بيروت ـ «القدس العربي»: أربع سنوات تقريباً مرت منذ آذار/مارس 2011 هزت صور المأساة السورية فيها العالم، حتى بلغنا الحافة، ولم يعد مؤثراً بذات المقدار صورة طفل يموت جوعاً تحت الحصار، أو خيط دمٍ يسيل في الشارع، أو نساء تُسبى على يد الظلاميين، بعد أن غدونا أرقاماً لشهداء ومعتقلين ومفقودين، معظمهم من الرجال ولكن ليس جميعهم. فالسوريات نساء حرب وسلام. في سوريا تظاهرت النساء كما الرجال منذ مارس 2011، حاربن، اعتقلن وعُذبن، ليس فقط اليوم، إذ يذكر تاريخ اعتقال الأحزاب المعارضة في الثمانينيات اعتقال النساء، لأن لهن زوجا أو ابنا أو أخا مطلوبا، بشكلٍ خاص المطلوبات للاشتباه في ارتباطهن بحركة «الإخوان المسلمين»، أو المعتقلات لنشاطهن السياسي، وكانت غالبيتهن من المنتميات إلى الأحزاب اليسارية.
بعد أربع سنوات تقريباً، لم يزل السوريون يبحثون عن وسائل بوح بديلة، عن وسائل خلاص، كما يبحثون عن مساحات للفعالية وأشكالٍ لمقاومة الموت والخسارة والفقدَ ومختلف الآلام التي ذاقوها.
بهذه الروح التواقة إلى التجريب دخل عمر أبو سعدة ومحمد العطار وحلا عمران مخيمات اللجوء في لبنان، مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، وانتشر خبر «المعونة المسرحية» في المخيمات، كما تقول منى الراوية في عرض «انتيغون السورية» الذي تستضيفه خشبة مسرح المدينة في بيروت أيام 10-12 من هذا الشهر، وبحسب المنتجة عتاب عزام، فإن المشروع حظي بتمويل «بريتش كاونيسل» ومؤسسة «هنريش بورغ» الألمانية، وأفراد بريطانيين، على أن يعود ريع العرض إلى اللاجئات السوريات.
بالتعاون مع جمعية «بسمة وزيتونة» تجول المسرحيون الشباب في المخيم والتقوا بنساءٍ هربن من الموت بحثاً عن حياة، وانتهوا إلى العمل في ورشة مسرحية استمرت 8 أسابيع مع ثلاث وعشرين امرأة اخترن قص حكاياتهن بأصواتهن هن، وتتراوح أعمارهن ما بين 16 و56 عاماً، حيث كل امرأة هي «أنتيغون السورية»، بطلات العرض الذي أخرجه أبو سعدة، وكتب دراماتورجيا له محمد العطار، ودربت السيدات على الأداء والصوت الممثلة المسرحية السورية حلا عمران.
عن عملهم على مشروع «انتيغون السورية» كتب محمد العطار: «الحق أننا لم نكن مشغولين بالبحث عن اقتباسٍ كلاسيكي آخر، كنا ننشد أجوبةً لأسئلةٍ جديدة علها تُساعدنا لنبلغ فهماً أفضل لأحوالنا المعقدة كسوريات وسوريين اليوم. هل نحن حقاً محكومون بنهاياتٍ مأساوية، لأننا حاولنا تغيير ما بدا طويلاً أنه أقدارنا الراسخة في هذه البلاد؟». فمن هي «أنتيغون»؟
هي بطلة تراجيديا «سوفوكلس» التي كانت أول من تحدى سلطة الحاكم وقوانينه الوضعية في التراجيديات اليونانية القديمة، التي تناولت كثيراً موضوع تحدي القدر حيناً والسلطة الإلهية حيناً آخر. «أنتيغون» ترفض قبول قرار الملك الظالم «كريون» بترك جثة أخيها «بولينيس» في العراء من دون دفنٍ يليقُ بالموتى، لتنهشها الحيوانات، وكان «كريون» قد فاز بالحكم بعد أن قتل الأخوان «إيتوكليس» و»بولينيس» بعضهما في صراعهما على حكم المدينة. تتحدى «أنتيغون» سلطة الملك وتدفن أخاها، وتدفع حياتها ثمناً لثورتها هذه.
«أنتيغون السورية» تحمل ذات الاسم، الذي يعني على الأرجح «لا تتزعزع»، مأخوذاً من الجذر اللاتيني «anti-» (ضد، معارض) و»-gon / -gony»» (الزاوية، والانحناء). «أنتيغون السورية» هي كل امرأة سورية، وهي كل واحدة من السيدات الثلاث والعشرين اللواتي أتين إلى مخيمات اللجوء من مناطق مختلفة من ريف حلب الفقير، من درعا التي انطلقت منها شرارة التغير، من حماة المنكوبة بذاكرتها الحزينة، من مخيم اليرموك الخاضع لحصار الجوع والموت المستمر حتى اللحظة.
بصوتها تروي منى كيف تشعر أن دفن صغيرها، الذي قضى بمرض اللوكيميا كان منقوصاً لديها، لأن الدفن كان على عجلٍ، والقبر بقي بلا شاهدة. تروي الحاجة فدوى وهي أكبر المشاركات عمراً كيف دفنت ولدين وليس واحداً فقط. وتقسم ولاء الصبية اليافعة لروح أبيها أنها لن تسمح لفقدانه أو للتهجير بأن يكسرها ويمنعها من الحياة. إنها انتصار التي قررت أخيراً أن تسرد قصتها الحزينة.
وإن كانت منى قد تحدت الحرب ونيرانها حين دفنت وليدها، فإن كثيرات قد تحدين بمجرد مشاركتهن في المسرحية سلطات كثيرة، أولها السلطة الذكورية المباشرة التي فرضت عليهن باسم زوج أو أب، وليس آخرها سلطة الخوف داخل كل منا، ضد هذه السلطة، شاركت «زكية» راعية الغنم القادمة من ريف حلب، التي تحلم بالحلم ذاته دوماً، بأنها تنطلق مع غنمها في أرضٍ بلا حدود.
بلا إكسسوارات تثقل خشبة المسرح، بحجرٍ مسروق من حطام المنزل والذاكرة والروح يوضع على الخشبة لينفتح باب لسردٍ جديد. والتمثيل هنا يغدو لعباً على حافة القص، وكأننا نعود إلى مقهى النوفرة وكل سيدة تصبح راويا، لكننا هذه المرة أمام راويةٍ كُلية المعرفة بوصفها شاهدةً على تجربة هي حكايتها بالمعنى الشخصي، وهي بطلتها وضحيتها أيضاً.
يقول العطار: «إن كانت أنتيغون سوفوكليس، كمثال بهي للبطل التراجيدي، خسرت كل شيءٍ إثر إصرارها الهائل على مواجهة السلطة، إلا أنها نجحت في نقل روايتها عن الحرب وعن خراب المدن والروح. انتزعت حقها في أن تروي التاريخ من وجهة نظرها، بقي صوتها مجلجلاً حتى اليوم. كنا موقنين أننا سنلتقي بأنتيغونات مثلها، يغالبنَ ظروف الشتات القاسية، صابراتٍ على جراح الحرب وخسارة الأحبة، يملكنَ أصواتاً بديعة وخاصة، يحفظن ذاكرتنا ويحفظن لنا الأمل أيضاً).
أنتغونات سوريا لم يمتن ويرفضن الموت والاستسلام له، وإلا لما حاربن كل شيء ويحاربن، لما صعدن خشبة المسرح وواجهن جمهورا لا يعرفنه ليخبرنه قصصهن بأصواتهن. يوماً بعد يوم، سترفع نساء سوريا أصواتهن، ويكتبن حكاية أخرى. فالعنقاء تنهض من الرماد.
يارا بدر
سيدة الكون لا تصنع الحياة فحسب ، بل تلد الأبطال.
معانات السوريات ( والسوريين ) دخلت في تاريخ الجهاد البشري ضد الظلم .
المرئة هي ملكة ( الرحمان) ، لما تقتنع بمبدء ما ، فالطريق مفتوحة نحو النصر . والنصر لا يكون على الجثث . النصر يكون على تحقيق آمال الشعوب في التحرر .
كم سيدة في أمريكا الجنوبية قاومت وأعطت دروس للطغات .وكذلك في إفريقيا وفي العالم . وفي فلسنم خاصة .
*** نحن مغاربيون ، ونتذكر بطولات مغاربيات ، ومنها بطولة السيدة جميلة بوحريد التي قاومت الظلم ..وانتصرت ، وانتصر الشعب ، وانتصر المبدء.
كل ما هناك أني أتاسف على أن تكون شوارع مغاربية ما زالت تحمل أسماء استعمارية ، .ولا تحمل أسماء بطلات العروبة والإسلام …
فمن منا إذن لا يحبد فكرة تخليد أسماء ” الأنتيغون ” ؟.
من لا يحب الأنتغون ، فهو ليس منا .
ملائكة الرحمان..