أوراق رسمية

كتب عمرو عزت في شهر أغسطس/آب الماضي مقالا بعنوان «ثغرة تونس والمحتجزون داخل الإسلام»» يطرح فيه سؤالين غاية في الأهمية. يقول عزت:
سؤال: التغيير القانوني الذي دعا له الرئيس التونسي، والذي يلغي حظر زواج التونسية المسلمة من أجنبي غير مسلم إلا بعد إشهار إسلامه، والذي يندد به الكثير من المسلمين والمؤسسات الدينية وعلماء الدين لأنه غير موافق لتعاليم الشريعة، هل سيجبر أي مسلم أو مسلمة على فعل شيء مخالف لما يعتقدون أنه الإسلام الصحيح؟
الإجابة هي: بالطبع لا.
سؤال آخر: ما هو أثر ذلك التغيير القانوني المتوقع؟
الإجابة: هي أن التونسيات اللاتي يرغبن في مخالفة تعاليم الإسلام، كما تراه غالبية المسلمين، ستكون لهن الحرية في ذلك، ولن يعدن مكرهات على الالتزام بهذه التعاليم أو على الكذب والتحايل للالتفاف عليها.
من هنا يستنتج الكاتب أن أهم مخرجات الجدل الدائر هو «تعبيره عن تشبث عنيف بالإكراه والكذب الذي يعيش في ظله معظم المسلمين المعاصرين وحكوماتهم ومؤسساتهم الدينية.» الوضع السائد في دولنا العربية الإسلامية تحديدا،ً هو أن كل إنسان يولد لأبوين مسلمين، يسجل على أنه مسلم في شهادة الميلاد، وهذا التسجيل المصيري الذي ينحت قدر صاحبه بلا إرادة منه منذ لحظة ولادته يبقى ملازماً له مدى حياته دون أي فرصة حقيقية لتغيير الديانة في الأوراق أو المعاملات الحكومية، حيث يصبح الفرد عرضة لحد الردة عن دين لم يختره هو أصلاً بإرادته. حالة سيريالية غريبة لمحاكمة إنسان على إختيار هو ليس بإختياره وعلى إرادة هي ليست بإرادته وعلى تركه لحالة إيمانية روحانية هو لا يستشعرها.
النتيجة هي أننا نعيش جميعاً في دولنا العربية الإسلامية تحديداً في حالة نفاق مستمر، المعظم فيها يمثل والبقية تعلم أن المعظم يمثل، حيث لا وجود حقيقي للاختيار والذي لا يتجلى الا في حال توافر أكثر من «مختار» ولا يتحقق فعلياً إلا بتحقق الأمن وضمان السلامة في حال اختيار الفرد لأي من هذه «المختارات.» يشير عمرو عزت الى أن المجموعات الجهادية كداعش مثلاً هم «أكثر نزاهة ولا يريدون الحياة في ظل الكذب والتجاهل أو إكراه الآخرين على الحياة داخل الإسلام وهم لا يرتضونه، ولكنهم يدعمون قتل وقتال هؤلاء «الكفار» الخارجين عن الإسلام. هو في النهاية موقف بشع لكنه يظل أكثر صدقا ونزاهة من إنكار وجودهم أو تجاهله».
وعليه، فإن الحقيقة هي أننا لا نعرف فعلياً العدد الحقيقي للمسلمين في العالم، فهذا الإنتماء يُفرض قسراً على الأطفال منذ لحظة ولادتهم دون توفير أي خط رجعة أو فرصة اختيار حقيقية لهم حين بلوغهم السن القانونية. هذا بخلاف نقطة أن تثبيت ديانة لطفل أو حتى لبالغ في أوراقه الرسمية هي نقطة استشكالية ذات أبعاد تمييزية لربما تستحق نقاشاً َمنفرداً بحد ذاتها. لذا، فإن الحديث عن دول إسلامية ذات أغلبية مسلمة تختار الحياة المحافظة أو تختار تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو الاختيار الذي طالما يتحدث عنه ويتفاخر به الإسلاميون، هو غير حقيقي فعلياً، فالأغلبية المسلمة هي كذلك على الورق فقط، حيث لا مجال للتراجع عن المثبت في الأوراق الرسمية، كما وأن الأصوات المطالبة بدولة الشريعة الإسلامية أو المتجنبة لرفض هذه المطالبة هي ليس كلها أصوات حرة الإرادة، فالبعض ولربما الكثير من هذه الأصوات إما مقسرة على هذه المطالبة لتحقيق الانتماء ولضمان السلامة أو لتحقيق مصلحة ما أو هي صامتة تجاهها لأن أي مقاومة لهذه المطالبة تضع المتحدث ضدها في خانة مخيفة ولربما مهددة لأمنه وسلامته هو وعائلته.
لن يكون هناك مجتمع مسلم حقيقي وصادق الا حين تتوافر حرية الاختيار الخالصة المصحوبة بالأمن الخالص والمنعزلة عن كل وأي عقوبة أو عاقبة لهذا الاختيار، والسؤال هو: إلى أن يتحقق ذلك كيف لنا أن نصدق بعضنا بعضا في أي وكل شيء نقوله أو نفعله؟

أوراق رسمية

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ سيف كرار ،السودان
    تبريرك ليس في محله فكثير من المسلمين في بلداننا الغير ملتزمين دينيا(شاربي الخمروغيرها) متزوجين من مسلمات ملتزمات وتقوم زوجاتهم بخدمتهم من جميع النواحي

  2. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    أختي ابتهال, برأيي موضوع إنتماء الفرد لمجتمع أو فئة إحتماعية مسأله لاتخص الاسلام والمسلمين فقط, إنها مسألة عامة. بالنسبة لحرية اختيار الدين أو الزواج, هي حزء من الحريات العامة, وهنا الأساس. وهذا أيضا كان واضحاً في المقال (… يندد به الكثير المؤسسات الدينية وعلماء الدين لأنه غير موافق لتعاليم الشريعة). أما النفاق في المحتمع فيعود إلى سنوات طويلة من التخلف والجهل والاستعمار وتبعها الأنظمة الاسبدادية القمعية (وداعش أحد ثمارها وليست طرف بحد ذاتها!), أي بالدرجة الأولى إلى انعدام الحريات. ومن هنا أتسائل في الحقيقة, هل هذا الجدال حول أو من أجل الحريات أم لأسباب أخرى, وهل هو جدال سليم عندما يدار بهذه الطريقة.

  3. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    الاخ قسطنطين زيدان اثار انتباهي الى سورة فصلت بالآية التي ادرج في تعليقه. في بداية السورة، الآية التالثة هناك
    ضبط للمصطلحات لما سيتبع في السورة “كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)” هنا نفهم ان الكتاب له اشياء من بينها
    آيات، و هذه الآيات فصلت قرآنا عربيا. و ان كان الكتاب لا يحتوي على شيئ آخر، فكلمة آياته ستكون مجرد حشو.
    .
    ثانيا، هنا يتكلم الله تعالى على آيات تخص الكتاب، لان في ما يلي من السورة، تكلم الله على آياته مباشرة و ليس آيات
    الكتاب، فنجد في الآيات التالية بعض امثلة من آيات الله:
    “وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ 37”
    “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 39”
    .
    هنا نرى انه هناك فرق في معنى آية، على الاقل هناك آية الكتاب التي فصلت قرآنا عربيا و آية الله تعالى مثل الامثلة اعلاه.
    .
    و بين قوسين، ساستطرد هنا بالقول بان الكتاب له آيات فصلت قرآنا عربيا، يعني آن القرآن ليس هو الكتاب كاملا.
    .
    و اعود الى الموضوع، و الآية التي استدل بها الاخ قسطنطين، “إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)” و نلاحظ انها تلت تعريف آيات الله في الكون، و من يلحد فيها. و لا تهم الشعائر و لا الشريعة.
    .
    و السؤال هنا هو، هل من ورث الاسلام بدون تفاعل عقلي معه يمكن ان ان نعتبره مؤمنا بآيات الله، او من شكك ثم اقتنع؟
    .
    هل من يغرد مع السرب تشمله الآية الكريمة ام لا، بما انه لم يشك حتى يؤمن و لم يؤمن حتى يلحد؟ مجرد كومبارس …
    .
    اظن ان قرائة المقال من هذه الزاوية ستكون جامعة و ليست مفرقة للآراء.

  4. يقول رؤوف بدران-فلسطين:

    العَقِيدَةُ : هو الحُكْمُ الذي لا يُقْبَلُ الشكُّ فيه لدى معتقِدِه !! والعقيدة ليست من المسلمات التي يجب على المعتقِد التسليم بمصداقيتها ؟!! لان الشك يودي الى اليقين وكما اشار الى ذلك الامام الغزالي في كتابه ميزان العمل “الشكوك هى الموصلة إلى الحق فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقى فى العمى والضلالة”
    المسلم يُمنع عن ترك المعتقد ويُبعَد عن التشكيك بالعقيدة التي تربى عليها وتعلمها كنهج مستقيم من اهله !! كيف لهذا المخلوق ان يكون لعقله القدرة في الاختيار؟! اليس من حق الانسان الحر ان يختار ما يشاء ؟؟ وهنا لا بد من الاستعانة ب ايمانويل كانت حيث قال ( لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد (كما يؤمن هو ويعتقد أن هذا هو الأفضل لي وللآخرين) لأصبح فرحا وسعيدا. كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحة بطريقته التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم. شرط أن لاينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته.
    زواج المسلم من غير مسلمة , او المسلمة من غير مسلم هو نهجٌ قابل للرفض والقبول بحسب رغبة ومقدار قبوله عند فرد دون الآخر !!! شيئا واحد ونهجٌ وحيد على البشر اتباعه وعدم التفريط به هو زواج الانسان من انسانة والانسانة من انسان !! القائم على المحبة وليس على على الانتماء الديني او العرقي او الشرعي والسلام.

  5. يقول محمد:

    الأخ سلام عادل، يقول الحق وتبارك وتعالى” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا” صدق الله العظيم.
    سؤالك : هل يستطيع المسلم أن يغير دينه؟ يجب أن تصوغه على النحو التالي : متى يستطيع المسلم أن يعيش آمنا في ظل السلطات الإجرامية التابعة للغرب واليهود؟
    مع تحياتي لك.

  6. يقول خليل ابورزق:

    مرة أخرى تضيع الجهود و الافكار على الهمز و اللمز بالدين بدون داع و بدون نتيجة.
    الصلاة هي اهم اركان الاسلام. فهل وجدت احدا يجبر احدا على الصلاة مثلا؟؟
    اين المشكلة؟؟ ما ذا يقدم هذا الكلام او يؤخر؟ هل هناك مضهدون دينيا يرجون الخلاص؟ هل تغير القوانين من معتقدات الناس؟؟ ما بال المسلمون الذين يعيشون في اوروبا او امريكا او الهند؟؟
    حبذا لو تم التركيز على اسباب تخلفنا الحقيقية

    1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      هنا القصة أخي خليل ابورزق ياحبذا لو الجدل يدور حول الأسباب الحقيقية لكل مانعانية من مآسي!

  7. يقول سلام عادل(المانيا):

    لا يوجد شيء اسمه الفطرة فكل انسان حسب المكان والزمان الذي يعيش فيه يكتسب معتقداته ويوجد كثير من الناس مؤمنين بوجود خالق لهذا الكون بحسب ما توصل اليه تفكيرهم وقناعاتهم ولكنهم ولكنهم لايؤمنون بالاسلام او المسيحية او اليهودية

  8. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ رياض- المانيا
    كررت نفس الامر فالموضوع المطروح في المقال والتعليقات والردود كذلك بعيدة عن الموضوع نحن نتكلم عن حرية اختيار الانسان لمعتقده وهذا الامر ليس موجود في بلداننا

    1. يقول رياض- المانيا:

      بل هي في صلب الموضوع.

  9. يقول السید اللندهور الافغانی.:

    رغم اننی لست عربیا الا اننی من القراء الدائمین للقدس العربی لانها تجمع فی طیاتها کثیرا من الافادات العلمیة و الفکریة. و فی هذه المقالة اللتی تعودنا من السیدة کاتبتها نمطا دعائیا واضحا تجاه ما هو اسمی لأمة تدین بدین معروف وبجانب تأییدی ما علق به الاخ عربی حر ادلو بدلوی و اقول ان القول بان لا یورث الأباء المسلمون الاسلام لابنائهم و ان یترکوهم یبلغوا ثم یختاروا ما یشاؤوا من دین او یلحدوا,مرفوض عقلا و غیر معمول به غربیا ایضا,اما الآول فلأن الوالد و الوالدة لیس عبارة عن تمساح تبیض ثم تترک صغاره بمجرد ان یخرجوا من البیض فیصبحوا وحوشا مثله,فکما ان الملحد یربی ابنه علی الالحاد و البوذی علی البوذیة فکذالک المسلم فالقانون نتاج التفکیر الجماعی للشعب,و الکل یعرف انه لو لم یسجل الابناء مسلما ثم بلغوا یختارون دین آبائهم غالبا,کما هو الحال فی اروبا حیث ان ابناء المسلمین حینما یبلغون یبقون علی دین آبائهم علی الغالب,نعم یحق لهم ان یرفضوا دین آبائهم فی الغرب فهذا موضوع آخر ان یرفض الانسان دینه بعد ان یبلغ, و حتی فی الشرق رغم رفض الارتداد قانونیا الا انه عملیا موجود فعلی سبیل المثال لم یقم احد حد الردة علی من یطالب الأباء بترک توریث الاسلام لأبنائهم. اما الثانی،فلأننا فی الغرب ایضا نجد کثیرا ممن هم اعضاء فی الکنائس یسجلون ابنائهم وفق دینهم و لقد رأیت بعض هولاء قالوا انهم غیر معتقدین الا انهم مسجلون کاثولیک لان ذالک هویتهم .فصل القول ان دعاة العلمانیة بعد ان فشلوا فی کل الاتجاهات بدؤا یختلقون الاوهام بان کثیرا من المسلمین لیسوا مسلمین و صدق الله و یصدون عن سبیل الله

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية