القاهرة ـ «القدس العربي» من كمال القاضي: رغم أن العنوان يوحي برؤية تسجيلية يطرحها المخرج شريف محمد في كتابة «أيام هناك» عن مشواره داخل ماسبيرو وعلاقته المنسجمة حيناً والمتوترة أحياناً مع ذلك المبنى العتيق، إلا أننا لم نتعرف جدياً على مواطن القلق وأسبابه في تلك العلاقة المرتبكة بينه وبين المكان، فما ساقه من شواهد وأدلة وصاغه بشكل روائي لم يكن كافياً لإعطاء المعنى الذي استهدفه، حيث قادته الكتابة إلى منعطفات أخرى وبدت حكاياته عن الداخل الإعلامي في ماسبيرو، كأنها نسج من خيال يجدر أن يكون عملاً إبداعياً أكثر منه وثيقة للتاريخ ضد من يختلف معهم أو عليهم، ويهدف إلى تعريتهم أمام الرأي العام، ليعرف الناس حقيقتهم، كونهم على حد ما أراد أن يصورهم، أفاقين ومداهنين وملائمين لكل العصور والمراحل!
تحت عنوان «لقاء الوزير» يلمح شريف إلى هؤلاء، محاولاً كشف المستور وفضح ما كان يدور في الكواليس من توازنات وتربيطات حول المناسب وغير المناسب من المواد الإعلامية التي تتم الموافقة عليها أو يؤشر إليها بالرفض فلا تقبل كفكرة من حال المبتدأ، ويذكر في هذا الإطار واقعة لقائه بوزير الإعلام الأسبق أحمد أنيس إبان قيام ثورة يناير/كانون الثاني، حين استدعاه إلى مكتبه ليعرف بشكل ودي حقيقة الحلقة التي كانت قد أذيعت وتم قطع الإرسال قبل نهايتها، لما تضمنته من مشاهد تسجيلية ومحادثات لبعض الإعلاميين الذين أعلنوا تأييدهم للثورة، بعد أن أصبحت أمراً واقعاً، وهم ذاتهم من كانوا حلفاء ودروعاً لمبارك ونظامه ورجاله، ولعبوا دوراً رئيساً في ما آلت إليه الأحوال المصرية من سوء، وأدى إلى حالة السخط العام فانفجرت الثورة.
يسرد الكاتب تفاصيل الجلسة الودية مع أنيس آن ذاك، ويذكر في سياق ما يسرد أسماء المتحولين وفق كلامه صراحة وبدون مواربة ومنهم محمود سعد ومجدي الجلاد والشقيقان عماد وعمرو أديب، ويختم وصفه للقاء أنيس بمشهد عصير الليمون الذي قدمه له في مكتبه كمقدمة لإنهاء الحوار، بدون الخروج بنتيجة من حصاد الساعة التي أفنوها في الحوار الودي شكلاً، التحذيري مضموناً.
وينتقل شريف محمد بشكل مفاجئ وتحت عنوان «التحليل العلمي لأزمة التلفزيون» نراه يخرج تماماً عن نسق المواجهة والرؤية الدقيقة لأوجه الخلل في الأداء الإعلامي للتلفزيون المصري، ويأخذنا في اتجاه آخر فيضع تعريفاً مبدئياً للتكنولوجيا ثم يستطرد في الشرح مفنداً التعريفات المنبثقة عنه في عدة نقاط، في ما يشبه المحاضرة العلمية، ملقياً الضوء على العنصر البشري راصداً دوره وأهميته بشكل تقريري جاف، بدون أن ينتهز الفرصة ليعود من هذه النقطة إلى البداية ليربط فصول كتابه بعضها ببعض، ويميز الطاقة البشرية المؤهلة كقوة أساسية، من شأنها إصلاح المنظومة كلها لو تم توظيفها علمياً كما ينبغي، ولا غضاضة في أن يشير إلى الطاقة المعطلة غير المؤهلة، التي دخلت المجال الإعلامي بالوساطة والمحسوبية، وهنا يكون قد أغلق بالفعل الدائرة على المفهوم الشامل للرسالة الإعلامية والمهنية ووضح المشكلة المزمنة التي تحول دون تقدم الإعلام الرسمي بالشكل المستهدف والمنشود، تبعاً لرؤيته التي يحوم حولها بوازع وطني من غير أن يصب كبد الحقيقة.
أشكرك أيها الناقد الموضوعي المبدع . وأقول : أن مواطن القلق و أسبابه في مضمون كل موقف قمت بسرده .غير أني أنتمي لمدرسة أن القارئ لا يحتاج إلي ان نتعامل معه طوال الوقت علي أنه لن يستطيع الفهم وحده وانه يحتاج إلي تدخلنا الدائم لتوعيته.أما عن النقله الفجائية إلي فصل الجانب العلمي،فلعل ذلك مقصود ، لإحداث الصدمة الإنتقالية بين عالبم اللا معقول (مع أنه هو الحقيقة) إلي عالم الحقيقة المجنحة بالدلائل العلمية. ومرة ثانية دعني أشيد بموضوعيتك وتميز قلمك الناقد