هل يمكن لنا اليوم الحديث عن مفهوم جديد في القاموس السياسي اسمه «الأرهبة» يتجاوز المفاهيم الكلاسيكية التي حاولت معها الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا وبعض الدول الغربية الأخرى إلصاقها بأعداء مصالحها القومية وخصوم «السلم العالمي»، دولا وتنظيمات وأفرادا ؟ وهل يمكن تناول الموضوع من زاوية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالأزمة السورية ومثيلتها المصرية التي تكاد التحليلات السياسية تجمع على خصوصيتها التاريخية والإقليمية، كون هذه «الأرهبة»، أو إنزال فعل الإرهاب على الطرف المراد، أصبحت نقطة تلاقي المواجهة الأفقية والعمودية بين الأنظمة القائمة وفرقها السياسية ومكوناتها المجتمعية، عمادها القطيعة والإقصاء، ووسيلتها التحريض والتعنيف داخل الوطن الواحد، وبين أفراد الأمة الواحدة ؟ وإذا كانت الرؤية قد اتضحت تقريبا بالنسبة للأزمة السورية التي تحولت من أزمة داخلية محدودة إلى نزاع إقليمي تتصارع فيه المصالح الاستراتيجية بالمنطقة، وأخذ النظام السوري موقعه في الحرب على الجماعات «المارقة» التي صنفها بالإرهابية والعميلة، وشرع في إطلاق هذه الصفة جزافا على كل الخارجين عن الإجماع الوطني، بل وأوحى بإسقاط الجنسية عنهم، والتنكيل بذويهم، والعبث بممتلكاتهم بقوة قانون مكافحة الإرهاب والإرهابيين لسنة 2012، فإن الوضع المتشنج في مصر، والحرب القائمة على جماعة الإخوان المسلمين التي كانت قد وصلت إلى الحكم في لحظة غفلة، جعل مفهوم «الأرهبة» يتضمن معاني تبعثر المفهوم الكلاسيكي لهذه الصفة، وتقترح جوانب جديدة لها علاقة بتبعات الوجه الخفي للإسلام السياسي، وذلك للإمعان في التسفيه والإقصاء، ونشر مظاهر وسلوك الحقد والكراهية والرفض بين أوساط النخب وعموم المواطنين، حتى تتلاقى الآلة الحربية للدولة والنزعة الانتقامية لمؤسساتها مع حجارة الشعب في دك ورجم أفراد الجماعة التي اختطفت ثورة 25 كانون الثاني/يناير، وفتحت معبر رفح، فإن سلطة الجيش التي تلاقت مع غضب الشارع الذي أججته هذه القوى، مدعومة ببقايا طابور النظام السابق وإعلامييه، جعل الحكم يعود سريعا إلى الدولة المدنية بقلب عسكري، والتي كتبت دستورا جديدا مخالفا لدستور محمد مرسي، ونصبت رئيسا جديدا برأس عسكري وبدلة مدنية، وأطلقت مشروع حفر قناة السويس الجديدة عن طريق طرح شهادات استثمار لتحريك انتباه حزب الكنبة، وطوت صفحة محرقة رابعة والنهضة وسيارة ترحيلات أبو زعبل، ثم انخرطت في الحرب الدولية على الإرهاب من خلال إعلان الحرب المفتوحة والمحصورة على جماعة الإخوان المسلمين ومسانديهم بقطر وتركيا وحركة حماس.
وقد عمل النظام القائم في مصر على بلورة ترسانة مفهومه القانوني والميداني للإرهاب من خلال حصر ذلك على «أرهبة» الجماعة ببلاغه التاريخي ليوم 25 كانون الأول/ديسمبر 2013 القاضي بطي صفحة جماعة الإخوان المسلمين التي يزيد عمر وجودها عن 85 سنة، وإعلانها تنظيما إرهابيا تطبق عليه بنود مكافحة الإرهاب التي أضيفت إلى قانون العقوبات المصري لسنة 1992، بل وجند كل مكونات الدولة من مؤسسات دستورية وحكومية وإعلامية وحزبية وقضائية وأمنية وعسكرية ومجتمع مدني لقطع أوصال هذا التنظيم الذي ينحدر أبناؤه من نهر النيل، ومحاكمة قيادييه وأعضائه، وملاحقة مناصريه وأتباعه، والتمثيل برموزه وتاريخه عبر مختلف وسائل الإعلام كأي وباء قاتل يجب اجتثاثه من منابعه.
وهذه الحملة غير المسبوقة في تاريخ مصر الحديث، التي يتقاسم أدوارها اليوم الفاعل والمنخرط والمساند والمتفرج بكل بقاع مصر، ألغت كل احتمال للحوار أو التفاوض أو المصالحة، وأحلت محله القطيعة والحرب الدائمة والتجييش، مستغلة اللحظة التاريخية التي أصبحت تقدم الإسلام السياسي كفزاعة ترعب المواطن البسيط الذي يريد أن يأكل ويشرب ويقضي حاجاته الأساسية بسلام.
ولقد أغفل القائمون على هذه الحملة أن «أرهبة « وشيطنة هذا التنظيم على مستوى الدولة والمجتمع هو في الأساس والعمق صناعة جديدة لإرهاب جديد ومنظم، يملك الآليات الحربية والقمعية لتفجير وتدمير الطرف الثاني، وتناسوا أنهم بهذا السلوك الانتقامي يهيئون التربة الخصبة لغرس بذور الإرهاب المضاد والأعمى، والذي سوف لا يفرق بين رئيس دولة أو حكومة أو قائد حزب أو عسكري، وبين شيخ أو امرأة أو طفل أو مسجد أو كنيسة.
ولعل في انفجار الذي راح ضحيته ضابطا شرطة برتبة مقدم وإصابة سبعة آخرين قرب مبنى وزارة الخارجية المصرية، وإعلان جماعة «أجناد مصر» مسؤوليتها الكاملة عنه، أولى مؤشرات الإرهاب المضاد، وبداية عاصفة «القصاص حياة» كما جاء في بيان هذه الجماعة، وإطلاق حرب الشوارع الاستنزافية المنتظرة، الشيء الذي يستدعي التعجيل بإنقاذ مصر من المغرمين بحب مصر حتى العمى، والمتشددين الذين لا يحسنون سوى لغة الإقصاء، والنزول معا إلى ساحة ميدان التحرير.
حسن كاوز ـ كاتب من المغرب
ارهاب الدولة أخطر بألف مرة من ارهاب الجماعه
فلولا ارهاب الدولة ما ظهر ارهاب الجماعه
ارهاب الجماعة هو ردة فعل عن ارهاب الدولة
ولا حول ولا قوة الا بالله