الناصرة ـ «القدس العربي»: تستعد إسرائيل بترقب وقلق وبمزاج انفعالي متوتر التطورات الدبلوماسية في الأمم المتحدة وفي الحلبة الأوروبية، اليوم الاربعاء، وسط تهديدات بأنها سترفض أي قرار باتجاه إنهاء احتلالها الذي يصبر عليه العالم منذ خمسة عقود تقريبا، معتبرة ذلك إملاء مرفوضا.
وبعدما التقى رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في روما، أول من أمس، لإقناعه باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد المشروع الفلسطيني في مجلس الأمن، واصلت إسرائيل مساعيها غير المعلنة بالأساس لإحباط المبادرة الفلسطينية لإنهاء احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة وإنشاء دولة فلسطينية في غضون عامين ومن طرف واحد من خلال مبادرة للأردن تطرح في مجلس الأمن اليوم الأربعاء أو بعد أيام. وتجلى هذا القلق بتجند رئيس إسرائيل السابق شيمعون بيريز للضغط على فرنسا، كي تلين موقفها وتوافق على تأجيل مبادرة الاعتراف بدولة فلسطينية إلى ما بعد انتخاباتها العامة في آذار/ مارس المقبل.
ووفق تسريبات صحافية صعدت إسرائيل أمس جهودها الحثيثة لحرمان السلطة الفلسطينية من الحصول على العدد المطلوب لطرح المبادرة في مجلس الأمن كي لا تكون واشنطن مضطرة اليوم أو قبل نهاية كانون الأول/ ديسمبر الجاري، لاستخدام الفيتو الذي لا بد منه نتيجة تغير هوية الدول الأعضاء فيه الشهر المقبل. وعلاوة على قلقها من تحديد جدول زمني لنهاية احتلالها تخشى إسرائيل أيضا من تبعات اعتراف البرلمان الأوروبي اليوم بدولة فلسطينية لأن من شأن ذلك تشكيل نموذج لدوله كافة، ولذا فهي تعمل على تعديل نص القرار بحيث يكون أقل ضررا بالنسبة للاحتلال.
وواصلت إسرائيل تهديداتها، مؤكدة عدم التعاون مع قرار أممي يعترف بدولة فلسطينية مستقلة استجابة لمبادرة السلطة الوطنية بالتوجه للأمم المتحدة لانتزاع قرار يحدد جدولا زمنيا لإنهاء الإحتلال منذ عام 1967 وتلوح بالرد على خطوات «أحادية فلسطينية « بالمثل في ما تدعو أوساط في اليسار الصهيوني للاعتراف الإسرائيلي بها.
وكرر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو تأكيداته أن إسرائيل ستتصدى لمحاولات إملاء شروط عليها تمس بأمنها ولا تتناسب مع السلام الحقيقي مثلما تصرفت في الماضي مرة تلو الأخرى. وتابع نتنياهو في بيانه ملوحا بفزاعة «الإرهاب» للتأثير على الموقف الدولي حيال المبادرة الفلسطينية، وقال «وهذه المرة أيضا لن نقبل بأي محاولات لإملاء خطوات أحادية مجدولة زمنيا».
وقال مصدر إسرائيلي لصحيفة «هآرتس» إن نتنياهو طالب كيري باستمرار واشنطن التزام سياستها المنتهجة منذ 47 عاما وفرض الفيتو في مجلس الأمن ضد المشروع الفلسطيني وكذلك المشروع الفرنسي. وتبعه الوزير سلفان شالوم (ليكود) زاعما «أن الخطوة الفلسطينية الأحادية انتهاك فظ لاتفاقات أوسلو مهددا هو الآخر بالرد عليها بالمثل دون أن يفصح عن تفاصيل. وهدد شالوم أيضا في تصريح للإذاعة العامة أول من أمس بأن فوز المبادرة الفلسطينية بدعم دولي يعني أن كل الاتفاقيات السابقة منتهية الصلاحية.
من جانبه صعد وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان اللهجة، وقال أمس إن الدول الأوروبية المتعاونة مع الفلسطينيين والداعمة لدولة فلسطينية مستقلة تقرب عيدان الثقاب المشتعلة من برميل بارود. وفي صفحته على الفيسبوك كرر ليبرمان ما قال من قبله رئيس حكومته نتنياهو الذي شدد على رفضه «الإملاءات» من العالم.
وحمل على الدول الأوروبية واتهمها بالتحرك من منطلق مصالح سياسية واجتماعية داخلية فحسب، تتجلى تبعاتها الضارة في الشرق الأوسط في لهجة تهديد مبطن، زاعما أيضا أن كل محاولة فلسطينية للاستقواء بجهات دولية من أجل فرض حل مرغوب من طرفها ستفضي لتدهور إضافي للوضع الإقليمي وأنها ستمنى بالفشل. ومضى في تهديده هو الآخر بالقول إن خطوات فلسطينية أحادية ستجابه بخطوات جوهرية في الميدان وفي الحلبة الدولية من قبل إسرائيل .
لكن الفارق بينه وبين نتنياهو أن ليبرمان يدعو لتقديم مبادرة إسرائيلية بديلة للمبادرة الفلسطينية بهدف إحراز تسوية مع العالم العربي والفلسطينيين، ربما معتمدا فكرة أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم يشدد ليبرمان على حاجة إسرائيل لتقديم مبادرة منظمة، وذكّر بالخطة التي طرحها مطلع الشهر، القائمة على فكرة تسوية إقليمية شاملة تسوي «المشاكل العالقة» مع العرب والفلسطينيين وفلسطينيي الداخل وتؤمن بقاء إسرائيل دولة يهودية قوية.
ويبدو ليبرمان الذي يشغل وزارة الخارجية منذ خمس سنوات ونيف، اليوم كمن يسعى لتغطية نفسه أمام الشارع الإسرائيلي قبيل قرار أممي هام محتمل يرى ضرورة أن تقود إسرائيل بدلا من أن تقاد.
وهو يعتبر أن فقدان مبادرة إسرائيلية من شأنه دهورة مكانة إسرائيل بالحلبة الدولية ويمس بعلاقاتها مع أصدقائها في العالم الغربي ويحرمها من الثبات على مصالحها الحيوية. ويعتبر ليبرمان الذي يتبنى حزبه « يسرائيل بيتنا» لليهود الروس، منذ تشكيله عام 1999 فكرة ترحيل الفلسطينيين وتبادل السكان مع المستوطنين، أن ما يجري في الأمم المتحدة اليوم هجمة دبلوماسية تنبغي مواجهتها بحكمة وثبات.
ويعبّر ليبرمان عن قلق إسرائيل من الدبلوماسية الفلسطينية باستذكاره أن مشروع القرار في مجلس الأمن ليس الإجراء الفلسطيني الوحيد المناهض لإسرائيل مشيرا إلى استعداد البرلمان الأوروبي للتصويت اليوم الأربعاء على الاقتراح بالاعتراف بدولة فلسطينية ويليه برلمان لوكسيمبورغ.
وكمن يندب حظه، يشير ليبرمان إلى أن محكمة العدل العليا في لوكسيمبورغ ستنظر باقتراح لإخراج حركة حماس من قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. كما يشير لاجتماع قريب للدول الموقعة على ميثاق جنيف الرابع لبحث انتهاكات إسرائيل على خلفية انتهاكاتها العدوانية لحقوق الإنسان وكل هذه بنظر ليبرمان خطوات مدروسة ومخطط لها بهدف دفع إسرائيل نحو أمر واقع».
وديع عواودة