هناك تفاصيل يومية تدفعنا، رغما عنا، إلى توثيق حدوث تقارب في اساليب الحكم ما بين الانظمة في اسرائيل والعراق وسوريا، ليس على صعيد توقيع الاتفاقيات أو اللقاءات السرية والعلنية بين المسؤولين، فكثير من الحكومات العربية والإسلامية الأخرى، غارق في مستنقع الاتفاقيات، منذ زمن، إلى حد بات فيه اللقاء السري علنيا عن عمد.
يكمن التقارب في تفاصيل الممارسات اليومية ضد الشعوب، خاصة، فيما يتعلق بالاعتقالات والتعذيب والعقاب الجماعي. وهي ممارسات لاتزال تفاجئنا كما يفاجئنا مجيء البرابرة على الرغم من توقعهم، أو توقع الموت على الرغم من انتظاره.
بين الممارسات المتشابهة، بناء الجدران والحواجز الكونكريتية واقامة نقاط التفتيش. ذرائع الاحتلال في العراق واسرائيل تتكرر مثل اسطوانة مشروخة. بحجة توفير الأمن أو حمايته، أو منعهم من الاقتتال فيما بينهم، والقضاء على «الإرهاب». حتى يكاد من ينظر إلى صور النساء والاطفال وهم يحاولون عبور الحواجز وصعوبة التنقل بينها، يجد نفسه متسائلا عما إذا كانت الصور للاراضي المحتلة او بغداد؟
أما سياسة اسرائيل في هدم منازل الفلسطينيين، فقد وجدت من ينادي بتطبيقها في محافظة بابل، الواقعة جنوب بغداد. ففي 26 تموز/ يوليو، أصدر مجلس المحافظة قرارا يقضي بهدم منازل ذوي «الإرهابيين». برر رئيس مجلس المحافظة القرار بأنه «للضغط على العوائل التي تشارك في دعم أو تتستر على العناصر الإرهابية، خصوصا وأن معلومات استخبارية تؤكد استغلال العوائل والأطفال في نقل العبوات والسيارات المفخخة». مؤكدا أن تنفيذ القرار واقامة ساحة عامة للاعدامات «سيكون رادعا للشباب». هذا هو تبرير النظام العراقي، فما هو تبرير الكيان الصهيوني ؟
ينفذ الكيان الصهيوني «عمليات الهدم العقابية للمنازل العائدة لعائلات الفلسطينيين الذين يعرف أو يشتبه في أنهم شاركوا في عمليات انتحارية وغيرها من الهجمات.. وتؤكد السلطات الإسرائيلية أنه يتم تدمير هذه المنازل «كرادع»، من أجل ثني الفلسطينيين الآخرين عن شن هجمات ضد الإسرائيليين»، حسب المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان لمنظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الرغم من عدم وجود تشابه بين العمليات الفلسطينية المستهدفة للاحتلال الاسرائيلي وما يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية والمليشيات ( كل هذه التنظيمات تستهدف المدنيين) بالعراق، إلا ان عمليات الهدم مهما كانت الادعاءات، غالباً، تجري كرد انتقامي وكشكل من أشكال العقاب الجماعي لسكان منطقة معينة، بالاضافة إلى محاولة الاستيلاء على الاراضي لتسريع عملية التغيير الديموغرافي.
واذا كانت اسرائيل تجد ان «ديمقراطيتها»، التي تدعي بانها الوحيدة في الشرق الاوسط، تمنحها الحق في محاصرة وقصف وقتل الفلسطينيين، متى ما شاءت، اينما وجدوا، غزة نموذجا لعقاب الاحتلال الجماعي، فإن النظامين السوري والعراقي ينافسانها في حصار وقصف وقتل السكان بالبراميل المتفجرة. حيث يتجاوز أعداد الضحايا والمصابين والنازحين والمهجرين والمنازل والمساجد المدمرة، من قبل الأنظمة الثلاثة، قدرة العقل على التفكير، فتصبح الارقام وتكرارها شهرا فشهرا وسنة بعد أخرى، مجرد احصائيات بلا روح، تجرد الانسان من انسانيته. وهذا هو ما تتوخاه او تعول عليه، أنظمة الاحتلال والقمع، على حد سواء، لتضعف مقاومة المواطن وتحكم هيمنتها عليه.
وجه التقارب الآخر، يبينه تقرير اصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش»، في 28 يوليو/ تموز، بعنوان «إجراءات قصوى: انتهاكات ضد الأطفال المحتجزين بتهمة تهديد الأمن القومي»، كشفت فيه عن حقيقة مخيفة توحد انظمة الحكم في سوريا والعراق واسرائيل من بين دول اخرى، وهي اعتقال الأطفال وتعذيبهم، حيث «زادت تشريعات مكافحة الإرهاب الفضفاضة والغامضة»، حسب التقرير، من احتجاز الأطفال الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديد للأمن. ففي سوريا هناك ما لايقل عن 1433 طفلا محتجزا أطلق سراح 436 منهم فقط. ويبلغ عدد الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي 440 طفلا حتى نهاية شباط/ فبراير 2016. وأعتقل في العراق، عام 2015 فقط، 314 طفلا، من بينهم 58 فتاة اتهموا، أو أدينوا بتهم متعلقة بالإرهاب.
يوثق التقرير «حالات اعتقال نساء واطفال كرهائن.. ويتعرض بعضهم للضرب المبرح والتعذيب بالسجائر المشتعلة، والصدمات الكهربائية، لإجبارهم على الاعتراف». وجدت الأبحاث الميدانية التي أجرتها المنظمة انه «يُقبض على الكثير من الأطفال الآخرين في حملات واسعة النطاق، أو بناء على أدلة واهية، أو شبهات لا أساس لها، أو لنشاط إرهابي مزعوم لأفراد في عائلاتهم. اعتقل بعض الأطفال، منهم رُضع، أثناء القبض على أمهاتهم للاشتباه في ارتكابهن جرائم أمنية… قال أطفال كانوا محتجزين إنهم تعرضوا للضرب والاغتصاب والصدمات الكهربائية، وأجبروا على البقاء في أوضاع مؤلمة لفترات طويلة، وجُرّدوا من ملابسهم، وهُددوا بالإعدام». في سوريا، يقُتل الأطفال رهن الاعتقال بسبب انعدام الرعاية الطبية والجوع والتعذيب. في العراق، اعتقلت قوات الأمن أطفالا وفتيات، وعذبتهم لانتزاع معلومات منهم عن ضلوع أفراد من عائلاتهم في أعمال إرهابية. ويدين الكيان الصهيوني حوالي 500 طفل سنويا، بعد تعريضهم للتعذيب بانواعه بتهمة رمي الحجارة، وتم تغيير القوانين، مؤخرا، لتمديد فترة الحكم والاحتجاز إلى اجل غير محدد.
لا شك أن الدول ذات الطبيعة المتقاربة، تتبادل خبرات الحكم، سواء منها الادارية أم العسكرية والقمعية. ان وضع النظامين العراقي ( وهوالأسهل فهما كونه تشكل بقوة الإحتلال ودرب من قبل ذات الجهات التي مارست فظائع أبو غريب) والسوري مع نظام الاحتلال الاستيطاني العنصري الاسرائيلي، في سلة واحدة، أمر يشق على النفس حتى مع تزايد قائمة التشابه في ممارساتها الوحشية. ولكن، بلغ السيل الزبى، مما يجبرنا على توثيق الحقيقة، والمطالبة بوضع حد لامتهان كرامة الانسان وحياته، كقيمة عليا تسمو على الادعاءات، مهما كان تعليبها براقا. وليثبت لنا دعاة «حماية الأمن و «الردع» بأن اعتقال وتعذيب الأطفال سيردعهم، فعلا، عن المشاركة في أعمال عنف في المستقبل.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة
الطائفية هي التشابه الأكثر شبهاً بين النظام العراقي والنظام السوري والنظام الصهيوني ! والتشابه الآخر هو أن ضحاياهم من السنة !
ولا حول ولا قوة الا بالله
حصر ومقارنة رائعة يا هيفاء زنكنة، ولكن أظن نسيت إضافة موضوع حظر الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح في الكيان الصهيوني لا يختلف عن حظر هيئة علماء المسلمين في العراق، وكذلك نسيت مصر، فما يحصل مع أهل سيناء بالذات واضح تماما مقارنة ببقية ما يحدث في مصر بعد انقلاب 3/7/2013، فما بين دجلة والنيل نزل الوحي باليهودية والمسيحية والإسلام، فإن لم يكن هذا معنى للتعدّد، فهل تسجيل تعدّد الزوجات يكفي كدليل عملي على ذلك؟ فما قمت به من مقارنة وتدوين هو المفهوم العملي لثقافة الـ نحن التي تشمل تعايش وتكامل ثقافة الـ أنا (الرجل) مع ثقافة الـ آخر (المرأة) هو ما يجب أن يقوم عليها بنيان أي دولة، فلولا التدوين لما كانت هناك حضارة وادي الرافدين أو حضارة وادي النيل، فتدوين أول لغة (اللغة المسمارية) وتدوين أول قانون (مسلّة حمورابي) وحتى تدوين لغة القرآن بكل قراءات ألسنة العرب، قام علماء اللغة في اختراع طريقة عبقرية لتدوينها وفق مبدأ كما تُنطق تُكتب، كما نلاحظها في النسخ التي تطبعها السعودية في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تم ذلك في بلاد وادي الرافدين والتي تشمل حاليا العراق وسوريا وتركيا، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك اختلاف ما بين أهل وادي الرافدين عن أهل وادي النيل، خصوصا وأن كورش بعد تحرير اليهود من السبي البابلي، قام بنقل عاصمته إلى وادي الرافدين، تماما كما فعل الاسكندر المقدوني، تماما كما فعل علي بن أبي طالب وابنه من بعده الحسين، والذي سبحان الله له قبران واحد في وادي الرافدين والآخر في وادي النيل، أنا لاحظت الفرق ينحصر ما بين لغة حكمة الحشمة للبدو، وما فكر فلسفة الفرعنة للحضر.
فالسؤال المنطقي والموضوعي هو لماذا لم تنهار وتفكك الدولة في العراق والجزائر عام 1991 برغم كل الضغط الذي حصل من سقوط 14 محافظة في العراق بيد الغوغاء، بينما انهار وتفك الاتحاد السوفيتي والصومال عام 1991-1992، بل من وجهة نظري أهم اعجاز للمواطن والموظف والدولة في العراق كان عملية إعادة اعمار كل ما تم تدميره حسب وصف وزير خارجية أمريكا من أنها عملت على إرجاع العراق إلى العصر الحجري، واستطاع المواطن والموظف والدولة الرجوع إلى القرن العشرين خلال 18 شهر بل أن الكهرباء وصلت بغداد قبل مدينة الكويت رغم الحصار الظالم كما هو حال حصار غزة في عام 2016، النظام البيروقراطي لدولة الحداثة للأمم المتحدة يحتاج إلى نقد وإصلاح كامل
العامل المشترك بين هذه النظم هو (الظلم ) و متى حل الظلم في بلد يبتكر الحاكم الظالم وسيلة لاسكات المظلوم…..و لكن الظلم مرتعه وخيم.
شكرا للاستاذة المبدعة هيفاء على هذا المقال الرائع.
اوجه الشبه بينهم متطابقة…
أشكرك سيدتي على توثيقك الحي لمآسي الإنسان في مشرقنا العربي…
وأشكرك على قلمك السياسي والإنساني السامق…
انت قدوة لنا سيدتي….
ما أشار اليه الكروي هو الصحيح. النظام السورلاي , العارقي والاسائيلي هي انظمه طائفيه. اسرئيل تتباهى بانها الديمقراطيه الوحيده ولكن هذا غير صحيح.
إسرائيل تبرر ديمقراطيها العرجاء تجاه الاقليه الفلسطينيه داخلها والتي تمارس ضدها التميز العنصري بان ذلك نوع من الديمقراطيه الاثنيه التي تعطي فئه معينه افضليات على الفئات الأخرى بدعوى ان الدوله لقيمت خصيصا لهذه الفئه.
اليوم الوضع في العراق مشابه جدا لما في الكيان الصهيوني. بفضل الدستور الجديد فان الشيعه تتمتع بامتيازات على باقي مركبات المجتمع,
اذا أصبحت لدينا الان ديمقراطيتنا متشابهتان في الشرق الأوسط. العراق الجديد واسائيل وسوريا على الطريق.
تناقشوا و تكلموا في الماضي ومجدوه وانتقدوه سلبيا وإيجابيا فلو حصل هذا لكان ذاك والزمن يجـرنا الى الهوة والنهاية المخططة لنا . حسبي أقرأ لمن يخطط ويعمل للحل وينظر لمستقبل أفضل لهذه الأمة التي تتغنى بماضيها ولا حتى تحلم بمستقبلها ودمتـم . . . مساء الخير
لا زلت أذكر تلك الصورة العائلية الرائعة التي جمعت العراقيين سنة و شيعة في صلوات جمعة موحدة ، كانت ردا على محاولات
تسميم الأجواء بينهما .. غير أن قوى الشر أبت إلا أن تكسر العراق و وحدته ، و ما تكلفت إلا ألسنة أذناب ليعلنوها حربا
طائفية .. و ما هي بطائفية ، فالحقيقة أن تلك الأذناب و بعد توظفها للمحتل لم تعد تذكر شيئا من الدين ، صار المعبود السلطة
و الثروة و ضامنهما .. و لن يتعافى العراق من كربته إلا بإستحياء تلك الصورة من جديد .. و لا أستغرب أن يستمر الوكيل في
إثبات إستحقاقه للوكالة و إن كان على حساب الوطن و أرواح أبنائه .
تحياتي لك أستاذة هيفاء و تقديري.