أين الله من كل هذا؟

حجم الخط
62

قيام الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بمباركة التدخل العسكري الروسي في سوريا ووصفه بـ «المعركة المقدسة» إعلان مخيف، فبعد الشقّ الكبير الذي صنعه تدخل إيران و»حزب الله» اللبناني والميليشيات الشيعية في سوريا بين المذهبين الشيعيّ والسنّي، يأتي التصريح الكنسيّ لإضفاء طابع حرب صليبية على التدخّل.
ولا يخفّف من وطأة هذا الاتجاه المدعوم من الدولة الروسية تحالف موسكو الرباعي المستجدّ مع إيران ونظامي العراق وسوريا، فهذا التحالف لا يفعل غير أن يضيف إلى جرح حروب الطوائف الإسلامية جرحاً فاغراً كبيراً آخر، كما أنّه يعمّق إحساساً متعاظماً بالمظلومية السنّية، وهذا الإحساس أحد خزانات التحشيد الطائفيّ لصالح تنظيم «الدولة الإسلامية» وأخواته.
يعيد التصريح الكنسيّ الروسي التذكير بالتبريرات الطائفية التي قدمها «حزب الله» اللبناني لجمهور محازبيه مع بداية تدخّله العسكري لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد عن «حماية مقام السيدة زينب»، وما تبع ذلك من تفعيل طائفي متعاظم لآليات الصراع من خلال رفع الرايات الشيعية وتهجير مدن وقرى وصولاً إلى خطط إعادة تركيب الديمغرافيا السورية طائفياً داخل دمشق وفي الخط الواصل إلى لبنان عبر الزبداني ومضايا وصولاً إلى مناطق شيعية في إدلب.
تصريحات رئيس قسم الشؤون العامة في الكنيسة الروسية، فسيفولود تشابلن، استدعت ردوداً من جهات دينية وسياسية، بينها جمعية علماء المسلمين في لبنان، وجماعة «الإخوان المسلمين» السورية التي اعتبرت الجهاد ضد الاحتلال الروسي لسوريا واجباً شرعيّاً، كما أنها استدعت ردوداً من نشطاء مسيحيين معادين للنظام السوري رفضوا توظيف المسيحية لتبرير قرار سياسيّ نتجت وستنتج عنه جرائم حرب وقتل وتوسيع للكارثة السورية، كما أنها أثارت جدلاً حول تهافت دعاوى أخرى كانت ضمن حقيبة الشغل الدبلوماسي الروسي من قبيل «حماية الأقليات» و»دعم نظام علماني»، إضافة إلى أسطوانة أن «السوريين هم من يقررون مصيرهم وليس الخارج»، وكلّها دعاوى تساقطت كأوراق الخريف مع صعود القوة العارية الروسية في سوريا والتبرير الديني لها.
تقوم هذه المزاوجة بين التوسع الامبريالي الروسي والكنيسة الأرثوذكسية على تراث من الاستخدام الدنيويّ للدين في روسيا (وغيرها) يعود لمئات السنين، ويقع في صلبه تاريخ من الانتهاكات الهائلة التي تعرّضت لها الشعوب المحيطة بروسيا (من المسلمين وغير المسلمين فالاستبداد لا يوفر أحداً)، ولكنّ المثالين الأكثر حضوراً يعودان إلى أفغانستان والشيشان، وهما يرتبطان في الذاكرة الروسية الحديثة بانهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان فلاديمير بوتين شاهداً عليه أيام خدمته ضابطاً صغيراً في ألمانيا الشرقية، والواضح أن نتائج دعوات الإصلاح والشفافية والدمقرطة أيام بيريسترويكا غورباتشيف قد ارتبطت في ذهن بوتين الشاب بتقلّص نفوذ روسيا وتراجع قبضة موسكو على محيطها، وبالتالي فإن الاستبداد الروسيّ القديم (ونماذجه الشبيهة في العالم كسوريا) كان هو الحل الناجع لعودة روسيا إلى الساحة العالمية.
باستخدامه الكنيسة الأرثوذكسية لا يفعل بوتين إذن غير توظيف المقدّس لتبرير «المدنّس» (على حد تعبير باحث الأديان الشهير مرسيا إلياد)، وصبّ هذه النار الحارقة في منطقة تعجّ بالصراعات المحمولة، قسراً، على أسس دينية، سيعزّز من دون أي شك في تحويلها إلى مفاعل كبير لتعميم المذابح والإبادات والهجرات الجماعية.
بدعوى «مكافحة الإرهاب» وتنظيم «الدولة الإسلامية» يتشكّل حلف جديد عجيب تقع في قلبه الجمهورية «الإسلامية» الإيرانية، وتغطيها روسيا الأرثوذكسية، التي تنسّق، في الوقت نفسه، مع إسرائيل الساعية إلى «دولة يهودية».
ما ستفهمه شعوب المنطقة (دعك من حكامها) هو أن مكافحة «الدولة الإسلامية» ليست إلا فزّاعة هدفها توسيع مجال الاستبداد الروسي، عالميا، والسوري، محليا، وتغطية السيطرة الإيرانية على المنطقة، مع حفظ «حقوق» إسرائيل بضرب ما تعتبره خطراً عليها، أما إضافة الخلطة الأرثوذكسية الشيعية على الأهداف المذكورة فهي لحرف البوصلة عن الاستبداد وتركيزه على خرط المسلمين السنّة في الحالة الانتحارية «الداعشية».
بهذا المعنى فرفع رايات المسيح والحسين مطلوب منها الردّ برفع رايات «الدولة الإسلامية» وإخواتها وليس التركيز على الاستبداد الروسي والسوري.
السؤال المؤرّق هنا: أين الله من كل هذا؟

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Jean J. Rousseau1778:

    To abu emil.arab 48

    , It look like your palastinian of 1948 diaspora or not
    the crux of the matter is that both imperial Russia and then the communists tyranies both indeed had terrorized Muslims of central Asia for hundreds of years

    A friend of mine american Academic once said that the western powers in world war II did grave mistake by alliance with Stalin against instead they should let Hitler and Stalin finish each other tyrany

    After all Stalin was as bad as Hiltler he killed 30 millions of soviet union citizens most of the victims were central Asian muslims
    Putin is an old KJB gangster

  2. يقول Jason:

    استعجب من الذين لا يحسنون قراءة العنوان و يربطونه بالالحاد!!!!

    لا يقصد الكاتب انكار الله او وجوده

    بل يستنكر اقحام رب العباد بطغيان العباد

  3. يقول بومحسن:

    الأمة التي لاتدفع الظلم وتقهر الظالم بالتأكيد ستسقط من عين الله كما ورد في الأثر وان ألله جل في علاه لايرضى لأمة الإسلام بأن تستلم للظالمين ،وهذه الأمة منذ الخليقة وهي معرضة للفتن وتكالب الأمم عليها والطمع بها والحقد عليها وكراهيتها واشتداد البلاء عليها ماهي الا حكمة وسنة من سنن الخالق حتى يبقى سيف الجهاد مشرعا لاحقاق الحق وابطال الباطل.

  4. يقول حسني - الامارات:

    الله لا يقال اين ولا كيف يكفر من يقول ذلك.لا يقاس الخالق على المخلوق. الله ينزع الملك من يشاء و يؤتي الملك من يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء.

  5. يقول نبيل العربي:

    مايحدث في بلاد العرب وتحديدا في سوريا والعراق هي حرب على الاسلام مع سبق الاصرار والترصد سوى من طرف اليهود و الصليبين معا من جهة أو من طرف بعض العرب المسلمين الذين ليس لهم من الاسلام الا الاسماء من جهة أخرى ففي نظر هؤلاء الاسلام هو الارهاب وليس جماعات اسلامية متشددة كما يزعمون فداعش والنصرة في نظر هؤلاء هي حركات ارهابية وهذا المطلوب لانها فاعلة وموجودة في ارض الميدان يسوريا والعراق والاخوان المسلمون بمصر حركة ارهابية لانهم هم الموجودن والفاعلون بارض مصر وحركة حماس والجهاد الاسلامي ارهابيون في نظرهؤلاء لانها حركات فاعلة وموجودة بفلسطين… هذا يعني ان اي حركة اسلامية مهما كان فكرها معتدل أو متشدد هي حركة ارهابية إذا تبين انها قوية وفاعلة في المجتمع رغم أن صفة الارهاب يليق كثيرا ومنطبق تماما على الكيان الصهيوني والمحتل الامريكي والروسي وكذلك على أغلب الحكام العرب الذين حكموا بلدانهم بالارهاب والقتل

  6. يقول محمد صلاح:

    يبدو أن سؤال “اين الله من كل هذا” قد اقلق مضاجع الكثيرفالبعض راح يبرر و يفسر و الاخر يحوقل و يهلل.

    اضحك الله سن محررنا

  7. يقول الاستاذ الدكتور/غضبان مبروك:

    اذا كانت حرب شيعية-مسيحية(روسية) اساسا ضد السنة ،فاين هؤلاء بعدتهم وعتادهم باموالهم وبجيوشهم ،اذا كان الشيعة قد تجاوزوا حرب الخليج الاولى بين العراق وحلفائهه الخليجيين بل والغرب وبين ايران التي اعتمدت على نفسها اساسا وخرجت نصف مهزومة ولكن حولت الهزيمة الى انتصار ،فماذا جرى للعراق الشقيق الذي خرج نصف منتصر ولكن ذيع ذلك وعلى يد حلفائه، هذا هو الاشكال الذي يجب بحثه.ماسر قوة ايران وعودتها لتصبح دولة نووية او قريبة من ذلك، وماسر تراجع العراق الى الحظيظ، آن الاوان لنقول لابنائنا الحقيقة وآن الاوان لنواجه تلك الحيقية المرة والكامنة في ثقافتنا وفي حكامنا وفي نخبنا. اليست النخب هي التي تطبل للحاكم لدرجة تاليهه، اليست النخب هي المسؤؤلة عن الوضع الذي فيه الامة العربية، نعيب على الشيعة انهم يتمسمون بالامامية والهراركية ونفتخر اننا احرار من اية وسطية واننا على صواب وفي منتهى العقلانية عندما نتوجه الى الله مباشرة ودون وساطة مما يجعلنا لا نحترم حتى ائمتنا ولكن في النهاية نحن بعيدين عن كل ذلك. اننا نحتاج ان نتحرر من الثقافة الماضوية والثقافة المزيفة وثقافة السلطان ونحتاج ان نتحرر اكثر من استبداد النظم ومن جشع البورجوازية الخائنة والمتطفلة ومن الرداءة المهيمنة على مجتمعاتنا ومؤسساتنا ولاسيما المؤسسات التربوية . نحتاجكذلك ان نتحرر من العنتريات الزائفة والنفاق المستشري والفساد المستديم. نحتاج الى ثورة مثل الثورة الاسلامية في ايران لكي نحقق النهظة المنشودة ونعود للشعوب كرامتها وكلمتها وحكمها. مليار سني يعجز امام 100 مليون شيعيي عاجب …؟ واية عجب. ضاهرة صوتية تسقط امام فعل ارادي. تريليونات الدولارات تفشل امام الملايير. فقهاء السلطان يبررون هزيمة الحكام.. لقد هزمانا الله كما هزم بني قريضة وبنوا قينقاع لاننا صرنا مثلهم او اشد منهم. والله المستعان على ما تصفون.

  8. يقول علی العراق:

    و انا اريد ان اسال اين الله من جمع الارهابيين من اكثر من ثمانون دوله لزجهم في حرب لا ناقه و لا جمل فيهم و قتل الشعب السوري بمعالي الجهاد؟اين الله من جهاد النكاح؟ اين الله من ذبح كل من اراد الخروج من مناطق سيطرتهم؟اين الله من فتاوى قتل اكثر من اربعين الف انسان في فوعه و كفريا؟

  9. يقول خليل ابورزق:

    انما هو استخدام آخر للدين لخدمة السياسة و المصالح الدنيوية بدلا من استخدام السياسة لاعلاء القيم الدينية.
    هذا هو حال المفسدين منذ الازل و الى الابد. و هو للاسف اشد حالات الفساد لانه يتنكر في اعلى القيم و يخلط الامور و ينتهي بزعزعة الايمان بل بالتشديد على فصل الدين عن السياسة لسوؤ التجربة.

  10. يقول رمضان:

    اﻻسﻻم مستهدف من كل التقسيمات والحروب منذ اسقاط الخﻻفه والغرب يلجأ الى اساليب متنوعه في حربه على اﻻسﻻم وبمانحن في العصر الذهبي للعلم فهو استخدم مخططات قائمه على درسات علميه عميقه لتدمير المجتمعات اﻻسﻻميه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والمنطقه الفاعله في العالم اﻻسﻻمي هي المنطقه العربيه نجدها تعيش في سلسله ازمات ﻻتنتهي ولن تنتهي ..

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية