«الخيارات الصعبة التي اتخذها الرئيس أوباما (بخصوص سوريا) ثبت فيما بعد أنها خيارات صحيحة، لكن هذا لا يعني أننا ننام ليلنا بشكل أفضل ونحن نعرف أن التكلفة البشرية لذلك الصراع تكلفة غير اعتيادية»… هذا ما قالته سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي في مقابلة مع قناة «أم أس أن بي سي» الأمريكية ولعلها المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أمريكي ولو تلميحا إلى المسألة الأخلاقية في التعامل الأمريكي مع مأساة سوريا إلى درجة التطرق إلى راحة الضمير من عدمه وهو يؤوي إلى فراشه ويضع رأسه على المخدة.
ليس من عادة المسؤولين الأمريكيين، حتى وهم يغادرون مناصبهم، الخوض في قضايا سياسية شائكة بلغة الضمير الإنساني وتأرجحه بين السكينة والتأنيب، لكن ذلك لم يحل بين رايس وأن تقول وبلغة، لا عواطف فيها هذه المرة، إن «الخيار الصحيح كان عدم توريط الولايات المتحدة بشكل عسكري مباشر في الحرب الأهلية بين الأسد والمعارضة» مقرة بأن هناك من اعترض على هذه السياسة بناء على تجارب سابقة لكنها تعتقد مع ذلك بأن «ما قمنا به كان الخيار الصائب لكنه لا يخفف ما نشعر به من إحباط كبير تجاه كل تلك الخسائر الكبيرة في الأرواح».
باختصار شديد، واشنطن محرجة من هذه التكلفة الإنسانية لمأساة سوريا ولكنها تعتقد أن الأولى في الاهتمام والممارسة هو صيانة أرواح جنودها قبل أرواح السوريين أو غيرهم. يمكن الخوض طويلا في وجاهة وأخلاقية هذا النوع من القناعة التي حكمت وضبطت إيقاع سياسة أوباما في سوريا التي قادها جون كيري الذي بدا في تحركاته واتصالاته مع الروس ضعيفا ومهزوزا إلى أبعد الحـــــدود.
حين كانت رايس تدلي بكلامها هذا كان جون كيري يتحدث إلى قناة أمريكية أخرى. لم يكن في كل كلامه في برنامج «أمنبور» على شاشة «سي أن أن» أية حسرة أو قرصة ضمير، ولو خفيفة، بخصوص الملف السوري. أكثر من ذلك، هو لم ينظر إلى هذه المسألة إلا عرضا وفي سياق الحديث عن مجالات التعاون بين بلاده وروسيا التي «لم تكن سيئة وإن كانت تشوبها بعض المشاكل التي افتعلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثل الأزمات التي شهدناها في القرم وسوريا».
وحتى في هذه الإشارة العابرة إلى سوريا لم يضع كيري إصبعه على كارثة مئات آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء بل اكتفى بتناول الأمر من زاوية ما حققه من مكاسب في تعاونه مع روسيا التي «كانت داعمة وطرفا في الاتفاق النووي الإيراني، كما أنها كانت مع إخراج الأسلحة الكيمياوية من سوريا، وقد جلست مع نظيري سيرغي لافروف من أجل إخراج هذه الأسلحة، وتعاونا أيضا في الأمور الإنسانية في سوريا، كما كان لنا تعاون على صعيد البيئة في مؤتمر باريس».
هنا كيري لم يكتف بعدم تناول عجزه عن فعل أي شيء لإيقاف مسلسل القتل الأهوج في سوريا ، كقوة عظمى أولى في العالم، مكتفيا بسرد ما فعله بالتنسيق مع لافروف في بعض القضايا الإنسانية، وقد كانت متعثرة وبائسة هي الأخرى، لم يكتف بذلك فقط بل إنه أيضا أحجم عن الإشارة إلى ما فعلته روسيا في سوريا ولو من باب العتاب العابر والخفيف!! لا هو راجع سياسات بلده ولا حتى انتقد سياسات روسيا. روسيا التي لم تحجم عن التدخل العسكري، كما فعلت الولايات المتحدة، بل أقدمت على تدخل خشن لإنقاذ نظام متهالك هبت لنجدته أيضا إيران وكل الميليشيات الطائفية من كل أصقاع العالم بدعوى محاربة الإرهاب والتنظيمات التكفيرية. بعض الحق أريد به تبرير كل الباطل…
وقبل رايس وكيري وبعدهما، ترى ما الذي يمكن أن يقر به الرئيس أوباما نفسه بخصوص سياساته تجاه سوريا طوال هذه السنوات سواء في هذه الأيام القليلة المتبقية من حكمه أو حتى بعد أن يترك لنا خليفته الكارثة. بإمكان أي سياسي أو مراقب أن يتفهم هذه السياسة ويجد لها الأعذار على أساس أن واشنطن استخلصت الدرس جيدا من درس العراق ولا تريد أن تقع في مستنقع آخر فهي في النهاية مسؤولة أولا وقبل كل شيء عن أرواح مواطنيها قبل أية أرواح أخرى. المشكلة هنا، أنه حتى لو وافقنا هذا المنطق فإن إدارة أوباما أظهرت فشلا ذريعا حتى في مجرد اتصالاتها السياسية لإيقاف القتال في سوريا أو الحد منه أو تأمين دخول المساعدات الإنسانية أو السعي الجاد للتوصل إلى تسوية سياسية سواء كانت عبر صيغة جينيف أو من خلال ما تعده الآن موسكو وأنقرة. إنه الفشل الذريع فعلا… يغادر أوباما وبشار الأسد باق.
٭ كاتب وإعلامي تونسي
محمد كريشان
” باختصار شديد، واشنطن محرجة من هذه التكلفة الإنسانية لمأساة سوريا ولكنها تعتقد أن الأولى في الاهتمام والممارسة هو صيانة أرواح جنودها قبل أرواح السوريين أو غيرهم. ” إهـ
أمريكا لا تريد خسارة جنودها بسوريا – فهمنا
ولكن من أراد من الثوار السوريين أن تدخل أمريكا بجنودها سوريا ؟ لا أحد
والسؤال هو : لماذا لم يسمح الأمريكان للآخرين بتسليح الثوار ؟ أليس هذا دليلاً على حقدهم على السُنة ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
أفشل اداره امريكيه فينا يتعلق بالسياسة الخارجيه هي اداره أوباما وفيما يتعلق بالقضية السوريه فإن المجتمع الدولي تخلى عن ضميره تماما وانخرط في مسلسل الدم ولم ينصف الثوره السوريه التي أرادت لها الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية أن تحولها إلى حرب اهليه المحافظه على نظام المجرم بشار الأسد لذا اخترعوا قصه داعش الإرهابية التي كان وجودها لصالح النظام الإجرامي في سوريا
ولماذا تسميه فشلا أستاذ محمد؟ لماذا لا يكون هذا ما أرادته أمريكا حربا بالنيابة لا تخسر فيها شيئا.
عزيزي محمد
أشكر اهتمامك الكبير بالمأساة السورية، ولومك على ادارة أوباما في محله تماما، والواقع اللوم الكبير على الادارة الكبيرة ليس لأنها لم تتدخل في سوريا عسكريا، لأن سياسة أوباما كانت منذ البداية ترفض التدخلات العسكرية ( ما عدا الخفيفة منها ) كمساعدة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا، لكن في واقع الأمر هي كانت تريد أن يتوحل الجيش الروسي في وحول المستنقع السوري من جهة، ومد الحبل للفرس ليكونوا أسياد المنطقة مع الاتفاق معهم بعدم المساس بإسرائيل وهذا ما يفسر أنقلاب حزب الله من حزب مقاوم إلى حزب عميل، لا يرد على كل الاستفزازات الاسرائيلية رغم كل عملياتها التي صفت فيها عدة قادة لحزب الله من قنطار وبدر الدين ومغنية وما أدراك ما مغنية. وكانت المقاومة السورية أثبتت أنها بغير حاجة للتدخل الأمريكي والدليل على ذلك اعتراف لافروف بعظمة لسانه البارحة أنه لولا التدخل الروسي لسقطت دمشق. وهنا يكمن الخطأ الاستراتيجي الأمريكي الكبير أن روسيا عرفت بمساعدة حليفها الجديد تركيا كيف تضرب الفصائل المعارضة في حلب في وسط الصمت الدولي والعربي، وكيف تجرها أيضا إلى آستانا، لقد باتت سوريا كفريسة بين الأسد والدب والضبع وبعض الذئاب والثعالب، وبنات آوى
الأمريكان استعملوا الدكاء هذه المرة عوض العضلات, فخاخ كثيرة ربما رأوها قد نصبت لتوريطهم في مستنقع قد لا يخرجوا منه ناجين. كم من الوقت إنتظر الروس إلى أن ينفذ صبرهم وتبين أن لا أمل في الإنتظار بعدها رموا بقواهم وربما حسموا الوضع. أوباما الحامل لجائزة نوبل للسلام لايمكنه إفساده قيمتها بفيديوهات مجازر وقنابل تمزقت أطفال سوريا أشلاء, لكنهم سيعودون مستقبلا بدون شك عندما تتصافى الأمور وترجع المياه لمجاريها.