حملة منظمة وممنهجة وغير مسبوقة في وسائل اعلام عربية مكتوبة ومرئية ضد فلسطين والفلسطينيين، يقودها صحافيون وكتاب مستعربون واعلاميون متصهينون منهم، خدمة لأغراضهم الشخصية، وآخرون بدفع من انظمتهم التي تحكمها المحاور الجديدة وحالة الاستقطاب التي تفرضها بنات أفكار الرئيس الاسرائيلي السابق شيمعون بيريس، ممثلة بالشرق الأوسط الجديد.
هذه الأنظمة التي ظلت منذ نشأتها تستر عوراتها بورقة توت، ليس أمامها الان إلا ان تسقط هذه الورقة، وان تكشر عن أنيابها وتكشف عما في دواخلها، بعدما اصبح السكوت مرفوضا والمراوغة غير مقبولة والحياد ماضيا لا رجعة اليه.
لا هدف لأصحاب هذه الأقلام، ولا يمكن ان يكون، سوى محاولة التشويه والتضليل وقلب الحقائق، لتصبح الضحية في عصرنا الجديد، هي القاتل والقاتل هو الضحية. يخفون نواياهم الحقيقية وأحقادهم وراء دموع التماسيح المفضوحة، التي يحاولون ذرفها حزنا على هذا «الشعب المسكين»، الذي يضحي به ابناؤه العاقون، ويغامرون ويتاجرون بأرواح الالاف ودماء الأطفال والعزل، خدمة «لمصالحهم الخاصة المرتبطة بتحالفات ومحاور إقليمية ودولية.
ان الدمار والقتل والإرهاب الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة المحاصر او الضفة الغربية وكلاهما محتل.. سببه الاحتلال.. والاحتلال هو أساس بلوات الفلسطينيين وليس، كما تدعون، الصواريخ «العبثية» او المقاومة المشروعة التي تحفظها لهم المواثيق والقوانين الدولية.. والاحتلال الى زوال.. ولا تحرر من دون تضحيات.
الحقيقة ان هؤلاء مشاركون في تنفيذ سياسة إعلامية مخطط لها منذ عام 2009 وضعها الدكتور فرانك لونتز الاستراتيجي في الحزب الجمهوري الأمريكي، في كتيب ينصح فيه الحكومة الاسرائيلية بالسبل الأفضل للتلاعب بالرأي العام. ونصح على وجه الخصوص بـ»كيفية إظهار حركة حماس بمظهر الشيطان»، بغرض تفكيك الكل الفلسطيني الى جزئيات يسهل الانقضاض عليها، ولتصبح حماس الثور الابيض الذي تؤكل من بعده بقية الثيران واحدا تلو الآخر. ما يعني ان هذا العدوان اللفظي العربي المكمل للعدوان العسكري الاسرائيلي، غير مرتبط بعلاقة حماس بالإخوان المسلمين وتطورات الوضع في مصر.. فقبل ذلك كانت حماس هدفا لهؤلاء، انطلاقا من انها كانت موالية لمحور إيران- سوريا- حزب الله، ورغم ذلك كانت هدفا، «إحسموا أمركم.. هل حقدكم على حماس نابع من انتمائها للإخوان، ام من ولائها لإيران.. ولم يمكن ان تكون الاثنين معا. اهدافهم ومن وراءها، مفضوحة، ولم يبق أمامهم سوى ازاحة برقع الحياء لا بل الخوف، والدعوة علانية الى تصفية القضية الفلسطينية وطي صفحتها مرة والى الأبد، لتفتح الأبواب على مصراعيها امام الانفتاح على إسرائيل «الشقيقة التي لم تلدها أمهاتهم ومن غير وجع رأس او نخزة ضمير ان كان هناك أصلا ضمير».
ان تطاولهم على فصيل فلسطيني، ليس الا جس نبض لخطوات قادمة للتطاول على القضية الفلسطينية وقدسيتها وحرمتها لتصبح «ملطشا» لمن هب ودب.. ألم يقرأ هؤلاء التاريخ ليعلموا.. ان فلسطين ستظل الصخرة آلتي تتحطم فوقها كل أحلامهم طموحاتهم وأمنياتهم وكل محاورهم الجديدة.
لا يستطيع هؤلاء الادعاء بان ما يقولون هو من باب الحرص والحب لفلسطين والفلسطينيين.. فليس هناك أصلا ولا يمكن ان يكون هناك حب ضائع بينهم وبين فلسطين او الفلسطينيين، فهم لا يكنون لفلسطين وشعبها، مصدر الصداع الدائم في المنطقة، الا الحقد والضغائن وتمنيات الخلاص منهم. وإلا كيف يفسرون صمتهم وصمت من وراءهم والشعب الفلسطيني يذبح على نحو منظم وممنهج على مدار عشرات السنين؟ لم نسمع لهم صوتا دفاعا عن الفلسطينيين، ولا انتقادا لدولة الاحتلال والمحتلين.. اذا كانوا يتحدثون عن اخطاء وقع فيها الفلسطينيون ونحن نعترف بانها كثيرة وجل من لا يخطئ، فأين هم عن الأخطاء والجرائم التي ترتكبها حكوماتهم وأنظمتهم بحق شعوبها؟
ان مخيلات هؤلاء الخصبة قد تدفعهم الى الاعتقاد خطأ بان فلسطين والفلسطينيين هم «الحيط المايل» كما يقول المثل. ولكن هذا الحائط لا هو بالمائل ولا هو بالمتداعي، وهو اصلب وأمتن من ان يعتليه او يمتطيه أقزام مثلهم. لقد اثبت هذا الشعب وعلى مر السنين والعقود، بل القرون، والتاريخ يشهد، انه عصي على الكسر… ولا تعتقد مثل هذه القلة القليلة ان بإمكانها التطاول عليه وتحقيق ما فشلت فيه من قبلها امم ودول وعصابات.
هذا الشعب سيظل الرقم الصعب والعقبة العصية وحجر عثرة في طريق تنفيذ أحلامهم ومخططات أنظمتهم وتحالفاتهم ومحاورهم الإقليمية والدولية الجديدة التي أفرزها «الربيع العربي».
لا يردد هؤلاء إلا ما يملى عليهم.. ولو تغيرت مواقف أرباب نعمهم، كما تتجه الأمور بعد أسابيع من الصمود البطولي والأسطوري للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وليس موقف الناشطين الفلسطينيين، كما يحلو لهم تسميتهم، في وجه احد اعتى الجيوش في العالم، فلن يترددوا في تغيير مواقفهم 180 درجة.. انهم لا يخجلون وسيجدون الف تبرير وتبرير.
نحن لسنا ضد حرية التعبير وإبداء الرأي، لكن ان تقول او تكتب رأيا سياسيا مهما كان، فهو يفترض ان يكون حقاً مقدسا غير قابل للنقاش أصلا ويجب ان يعطى هذا الحق للجميع وليس لفئة ضالة فحسب.. اما ان تلجأ وعلى نحو متعمد وممنهج استخدام التشويه والتضليل والتقليل من شأن المقاومة واتهام الفلسطينيين، وأقول.. الفلسطينيون، لأنهم هم وقضيتهم المستقصدون في النهاية، وليس حركة حماس فحسب، إنما الغرض منه هو شق الصف الفلسطيني.. لأغراض لم تعد خفية. ان هذا لم يعد رأيا بل انه تشهير وتحريض لصالح عدو يجد في كتاباتهم ما يدافع فيه عن نفسه.. وهذا يعني وقوفهم في صف الأعداء.
اي حرية رأي هذا يا اصحاب «الأقلام الحرة»؟ إسرائيل باتت تستخدم ما تتقيأون به يوميا لتبين للعالم ان هناك رأيا اخر في العالم العربي يتفهم وضعها ويبرر مجازرها وعدوانها.. أهذا هو ما تتطلعون اليه إرضاء للراعي الاكبر.. ألم تعلمكم الدروس انه لن يرضى بكم مهما فعلتم ولن يقبل بكم، كما ان إسرائيل لن تقبل بكم طويلا.. فلا تفرحوا كثيرا برؤية أسمائكم تتردد وتتصدر وسائل الاعلام الصهيونية.. وستلفظكم اسرائيل ووسائل اعلامهما كما لفظت من هم اكبر منكم.. عند انتهاء الخدمة بدون حمد ولا شكورا.
لا شكرا لكم ولا حمدا على «مخاوفكم وحرصكم» على هذا الشعب فهو بغنى عنكم.. فعنده رصيد كبير من الشرفاء والمناضلين ليس في العالم العربي فحسب، بل في جميع أنحاء العالم الذين هبوا ووقفوا وقفة رجل واحد.. ولم نر مثل هذه الهبة في دولكم.. موتوا بغيظكم فمهما زعقتم فلن تجدوا آذانا صاغية الا في أوساط المستوطنين المتطرفين في إسرائيل.. عار عليكم ان تكون كتاباتكم وقودا للآلة الإعلامية الإسرائيلية. واصلوا زعيقكم وموتوا بغيظكم فالمقاومة باقية والشعب الفلسطيني صامد صمود الجبال الشامخة، ولن يقف في طريق تقدمه وتطلعه الى الاستقلال والتحرر، لا أنتم ولا من يقف وراءكم ولن تصمدوا لأنكم لا تعرفون معنى الصمود، وستفشل مخططاتكم ومحاوركم المتقلبة المتغيرة في المنطقة التي أصبح الولاء لاسرائيل هو محورها..
ستخرج المقاومة اقوى ورافعة الرأس كما بعد انتفاضة الأقصى والحروب الإسرائيلية في 2006 في لبنان و2008 في غزة و2012 في غزة والآن 2014 في غزة أيضاً التي لها الفخر في ان تكون احد المشاعل المضيئة الباقية في المنطقة التي يعاد الان ترتيبها وتقسيمها في اطار «سايكس- بيكو» جديد.
نقطة اخيرة، ينادي هؤلاء بان يلقي الشعب الفلسطيني سلاحه، ويتهمونه بتحريض اسرائيل على ضربه وتدميره.. هؤلاء هم أنفسهم يدعون بل وتعمل أنظمتهم على تمويل وتسليح شعوب، وتحريضها على العمل المسلح ضد أنظمتها رغم المجازر التي ترتكب بحقها والدماء التي تدفعها ثمنا.. وانا هنا لست بصدد التقييم، بل تبيان الازدواجية والنفاق في مواقف هؤلاء.. اذا كان هناك حق لشعب ان يحمل السلاح في وجه نظامه المستبد وتشجيعه وتسليحه وتمويله رغم الدمار والضحايا من الأبرياء، فلماذا يكون حراما فقط على الفلسطينيين.
الفلسطينيون ليسوا عبثيين يا سادة.. والشعب الفلسطيني بكل فئاته واطيافه وفصائله فوق كل الشبهات وان حاولتم غير ذلك.. ولا يمكن لشعب أصيل كالشعب الفلسطيني ان يقبل بالضيم حتى ان قبل به بعض أشقائه.. قطاع غزة محاصر لسنوات طوال وقبل كل الحروب التي شنتها وستشنها اسرائيل.. والحصار المحكم عليها إسرائيليا وعربيا أشد وطأة من الاحتلال. ولا يمكن لأي إنسان حر ان يقبل به.. والفلسطينيون ولدوا أحراراً وفشلت كل محاولات تركيعهم عربيا وإسرائيليا ودوليا على مر التاريخ.. فكفوا قبل ان تدور الدائرة فتندموا حيث لا ينفع الندم. فاي منقلب ستنقلبون؟
٭ كاتب فلسطيني من اسرة «القدس العربي»
علي الصالح
شكرا لك يا سيد علي -هذا مقال رائع وفي عين الصواب
اسمع يا عالم اسمع
الشعب الفلسطيني لن يركع
نوافق كاتبنا الرأي تماماً لكن نزيد ألا حرب من أعداء الدين تقوم على المسلمين دونما خيانة وتنسيق من بني ملتنا
حرب الأحزاب تستوجب وجود اليهود والمنافقين ( لأن ذلك مذكور في كتاب الله)
أما عن لماذا التقصد بالشعب الفلسطيني بصفة خاصة :
” قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” وأخرجه أيضا الطبراني . قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات. والله أعلم”