غزة ـ «القدس العربي»: في محاولة للهروب من المسؤولية المباشرة عن تردي الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، ووصولها إلى مرحلة «الانهيار»، بسبب الحصار المفروض علىه منذ 11 عاما، كشف النقاب عن وضع إسرائيل خطة جديدة، تشمل إقامة مشاريع إعادة إعمار وبنى تحتية، من أجل «إنعاش» القطاع، في الوقت الذي حمل فيه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان إسرائيل، مسؤولية تردي الوضع في غزة، الذي يمثل شكلا من أنواع «العقاب الجماعي».
حيثيات الخطة الإسرائيلية الجديدة كشفتها صحيفة «هآرتس» العبرية، وتأتي في سياق تخفيف الضغط الدولي على تل أبيب، بسبب حصارها المشدد على قطاع غزة، وعقب الإنذارات التي تلقتها الحكومة من المستوى العسكري والأمني، بإمكانية «انفجار» الوضع في أي وقت، مع زيادة نسب الفقر وتفشي البطالة.
وحسب ما جرى كشفه، فإن الخطة ستقدمها إسرائيل لمؤتمر المانحين الذي بدأ أمس أعماله في العاصمة البلجيكية بروكسل، من أجل الحصول على تمويل دولي، وتشمل بناء محطات تحلية للمياه، وتوليد للكهرباء، وإنشاء خطوط للغاز، وتطوير المنطقة الصناعية «إيرز». وهي خطة يقوم أساسها على التهرب الإسرائيلي من مسؤوليتها عن تدمير اقتصاد غزة، وستطلب عبر ممثلها في الاجتماع من المجتمع الدولي أن يتجند لتمويل الخطة التي تقدمها، والبالغة تكلفتها نحو مليار دولار أمريكي.
وسيقتصر دور إسرائيل على تقديم أوراق الخطة للمانحين من دون تمويل المشاريع، وتبدي اهتمامها بالمساهمة بالمعرفة والتكنولوجيا للمشاريع، من دون أن تدفع فلسا واحدا، وستبدي حسب المزاعم «ليونة» في إدخال مواد البناء.
وقالت حركة حماس في ردها على الخطة، إن إسرائيل هي من تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في غزة. وأكد المتحدث باسم الحركة حازم قاسم لـ «القدس العربي»، أن سلطات الاحتلال تحاول من خلال الخطة الظهور بمظهر «الحريص» على غزة، بهدف التهرب من «جريمة الحصار الكبرى»، وما ألحقته من أثار أدت إلى تردي الأوضاع الإنسانية بشكل كبير.
وأشار قاسم إلى أن إسرائيل تواصل خرق القانون الدولي الإنساني، من خلال حصار غزة، مشددا على أن الوضع القائم في قطاع غزة «لم يعد يحتمل».
ويحضر المؤتمر مسؤولون كبار من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وممثلين عن الحكومة الأمريكية. وهو أول اجتماع يضم هذه الأطراف، منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، والقرار الفلسطيني بوقف الاتصالات مع الإدارة الأمريكية.
ويمثل السلطة الفلسطينية رئيس الحكومة الدكتور رامي الحمد الله، ويمثل الجانب الإسرائيلي وزير التعاون الإقليمي تساحي هنغبي، الذي سيتولى تقديم الخطة، ومنسق الحكومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة الجنرال يوآف مردخاي، وعن الإدارة الأمريكية مبعوثها لمنطقة الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، إضافة إلى وزراء خارجية مصر والأردن والمغرب وممثلين كبار عن دول غربية.
ويعقد هذا المؤتمر عقب التهديد الأمريكي بتقليص الدعم المالي المقدم للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وفي ظل تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، بمبادرة من وزير خارجية النرويج، التي تترأس بلاده حاليا «منتدى المانحين»، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني.
وكان هنغبي قد روج قبل بدء اجتماع المانحين قد روج لهذه الخطة، من خلال التملص من مسؤولية ما آلت إليه أوضاع غزة السيئة، وحمل السلطة الفلسطينية وحماس المسؤولية، من خلال العمل على تأليب الرأي العام الفلسطيني عليهما، وهو أمر أيضا كرره المبعوث الأمريكي للمنطقة، حين شن هجوما مماثلا على حركة حماس، في مشهد أظهر حجم التنسيق الكبير بين الطرفين.يشار إلى أن المبادرة الإسرائيلية تأتي عقب تحذيرات أطلقها مسؤولون أمنيون وعسكريون في تل أبيب، وصلت مؤخرا للمستوى السياسي، حذروا خلاها من حدوث انهيار في اقتصاد القطاع، مستدلين بذلك إلى ضعف عملية استيراد البضائع لغزة، التي انخفضت للنصف تقريبا. وبما يدلل على ذلك، حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، من فشلٍ كامل لكل الأنظمة في قطاع غزة، مع انهيار كامل للاقتصاد والخدمات الاجتماعية بما يترتب على ذلك من «آثار سياسية وإنسانية وأمنية». وقال في مؤتمر عقد في تل أبيب أول من أمس إن قطاع غزة المحاصر بات على شفير «انهيار كامل».
ورفضا للوضع الحالي تتواصل في هذه الأوقات الاحتجاجات الشعبية والفصائلية، خاصة وأن تجمع المؤسسات الإغاثية أعلن قبل أيام قطاع غزة «منطقة منكوبة إنسانيا»، وأطلق «نداءً أخيرا» لكل المؤسسات الدولية والعربية والإسلامية للتحرك العاجل، لإنقاذ حياة السكان، ورفع الحصار الإسرائيلي.
وبسبب الآثار الكارثية للحصار الإسرائيلي ارتفعت نسبة البطالة لـ %46، فيما قفزت نسبة الفقر إلى %65، في حين ينعدم الأمن الغذائي عند %50 من أسر القطاع، ويعتمد 80 % من السكان على المساعدات الخارجية لتدبير أمور أسرهم، وفي حال استمرت الأزمة، فإن نسب الفقر والبطالة سترتفع بشكل أكبر بكثير من هذه الأرقام، وسيتضاعف الأمر أيضا حال أقدمت «الأونروا» على تقليص خدماتها المقدمة لـ 5.3 مليون لاجئ بسبب نقص التمويل الأمريكي المتعمد.
وأمس أطلق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حملة جديدة للفت أنظار العالم حول ما يحصل في غزة، بسبب الحصار المفروض، الذي تسبب بأزمات إنسانية متكررة. وأكد المرصد أن إسرائيل هي من تتحمل مسؤولية حماية شؤون السكان المدنيين، وحملها مسؤولية انتهاك القانون الدولي بسبب الحصار الذي يمثل أحد أشكال «العقاب الجماعي».
وأكد في تصريح وصلت «القدس العربي» نسخة منه، على ضرورة رفع الحصار المشدد عن غزة، وأن يكون ضمن أولويات المجتمع الدولي، لإنهاء الوضع اللاإنساني الذي يعاني منه السكان، ليتمكنوا من السفر والتجارة بشكل حر، مطالبا بميناء بحري لوضع حد للمعاناة.
وأوردت الحملة الجديدة أرقاما أظهرت حجم المأساة، وقالت إن 97 %من مياه القطاع غير صالحة للاستخدام، وأن 45 %من الأدوية نفدت من مخازن الصحة، في حين بلغت نسبة العجز في المستلزمات الطبية %28، وأن %50 من أطفال غزة يحتاجون دعما نفسيا.
أشرف الهور: