أوباما/إيران: مشروع إعادة تصنيع العرب مذهبيا

حجم الخط
3

ما لم يستطع العرب أن يفعلوه بشأن منع الاتفاق النووي بين أمريكا وفريق حلفائها الأوربيين من جهة، وإيران في الجهة المقابلة، ما لم تستطع حتى الفئة المختارة منهم الموصوفة كونها من (عرب أمريكا) أن يكون لها حتى مجرد رأي مسموع منها خلال الزمن الطويل من التفاوض العسير وأزماته المتلاحقة، والتي كان جلّها يهدد بتعطيل مبدئية الحوار وليس فقط بوقف التفاوض. نقول أنه إذا افتقد العرب أية مساهمة في فرض أخطر سيناريو استراتيجي لمستقبل المنطقة كلها، فهل فقدوا كذلك القدرة على استعادة نوع التفكير المباشر بالذات من دون إلحاقها بحليف غريب.
فالسؤال اليوم هل لا يزال بعض العرب يأمل بانتكاسةٍ ما لعمليات تنفيذ البنود الصعبة للإتفاقية، قد تضطر أمريكا بعدها للعودة إلى زبائنها القدامى في المنطقة لتستأنف طبيعة العلاقات السابقة مع الأمراء والمشايخ المحليين، لكن تجربة التخلي الأمريكي ربما قد لقَّنت حلفاءها العرب درساً لن يمكنهم أن ينسوه. فإذا كانت السياسة الدولية عمادها المحوري هو مبدأ الاعتماد المتبادل ما بين مصالح الدول، فذلك يتطلب أساساً تحقق الاعتماد الذاتي لأية دولة عازمة على استثارة حمية الآخر إزاءها لممارسة الاعتماد المتبادل معه. فماذا فعل العرب بأنفسهم حتى اللحظة الحاضرة من الزمن العالمي، في حين أن بعضهم الغني لا يزال يتابع هدر معظم ثرواته الفلكية في وعثاء توافه الحضارة ومغرياتها الخادعة.
ماذا سيفعل العرب بعد التخلي الأمريكي، هذا السؤال بقدر ما يثير الخوف لدى من كانوا يُصنَّفون في خانة عرب أمريكا، فإنه في الوقت عينه يثير كذلك قلقاً شبه عام لدى بقية العرب الذين كانوا يشكلون معظم الآراء والمواقف المضادة إجمالاً للنفوذ الأمريكي وتدخلاته المستمرة في كل شأن يخصّ المصالح الحيوية لشعوب المنطقة. لكن هل قررت أمريكا حقاً الانسحاب الفعلي من أدوارها القديمة، هل عزمت على إزاحة تلك الأدوار عن كاهلها وتوكيل دولة أخرى محلية في ممارسة أخطر محاورها الاستراتيجية، ليس بالنيابة عنها (أمريكياً) فحسب، بل، وعن ذاتها هي عينها.
وهنا يأتي السؤال الآخر وهو: ما الذي جعل العقل الأمريكي يفاضل بين العرب والعجم ويختار الآخرين، هل لأن هؤلاء. هم الذين اخترعوا وأسسوا النموذج الأول الأكمل لإعادة تصنيع ثقافة العنف الموصوف بالمقدس، لكي تعمّ تعاليَمه وإجراءاته عالَم القرن الواحد والعشرين ومابعده. هل يمكن تسويغُ هذا الاختبار من قبل أعظم دولة حداثية في العصر، بمجرد الارتجاع إلى منطق المصالح. ولعلّ أولى هذه المصالح يتمثل في منع التسلح النووي. هل تريد أمريكا، والغرب معها حماية هذا الشرق الأوسط من جحيم نووي مفترض حدوثه لو أن دولة أخرى، غير اسرائيل طبعاً، في المنطقة قد حازت على هذا السلاح يوماً ما. في هذا السياق يمكن إيراد السؤال التالي: هل إن اسرائيل تعتقد بإمكانية القيادة الإيرانية التهديد باستعماله ضدها فيما لو تمكنت من صناعته.
مثل هذه التسويغات الكبرى التي يستخدمها أطراف الأزمة ضد بعضهم لم ولن تكون سوى بالونات هوائية تغطي معالم المعركة الحقيقية الجارية على أرض الواقع الصراعي الفعلي؛ لنتذكر قاعدة رئيسية اعتادت منهجية الغرب استخدامَها إزاْء قضايانا المعقدة، وهي عدم مواجهة المشكلة المطروحة من خلال مصطلحاتها المباشرة المتداولة. إذ أن هناك مسافة ما بين كل ظاهرة ومصطلحها. والذكاء السياسي هو القادر على استثمار هذه المسافة لصالح نواياه العميقة دون أن يضطر إلى استعراضها عبر تسويغات لا تحل شيئاً حقيقياً في المحصلة.
وتبدو نظرية استيعاب الخصم بدل مقاتلته هي تحفة اللُقْيا للفكر الاستراتيجي الذي يتمتع به الرئيس الأكاديمي «أوباما»، وقد طبقها على «ثورات» الربيع العربي، فحوَّل معظمها إلى ما يشبه مصارع أهدافها قبل أن يرى النورَ أَحدُها. ثم عندما انخرط في معضلة التجهيز النووي الإيراني، كان منشغلاً بإنجاز التجهيز المذهبي كبديل عنه، وسوف يكون موكولاً إليه الإجهاز المعم على مبدئيات كل ثورة عربية شعبية، إذ سوف يقلبها إلى بؤرة انتحارية بغرائزها وروادها وأفكارها.
يستطيع «أوباما» أن يواجه عُتاة معارضيه من أهل السياسة والثقافة في بلاده خاصة، كلما ساءله لسان حالهم: لقد كان الوحش سجينَ قَفَصِه، فلماذا أطلقتَ سراحه، ولعلّه يجيب، أطلقنا الوحش الأكبر ليقضي على الوحوش الفالتة الأخرى في الغابة.
غير أن هذه اللوحة الداكنة لم يكن ليتضاءل مفعولها المعنوي سريعاً، كما هو الأمر حادث ومسيطر في الإعلام والأندية السياسية، لم تكن منجزات «أوباما» صناعة شخصية فحسب، إن لم تكن مغطاة مقدماً بالأجنحة الشفافة للمؤسسة الحاكمة العميقة لأمريكا..
هناك من يرى أنه في تقدير مؤسسة الحكم، أن أمريكا قد استنفدت صيغة الوكالة الحصرية المتمثلة في اسرائيل وحدها على منطقة الشرق الأوسط. فلا بأس إذن بوكالة ثانية يمكن وصفها بالأهلية والتاريخية لبلد آخر قديم في المنطقة كإيران. ما يخيف اسرائيل ليست هي إيران، اليوم أو غداً، بل إنها أمريكا، الراعية العظمى للدولة العبرية، إذ يشعر صهاينة «تل أبيب» أن أمريكا ليست في وارد دعم اسرائيل إلى ما لانهاية. بل إن أمريكا (العميقة) أمست تعتَقَد بعَرضية الوجود الاسرائيلي وليس بجذريته المطلقة. وأن هذا الاعتقاد كان دائماً له وجوده، لكنه ممنوع من الفعل. أما التغيير الأخير مع الإتفاق النووي الإيراني، فلقد أضحى توأَمُ اسرائيل جاهزَ الحضور. أو أنه على وشك أن يغدو هو بديلَها المحتوم.
وبَعْدُ، هل أن أمريكا تخلّت عن العرب.. أو أنها باقية لهم في المرصاد دائماً، وسوف تأتيهم كلما عصفت بهم كارثة بعد أخرى، وأخطرها إطلاقاً مشروع إعادة تصنيع العرب مذهبياً. عندئذٍ لن يأتيهم «أوباما» أو أمثاله من الرؤساء القادمين، إلا وقد أمسى العرب شذراً مذراً، مجرد واحات بائسة متناثرة في صحاريهم..

٭ مفكر عربي مقيم في باريس

مطاع صفدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن بطوطة - فلسطيني:

    المشروع الامريكي الغربي بتفتيت العروبة مشروع تاريخي عندهم و ليس محصورا بايران – بالنسبة للمشروع الامريكي تجاه ايران فهو مشروع تفتيت ايران نفسها – العرب ضعفاء اليوم و العرب اليوم هم في آخر اهتمامات روحية الاستعمار الغربي … ما تسعى له امريكا هو استعادة ايران الشاه – ان اولى اهتمامات امريكا اليوم هم الصين و روسيا الصاعدتين و خصوصا الصين فللايران حدود معهما .. ان الصعود الصيني المستمر سيجعل الصين الاقوى في العالم و سيأتي اليوم الذي يحل اليوان محل الدولار و امريكا تسعى لخلق المشكل المشاكل لها و ابتزازها بهدف عرقلة و ابطاء صعودها – لا يوجد مراهنة لمريكية على ايران و لاية الفقيه – و لا يمكن للايران ولاية الفقيه ان تتحالف مع امريكا – امريكا تسعى للاستعادة حلف السنتو – باكستان ايران تركيا المحاذية لروسيا و الصين – هذا هو الواقع الجيوسياسي – العرب لا يخيفون امريكا و ايران ولاية الفقيه لا تستطيع الا تنسجم مع نفسها في معاداتها للاسرائيل و امريكا – لذلك تسعى امريكا الى تفتيت ايران و الهدف استعادة الحكم الايراني الشاهي الفارسي حليف امريكا – اما العرب فهم اساسا مفتـتون مذهبيا و طائفيا و اقليميا و ضعفاء ضعفاء و تفتيتهم في آخر اهتمامات امريكا و الغرب اليوم الاهم عند امريكا اليوم هم استعادة حلف السنتو و خلق المشاكل في اوكرانيا و بحر الصين ..و الباسيفيك …

  2. يقول م.محفوظي تونس:

    كلما قرأت مقالات الأستاذ مطاع الصفدي إلا وألهبتني نار العروبة، وهرولة المتنبي خلف ذلك الحلم أو التطلع- عفوا- وقوله” لا يفلح عُرب ولوا أمرهم عجم” دمت ذخرا للعروبة.

  3. يقول فوكاش:

    عندما تنشب حرب بين جيش حديث ومليشيات مبعثرة تسمى حرباً غير تقليدية أي عشوائية لا تستند لإستراتيجية واضحة
    عندما تتعامل أمريكا سياسياً مع دول لا تستند سياستها لدراسات ومراكز أبحاث وخطط مستقبلية واضحة المعالم بل تنبني على الشخص والأشخاص وحالته النفسية والصحية تصبح الدبلماسية والسياسة غير تقليدية
    الشاهد هنا: الخليج المتأرجح سيظل متأرجحاً كما عهد لكن بين كفتين ( إيران و إسرائيل ) وليجد توازنه أو ليبق بدون توازن
    ما الفرق بين إيران والخليج( ليس كل دول الخليج طبعاً):
    إيران علمت الأجيال في الداخل وبالبعثات ونوعت مصادر الإقتصاد لتتحمل أي حصار وصنعت جيشاً يحفظ هذا كله ويدعم الدبلماسية التي درست الدبلماسية الغربية وإتبعت منهجها مع الحفاظ على الخصوصية الإيرانية
    فيما بعض دول الخليج رغم الغنى لم تستثمر خارج البترول ولم تمكن في الإستثمار البشري في التعلم الدنيوي الهادف وإحتاطت أن تصنع جيشاً إستباقاً لما قد يشكله من تهديد إنقلابي : أي دول لم تتعد كونها وزارة بترول عملاقة
    الوضع الخليجي ظاهرياً ذي ثقل إقتصادي لكن توازنه هش للغاية: وأمام التجاذبات الرياضية بين إيران وإسرائيل يكفي مد حبل بينهما لينقطع الصخر الخليجي كالقشدة : هكذا وبكل بساطة وعن بعد دون لمس الثوب الخليجي

إشترك في قائمتنا البريدية