القدس المحتلة ـ «القدس العربي»: تشهد مدينة القدس المحتلة أوضاعاً بالغة الصعوبة منذ استشهاد الطفل محمد أبوخضير حرقاً الصيف الماضي، ثم عملية الكنيس اليهودي قبل أيام والتي أصبحت ذريعة الإسرائيليين التي يستخدمونها لتبرير التصعيد ضد الفلسطينيين منذ أيام، بما في ذلك بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في المدينة المقدسة.
وشكا الكثير من السكان في المدينة لــ»القدس العربي» المتاعب التي يواجهونها، فيما أفاد سكان بأن الكثير من أصحاب المنازل يستغيثون برجال أعمال فلسطينيين لشراء منازلهم وانقاذها من عمليات التهويد الإسرائيلية.
وتحدثت «القدس العربي» إلى شابة فلسطينية مقدسية تدعى «نتاليا» وهي مقدسية متزوجة وتسكن في البلدة القديمة، فيما تعيش عائلتها في واد الجوز، وهاتان المنطقتان تشهدان وجوداً كثيفاً للشرطة الإسرائيلية بشكل غير مسبوق منذ عملية الكنيس اليهودي، لكن الأسوأ هو عند إعلان إغلاقات في المنطقة، حيث تشعر أنك في سجن فعلي، وبالرغم من أنك قد تستطيع مغادرة منطقة سكنك، لكن من الصعوبة جداً العودة إليها، كون شرطة الاحتلال ستقوم بمنعك.
ورغم تأكيدات «نتاليا» أن هويتها مكتوب عليها مكان سكنها، إلا أنها تعود إليها بعد عدة مشادات كلامية مع شرطة الاحتلال وقت الإغلاقات، وهذا كله يتزامن مع مواجهات ليلية متواصلة، وأصوات الرصاص والقنابل، وسط تحليق الطيران الإسرائيلي فوق منازل المقدسيين.
وتصف نتاليا لـ»القدس العربي» رحلة انطلاقها من المنزل باتجاه مكان عملها، حيث واجهت سيارة من الشرطة الإسرائيلية على أول مفترق طرق، وتبعتها حتى وصولها إلى منطقة بلدية الاحتلال في القدس، وهناك رافقتها سيارة شرطة أخرى لغاية وصولها إلى مكان عملها، ورغم أنها قد تكون مصادفة، إلا أن السبب الرئيس هو الانتشار الكثيف للشرطة، بحيث تشعر أنك «غلطان»، وأنت لم تفعل شيئا.
وكلما سمعت «نتاليا» عن اعتداء على شاب في شارع يافا على سبيل المثال، أو اعتقال شاب، تقوم على الفور بالاتصال مع والدتها، كي تطمئن على أشقائها فمنهم من يعمل أو يدرس في شوارع قريبة من مكان الاعتداء، وكلما سمعت اسم شاب تعرفه، أو تعرف عائلته، تشعر أن دورها وعائلتها بات قريباً جداً و»الدور جاي علينا».
أما بخصوص المسجد الأقصى، واقتحامه من قبل المتطرفين اليهود، أو إغلاقه في وجه النساء، فتقول نتاليا التي تعيش قريبة جداً من الأقصى، إنها تشعر بالاستفزاز الشديد وقت إغلاق الأقصى، تشعر وكأن الإسرائيليين اعتدوا على حقها، وهي دائمة التواجد عند بوابات الأقصى عند إغلاقه أو منع دخول النساء له.
وتقول نتاليا إن «المشكلة أن أهل القدس رغم أنهم على خط التماس مع الاحتلال، دائماً ما يتظاهرون نصرة للضفة أو قطاع غزة، لكن لا تضامن معاكساً من أهل الضفة وغزة معنا، وهو ما يجعلنا نشعر أننا وحيدون في المواجهة.
وفيما يتعلق بـ»السلطة الفلسطينية» التي لا تملك سلطة فعلية على القدس المحتلة، فيبدي سكان القدس غضبهم الشديد تجاهها، كون السلطة لها «محافظ ووزير من القدس المحتلة، لكنهم لا يظهرون إلا في «التكريمات»، ولم نر المحافظ على سبيل المثال في منزل شهيد، أو في البلدة القديمة لمعرفة أخبارها وأحوال أهلها.
وتقول نتاليا، نحن نتفهم أن السلطة ليس لها يد في القدس، لكن وزير القدس نفسه، يحمل هوية القدس ويسكن في حي الشيخ جراح، فلماذا لا ينزل لتفقد أحوال الناس، ويزور المسجد الأقصى يومياً؟ ورغم حديث السلطة الفلسطينية المستمر عن القدس، إلا أن ميزانية المحافظة فيها، قد لا تكفي للرواتب وحدها، فكيف سيكون دعم البيوت التي وصلتها إخطارات هدم على سبيل المثال؟
وعلمت «القدس العربي» أن الكثير من سكان مدينة القدس المحتلة استغاث برجال أعمال فلسطينيين في الضفة الغربية والخارج، لشراء منازل في المدينة المقدسة، لحمايتها والاستثمار فيها، ومنهم من قام بشراء منزلين على الأقل، تدران له الكثير من الأموال، لكن عندما يُطلب منهم شراء المنازل في البلدة القديمة، يرفضون ذلك بحجة أنها لن تعود عليهم بالربح المادي، وهو أكثر ما يُشعر المقدسيين أنهم تركوا وحيدين لماجهة مصيرهم.
وقال العديد من سكان البلدة القديمة لـ»القدس العربي» إنه لو وجد من يقدم المساعدة لفئة الشباب المقدسي تحديداً، لاستطاعوا بناء القدس وبيوتها وبلدتها القديمة من جديد، لكنهم لا يملكون إلا البقاء وإن من دون مساعدة من أحد».
لكن الأسوأ بالنسبة لأهل القدس، هو ما تسرب من معلومات عن وجود تعليمات فلسطينية، بمنع القيادات الفلسطينية من الظهور في الإعلام والحديث عن عملية القدس المحتلة التي نفذت في الكنيس اليهودي، يعد رضوخاً لضغوط أمريكية كبيرة، تمارس على القيادة من خلال آخر اتصال هاتفي جرى بين الرئيس محمود عباس، ووزير الخارجية الأمريكي دون كيري.
من جهته، كتب الصحافي الإسرائيلي، جدعون ليفي في صحيفة «هآرتس» العبرية، يصف حال القدس والفلسطينيين عامة، تحت عنوان «أليس مخجلاً أن يساوي الدم اليهودي أكثر»، فقال: «في القدس كانت مذبحة، خمسة إسرائيليين قتلوا، وفي قطاع غزة كانت حرب، وقتل 2200 فلسطيني معظمهم من المدنيين، المذبحة تثير الغضب، الحرب أقل، للمذبحة يوجد متهمون، للحرب لا يوجد، القتل ببلطة صادم أكثر من القتل بالبندقية، أو بالقصف للأبرياء».
وواصل الكاتب ليفي يقول: «الإرهاب دائماً فلسطيني، حتى عندما يقتل المئات منهم، موت الطفل اليهودي دانييل ترجمان تحول لحادث صادم في البلاد وفي الخارج، حتى الرئيس الأمريكي عرف اسمه، في المقابل هل يعرف أحد أن يروي قصة عن طفل من قطاع غزة رغم أنه قتل منهم المئات؟».
فادي أبو سعدى