى المغرب، وجعل هذا الأنبوب رمزا للأطروحة التي تدافع عنها الرباط وهي تعاون جنوب- جنوب.
لكن على ضوء معطيات الواقع، يبدو المقترح مفارقة لأسباب منطقية من الناحية الاقتصادية، ونذكر سببين رئيسيين وهما:
ـ في المقام الأول، المشروع مكلف جدا من الناحية المالية، خاصة أنه يمر عبر دول فقيرة وذات بنيات ضعيفة، لا يمكنها استهلاك كميات كبيرة من الغاز ولا تتوفر على المال للمشاركة في أنبوب الغاز. وبدوره، لا يمكن للمغرب استهلاك الكميات التي ستنقل من نيجيريا إلى المغرب بحكم اقتصاده المحدود وعدم استهلاك الغاز بالقدر الكافي مقارنة مع الدول الأوروبية. وعمليا، نقل الغاز عبر السفن أرخص من مد أنبوب أرضي سيكلف عشرات مليارات الدولارات، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار توجه العالم خلال العقود المقبلة إلى بدائل للطاقة الكلاسيكية.
ـ في المقام الثاني، البراغماتية تُبرز ضرورة اعتماد المغرب على الغاز الجزائري الواقع في حدوده الشرقية، ولا يكلف نقله أي شيء يذكر، خاصة في ظل وجود أنبوب منذ التسعينيات ينقل الغاز إلى المغرب، ثم يمر عبر مضيق جبل طارق نحو إسبانيا وباقي أوروبا.
وخريطة الإنتاج العالمي للغاز محدودة مقارنة مع البترول، وتتصدر روسيا الإنتاج العالمي بحوالي 22% تليها الولايات المتحدة بـ 19% ثم كندا 7% بينما تتراوح حصة كل من قطر والجزائر وبريطانيا والعربية السعودية أكثر من 3% لكل دولة، بينما تنتج نيجيريا سنويا 2.7% وهي الأولى إفريقيا. وتحول الغاز إلى سلاح مثل البترول نظرا لثقله في الصناعة والاستعمال المنزلي. ويوجد صراع في الوقت الراهن بين موسكو وواشنطن حول الغاز وأوروبا. في هذا الصدد، ترغب الولايات في تقليل الأوروبيين من استيراد الغاز الروسي، لكنها لم تقدم بديلا عمليا حتى الآن، في حين تدرك روسيا أهمية الغاز الذي تصدره إلى أوروبا، خاصة إلى دول مثل ألمانيا، ولهذا يهادن الاتحاد الأوروبي كثيرا ويترك مجالا للثقة بين البلدين.
ولا يوجد سوق عالمي للغاز مثل البترول، بل أسواق إقليمية وبأسعار مختلفة نسبيا، ولهذا ترغب بعض الدول ومنها روسيا أساسا في تحويل الغاز إلى سلاح استراتيجي، من خلال ما اقترحته منذ سنوات بإنشاء منظمة أوبيب خاصة بالغاز على شاكلة أوبيب للبترول. والهدف من وراء هذه الاستراتيجية هو التحكم في مصدر مهم للطاقة.
وهكذا، لن يتوقف أنبوب الغاز من نيجيريا حتى المغرب، بل سيمتد بدون شك إلى أوروبا في حالة تشييده خلال السنوات المقبلة، لأنه ثاني أكبر سوق لاستهلاك الغاز في العالم، وذلك لسببين رئيسيين:
ـ أولا، رغبة نيجيريا في بيع الغاز إلى القارة الأوروبية، بعدما فشل مشروع نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر الجزائر، حيث جرى البدء في المشروع وتوقف لأسباب مجهولة قد يكون منها تردد الجزائر في إتمام مشروع سيكون معاديا لمصالحها مع أوروبا. وخلال الأسبوع الماضي، عرض البرلمان الأوروبي شريطا ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فقامت الجزائر بالتهديد بإعادة النظر في اتفاقيات الغاز مع ثلاث دول أوروبية كرد عقابي. وهذا يبرز مدى أهمية الغاز كسلاح.
ـ ثانيا، بحث أوروبا عن مصدرين جدد للغاز للتقليل من وزن الغاز الروسي، وحتى لا تبقى أوروبا رهينة الخلافات السياسية مع الكرملين، خاصة أنها في الوقت الراهن تستورد 40% من حاجياتها من روسيا، وهذا سيرتفع مستقبلا بحكم ارتفاع استهلاك أوروبا لهذه الطاقة.
ولا ترى روسيا بعين الرضى كل دولة حاولت أن تقلل من وزنها في مجال الطاقة في أوروبا. وحاولت الجزائر خلال السنوات الماضية لعب دور مهم في تزويد أوروبا بالغاز على حساب الحصة الروسية، لكنها تراجعت خوفا من رد فعل روسيا، وهي الدولة التي تزودها بالأسلحة. في الوقت ذاته، بحثت نيجيريا والجزائر في مسالة أنبوب غاز ينطلق من هذا البلد الإفريقي عبر النيجر وحتى الجزائر، ولاحقا أوروبا منذ بداية الثمانينيات، لكن لم يكتب له التحقيق بعد قرابة أربعين سنة لأسباب استراتيجية. ولهذا، لن ترى روسيا بعين الارتياح أنبوب الغاز المنطلق من نيجيريا مرورا عبر المغرب حتى أوروبا، إذ يتعلق الأمر بقرار استراتيجي، وقد ترد موسكو عبر تشديد مواقفها بشأن ملفات تهم المغرب ونيجيريا.
المغرب يمتلك فقط الفكرة لكنه لا يمتلك لا المال لتنفيذ المشروع ولا النفوذ لتحقيقه، والأمر نفسه مع نيجيريا. وبهذا سيكون هذا المشروع على شاكلة فكرة مد جسر بين المغرب وإسبانيا الذي يجري عنه الحديث منذ عقود ولم يتحقق. القرارات الكبرى ذات البعد الاستراتيجي لا تسمح الدول الكبرى بتحقيقها من طرف دول صغيرة ومتوسطة.
مشروع لن يتحقق قبل 25 سنة و عندما توافق عليه عشرة دول مجتمعة و من افقر الدول الافريقية لن تستطيع دفع ولو دولارا واحدا . كما ان المشروع لن يبدا الا بعد حل القضية الصحراوية عبر استفتاء الشعب الصحراوي تحت اشراف الامم المتحدة .
النظام المغربي معروف بسياسة تسويق الاوهام للانظمة الافريقية مستغلا سذاجتها كيف للمغرب ان يستطيع جمع 20 مليار دولار لتنفيذ المشروع وهو على حافة الافلاس و يمرر المشروع بعد موافقة عشرة دول ومن بينها الجمهورية الصحراوية .اوروبا لا تشتري غاز يمر عبر عشرة دول كلها مضطربة و غير امنة و ترهن سياستها الطاقوية . الجزائر منذ اربعبين سنة و هي تزود اوروبا بالغاز و لم تنقطع حتى في العشرية السوداء .
من خلال قراءة بعض التعليقات التي تنعت طموحات المغرب والمغاربة بالأوهام و بالمشاريع الورقية وما إلى ذلك حول أنبوب الغاز وحول الربط القاري و الترشح لتنظيم كأس العالم يمكننا أن نقول إنهم يستكثرون علينا كل شيئ ويلمحون إلى أننا نعاني من الفقر . يكاد هؤلاء أن يمنعونا حتى من الأحلام.
من يدعي أن الأنظمة الإفريقية سادجة وأن المشاريع المغربية وهمية رغم كون المغرب ثاني مستثمر إفريقي بإفريقيا فهذا صراحة يتكلم عن حقد دفين للمغرب وما أكثر حساد المغرب ومن أصيبوا بعقدته وإما عن جهل بالإقتصاد والسياسة ، مشروع أنبوب الغاز سيتحقق رغم أنف الحاقدين لأنه مشروع قارتين يقف وراءه الكثيرون بسبب أهميته الإستراتيجية لأوروبا أولا قبل غيرها .