قيام الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بمباركة التدخل العسكري الروسي في سوريا ووصفه بـ «المعركة المقدسة» إعلان مخيف، فبعد الشقّ الكبير الذي صنعه تدخل إيران و»حزب الله» اللبناني والميليشيات الشيعية في سوريا بين المذهبين الشيعيّ والسنّي، يأتي التصريح الكنسيّ لإضفاء طابع حرب صليبية على التدخّل.
ولا يخفّف من وطأة هذا الاتجاه المدعوم من الدولة الروسية تحالف موسكو الرباعي المستجدّ مع إيران ونظامي العراق وسوريا، فهذا التحالف لا يفعل غير أن يضيف إلى جرح حروب الطوائف الإسلامية جرحاً فاغراً كبيراً آخر، كما أنّه يعمّق إحساساً متعاظماً بالمظلومية السنّية، وهذا الإحساس أحد خزانات التحشيد الطائفيّ لصالح تنظيم «الدولة الإسلامية» وأخواته.
يعيد التصريح الكنسيّ الروسي التذكير بالتبريرات الطائفية التي قدمها «حزب الله» اللبناني لجمهور محازبيه مع بداية تدخّله العسكري لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد عن «حماية مقام السيدة زينب»، وما تبع ذلك من تفعيل طائفي متعاظم لآليات الصراع من خلال رفع الرايات الشيعية وتهجير مدن وقرى وصولاً إلى خطط إعادة تركيب الديمغرافيا السورية طائفياً داخل دمشق وفي الخط الواصل إلى لبنان عبر الزبداني ومضايا وصولاً إلى مناطق شيعية في إدلب.
تصريحات رئيس قسم الشؤون العامة في الكنيسة الروسية، فسيفولود تشابلن، استدعت ردوداً من جهات دينية وسياسية، بينها جمعية علماء المسلمين في لبنان، وجماعة «الإخوان المسلمين» السورية التي اعتبرت الجهاد ضد الاحتلال الروسي لسوريا واجباً شرعيّاً، كما أنها استدعت ردوداً من نشطاء مسيحيين معادين للنظام السوري رفضوا توظيف المسيحية لتبرير قرار سياسيّ نتجت وستنتج عنه جرائم حرب وقتل وتوسيع للكارثة السورية، كما أنها أثارت جدلاً حول تهافت دعاوى أخرى كانت ضمن حقيبة الشغل الدبلوماسي الروسي من قبيل «حماية الأقليات» و»دعم نظام علماني»، إضافة إلى أسطوانة أن «السوريين هم من يقررون مصيرهم وليس الخارج»، وكلّها دعاوى تساقطت كأوراق الخريف مع صعود القوة العارية الروسية في سوريا والتبرير الديني لها.
تقوم هذه المزاوجة بين التوسع الامبريالي الروسي والكنيسة الأرثوذكسية على تراث من الاستخدام الدنيويّ للدين في روسيا (وغيرها) يعود لمئات السنين، ويقع في صلبه تاريخ من الانتهاكات الهائلة التي تعرّضت لها الشعوب المحيطة بروسيا (من المسلمين وغير المسلمين فالاستبداد لا يوفر أحداً)، ولكنّ المثالين الأكثر حضوراً يعودان إلى أفغانستان والشيشان، وهما يرتبطان في الذاكرة الروسية الحديثة بانهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان فلاديمير بوتين شاهداً عليه أيام خدمته ضابطاً صغيراً في ألمانيا الشرقية، والواضح أن نتائج دعوات الإصلاح والشفافية والدمقرطة أيام بيريسترويكا غورباتشيف قد ارتبطت في ذهن بوتين الشاب بتقلّص نفوذ روسيا وتراجع قبضة موسكو على محيطها، وبالتالي فإن الاستبداد الروسيّ القديم (ونماذجه الشبيهة في العالم كسوريا) كان هو الحل الناجع لعودة روسيا إلى الساحة العالمية.
باستخدامه الكنيسة الأرثوذكسية لا يفعل بوتين إذن غير توظيف المقدّس لتبرير «المدنّس» (على حد تعبير باحث الأديان الشهير مرسيا إلياد)، وصبّ هذه النار الحارقة في منطقة تعجّ بالصراعات المحمولة، قسراً، على أسس دينية، سيعزّز من دون أي شك في تحويلها إلى مفاعل كبير لتعميم المذابح والإبادات والهجرات الجماعية.
بدعوى «مكافحة الإرهاب» وتنظيم «الدولة الإسلامية» يتشكّل حلف جديد عجيب تقع في قلبه الجمهورية «الإسلامية» الإيرانية، وتغطيها روسيا الأرثوذكسية، التي تنسّق، في الوقت نفسه، مع إسرائيل الساعية إلى «دولة يهودية».
ما ستفهمه شعوب المنطقة (دعك من حكامها) هو أن مكافحة «الدولة الإسلامية» ليست إلا فزّاعة هدفها توسيع مجال الاستبداد الروسي، عالميا، والسوري، محليا، وتغطية السيطرة الإيرانية على المنطقة، مع حفظ «حقوق» إسرائيل بضرب ما تعتبره خطراً عليها، أما إضافة الخلطة الأرثوذكسية الشيعية على الأهداف المذكورة فهي لحرف البوصلة عن الاستبداد وتركيزه على خرط المسلمين السنّة في الحالة الانتحارية «الداعشية».
بهذا المعنى فرفع رايات المسيح والحسين مطلوب منها الردّ برفع رايات «الدولة الإسلامية» وإخواتها وليس التركيز على الاستبداد الروسي والسوري.
السؤال المؤرّق هنا: أين الله من كل هذا؟
رأي القدس
لا الروس ولا الصليبيين ولا أي طائفة دينية أو سياسية ألحقت الضرر والتشويه بالدين الاسلامي، وبالمذهب السني على الأخص، مثلما فعلت جماعات الاسلام السياسية في العالم العربي، وفي سوريا على الأخص.
ومع هذا لا يزال كثير من المسلمين، والسنة على الأخص، يناصرون هذه الجماعات ويرون في الاساءة إليها أو محاربتها، إساءة للمسلمين وللسنة منهم على الخصوص
إن المحافظة على الدين الاسلامي صافياً كما أتى به رسول الاسلام هي واجب كل مسلم، والشيئ الذي تقوم به جماعات الأرهاب في سوريا لا علاقة له بالاسلام
لذلك لا يجب أن ندافع عن القتلة المجرمين الذين يشوهون الدين الاسلامي
(الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئكم اصحاب النار هم فيها خالدون) لنسقط هذه الاية على ما يحدث في سوريا والجواب عندكم. ليس كل من يتكلم في الدين هو صادق فهناك كثر يتاجرون به اولئك اصحاب النار واولياء الطاغوت.
أخذني تعليق د.أثير الشيخلي بعيدا…..
تعليق دقيق ومميز وأوافقك الرأي في كلمة قلتها يادكتور.
تحية لك وللأخ داوود كروي ولجميع المعلقين؛دون ان أنسى ادارة قدسنا الغراء ألف تحية.
حيا الله الأخت العزيزة الغائبة وحيا الله الجميع
ولا حول ولا قوة الا بالله
حياك الله و بياك اختي الفاضلة منى من الجزائر البلد و الشعب التي نعشق و نحب.
نسأل الله ان نكون جميعاً من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
خالص تحياتي.
اين الله؟
يمهل و لا يهمل
سبحانه
القضية مرتبطة بالمصالح وليس لها علاقة بالأديان، والثابت الوحيد في القضية السورية أن المتحالفين على اختلافهم الظاهر هم الرابحين والعرب الخاسرين.
ايران تتقدم وتتطور وتلعب في عدة ساحات عربية.
تركيا تتطور وتتقدم وتغتني على حساب العرب.
أمريكا تبيع السلاح وتحصد النفط الرخيص.
روسيا تريد أن تفرض وجود على مسرح الغنائم الوفير .. النفط الرخيص .. والدم العربي الرخيص..
الجميع اتفق على خراب الدول العربية أقول العربية وليس الاسلامية ، وخاصة الدول العربية التي يمكن أن تكون حاضنة للحضارة العربية الاسلامية الحقيقية، الاسلام الحضاري الذي يعلي شأن الانسانية بارتباطها برب قادر عادل.
الخسارة للعرب فقط .. اسلامهم يشوه، ووحدتهم تفتت، وأرزاقهم تبعثر، ….
وما العمل؟ نفض التحالفات والعمل العربي المشترك …ما بين الدول العربية وانظمتها أكبر بكثير مما بينها وبين الغرب الرأسمالي والشرق القيصري!
لدينا صعوبة حتى في فهم العنوان!!!؟؟؟
حسب الكثير من التعليقات على المقال ، يبدوا لي ان هناك خطأ في فهم العنوان!!
فالكاتب انما قصد أين ابتغاء وجه الله سبحنه وتعالى في كل ما يدعي العاملون أنه لوجهه؟؟؟
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) الأعراف.
أو هكذا فهمت.
اعتراض وتوضيح الدكتور اثير الشيخلي محق وضروري لانه لايليق ان يسأل هذا السؤال تحت اي ذريعة فالسؤال الممكن طرحه هو اين نحن من الله ؟ لأن الله سبحانه ليس رئيس دولة كي نطلب منه المساعدة والنصرة ، فالقانون الالهي للنصر هو ان تنصروا الله ينصركم ، ونحن كأمة عربية واسلامية نفتقد كل ادوات النصر ومقوماته فالمصائب التي تحدث لنا هو من كسب ايدينا ومن عند انفسنا ( قل هو من عند انفسكم ) فمن يطلب النصر يسعى لامتلاك ادواته ، ولا يخفي على عاقل ان ادوات النصر كثيرة حتى يتحقق ليس اقلها وحدة الامة الاسلامية على قلب قيادة او حتى قيادات متعاونه ومتفاهمة ومتوحدة وتعرف عدوها وتعرف صديقها وتعرف ان الحياة ليست ترفا فقط بل هي صراع في وسط غابة من الدول التي تري في الحروب وسيلتها لتحصيل اطماعها وفرض هيمنتها على من لاحيلة له ولا قوة ولا ارادة.
لنكن صادقين وغبر منافقين الكنيسة الارذوكسية كانت دائما متحالفة مع حزب البعث والمسيحيون بشكل عام حلفاء طبيعيون للأنظمة العسكرية الانقلابية العلمانية: “صدام حسين، حافظ الاسد، حسني مبارك…” ولكن هذا التحالف أمر طبيعي فهم أقلية في محيط مسلم مختلف ثقافيا واجتماعيا
معظم رجال الدين يباركون أقوال وأفعال الحكام لتبريرها , وبعض المتدينيين يفسر الإيمان كما يشاء هو .
الصحيح في كل ذالك هو تلاقي المصالح وتعدد اللاعبين.. الكل يفكر في مصلحته كدولة.. ايران لها حساباتها وروسيا لها حساباتها وأمريكا لها حساباتها.. ما عدا العرب (الأنظمة)فقدوا البوصلة وفقدوا الدين والدنيا والأمة هي الضحية.. نحتاج لعلماء في جميع المجالات لينيروا لنا الدرب ومثقفين فوق المصالح القطرية ليقرأو الواقع بطريقة علمية وبعيدة عن العاطفية والطائفية ليعيدوا لهذة الأمة صوابها