في لقائه بشباب برنامج التأهيل الرئاسي، ثم في اجتماعه الحواري بوزير الثقافة وعدد من الأدباء والكتاب، تطرق الحوار إلى أوضاع السجون السياسية المكتظة، وتعهد الرئيس السيسي بإطلاق سراح مجموعات جديدة من المحبوسين، وكما سبق أن فعل ـ على حد قوله ـ استجابة لشباب الإعلاميين والمجلس القومي لحقوق الإنسان.
ونتصور أن القصة صارت أكبر من وعود متفرقة، ومن قرارات إخلاء سبيل «بالقطارة»، وقد طالبنا مرارا وتكرارا، تحريرا وشفاهة، وبكل وسيلة إعلام متاحة، أن يبادر الرئيس إلى تصور مكتمل، وليس إلى إجراءات جزئية، تصور ينضبط به توازن فعال بين أولوية الأمن واعتبارات الحرية، ويتقدم إلى قرار جريء بإخلاء سبيل عشرات الآلاف من المحتجزين بغير تهم العنف والإرهاب المباشر، نعيدها ونزيدها «عشرات الآلاف»، وليس العشرات ولا المئات فقط، فقد اعترف الرئيس لمرات بوجود مظالم هائلة في السجون، ودوره الطبيعي ـ مادام يعرف ـ هو إنهاء المظالم، وليس الشكوى ـ كما عبر مرة ـ من اعتراضات الأجهزة الأمنية، التي تصور للرئيس خطورة قرارات إخلاء السبيل، وتحذره من تورط المفرج عنهم في أعمال إرهابية لاحقة، وكأن بقاء هؤلاء في السجون، هو الذي يمنع الإرهاب، ويحول المحبوسين «المظلومين» إلى مواطنين صالحين مسالمين، بينما الحقيقة هي العكس بالضبط، فاجتماع غير المتهمين بالإرهاب مع الإرهابيين في السجون، هو الذي يفاقم المشكلة، ويحول السجون المكتظة إلى مفارخ للإرهاب، وإلى مدارس لإعداد كتائب للانتقام، بينما أغلب المحتجزين بالسجون، لم يدخلوها أصلا بتهمة الشروع في عنف وإرهاب مباشر، بل سيقوا إليها في حملات اعتقال وقبض عشوائية، في مظاهرات أو في مشاريع مظاهرات، وحتى بدون فعل أي شيء من أصله، كما هي أحوال غالب المحتجزين، وفي تصرفات انتقامية من قبل أجهزة أمن بذاتها، تريد التنكيل بشباب الثورة، لمجرد أنهم كذلك، وتلفق لهم التهم المجانية العبثية المتنطعة، من نوع التخطيط لقلب نظام الحكم، أو الجهر بالدفاع عن ثورة 25 يناير، وكأن الثورة تهمة، بينما الدستور نفسه يقوم على أساس من الاعتراف بها، واعتبارها معيارا حاكما للشرعية، وهو ما يجعل أجهزة الأمن ـ إياها ـ هي المتهمة بالانقلاب على الدستور ونظام الحكم، فبدون ثورة يناير وما تلاها إلى هبة 30 يونيو، لم يكن للرئيس السيسي أن يصبح رئيسا، وقد يكون شيئا طيبا، أن يعترف الرئيس بالظلم الواقع على شباب الثورة المحتجزين، لكن الاعتراف وحده لا يكفي، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والمطلوب هو التحرك بسرعة، وإصدار قرارات عاجلة، يملك الرئيس صلاحياتها، وتفضي إلى إخلاء سبيل عشرات الآلاف من المحتجزين، شبابا وشيوخا ونساء، وبغير تمييز سياسي، وطبقا لقاعدة نتصورها صحيحة، وهي التمييز القاطع، ووضع الخطوط الفاصلة الحمراء بين الإرهاب والسياسة، فلا يصح أن يبقى بالسجون، ولا قيد المحاكمات، سوى المتهمين فقط في قضايا عنف وإرهاب مباشر، ومع إلغاء قيود قانون التظاهر المناقضة لنصوص الدستور، وبوسع الرئيس أن يفعلها لو أراد، وبدون احتياج لكثير من الاجتماعات والمشاورات والمناقشات والمناشدات، فقد صارت الخطوة ضرورية جدا لتفكيك احتقان سياسي لا تحتمله ظروف البلد، ولا تحتمل الضمائر الحية وزر بقاء مظالمه، فكلنا مسؤولون عن الظلم الذي حل بعشرات الآلاف من أسر المحتجزين، مسؤولون بالصمت، أو بالغفلة، أو بالخلط المعيب بين الإرهاب والسياسة، أو بتكرار المطالب بدون السعي لتحقيقها، ونتصور أن أي مثقف ـ يستحق الصفة ـ مطالب بالتحرك الآن، وإدارة حملة وطنية منظمة منسقة، تهدف للإفراج الفوري عن غير المتهمين أو المحكوم عليهم في غير قضايا العنف والإرهاب، و»تبييض» السجون، وإخلاء سبيل مصر المظلومة بسجن خيرة شبابها، وصناع ثورتها اليتيمة.
وبالطبع، فنحن لا نطلب إحسانا ولا صدقة، ولا تفضلا من الرئيس والسلطات، فلا قيمة لأي كلام عن حرية الرأي مع احتجاز المختلفين في السجون، واكتظاظ السجون علامة ضعف للنظام السياسي، وليست عنوان قوة، فقد تغري القوة الباطشة أصحابها أحيانا، لكنها لا تضمن لهم ـ بالضرورة ـ سلامة حكم ولا استمرارا في البقاء، خصوصا مع يقظة الرأي العام، والوعي الجديد للمصريين بعد الثورة، فقد يستطيع من يريد استعادة عدة التخويف، أو السعي لاستعادة ما كان قبل الثورة، وكل ذلك جرى ويجري، وفي سياق سلطة مضطربة منشقة على نفسها، تتصور أن تغول القمع قد يفيد، وأن نشر التخويف قد يجدي، لكنها تنسى أو تتناسى عنصرا مهما في الصورة العامة، بل هو الأهم على الإطلاق، وهو أن معادلة التخويف سقطت للأبد، فقد يملك من يريد استعادة عدة التخويف أن يفعلها، وقد فعلوها برغبة جارفة حارقة في الانتقام من الثورة وأهلها وشبابها، ولكن بدون أن يتحقق الهـــــدف، وبدون أن تكتمل معادلة التخويف، ولسبب غاية في البساطة، هو أن الذي كان يخاف مشى، والشعب المصري حطم بالثورة حواجز الخوف، والتاريخ لا يكرر نفسه، حتى إن تراكمت مظاهر وظواهر توحي بالاستعادة والتكرار، فلم يعد بوسع أحد أن يكبل مصر، حتى لو سجن شباب ثورتها، وسامهم سوء العذاب والتنكيل، وبدعوى أننا في حرب ضد الإرهاب، وهذه قولة حق يراد بها الباطل في كثير من الأحيان، فالحلال بين وكذلك الحرام، وحريات الرأي والتعبير والتنظيم والسياسة، مما لا تجوز مصادرته في أي وقت، فتلك حقوق جوهرية للمجتمع، تؤكدها نصوص الدستور، وقبله دماء الشهداء التي سالت في الثورات، وقد لا تكون الحرية ـ بالضرورة ـ ترياقا وعلاجا للإرهاب، لكنها مطلوبة لذاتها، ولضمان شروط تقدم المجتــــمع، وتعزيز إنسانيته وحيويته، وممارسة الحرية هــي التي تصلح الأخطاء، وليس الحجب والمصادرة والكبت والسجن بدعوى التحصين، فهذه أفكار وصاية متخلفة، فوق أنها لم تعد مجدية، أما الإرهاب فقصة أخرى، ومعركة تتطلب تعبئة شعبية طوعية واسعة، تسند عمل أجهزة أمن مقتدرة، وليس أجهزة اعتقال وقبض عشوائي، تفتقد حس الخيال والمبادرة والتوقع المسبق لحركة جماعات الإرهاب، وتفتقر إلى المعلومات الكافية، وإلى التدريب على سرعة وكفاءة التصرف في لحظات المواجهات المفاجئة، وليس إلى الوقوع في «حيص بيص»، والتمادي في التراخي والإهمال والغفلة، وكثرة سقوط الضحايا والشهداء بغير مبرر معقول ولا مقبول، فلا بد من محاسبة الأجهزة عن التقصير الفادح، وبناء عقلية أمنية مختلفة، تختصر زمن المواجهة مع الإرهاب، لا أن توسع من نطاقه بعمليات القبض والاعتقال الأعمى، والاعتماد على كاميرات الصفقات الفاسدة، التي يثبت في كل مرة، أنها عمياء لا ترى، فالفساد في مصر أخطر من الإرهاب، ولا مستقبل للإرهاب في مصر حتى لو تأخرت ساعة النهاية الأكيدة،
والخلاصة ظاهرة، فلا أحد يقلل من ضرورات الحرب ضد الإرهاب، وأول شروط النجاح فيها، معالجة الخيبة والثغرات الأمنية، وهي حرب لا خيار فيها سوى أن تنتصر مصر، وهي ستفعل بإذن الله تعالى، فلديها جيشها الأفضل في المنطقة، ولديها طبيعتها الجغرافية التاريخية الثقافية الفريدة، التي تجعلها عصية على التفكيك إلى أن يرث الله الأرض، لكن حرب الإرهاب لا يصح أن تتحول إلى حرب على الشعب، ولا أن تنتهك حريات السياسة السلمية، ولا أن تبرر قيودا لا لزوم لها، وقد آن للقيد أن ينكسر، وأن يجري إطلاق مسؤول للحريات العامة، وأن يجري التطهير الشامل في أجهزة الدولة، وفي الأجهزة الأمنية بالذات، التي يتصارع بعضها في حروب الاستيلاء على المجال العام، واصطــــناع برلمان وأحزاب وصحف وإذاعات وتلفزيونات ومواقع إلكترونية، وفي تزوير التقارير المتضاربة المعروضة على الرئيس، التي لا تتفق سوى في تحذير الرئيس من شرور الحرية (!)، وفي تخويفه من تلبية نداءات إطلاق سراح المحتجزين في غير تهم العنف والإرهاب، فهذه الأجهزة تريد الوصاية على البلد والشعب، وتريد أن تفرض وصايتها على الرئيس أيضا، وقد يكون مفيدا أن يكسر الرئيس طوق الأجهزة من حوله، وأن يتحاور مع فئات من المثقفين والسياسيين والشباب، وأن يقيم حوارا وطنيا جامعا، يمهــــد لمبادرات تأخــــر أوانها، في مجالات السياسة والاقتصــــاد والأمن، تستجيب لدواعي الغضب الاجتماعي الظاهر، وتعطي الأولوية لتفكيك احتقانات خطرة، على رأسها قضية عشرات الآلاف من المحتجزين في غير تهم العنف والإرهاب، التي لم تعد تحتمل انتظارا ولا تأخيرا مضافا، وليس فيها من رأي يعقل سوى إخلاء سبيل المظلومين فورا، وكخطوة أولى على طريق إخلاء سبيل مصر، وإطلاق سراح طاقاتها الحبيسة.
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
مطلوب من مصر تحت حكم السيسي ان تلعب دورا أمنيا تحت شعار محاربة الأرهاب لخدمة امن اسرائيل والتعاون معها على كافة المستويات كما تثبت التسريبات اليومية، ولكي يتم ذلك لا بد من ممارسة البطش وتكميم الأفواه حتى لا يجرؤ أحد على نقد النظام وهذا هو سر تغول الأجهزة الأمنية وعدم تطبيق العدالة لأنها لا تستقيم مع الدور الذي تلعبة مصر اليوم تحت حكم السيسي.
محمد منصور….فلسطين
كلامك فى الصميم.