لندن ـ «القدس العربي»: كان إعلان الحكومة التركية إلقاء القبض على المنفذ الرئيسي لهجوم ليلة السنة الميلادية عبدالقادر ماشاريبوف في شقة باسطنبول نهاية لعملية مطاردة قال حاكم اسطنبول إنها عبأت قوات الأمن في مدن مثل أزمير وبورصة وقونية وبعد مداهمة أكثر من 150 عنواناً يشتبه بعلاقتها بالمنفذ.
ورغم محاولته المقاومة إلا أنه لم يستطع الوصول إلى بندقية كانت في الغرفة ولهذا استطاع ضباط الأمن السيطرة عليه بدون إطلاق النار.
وسيتركز التحقيق الآن على المتواطئين معه. وحسب المعلومات التي كشفتها السلطات التركية فالمنفذ يعرف أربع لغات وتدرب في أفغانستان ودخل تركيا في كانون الثاني/يناير 2016 وكان يعرف بأبو محمد الخرساني حيث نفذ العملية في نادي رينا الليلي باسم التنظيم.
ولم يكن مشاريبوف على قائمة المطلوبين للإنتربول، حيث لم يدخل إلى تركيا من سوريا. فهو مولود في وادي فرغانة في أوزبكستان.
ونقلت صحيفة «الغارديان» عن مسؤول أمني تركي قوله «هذا الرجل لم يكن معروفاً بعلاقاته الإرهابية ولم يكن على قائمة الإنتربول ولم يبلغنا أحد عنه. ولم يتم تحديد الجهة التي دربته في أفغانستان بعد حيث أضاف المسؤول أن جزءاً من التحقيق سيتركز على دوافعه البقاء حياً «كان لديه المال ومعه عائلته ولم يكن انتحارياً وعليه هناك أسئلة حول دوافعه».
ويطرح أسئلة أخرى حول هوية «السفاح» الذي ينضم لعدد من منفذي الهجمات في تركيا وجاءوا من وسط آسيا. فالذين هاجموا مطار اسطنبول شيشاني واوزبكي وقيرغزي.
وادي فرغانة
وتساءل الباحث دانا أبي زيد الذي عمل في تركيا ومنطقة وسط آسيا عن السبب الذي حول الجمهوريات في الاتحاد السوفييتي السابق لخزان يعتمد عليه تنظيم «الدولة».
وأجاب في مقال نشره موقع «ناشونال إنترست» أن الثقافة المشتركة واللغة والإنتماء للشعوب التركية تسهل عملية اندماجهم بين الاتراك على خلاف العرب الذين يسهل التعرف عليهم. وبالإضافة لهذه المميزات المشتركة هناك تاريخ مضطرب عاشته الجمهوريات الإسلامية هذه بعد انهيار المنظومة الشيوعية عام 1991 حيث سيطرت أنظمة قمعية على سدة الحكم فيها وقامت بمنع المنظمات والحركات الإسلامية السياسية بالإضافة لتدهور النظام التعليمي الذي استشرت فيه الرشوة والمحسوبية.
ويقول إن إنهيار الإتحاد السوفييتي السابق أدى للحرب الأهلية في أفغانستان وصعود طالبان ولاندلاع الحرب في طاجيكستان التي كان من تداعياتها ظهور الحركة الإسلامية الأوزبكية التي كانت تهدف لإقامة «دولة إسلامية» تمتد في وادي فرغانة بدلاً من نظام إسلام كريموف.
وردت دول المنطقة من أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وكازاخستان بتقييد الحركة بين الجمهوريات إلا أن هذه الإجراءات لم تمنع الحركة الإسلامية الأوزبكية من شن هجمات خطيرة على قيرغيزستان من قواعدها في طاجيكستان في عام 1999 و2000 قبل أن تضعف قدراتها مع بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001.
الإرث المر
ويعتقد أبي زيد أن ضعف الحركة أدى إلى إرث من شقين وهما ولادة بديل إسلامي للأنظمة الديكتاتورية في منطقة وسط آسيا وزيادة القمع والإضطهاد للإسلام والمعارضة السياسية فيها.
ويتجسد كل هذا في المجزرة التي حدثت في أيار/مايو عام 2005 في أنديجان في أوزبكستان عندما قام الجيش الأوزبكي بقمع المتظاهرين الذين طالبوا بوظائف وتعليم وخدمات حكومية أفضل. وأدى حظر الأحزاب الإسلامية السياسية ومنظمات مثل حزب التحرير لدفع الكثير من الشبان لأحضان الراديكاليين الذين كانوا يعملون بشكل سري. ورغم أن الكفاح باسم الإسلام إلا أن لا علاقة له بالدين بقدر ما يرتبط بفقدان الأمل والغضب النابع من الإضطهاد والحكم الفاشل.
ويرى الكاتب أن فشل حكومات وسط آسيا بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية وتخفيف الضغط على الأحزاب والمنظمات الإسلامية ربما قاد إلى نزاع واسع يستلهم الكثير من أفكار تنظيم «الدولة» ولعمليات واسعة ينفذها أبناء المنطقة في الخارج.
ويقول إن الهجمات الأخيرة في اسطنبول توضح وبشكل كبير أن المجندين من أبناء دول وسط آسيا في صفوف تنظيم «الدولة» قرروا الخروج من مناخ الضغط الذي يعيشون فيه والبحث عن مناطق للقتال في كل من سوريا وتركيا.
ومن هنا تثير مشاركة الجهاديين من هذه الدول اسئلة مهمة حول خطر ما يجري فيها على الأمن الإقليمي والعالمي. وكما كتب الصحافي الباكستاني أحمد رشيد قبل 17 عاماً من أن «مستقبل وسط آسيا يؤثر على مستقبل بقية العالم» وثبتت صحة هذه النظرة من خلال هجمات اسطنبول.
في عين العاصفة
وتجد الدولة التركية اليوم نفسها أمام تداعيات الحرب في سوريا التي تبدت في ثلاثة أسابيع من نهاية العام الماضي وبداية العام الجديد وجاءت متتابعة: هجوم مزدوج على استاد رياضي واغتيال دبلوماسي روسي وإطلاق نار بناد ليلي في اسطنبول.
وتعلق إيرن كاننيغهام ان هجوم الملعب الرياضي كان من تنفيذ الإنفصاليين الأكراد أما تنظيم «الدولة» فقد أكد مسؤوليته عن هجوم النادي الليلي. ولم تكن حلب غائبة عن عملية اغتيال السفير الروسي بأنقرة في 19 كانون الأول/ديسمبر 2016 وتقول إن الاضطرابات في سوريا عمقت من خطوط الصدع الاجتماعية والسياسية في تركيا وجلبت العنف إلى المدن التركية وعزلت الدولة عن حلفائها التقليديين.
فيما يقاتل الجنود الأتراك ويموتون في معارك مع تنظيم «الدولة» ووصلت العلاقات بين أنقرة وواشنطن إلى درجات متدنية. وقال أرون ستين، الزميل المقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي «أي محاولة لمعالجه النزاع السوري ستنعكس على السياسة المحلية التركية.
وأضاف أن غياب الحل السياسي للحرب «يعني أننا سنرى دوامات جديدة من العنف» مضيفاً أن «تركيا لا تملك إجابات» حول كيفية حل المشاكل المتعددة بالمنطقة أو في الداخل. وتتأثر تركيا مباشرة بالأزمة نظراً لاشتراكها بـ500 ميل مع سوريا ولأنها استقبلت حوالي 3 ملايين لاجئ سوري ودعت لإقامة مناطق آمنة لحماية المدنيين.
وكانت الحكومة التركية قد حثت في بداية الإنتفاضة الرئيس الأسد على تجنب قمع المتظاهرين السلميين، إلا أن سياسة اليد الحديدية التي تبناها النظام أدت برجب طيب أردوغان والذي كان في حينه رئيساً للوزراء لقطع العلاقات مع النظام السوري ورمى بثقله إلى جانب المعارضة. وأدى قرار أردوغان إلى حالة استقطاب داخل تركيا.
فمن ناحية دعمت القاعدة الشعبية قراره ورفضت المعارضة اليسارية القرار واعتبرته مغامرة في السياسة الخارجية من جهة أخرى وطالبوه وحزب العدالة والتنمية بالتوقف عن دعم المعارضة السورية.
ونقلت كاننغهام عن مسؤول تركي امتنع عن ذكر اسمه قوله «موقفنا من بشار الأسد واضح: ولا نعتقد بإمكانية نشوء سوريا موحدة وسلمية طالما بقي في الحكم»، والمشكلة أن الأسد لا يزال في الحكم وتركيا تحولت لمراقب، ولم تعد مقبولة بسبب دبلوماسيتها الواثقة من نفسها ودعمها للجماعات الإسلامية المتشددة ـ تهمة تنفيها أنقرة وبشدة. ويرى الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، سونير شاغباتاي «أصبحت الحرب في سوريا التحدي الأكبر للسياسة الخارجية التركية منذ الحرب الباردة». ويقول إن فشل الحكومة التركية في الإطاحة بالأسد جعلها مصدراً للكراهية من كل أطراف النزاع هناك من الأكراد إلى تنظيم الدولة ونظام الأسد».
وفي محاولة لكسر العزلة التي نتجت بسبب الحرب أظهرت أنقرة نوعاً من الليونية في الخطاب المتعلق بسوريا وعقدت شراكة مع روسيا الداعمة للأسد من أجل إعادة الحياة للمفاوضات السلمية وتأمين وقف إطلاق النار. وقال مسؤول تركي إن «تركيا وبالتعاون مع روسيا أمنت عملية الإجلاء من حلب الشرقية ووقف إطلاق النار في سوريا».
وأضاف المسؤول أن المحادثات المقرر عقدها في أستانة، عاصمة كازاخستان نهاية الشهر الحالي «تهدف لتحقيق تقدم نحو الحل السياسي في البلد» و»ستشارك تركيا في المحادثات كضامن».
وفي تصريحات نادرة من نائب رئيس الوزراء نعمان قورتولموش لصحيفة «حرييت» اليومية إن على تركيا «تصحيح أخطائها في سوريا» و»أنا واحد من الذين يعتقدون أننا ارتكبنا أخطاء في سياستنا السورية». ومع تعهد تركيا بمراجعة مواقفها من النزاع القريب منها إلا أن علاقاتها مع الولايات المتحدة تمر بمرحلة حرجة بسبب دعم الولايات المتحدة للأكراد في سوريا. وقام هؤلاء برسم منطقة نفوذ لهم في شمال سوريا بشكل أثار مخاوف أنقرة.
ولا يرى المسؤولون الأكراد أي فرق بين قوات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي عن حزب العمال الكردستاني «بي بي كي» في تركيا. ولهذا تصنف أنقرة هذه الجماعة والسورية كجماعات إرهابية. ورغم موقف واشنطن من حزب العمال إلا أنها ترى أن قوات حماية الشعب تعتبر من الجماعات الأكثر كفاءة في الحرب ضد تنظيم «الدولة».
واشتكى أردوغان في خطاب له الشهر الماضي قائلاً «نحن حلفاؤكم في حلف الناتو فكيف تدعمون منظمة إرهابية ولا تدعموننا؟». ويرى المسؤول التركي أن هناك ملامح خلاف بين البلدين تتعلق بترحيل رجل الدين التركي المتهم بالوقوف وراء الإنقلاب الفاشل العام الماضي فتح الله غولن ودعم واشنطن لمنظمة إرهابية كقوات حماية الشعب.
ويرى سليم كورو، المحلل في مؤسسة أبحاث السياسة والاقتصاد في أنقرة أن العلاقة المتوترة بين البلدين قد تجبر تركيا للبحث عن نموذج أمني إنتقالي، مشيراً إلى أن عملية درع الفرات في شمال سوريا تعتبر «حجر أساس في السياسة الخارجية التركية». ورغم النجاحات التي حققها بترسيم منطقة آمنة والسيطرة على جرابلس إلا أن القوات التركية وقفت أمام مدينة «الباب» التي تعتبر آخر معقل للتنظيم في شمال سوريا. ويقول كورو «حسبما أفهم فقد كان تنظيم «الدولة» مستعداً للدبابات التركية أكثر مما توقعه المخططون في أنقرة».
خيارات أوباما
وفي الأيام الأخيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما تبدو مسألة دعم الأكراد من المسائل التي تفرض نفسها فيما تبقى له من أيام في الحكم. فهل يمضي قدماً ببناء تحالف قوي وتسليح جماعات تعتبرها تركيا إرهابية أم يترك القرار للرئيس المنتخب دونالد ترامب. وترى صحيفة «نيويورك تايمز» بهذا الشأن أن المضي والتأخير مرتبط بالتحضيرات للهجوم على معقل تنظيم «الدولة» في الرقة.
وقالت الصحيفة إن أوباما عقد يوم الثلاثاء اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، لمناقشة القضية، وهي الأهم في حملة أمريكا ضد تنظيم «الدولة». ولم يكشف المسؤولون الذين حضروا اللقاء عما جرى فيه ولكنهم اتفقوا على أن الرئيس لن يتمكن من حل هذه القضية في اللحظات الأخيرة من حكمه.
وتعلق الصحيفة قائلة إن ترك قرار محوري كهذا للأسابيع الأخيرة من حكمه يعكس جدلية العمل مع وحدات حماية الشعب وكذا حذر أوباما من إرسال جنود أمريكيين للعمل في المنطقة. وكان الرئيس المنتهية ولايته قد وعد بتدمير وإضعاف التنظيم في معقليه ـ الرقة والموصل، قبل خروجه من البيت الأبيض.
وعلى ما يبدو لن يتحقق هذا الوعد. فرغم زيادة الغارات الجوية التي شنها التحالف ضد الرقة في الأسابيع الأخيرة ومحاصرة آلاف المقاتلين الأكراد والعرب للمدينة وإرسال أوباما الشهر الماضي 200 عسكري من قوات العمليات الخاصة إلى سوريا لمساعدة المقاتلين المحليين الزاحفين على الرقة إلا أن الجيش الأمريكي يعتقد بأنه ليس بالإمكان السيطرة على الرقة ما لم يتم تزويد وحدات حماية الشعب بالمعدات اللازمة لحرب المدن. مما يعني ترك القرار لترامب. وليس واضحاً مستوى الدعم الذي سيبقي عليه الرئيس القادم لهذه المجموعات وفي ضوء معارضة تركيا.
وكان وزير الدفاع أشتون كارتر قد أكد على أهمية الرقة خلال زيارة لفورت كامبل في كنتاكي في كانون الثاني/يناير 2016 حيث قال: «الورم الأصلي لداعش له مركزان: الرقة في سوريا والموصل في العراق.. ولذلك فإن خطة حملتنا تحتوي على سهمين كبيرين أحدهما يشير إلى الموصل والآخر يشير إلى الرقة».
ويرى مسؤولون أمريكيون أهمية استعادة الرقة لأنها عاصمة تنظيم «الدولة» وتشكل ملاذاً لكبار قيادييها ومركز تخطيط لهجمات ضد الغرب.
وحث البنتاغون، الذي ترى قياداته بأن الأكراد يشكلون أهم حليف فعال على الأرض أوباما تزويدهم بعربات مصفحة ومدافع أر بي جي ومدافع رشاشة وغيرها من المعدات الثقيلة حتى ينطلق الهجوم الذي تدعمه أمريكا في شهر شباط/فبراير.
وهناك حاجة لهذه الأسلحة في ضوء حملة القوات العراقية على الموصل والتي أثبتت أن استعادة مدينة يحتلها تنظيم «الدولة» المسلح بسيارات الانتحاريين عملية صعبة ودموية.
وتشير الصحيفة إلى أن خطوة كهذه ستفاقم من التوتر مع تركيا. ولهذا بحثت الإدارة عن طرق للتخفيف من قلق أنقرة مثل القيام بترتيبات لمراقبة الأسلحة التي تعطى للأكراد السوريين لأجل هجوم الرقة فقط ومنع استخدامها في أماكن أخرى. وبالإضافة إلى ذلك يمكن للقوات العربية أن تبقى في الرقة بعد استعادتها بينما تنسحب القوات الكردية.
وحذر دبلوماسيون في أنقرة من ردة فعل تركية لو تم تسليح قوات حماية الشعب. فخطوة كهذه لن تتسبب فقط بإحداث هوة مع أردوغان بل وقد يقوم الأتراك بعمل عسكري ضد وحدات حماية الشعب تقوض الهجوم على الرقة.
ولأن الاتراك توقعوا قرارًا من أوباما، قاموا بالضغط وبهدوء من خلال تأخير المصادقة على المهمات الجوية الأمريكية التي تنطلق من قاعدة انجيرليك وكذلك الإمدادات الداخلة والخارجة من القاعدة.