«احجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان، أو قدّمها إليه مشوّهة أو ناقصة، أو محشوة بالدعاية والزيف، إذاً فقد دمرتَ كل جهاز تفكيره، ونزلتَ به إلى ما دون مستوى الإنسان». هذه عبارة لمؤسس صحيفة «نيويورك تايمز» آرثر سالزبورغر، وقد ساقها الكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان في سياق تشريحه لـ«حيونة الإنسان» (وهذا عنوان كتاب من آخر أعماله). تابع كيف تعاطى الإعلام والإعلاميون العرب الممانعون مع صورة الطفل السوري عمران، كيف جرى أولاً «حيونة الإعلام»، كيف صار إعلاماً متوحشاً، قبل أن يتمكّن من صناعة جمهور متوحش.
ففي وقت بكت شاشات الغرب، وصفحات صحفه الأولى صورة عمران، الأيقونة السورية الجديدة، كان الإعلام الممانع في طور إطلاق الأسئلة والتشكيكات حول صحة الصورة، وفي ما إن كانت ممسرحة أم لا. احتاج الطفل إلى «تحليل دم» أولاً، لتحديد انتمائه، وإلى أي حلب ينتمي، لتحديد إمكانية وكمية التعاطف. ما الجريمة والوحشية غير هذا!
إعلاميون مشاريع قتلة
طردت قناة «دويتشه فيليه» صحافياً مصرياً يعمل لديها بسبب تحريضه على إيذاء مواطنته الناشطة السياسية والحقوقية ماهينور المصري. في سوريا، وللحق يحدث أيضاً في قنوات عربية كثيرة (من ينسى مذيعة القذافي التي أشهرت مسدسها على شاشة التلفزيون؟)، تجري ترقية كل من ينادي بالقتل والتحريض على الشعب، فهو الأوفى والأكثر إخلاصاً للديكتاتور، ما من طريقة أخرى لإثبات الولاء.
انظروا كيف رقي في سوريا فنانون ومثقفون كانوا نوعاً من الجرافات أمام المجازر المتنقلة هنا وهناك، دريد لحام، نجدت أنزور، زهير رمضان، توفيق اسكندر، عارف الطويل، جود سعيد، وسواهم كثر. بالمناسبة، معظم هؤلاء وأمثالهم هم من حملة المسدسات، وحدهم من يستطيع الحصول على استثناءات من أجهزة المخابرات.
من لم يرفع مسدساً فقد رفع حذاء، ومن لم يستطع فقد رفع كلاماً من وزن براميل متفجرة.
لن نتمكن من القول إن الإعلام العربي يستحق اسمه إن لم يجر تطهيره من كلام البنادق، أو الكلام البنادق.
مرايا ترامب
ممتع تقرير «سي أن أن» العربية حول التمثال العاري لدونالد ترامب في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية. تحدث التقرير عن خمس نسخ متطابقة من التمثال جرى توزيعها في أنحاء المدينة. أجريت مقابلات مع جمهور جاء يتفحص التمثال ويلتقط صوراً تذكارية، كما سمعنا وشاهدنا صيحات عدم التصديق، والسخرية، والإعجاب بخيال الفنان الذي قدم هذا التصور للمرشح الجمهورية للرئاسة الأمريكية.
لكن التقرير لم يرد أن يصدم مشاهديه على ما يبدو، فصوّر فقط الجزء العلوي من التمثال، رغم أن المصيبة كلها كانت في الجزء السفلي، وفي الأساس حمل التمثال اسم «الإمبراطور لا يملك خصيتين». لم تشأ الكاميرا أن توثق وتوضح أكثر العنوان الذي أعطاه الفنان لتمثاله. سيحتاج المرء لجولة أوسع في الانترنت ليرى صورة أدق للعمل الفني، وليفهم تماماً إلى أي حد بلغت سخرية الأمريكيين من امبراطور محتمل.
لم يكتف الجمهور الأمريكي، جزء منه على الأقل، بأن يقول إن الامبراطور عار وحسب، فهو يبدو وكأنه أصرّ على حمل عدد من المرايا كي يرى الامبراطور الصورة التي يبدو عليها. وقد قدّم النحات جسداً في غاية البشاعة. جسد مترهل، على نحو يثير الاشمئزاز، بعض نواحيه أكبر مما هي في الأصل، وبعضها أصغر أو مختف، بشكل مضحك ومثير للسخرية.
التماثيل أزيلت من المدينة، غير أن أثرها باق في مخيلات الأمريكيين، حيث الصور لن تبرح أبداً فضاءات التواصل الإجتماعي، بعض الصور نقل حطام بعض تماثيل ترامب.
يبدو الأمر مثل خاتمة طغاة مشرقيين، عراة، وجوههم إلى الأرض، سيقانهم محطمة، وأعناقهم مكسورة. يبدو أن ترامب بلغ النهاية حتى قبل أن يخوض الإنتخابات.
لماذا يرفضون الفرح لصيدا؟
ما أن أُعلن انطلاق الدورة الأولى من مهرجان فني في مدينة صيدا الجنوبية اللبنانية (تغني فيه نانسي عجرم) حتى انطلقت حملة ترفض المهرجان تحت اسم «صيدا لن ترقص».
ولأن الجهة التي تقف وراء الحملة مجهولة فإن الظنون تذهب إلى تفسير عبارة «صيدا لن ترقص» باعتبارها رفضاً من أهل المدينة للغناء والرقص والطرب، بأن العبارة ليست سوى نوع من التهديد بأن صيدا لن يسمح لها أن ترقص. هناك من يريد أن يكرس صورة المدينة وأهلها كمعتدين على أي مظهر يرونه خارج الشريعة، وكأن الغناء اعتداء على «كرامة المدينة المسلمة»، حسب تعبير جاء في بيان مجهول المصدر هو الآخر.
أجدى من طاولات الحوار، ومن خطابات السياسيين، أن يقول لبنان كله اليوم: بلى، سترقص صيدا، وتغني، لأن الاحتفال بالفرح والحياة هو جزء من كرامة المدينة أيضاً، تلك المدينة شبه المنسية بالذات.
كاتب من أسرة «القدس العربي»
راشد عيسى
الإعلامي هو كالسياسي الذي ينتمي لحزب معين وإتجاه معين
ولكن هناك إستثناء وهو السياسي الصادق الشريف الذي يصدح بالحق بالرغم من إتجاه حزبه
ولا حول ولا قوة الا بالله