القاهرة «القدس العربي» عكست الصحف الصادرة أمس الثلاثاء 8 أكتوبر/تشرين الأول ما يمكن اعتباره بدء النظام تصحيح الأخطاء التي أدت إلى كارثة استشهاد واحد وثلاثين ضابطا وجنديا من الجيش، في كمين كرم القواديس بالشيخ زويد، وهو ما وضح من إرسال قوات النخبة من الصاعقة والتدخل السريع عالية التدريب والتجهيز لمهاجمة الإرهابيين، بدلا من القوات الموجودة هناك، التي لا تتمتع بقدرات وخبرات وتسليح قوات النخبة، والتي يشكل المجندون الجزء الأكبر منها.
وتطبيق خطة التصفية السريعة لمن يقاوم عمليات التفتيش أثناء البحث عنه، وتدمير أي منزل يقيم فيه أو يأوي اليه، وقيام طائرات الأباتشي بضرب أي هدف يتحرك ليلا، بعد تطبيق حظر التجول على المناطق المقرر عليها. وطلب الأهالي من محافظ شمال سيناء والجيش تخفيف ساعات الحظر، بحيث تبدأ من السابعة مساء وحتى السادسة صباحا، بدلا من الخامسة مساء حتى السابعة صباحا.
كما بدأت المحادثات مع الأهالي، الذين سيتم إخلاء منازلهم بعمق ألف وخمسمئة متر من الحدود مع غزة وإسرائيل، وبطول أربعة عشر كيلومترا، ونقلهم إلى مناطق أخرى في المحافظة، وتعويضهم التعويض الذي يرضيهم. وهي مفاوضات تتولاها المخابرات الحربية أساسا الأكثر معرفة وخبرة بهم واتصالا معهم، وحرص الجيش على استمرار تعاونهم معه، ويتم الإعلان دائما عن مقتل المزيد من العناصر التكفيرية وهو الوصف الذي يتم استخدامه.
أما الإجراء الثاني الذي اتخذه النظام، فهو إصدار الرئيس قرارا بقانون بمشاركة الجيش قوات الشرطة في حماية وتأمين المنشآت العامة والحيوية لمدة سنتين، مثل محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقوق البترول وخطوط السكة الحديد والطرق والكباري والممتلكات العامة، وما في حكمها باعتبارها في حكم المنشآت العسكرية، وفي حالة وقوع أي اعتداء عليها، تتم إحالة المعتدين إلى النيابة العسكرية، توطئة لإحالتهم للقضاء العسكري.
والملاحظ هنا الحيطة التي تم اتخاذها حتى يتماشى القانون مع الدستور الذي ينص على محاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعي، وأمام المحاكم العسكرية إذا حدث اعتداء على منشأة عسكرية أو عسكريين أثناء خدمتهم. وتم ترك الباب مفتوحا أمام ضم الجامعات إلى هذه المنشآت في عبارة المرافق والممتلكات العامة وما في حكمها، وهو ما سيظهر لنا واضحا ما إذا تم ضم قوات الجيش لحراسة الجامعات.
ونشرت الصحف عن انفجار قنابل في عدة محولات كهربائية في مدينة العاشر من رمضان، أدت إلى قطع الكهرباء عن بعض المناطق فيها، واستعدادات الشرطة بدء حملة أخرى لتطهير عدد من البؤر الإجرامية، وإعادة رئيس الوزراء توعده للذين استولوا على أراضي للدولة أو خالفوا قانون البناء، بأن عليهم أن يدفعوا ما ستطالبهم به الدولة وإلا.
كما ازدادت ثقة الحكومة في استمرار تحسن الوضع الاقتصادي وزيارة وزير الخزانة الأمريكي ولقائه مع الرئيس، وبدء حملة تطعيم الأطفال ضد شلل الأطفال. والمعروف أن هذه الحملات كانت قد بدأتها حرم الرئيس الأسبق سوزان مبارك، وتم إعلان مصر خالية من هذا المرض. وبدء أعمال الترميم في الجامع الأزهر بالمنحة التي تبرع بها العاهل السعودي الملك عبد الله .
ومن الاخبار الأخرى حكم محكمة جنح المقطم بحبس المطربة شيرين عبد الوهاب ستة أشهر وكفالة خمسمئة جنيه في قضية الاعتداء على جارها الفنان شريف منير وبناته. وإلى شيء من أشياء عندنا….
الطريق إلى المسجد الأقصى
لا يمر عبر دماء وجثامين شهدائنا الأبرار
وإلى أبرز ما نشر عن العملية الإرهابية وبدأه يوم السبت زميلنا الإخواني في «أخبار اليوم» سليمان قناوي بقوله: «من قتل يُقتل هذا هو قانون القصاص الإلهي، ومن أطفأ نور الحياة من عين باتت تحرس في سبيل الله فجزاؤه مضاعف، ومن منع حماة الوطن من الذود عن الأرض والعرض ضد عدو يتربص بنا ليلا ونهارا، فالشيء الوحيد الذي يستحقه هو الإعدام بلا شفقة أو رحمة، «إنما جزاء من يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم» (المائدة 33).
خوارج العصر الحديث قتلة العيون التي لا تغفل ولا تنام عن حماية بوابة مصر الشرقية هم خونة هذا البلد الأمين، الذين يوجهون بارودهم وديناميتهم في الاتجاه الخطأ، فمن يناصر بيت المقدس فليذهب ليحرره، فالطريق إلى المسجد الأقصى لا يمر أبدا عبر دماء وجثامين شهدائنا الأبرار. لك الله يا وطننا المنكوب ببعض أبنائه الذين ضلوا الطريق وأضلوا الناس، لكن الله من ورائهم محيط والله أكبر فوق كيد كل إرهابي».
وهكذا ومن دون أن يقصد تخرج من سليمان بعض العبارات التي تكشف عن تأثره بخالد الذكر وللأمانة فإنه عندما كان يكتب عمودا يوميا في جريدة «الحرية والعدالة» لسان حال حزب الإخوان عندما كانوا في الحكم، كان يبدي في بعضها هذا التعاطف والله أكبر فوق كل إرهابي، تحوير للأغنية التي فيها الله أكبر فوق كيد المعتدي والتي ظهرت أثناء العدوان الثلاثي على مصر هي أمه وأمي عام 1956.
انتقاد السلطة بهدف تصويب أخطائها فرض عين
ومنه إلى «الشروق» عدد يوم السبت أيضا وزميلنا عماد الغزالي وقوله: «كم مرة قال الرئيس السيسي إن مصر تخوض حرب وجود ضد الإرهابيين وإن معركتها مع الإرهاب طويلة وممتدة؟ كم مرة تحدث عن المؤامرة التي تستهدف النيل من الدولة المصرية وتفكيكها وكسر إرادة المصريين وتقويض حلمهم المشروع في التقدم والتنمية؟ ضرورة التكاتف والتآزر والوقوف في مواجهة هذا الخطر المدعوم من قوى إقليمية ودولية، أرجوك راجع خطابات وأحاديث السيسي منذ تولى الرئاسة وحتى اليوم، لتتأكد مما أقول ولتستبين محاولات الرجل الدؤوبة والمتكررة لتنبهنا إلى جسامة الخطر المحدق بنا، الذي يهدد وجودنا في الصميم. وما زال بيننا من يشكك في حجم الخطر ويذهب بعض المتحذلقين إلى الإدعاء بأن السيسي يبالغ في تصوير حجم المؤامرة كي يحكم قبضته على السلطة. ويذهب بعضهم إلى مدى أبعد ويقول لك بكل ثقة «إن كل هذه الجرائم هي من صنع السلطة كي تبرر استبدادها وتكميمها للأفواه». المتمولون من ناشطي السبوبة وهتيفة «يسقط.. يسقط»، وعملاء الجمعيات إياها في بوصلة هؤلاء يعرف طريقها ويوما ما لا أظنه بعيدا سينفضح أمرهم. ما يعنيني في الحقيقة فريق ثالث معي أتوسم فيهم خيرا، وطنيون مخلصون لكن بعضهم أسير أفكار نظرية بعيدة الصلة عما يجري في الواقع، وبعضهم يؤثر دائما أن يبقى على الجانب الآخر متجاهلا أن مساندة السلطة الوطنية ودعمها وانتقادها بهدف تصويب أخطائها فرض عين، خصوصا في هذه المرحلة».
استسهال الإحالة إلى اتهام الخارج
بسبب غياب ثقافة نقد الذات
ونبقى في «الشروق» ولكن عدد يوم الاثنين ومقال الكاتب فهمي هويدي الذي يتناول فيه الموضوع نفسه يقول: «منذ وقعت جريمة قتل ثلاثين جنديا وضابطا في سيناء، ونحن نسمع أصوات المحرضين والمزايدين أكثر من أصوات الباحثين والمحققين. فالأولون لديهم إجابات جاهزة في الموضوع (وفي كل موضوع آخر)، في حين أن الأخيرين يسألون أكثر مما يجيبون ويتأنون في إصدار الأحكام والتقييمات، حتى تتوافر لديهم المعلومات الصحيحة والمقنعة. ولا مفر من الاعتراف بأن حظوظ الأولين أكبر في زماننا. ذلك أنهم رهن الإشارة في كل مناسبة، وحاضرون في مختلف منابر الإعلام وبرامجه في أي وقت، خصوصا أن بعضهم لا يكاد يذكر، أو ترى له صورا إلا في الملمات. كأنما صاروا فريقا متعدد الاختصاصات جاهزا للقيام بالواجب عند اللزوم. الأمر الذي يذكرنا بمكاتب توريد المجموعات المعروفة في المحيط الفني. وهي التي لديها طواقم جاهزة توفر الحشود المطلوبة لأي مشهد، سواء كان حربا أو عرسا أو جنازة أو حتى استعراضا عسكريا….
ما أن وقعت الواقعة يوم الجمعة الماضي، حتى انتشرت المجموعات في مختلف المنابر الإعلامية، وشرع أفرادها في ممارسة التعبئة والتحريض وتوزيع الاتهامات، الأمر الذي دفعني إلى تسجيل ثلاث ملاحظات هي:
*ترددت في تحليلات وتعليقات المتحدثين فكرة مبسطة خلاصتها أن الإرهابيين بالجريمة التي ارتكبوها وبالممارسات الأخرى التي لجأوا إليها إنما أرادوا «إسقاط الدولة المصرية». وهو مصطلح يثير عندي رد فعل سريع يدفعني إلى القول بأن الذين يطلقون هذا الكلام يخطئون مرتين، فهم من ناحية لا يعرفون حجم قوة ورسوخ الدولة المصرية التي تمتد جذورها في عمق البيئة والمجتمع منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، الأمر الذي يوفر لها قدرا هائلا من الثبات يجعلها عصية على الإسقاط الذي يتوهمه أو يروج له هؤلاء. من ناحية ثانية فإنهم يختزلون الدولة في الحكومة وأحيانا في شخص الرئيس (مصر مبارك مثلا) وذلك اختزال مخل لأن الدولة كل والحكومة جزء، والأولى تتكون من الشعب والأرض والمؤسسات، في حين ان الحكومة هي إحدى تلك المؤسسات. وأرجح أن الترويج لفكرة استهداف اسقاط الدولة يمثل مبالغة متعددة للتهويل من شأن الخطر، وتجنب تصنيف الإرهاب باعتباره وسيلة شريرة للصراع ضد الحكومة.
*كان واضحا في خطاب المتحدثين إلحاحهم على الضيق بالديمقراطية والحث على التشدد والقمع بأكثر من دعوتهم إلى محاولة تفهم ملابسات الحدث، الذي تكرر أكثر من مرة. ان شئت فقل إن التعليقات توسلت بالعضلات وليس بالعقل. فمن المتحدثين من دعا إلى إزالة مساكن السيناويين عند الشريط الحدودي باعتبارهم حاضنين للإرهاب ومنهم من دعا إلى إعلان حالة الطوارئ والتوسع في المحاكمات العسكرية مع عدم التدقيق في مسألة حقوق الإنسان. ومنهم من طالب بتأجيل الانتخابات إلى ما بعد القضاء على الإرهاب، ومنهم من تشدد في الابقاء على قانون منع التظاهر وعدم الاستجابة لضغوط سحبه أو تعديله…
الملاحظة الثالثة وثيقة الصلة بالثانية، وخلاصتها أن التحليلات صوبت النظر إلى الخارج بأكثر مما صوبته إلى الداخل. بمعنى أنها انشغلت بما يدبره الآخرون أو يتمنونه، ولم تنشغل، سواء بالتحقيق في ما جرى أو بما كان يتعين علينا أن نفعله للحيلولة دون وقوع ما جرى، وهو نهج في التفكير ليس جديدا، لأن استسهال الإحالة إلى اتهام الخارج (الذي نعرف أنه ليس بريئا دائما) أمر درجنا عليه، في غيبة ثقافة نقد الذات، فضلا عن تراجع قيمة المساءلة في المجال العام…
إنني اتفهم جيدا حساسية الموقف وخصوصية وضع أطرافه، لكنني أزعم أننا إذا لم نستوعب دروس الحدث فسوف ترتكب جريمة أخرى. وستكون الأخيرة أفدح لأنها ستتم في صمت بعيدا عن علم أو رقابة الرأي العام، بما قد يفتح الباب لتكرار ما جرى مرة أخرى».
تطوير الأجهزة الأمنية
أولى خطوات القضاء على الإرهاب
ومن «الشروق» إلى «المصري اليوم» يوم الاثنين ذاته، وزميلنا عماد سيد أحمد الذي صاح بغضب قائلا: «منذ 30 يونيو/حزيران وهناك وصلة نفاق طويلة وممتدة، ليست للنظام ولا للحكومة وإنما للرئيس، لشخص الرئيس، لذات الرئيس، ورغم تعثرنا أكثر من مرة، التي آخرها اغتيال جنودنا في شمال سيناء على هذا النحو المتكرر، فهذه لم تكن الحادثة الأولى، وندعو الله أن تكون الأخيرة، لكن حتى تكون الأخيرة علينا وقبل كل شيء وقف عملية النفاق التي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم.. بلا خجل أو وجل.لماذا؟ وهل النفاق خطير إلى هذه الدرجة؟ وهل وقف النفاق يساعدنا على مواجهة الإرهابيين؟ في 17 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1997، شهد الدير البحري في الأقصر عملية إرهابية بشعة نفذتها جماعة متطرفة، وراح ضحيتها 62 سائحا، وأصيب 26 آخرون.. وكانت هذه العملية بمثابة فضيحة أمام العالم كله، وحينها شعر الرئيس الأسبق مبارك بالحرج الشديد، وحاول أن يجد طريقة يخاطب بها العالم، فألقى باللوم على بريطانيا، بحجة أنها أعطت اللجوء السياسي لبعض قادة التطرف من الجماعات الإسلامية…
ننافق الرئيس اليوم وأمس وغداً عندما نعلق الأخطاء فى رقبة آخرين، مثلما فعل مبارك في أعقاب حادث الأقصر الإرهابي.. وقال إن بريطانيا السبب.
الآن نحن أمام سلسلة من العمليات الإرهابية المتصلة والممتدة من السبعينيات من القرن الماضي حتى الآن. وليس من الممكن مواجهتها إلا إذا تخلينا عن ثقافة ازدواج المعايير أولا.. ثم العمل على تطوير الأجهزة الأمنية التي لم يتطور عملها ودورها منذ أكثر من مئة عام، فمن الصعب أن تظل وزارة مثل الداخلية هي المنوطة بها مهام مثل الإطفاء، وإصدار تراخيص السيارات ووثائق السفر وأوراق إثبات الشخصية، ومسؤولية مدفع رمضان، وما شابه ذلك من مهام لا علاقة لها بالأمن العام. إذا كان الحديث عن إصلاح الأجهزة الأمنية وهيكلتها يعتبره البعض محاولة للنيل من هذه الأجهزة وتلك المؤسسات، فهذا غير صحيح، والاهتمام بها سببه الأساسي أن هذه المؤسسات تمثل العمود الفقري في الدولة المصرية منذ بناها محمد علي باشا بداية عام 1805… ومع تكرار الحوادث الإرهابية على هذا النحو وبالسيناريو نفسه وفي منطقة جغرافية واحدة طوال السنوات الثلاث الماضية، فإن هناك لغزاً لا يمكن فكّه بدون معلومات، ولا أحد يستطيع توفير هذه المعلومات غير الأجهزة المسؤولة، ومن ثم يتضح أنه لا معلومات كافية لديها. الحسم في معركة مع الإرهاب من هذا النوع تأخر كثيراً، لكن كيف يكون الحسم بغير توافر المعلومات، وكيف تتوافر المعلومات بغير مؤسسات متطورة تنافس نظيرتها في العالم كله؟!».
هل تنضم مذبحة «كرم القواديس»
إلى ملف الأحداث الغامضة؟
أما زميلنا رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «البوابة» الأسبوعية المستقلة التي تصدر كل يوم اثنين محمد الباز فقد وجه رسالة للرئيس اشتملت على انتقادات عديدة قال فيها:
«سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد التحية «فوضناك»، اليوم لا يملك ملايين المصريين إلا هذه الكلمة مرة أخرى يقولونها لأنهم لا يملكون غيرها لقد أصبحنا جميعا على المحك بعد أن فوضناك، لم نتركك وحدك. وقف المصريون جميعا إلى جوارك، قبلوا كل الإجراءات التي قمت بها، وهم في غاية الرضا. لم يعترض أحد، حتى الذين تبرموا لم يعلنوا عن تبرمهم، فقد عرفوا أن البلد في حالة حرب، لكنهم يغضبون من شعورهم بأن هناك تقصيرا من أي جهة من الجهات، لم يكن ما جري في كمين كرم القواديس عملية إرهابية، كما قلت يا سيادة الرئيس، نصدقك تماما كانت عملية قتال وقف وراءها دعم خارجي تم تنفيذها باحتراف، فما الذي تم لمواجهة مثل هذه العمليات؟ لماذا لم تعلن عن التحقيق في ما جري؟ بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان واضحا، نعم قال نصا: «كما تم تكليف لجنة من كبار قادة القوات المسلحة لدراسة ملابسات الأحداث الإرهابية الأخيرة بسيناء واستخلاص الدروس المستفادة». نريد أن نعرف على وجه التحديد هل هناك تقصير في الأمر؟ هل هناك خيانة؟ فمن باعوا أنفسهم للشيطان ولا يزالون يعملون في صفوفنا، أم أن الأمر كان مباغتا للدرجة التي لم يكن لأحد أن يدفع ما جرى؟ لا نزال سيادة الرئيس لا نعرف شيئا على وجه التحديد عما جرى في رفح الأولى ورفح الثانية، فهل تنضم مذبحة «كرم القواديس» إلى ملف الأحداث الغامضة؟ حقق في الأمر بنفسك فإذا ما ثبت تقصير فلابد من محاسبة، ونحن نعرف أنك لا تحابي أحدا، وإذا وجدت خيانة فطهر صفوفنا ممن طعنوا هذا الوطن في ظهره، وأنت تفعل ذلك تذكر أن وراءك شعب لن تنتصر إلا به، فضعه في اعتبارك ولا تجعل من حولك يفسدون ما تحلم به وله تخطط» .
هل تسلم «حماس» مسؤولية
الحدود مع مصر للسلطة الفلسطينية؟
وكلام الباز عن وجود خونة وخيانة خطير لأنه يتخطى تهمة الإهمال والتسيب، لكن زميلنا في «الأهرام» أشرف أبو الهول ألقى في اليوم نفسه بالتهمة على حركة «حماس» بقوله: «لا يمكن لحماس أن تتنصل من مسؤوليتها في ما يتعلق بعمل الأنفاق، لأنها ما زالت تسيطر فعليا على القطاع، رغم السيطرة الأسمية لحكومة الدكتور رامي الحمد الله حيث لا يوجد شرطي واحد في القطاع، فلم يتم حتى هذه اللحظة تنفيذ الاتفاق الخاص بتولي حرس الرئاسة الفلسطينية مسؤولية إدارتها. ودليل الإدانة الثاني ضد حماس يتمثل في استخدام الإرهابيين في سيناء التكتيك نفسه والوسائل القتالية نفسها التي يستخدمها مقاتلو الحركة ضد إسرائيل، وهو لا يمكن أن يتم بالمصادفة. ومع ذلك فإن حماس تستطيع أن تبرئ نفسها إذا سلمت كامل المسؤولية عن الحدود مع مصر، بما فيها معبر رفح للسلطة الفلسطينية، وقامت قبلها بهدم جميع الأنفاق على الجانب الفلسطيني من الحدود».
الصدام بين أي نظام والصحافة نذير شؤم له
وإلى المعارك الدائرة من مدة ولا تزال حول الإعلام من برامج تلفزيونية وصحافة والمخاوف التي أبداها البعض من وجود تدخل متزايد من النظام ضد القنوات الفضائية والصحف الخاصة للتضييق عليها ومنعها من مهاجمة النظام والرئيس، بما يهدد حرية الصحافة والإعلام ويتناقض مع الدستور، وعودة إلى فرض الرأي الواحد، ويستدلون على ذلك بقيام عدد من أصحاب الصحف الخاصة بالتوقف عن نشر مقالات لعدد من الكتاب خوفا من غضب النظام عليهم، وما حدث من قطع البث عن بعض حلقات في برامج تقدمها بعض المحطات التلفزيونية الخاصة. وأيضا استدعاء عدد من الصحافيين لسؤالهم بواسطة النيابة العامة، وهو ما يرد عليه آخرون ويكذبونه ويقولون إن ما حدث في الصحف في ثلاث حالات من وقف نشر بعض المقالات للبعض يعود إلى مشاكلهم مع هذه الصحف، التي رأت أن بعض مقالاتهم ستعرضها لمشاكل قانونية لا سياسية، بالإضافة إلى أنها لا تريد أن تكون ساحة لتصفية حسابات سياسية، وهو ما أدى إلى امتناع بعض من تم إيقاف مقالات لهم لعدم الاستمرار، والدليل أنها مستمرة في نشر عشرات المقالات لكتاب وصحافيين آخرين لا يهاجمون النظام فقط وإنما الرئيس السيسي نفسه، وكلها تتم طباعتها في مطابع المؤسسات الصحافية الحكومية وتوزيعها في الأسواق بواسطتها. كما أن الصحف القومية نفسها لا تكف عن مهاجمة الحكومة والنظام، بل أن بعض الإجراءات التي أقدمت عليها بعض الفضائيات مؤخرا طالت مقدمي برامج أيدوا النظام والرئيس، والنظام ليس مسؤولا عن الهجمات التي يشنها البعض ضد صحف معينة أو مقدمي برامج محددين، لأنها معارك خاصة بهم أو تصفية حسابات بينهم. وانتماء بعضهم لأحزاب أو قوى لا علاقة للنظام بها، حتى وأن أيدته. والنظام يحاول إرضاء الجميع وعدم إقحامه في هذه الخصومات أو استغلال بعض المشاكل والحوادث العادية لتحويلها إلى كوارث في بعض البرامج الفضائية، لجذب المزيد من المشاهدين، وبالتالي حصيلة الإعلانات، كما أن عرض هذه المشاكل يكشف عن عدم المعرفة بها وهو ما صرح به خلال الأيام الماضية ثلاثة وزراء على الأقل.
وعموما هناك مشكلة أو أزمة أو تخوف وتوجس، سمها ما شئت، من جانب قطاع من الإعلاميين والصحافيين، وشكوى أو شكوك من جانب النظام في بعض التصرفات، لكن الذي نؤكده أن أحدا كائنا من كان لن يستطيع الرجوع بالبلاد إلى الوراء في مجال الحريات، لأن الصدام بين أي نظام والصحافة هو نذير شؤم له ومعركة سوف يخسرها بالتأكيد ولن يفلت من نتائج عواقبها.
كما أن الرئيس يتمتع بشعبية كبيرة لا يريد أن يخسرها، ويبدو وكأنه يستنكر للإعلام الذي سانده، خاصة أن أمامه معارك قاسية تأتي على رأسها الأزمة الاقتصادية وضرورة تجاوزها بأي طريق وبرضا الغالبية، بينما الإرهاب أخف هذه المعارك والقضاء عليه مضمون، ولهذا فإنه يسارع بمحاولة حل أي أزمة تنشب مع الإعلام والصحافة، مثلما تراجعت الحكومة أمام تهديدات نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للصحافة بعد البيان العنيف الذي صدر عنهما ضدها بسبب تجاهلها لهما في تشكيل اللجنة التي ستضع ميثاق العمل الإعلامي، فسارع رئيس الوزراء بالاجتماع بنقيب الصحافيين ورئيس المجلس الأعلى للصحافة وتراجع عن قراره.
كما تعرض النظام إلى حملة من الصحف القومية تتهمه بتجاهل مشاكلها المالية وتعرضها للتصفية وعدم دعمها والسكوت عن تلقي الإعلام الخاص دعما من رجال أعمال نظام مبارك، ومن دول أجنبية، مما دفع رئيس الوزراء إلى الطلب من وزير المالية بحث حل أزمات هذه المؤسسات، بل أن النظام نفسه يتعرض لاتهامات حتى من بعض مناصريه بأنه يسير في طريق يخدم السياسات التي كانت موجودة أيام مبارك ومناصرون آخرون يتهمونه بأنه يعود بمصر إلى عهد عبد الناصر، ومكن الناصريين من السيطرة على الإعلام الرسمي وعلى مفاصل الدولة.
وهناك اتهامات أخرى بأنه يقرب إليه صحافيين وكتابا يتحدثون باسمه. أيضا نشأت حساسيات أخرى فبعد أن قامت مؤسسة أخبار اليوم بتنظيم مؤتمر اقتصادي، حضره السيسي، غضبت «الأهرام» فطلب منها السيسي تنظيم مؤتمر عن الشباب، وعندما تعرضت صحيفة «الشروق» اليومية الخاصة إلى حملات بأنها وصاحبها رجل الأعمال إبراهيم المعلم تناصر الإخوان، طلب الرئيس من رئيس تحريرها التنفيذي زميلنا وصديقنا عماد الدين حسين تنظيم مؤتمر للحوار السياسي. باختصار هناك حالة دوار أصابت النظام من الإعلام والصحافة.
الإعلام الصوت السياسي الأسرع
والأقرب إلى المواطن العادي
ثم ننتقل إلى بعض ردود الأفعال ومنها قول زميلنا جمال سلطان رئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة «المصريون» الأسبوعية التي تصدر كل أحد وتطبع في الأهرام ويقوم بتوزيعها: «يلاحظ أن انزعاج السيسي يوجه بالأساس لإعلام وصحافة وقفت معه ودعمته بكل قوة، وإلى آخر مدى. أي سلطة في أي دولة تنظر دائما بقلق وكراهية وغضب وتوجس تجاه الإعلام، لأنه بطبيعته قوة تنوير وكشف وفضح للسلبيات، كما أنه الصوت السياسي الأقصر والأسرع والأقرب إلى المواطن العادي والتأثير فيه. ولذلك أتصور أن التحرش بين السلطة في مصر الآن وبين الإعلام ربما تتفاقم ملامحه في الفترات المقبلة، وتزداد الجرأة على النقد بعد أن تخف فزاعة الإخوان ويستهلك استخدامها في الإعلام الأمني، لأن الأمر الذي ربما يغيب عن خاطر السيسي أن الإعلام لا يمكنه إقناع الناس بصفة دائمة بواقع لا يراه. أعتقد أن نقد السيسي المتكرر للإعلام هو مجرد تنفيس عن قلق يشعر به.. قلق من أدرك متأخرا أن الحمل «أثقل كثيرا مما كان يتخيل»، وأن تسعين مليون مصري يصعب إقناعهم بمجرد الكلام الحلو. إن عملية الإطاحة بنظام سابق ربما كانت أسهل كثيرا من تحمل مسؤولية بناء نظام جديد».
دولة الإعلام خارج سيطرة دولة السياسة
وفي اليوم نفسه الأحد شن زميلنا في «الوفد» كامل عبد الفتاح هجوما في اتجاه آخر جاء فيه: «في تصوري أن ما وقع على مصر من أذى وما تتعرض له من مخاطر بسبب حالة الغباء والتخلف والعنف الإخوانية ليست أقل خطرا مما تتعرض له على يد جماعة الإعلاميين، الذين تركوا مصر في غرفة الإنعاش تعاني من ذبحة اقتصادية وتعليمية وثقافية بسبب تضخم الشرايين السكانية وانتشار فيروس الإسلام السياسي وتلوث الدم بالفساد. تركوا كل ذلك وتفرغوا لإغراق الناس في الجدل حول هل ما حدث في يناير/كانون الثاني ثورة أم مؤامرة، وهل شباب يناير ثوار أم نحانيح؟ تفرغ أعضاء الجماعة الإعلامية، خاصة مشاهير الغفلة منهم لشد الناس باتجاه مستنقع الإقصاء والتطرف وعدم قبول الآخر والصراع المذهبي، من خلال طرح موضوعات أقل ما توصف به أنها تنم عن جهل وتخلف هؤلاء الذين يطلون على جمهور المصريين كل ليلة بألسنتهم المسممة وطلتهم المموجة وكل صباح بأقلامهم الصدئة وأفكارهم الفارغة. لأن الإعلام بعد يناير 2011 أصبح سوقا رائجة لنخاسة الذمم، التي تدر على أصحابها أموالا طائلة من الداخل ومن الخارج، فإن الدولة عاجزة عن التنظيم وعاجزة عن تسمية الأشياء بأسمائها في ما يتعلق بالمشهد الذي لم يعد إعلاميا وإنما أصبح «دولة إعلام موازية في وجودها للدولة بمفهومها السياسي، دولة الإعلام خارج سيطرة دولة السياسة والإدارة رغم تحالفهما المؤقت».
الرئيس وحرية الصحافة
أما زميلنا وصديقنا في «الأهرام» نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد فقال يوم الاثنين في عموده اليومي ـ نقطة نور: «لا أعرف خطرا حالا يحدق بحرية الرأي والتعبير ويتربص بحرية الصحافة، ويهدد أمن الصحافيين وحرياتهم، وينذر بمرحلة قادمة من السيطرة وتكميم الأفواه، تبرر موجة التخوفات التي تسيطر على عدد من كتاب الصحف المستقلة، الذين يمتشقون سيوفهم ويحذرون الحكم من مغبة النكوص إلى الوراء بحجة أن الرئيس السيسي يكثر الحديث عن وحدة الصف ويطالب الإعلام بالمزيد من الحذر والتدقيق المهني والامتناع عن السب والقذف وتفهم الظروف الدولية والإقليمية التي تحيط بمصر.
ولا بأس هذه المرة من الحذر حفاظا على حرية الصحافة والرأي، لكن ثمة فارقا كبيرا بين التحذير والنصيحة وبين التشكيك الذي يكاد يصل إلى حد الاتهام من دون أدلة حقيقية تثبت لنا أن الحكم يضمر نيات سيئة تجاه حرية الصحافة والرأي» .
حسنين كروم